البرنامج النووي الإيراني، شبح يُهيمن على الحياة الجيوسياسية في الشرق الأوسط

البرنامج النووي الإيراني، شبح يُهيمن على الحياة الجيوسياسية في الشرق الأوسط

كان الرد الإيراني الأسبوع الماضي، كما رد الفعل الإسرائيلي محسوباً بما يكفي لتصور تهدئة مؤقتة للتوترات المباشرة، أو حتى توقفاً في منطق التصعيد، إذ ليس لدى أي من الطرفين مصلحة في حرب شاملة اليوم. لكن الرمز سيبقى. ومن خلال ضرب قاعدة جوية في منطقة أصفهان، غير بعيدة عن منشآت نطنز النووية، وهي أحد مراكز البرنامج العسكري الذي يقود الجمهورية الإسلامية بهدوء نحو القنبلة النووية، أظهر الإسرائيليون أنهم قادرون على الوصول إلى الأراضي الإيرانية في عمقها رغم ذلك.

 وبعثت الدولة اليهودية برسالة واضحة: “نحن نرد بطريقة محسوبة، ولكن لا تخطئوا. لقد اخترنا عدم ضرب مواقعكم النووية هذه المرة، لكن كان بإمكاننا القيام بذلك. مواقعكم النووية معرضة للهجمات من جانب طيراننا الذي يمتلك وسائل توجيه ضربات بعيدة المدى لا يمكن لدفاعاتكم المضادة للطائرات اكتشافها»، هكذا علق ديفيد خلفا، المدير المشارك لمرصد شمال ووسط أفريقيا في معهد جان مؤسسة جوريس، على حسابه X إنها الفيل الموجود في الغرفة، الظل الذي يغطي الحياة الجيوسياسية في الشرق الأوسط. مع كل اندلاع للحمى في المنطقة، تفرض القضية النووية الإيرانية نفسها بكل ثقلها، ولكن في تكتم، وغالباً في الخلفية، مثل شبح يتجول تحت الأرض. البرنامج العسكري الإيراني هو في قلب ضبط النفس الذي ساد في طهران منذ بداية الحرب على غزة. وبالعمل من خلال حلفائها ، نجحت إيران في بسط نفوذها في المنطقة من خلال تقديم نفسها على أنها زعيمة «المقاومة» الإسلامية 
  و إعطاء الدفعة الأخيرة لبرنامجها النووي، وهو أحد أهدافها الاستراتيجية الرئيسية. ومن خلال إثارة مواجهة عامة مع إسرائيل، فإنها تخاطر بتدخل الولايات المتحدة ضد منشآتها النووية. ويدور هذا الموضوع أيضاً في أذهان كافة المسؤولين الإسرائيليين، الذين أقسموا في عدة مناسبات على أنهم سيمنعون إيران «بكل الوسائل» من امتلاك الأسلحة النووية. فهم يغذون سيناريوهات الضربات ضد أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. كما أنه بلا شك يزيد من حذر الجيش الإسرائيلي، الذي لا يستطيع القتال على جبهتين في الوقت نفسه . 
وكما كتبت الخبيرة في معهد إيفري، هيلويز فايت: «إن أفضل فرصة لإسرائيل للحد من البرنامج النووي الإيراني هي عدم القيام بأي شيء، لأن إيران تخاطر بالتلاعب بالتهديد لتبرير انتشار الأسلحة النووية». ومن الواضح أن المعركة الصامتة التي دارت بين الجمهورية الإسلامية والقوى الغربية حول القضية النووية طوال عشرين عاماً، قد تحولت في الوقت الراهن لصالح إيران. وعلى الرغم من الجهود المضنية التي بذلها الدبلوماسيون الأوروبيون والأميركيون، فإن الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 مع إيران قد مات، حتى وإن كان المسؤولون الغربيون لا يزالون يزعمون في بعض الأحيان أنه ليس من المستحيل إحياؤه.  لقد أصبح  قشرة فارغة» على حد تعبير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لقد طعنه دونالد ترامب، الذي اعتقد أنه من خلال الانسحاب، يمكنه ممارسة «أقصى قدر من الضغط» على النظام الإيراني لفرض اتفاق جديد أكثر قوة. ثم اكتمل بإعادة إطلاق السباق المحموم لتخصيب اليورانيوم منذ عام 2019 من قبل إيران. إلى حد أن تصبح اليوم «دولة عتبة» نووية، أي أن لديها القدرة التكنولوجية لتصنيع قنبلة بسرعة. وبفضل الحرب في أوكرانيا، أدى التقارب بين روسيا وإيران، التي تزود موسكو بالطائرات بدون طيار، إلى تبديد أي أمل ــ كان ضعيفا بالفعل ــ في استئناف المفاوضات. وكما أوضحت هيلويز فايت في مذكرة لها في إيفري، فإن «روسيا تدافع الآن عن محور «مناهض للإمبريالية» من خلال دعم إيران في مواجهة المطالب الغربية  .
وفي غياب الخطة البديلة، التي تحتكرها الحرب في أوكرانيا، خفضت الدبلوماسية الغربية من أهمية القضية النووية الإيرانية في ترتيب أولوياتها. وحتى الحل النهائي، وهو الحل العسكري، الذي يغري مرة أخرى المسؤولين الإسرائيليين وحتى بعض الجمهوريين الأميركيين، الذين يرون فيه» فرصة» يجب اغتنامها بفضل الحرب في الشرق الأوسط، يبدو وهمياً. 
ووفقاً لمعظم الخبراء، لا تمتلك إسرائيل ما يكفي من القنابل الخارقة للتحصينات والقادرة على الوصول إلى المنشآت النووية المدفونة على عمق كبير، بل وفي بعض الأحيان، كما هو الحال في فوردو، مخبأة تحت الجبل.
 أما الإدارة الأميركية التي أرادت الهروب من أوروبا والشرق الأوسط للتوجه نحو المحيط الهادئ، فلم تبد أي رغبة خاصة في فتح جبهة جديدة مع إيران إلى جانب إسرائيل.
 ومن الممكن أيضاً أن يضمن التقارب الإيراني مع روسيا والصين حصول الجمهورية الإسلامية على تكنولوجيات جديدة  و إجراءات دفاعية من شأنها أن تجعل الهجمات المستقبلية على إيران أكثر صعوبة. وإذا كان من الممكن «شراء الوقت» فيما يتصل بالحصول على القنبلة النووية من خلال ضرب أجهزة الطرد المركزي أو من خلال زيادة أعمال التخريب والاغتيالات المستهدفة، فإن المعرفة النووية الإيرانية لا يمكن الرجوع عنها. بمجرد الحصول عليها، لا يمكن محوها. 
وكما تشير الخبيرة في معهد إيفري، «من الوهم الرهان على تغيير النظام كحل لمشكلة الطاقة النووية... ولست متأكدة من أن الحكومة الجديدة ستكون أكثر ملاءمة للتوصل إلى اتفاق». ولا إلى «التخلي» عن الأسلحة النووية، التي يمكن على العكس من ذلك أن «تحمي وصولها إلى السلطة». والمثال الأخير هو أوكرانيا، التي وافقت في عام 1994 في مذكرة بودابست على التخلص من رؤوسها النووية مقابل ضمانات لأمنها وسلامة أراضيها، والتي بعد نزع سلاحها، وقعت فريسة لروسيا، لا يمكن إلا أن تدعم المسيرة الإيرانية نحو الشرق الأوسط. و مهما كان النظام القائم في طهران ، ومثلما هو الحال في الشرق الأوسط، أصبح الموضوع الآن ضمن المعادلات التي يكاد يكون من المستحيل حلها. ولكن مع عواقب وخيمة على المنطقة. ومن شأن القنبلة النووية الإيرانية أن تضاعف قدرة طهران على زعزعة الاستقرار الإقليمي. ومن المرجح أيضاً أن يؤدي ذلك إلى إعادة إطلاق انتشار الأسلحة النووية، وخاصة في الدول السنية .

 

 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot