رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لتسوية النزاعات والتحديات في العالم عبر الحوار والحلول الدبلوماسية
سجل سيئ لواشنطن في قراءة طهران
«أتلانتيك»: إيران تتلاعب بأمريكا.. ومسرحيات النظام
أعلن المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري الأسبوع الماضي، أنه سيتم تعليق دوريات الإرشاد المعروفة على نطاق واسع باسم شرطة الأخلاق. ماذا هذا التنازل طالما يعلم رجال الدين مثل محاولة الشاه تهدئة المتظاهرين؟ لكنها تعقب كاتبة أن السؤال الأفضل ربما هو “لمن هذا التنازل؟ ومع أن منتظري سارع إلى إضافة أن القضاء سيواصل مراقبة السلوك العام، شكل الإعلان اعترافاً واضحاً بالعبء الذي فرضته الاحتجاجات الحالية على النظام، وفق ما كتبت الشاعرة الأمريكية-الإيرانية رويا حكاكيان في مجلة “ذي أتلانتيك».
هذه عادة
المسؤولين الإيرانيين
أضافت حكاكيان أن كلام منتظري كان ملتبساً على جري عادة كبار المسؤولين الإيرانيين، ولم يوضح ما إذا كان المرشد الأعلى علي خامنئي قد وافق على القرار. كما لم يكشف عما سيحدث للنساء اللواتي يظهرن في الأماكن العامة من دون الحجاب الإلزامي. ومنذ ذلك الحين، نفى التلفزيون الرسمي الحكومي هذا الإعلان. مع ذلك، دعمت تلك الأنباء المحتجين بالرغم من أنهم لا يزالون غير راضين. هم شعروا بالدعم لأن ذلك يمثل انتصاراً صغيراً، لكنهم غير راضين لأن حل دوريات الإرشاد، إذا صح هذا الخبر، هو مجرد بداية بالنسبة إليهم. في مقابلة مع بي بي سي، قال متظاهر لم يذكر اسمه: “الثورة هي ما نملك. كان الحجاب بدايتها، ولا نريد أي شيء أقل من الموت للديكتاتور وتغيير للنظام.” ويدرك النظام هذا.
فرصة الإصلاح
انتهت منذ زمن
أوضحت حكاكيان أن العديد من شيوخ النظام أدركوا منذ فترة طويلة – من خلال مصير النظام السابق في الواقع – أن التنازل للمحتجين يعني الكشف عن نقطة ضعف. في يناير -كانون الثاني 1979، حاول آخر ملك إيراني، الشاه محمد رضا بهلوي، قمع المعارضة التي واجهها من خلال تعيين شهبور بختيار رئيساً للوزراء. كان بختيار إصلاحياً حظي بتقدير كبير من بعض المقربين من روح الله الخميني، الزعيم الفعلي لحركة الإطاحة بالشاه. لكن الخميني رفض الخطوة فوراً واصفاً رئيس الحكومة الجديد وحكومته بغير الشرعيين، وتعهد باستمرار الحركة حتى تفكك الملكية.
يدرك النظام أنه حتى وإن قادراً على الإصلاح فقد فوت عليه فرصة ذلك. كانت الحركة الخضراء سنة 2009 أفضل آخر فرصة للثيوقراطيين. في ذلك الوقت، كان المحتجون يتساءلون “أين صوتي؟” لأنهم تمتعوا حينها بأمل التغيير عبر انتخاب رئيس محتمل، مير حسين موسوي، من بين المرشحين الذين وافق عليهم المرشد الأعلى. لكن الانتخابات المزورة التي أعقبتها حملة قمع عنيفة أثبتت أن النظام كان في غاية التعنت.
ملاحظة أخرى
تدركها طهران
يدرك النظام أيضاً أنه من بين جميع الاحتجاجات التي انتشرت في إيران خلال العقود الأربعة الماضية، هذه الجولة الأخيرة مختلفة جداً. لم تكن أي انتفاضة أخرى منتشرة ومستمرة إلى هذا الحد، كما لم تتحدّ أي منها أساس النظام نفسه. هذه المرة، تبدو إيران أكثر على عتبة ثورة، لأن النظام لا يستطيع إخضاع الساخطين ولا تلبية مطالبهم.
بالرغم من أن النظام قتل أكثر من 400 شخص من شعبه واحتجز نحو 16 ألفاً، لم تُقمع الحركة. بمواجهة فشل القمع، يبدو النظام مقدماً تنازلاً عبر سحب دورية الإرشاد. تطرح حكاكيان سؤالاً: لماذا هذا التنازل طالما يعلم رجال الدين مثل محاولة الشاه تهدئة المتظاهرين؟ لكنها تعقب كاتبة أن السؤال الأفضل ربما هو “لمن هذا التنازل؟».
مسرحيات النظام
داخل إيران، تجاهل المحتجون تلك الأخبار وأطلقوا إضراباً عاماً لثلاثة أيام. أغلقت متاجر وبازارات عدة الأسبوع الماضي تضامناً مع المحتجين. لذلك يجب أن يكون التنازل إشارة إلى العالم الخارجي وفي مقدمته الولايات المتحدة. بالرغم من صخب النظام المناهض للغرب، لطالما عرض الكثير من مسرحياته السياسية للاستهلاك الأمريكي؛ في غياب العلاقات الدبلوماسية، هكذا يحاول النظام توجيه رسالة والتأثير على واشنطن. بالتالي، تتصرف طهران بالطريقة التي تعتقد أن الولايات المتحدة تنظر إلى أحداث الأشهر الثلاثة الماضية.
إضراب شامل
أشارت حكاكيان إلى أنه ومنذ البداية، قلل كثر في واشنطن من جدية وحجم الحركة الاحتجاجية. كانت هناك تظاهرات في كل زاوية إيرانية، وليس فقط في المحافظات التي تضم عدداً كبيراً من الأقليات الإثنية المستاءة مثل بلوشستان وكردستان لكن أيضاً في المدن المحافظة بشكل كبير مثل قم وخمين، المدينة التي ولد فيها الخميني، وحيث أشعل المحتجون حديثاً النيران في منزله السابق. وكما هو متوقع، رفض الأساتذة الجامعيون التدريس ونظم طلابهم اعتصامات، لكن حتى البازاريون الأكثر محافظة أغلقوا أعمالهم مؤخراً تخليداً لذكرى نوفمبر -تشرين الثاني الدموي من سنة 2019 حين قاد الإيرانيون انتفاضة عامة قتلت خلالها شرطة مكافحة الشغب المئات من المتظاهرين.
ما لا تريد أمريكا فهمه
مع ذلك، تابعت حكاكيان، يميل العديد من المسؤولين الأمريكيين وصناع الرأي إلى إبراز دور “النساء والفتيات” في الحركة الحالية، وكأن فرض الزي الإسلامي النسائي هو كل ما كانت التظاهرات بشأنه، حتى بينما هتف المتظاهرون “الموت للديكتاتور!” وإهانات أخرى لا يمكن ترجمتها. وغرد الموفد الأمريكي الخاص للشأن الإيراني روبرت مالي في أكتوبر -تشرين الأول أن الشعب الإيراني “يواصل الاحتجاج سلمياً كي تحترم حكومته كرامته وحقوق الإنسان”، بينما أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس دعم إدارة بايدن لـ”أولئك الإيرانيين الشجعان، من بينهم العديد من النساء والفتيات، الذين يحتجون سلمياً للمطالبة بإصلاحات”. توضح الكاتبة أن المتظاهرين لم يطالبوا بشيء كهذا. شعارهم هو أن قضية الحجاب كانت مجرد شرارة. لقد صرخوا “جوهر النظام هو هدفنا».
آمال الملالي
حسب تقدير طهران، الاستدارة نحو الغرب هي أفضل أمل لها كي تتجاوز الأزمة. والنظام واقع تحت ضغطين شديدين من الداخل والخارج. سيؤسس تصويت حديث في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لجنة خاصة للتحقيق في العنف ضد المحتجين. وأدت خلافات داخل الجيش الإيراني إلى اعتقال 115 عنصراً ساخطاً، وفق وثائق مسربة. وزاد دعم إيران لحرب روسيا في أوكرانيا من توتر علاقات طهران مع الغرب. مع مواجهة وضع متدهور على جبهات كثيرة إلى هذا الحد، يأمل النظام تحسين حظوظه عبر إظهار أنه قادر على التغير. من خلال تخفيف بضعة قيود، تأمل طهران إقناع واشنطن بأنها عالجت مطالب المحتجين كي تتمكن ربما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تليين موقفهما واستئناف المفاوضات.
سجل سيئ لأمريكا
في قراءة إيران
أضافت الكاتبة أن لواشنطن سجلاً طويلاً من سوء قراءة الأحداث في إيران. عشية 1978، وقبل أسابيع فقط على اندلاع تظاهرات شاملة في البلاد، شرب الرئيس جيمي كارتر نخب الشاه وأشاد باستقرار حكمه. واستمرت الولايات المتحدة في هذا التفكير الرغبوي الخاطئ لفترة طويلة من عام الشاه الأخير في الحكم، معولة على قدرته في الاحتفاظ بالسلطة. بالنظر إلى هذه السابقة، قد تكون حسابات طهران داهية. بعد ساعات على إعلان منتظري، رد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على سؤال بشأن حل شرطة الأخلاق عبر الإشادة بشجاعة المحتجين والقول بطريقة ملتبسة إنه “إذا كان النظام قد استجاب الآن بطريقة ما لتلك التظاهرات، فهذا يمكن أن يكون أمراً إيجابياً».
تلاعب ومأساة
طالما أن القادة الأمريكيين يفشلون في إدراك أن الحركة في إيران هي أكثر من تمرد على قواعد لباس تقليدي، فطهران تدرك أنها قادرة على التلاعب بالولايات المتحدة كي لا ترد بالجدية المطلوبة. حسب الكاتبة، كانت مأساة 1979 أن الولايات المتحدة لم تر التغيير الذي سيجعل الحياة في إيران والمنطقة أسوأ بكثير مقبلاً. المأساة في 2022 ستكون في عجز الولايات المتحدة عن رؤية أن التغيير المقبل سيجعل الحياة في إيران وعلى امتداد المنطقة أفضل بكثير.