رئيس الدولة: خلاصة تجربة حياة شخصية وعملية ثرية لقائد ملهم لم يعرف المستحيل
«ارتباك وإنهاك».. هل تموّل أوروبا حرب أوكرانيا بأموال روسيا المجمدة؟
قال خبراء إنّ تمسّك بعض الأطراف الأوروبية بمطلب الاستيلاء على الاحتياط المالي الروسي المجمّد في البنوك الأوروبية لتمويل الحرب الروسية الأوكرانية، يكشف في طياته عن تداعيات خطيرة وآثار سلبية لمسار انخراط الاتحاد الأوروبي الكامل في دعم أوكرانيا، ويميط اللثام عن وصول الاتحاد الأوروبي إلى حافة الإنهاك. وتبلغ الأموال الروسية المجمّدة حوالي 300 مليار يورو، يقع 191 مليار يورو منها في البنوك الأوروبية، وهي عبارة عن الأصول الروسية المملوكة للبنك المركزي الروسي في الخارج. وعلى الرغم من توظيف الاتحاد الأوروبي لفوائد الأصول الروسية المجمّدة في دعم أوكرانيا ضد روسيا، إلا أنّ الدعوات وصلت إلى مستوى استحثاث الاتحاد الأوروبي للاستيلاء على الأصول ذاتها، وهو إجراء مخالف للقانون الدولي الذي يدافع عنه الاتحاد الأوروبي في وجه روسيا، أو هكذا يدّعي ويبني خطابه السياسي والدبلوماسيّ على الأقل.
ورطة كبرى
وبحسب مراقبين في بروكسل، فإنّ هذه الدعوات تعبّر عن حجم الورطة التي تُطوّق النادي الأوروبي، بعد أن بلغت المساعدات المالية الأوروبية مستويات جدّ متقدّمة، وبدأت أصوات التململ من استمرار الاستنزاف المالي للعواصم الأوروبية تهزّ المجالس والاجتماعات الأوروبية رفيعة المستوى. وخلال إحاطتها الأخيرة أمام البرلمان الأوروبي، أشارت الممثلة العليا لشؤون السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، إلى وصول المساعدات العسكرية لأوكرانيا مستوى قياسيا.
وقالت كالاس في خطاب أمام البرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ الفرنسية: «قدَّم الاتحاد الأوروبي ودولنا الأعضاء فيه ما يقرب من 169 مليار يورو (198.7 مليار دولار) من الدعم المالي منذ بدء الحرب الشاملة في عام 2022». مضيفة: «يشمل ذلك المبلغ أكثر من 63 مليار يورو من الدعم العسكري لأوكرانيا».
ويمثل هذا الرقم (أي قرابة 200 مليار دولار) مبلغًا ضخمًا في ظلّ الأزمات الاقتصادية التي تعصف بدول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا التي تعيش على وقع أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية حادّة. ويعرف اقتصادها حالة من الضعف والهوان الكبيرين، كان من أبرز نتائجها الفشل الذريع في التصويت على ميزانية 2025 وعدم التوافق حتى الآن على موازنة 2026، وسقوط 3 حكومات، فيما بلغت المديونية والتضخم مستوى خطيرا قد يجعل من السيناريو اليوناني احتمالا قائما بقوة. وفي تقريره الدوري عن الحرب في أوكرانيا، يشير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أنّ المساعدات العسكرية الأوروبية تغطي عدّة جوانب، من بينها توفير المعدات العسكرية وتدريب الجنود الأوكرانيين، ودعم صناعة الدفاع في أوكرانيا، مع التزامات أمنية أخرى لم يُسمّها. ومن شأن حزمة المساعدات الأوروبية أن تزيد من وتيرة تدفقها على أوكرانيا في ظلّ تعليق الولايات المتحدة الأمريكية مساعداتها العسكرية لكييف ودعوتها لاشترائها بالمال الأوكراني، وفي ظلّ استمرار الحرب التي لا توجد أي مؤشرات حقيقية على نهايتها الوشيكة بعد فشل محادثات السلام كافة وتواصل الهوة الواسعة بين وجهتي نظر الطرفين المتصارعين.
ترامب يزيد من المأزق الأوروبي
وقد زادت إدارة ترامب طين الاتحاد الأوروبي بلّة، بعد قرارها تعليق المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، ومن ثم الانقلاب الكامل على سياسات إدارة جو بايدن، وعقب دعوتها الدول الأوروبية إلى رفع مساهمتها المالية في الحلف الأطلسي بنسبة 5 بالمائة لتأمين ديمومته الهيكلية ونشاطه العسكري، وأيضا من خلال طلبها المباشر من الرئيس زيلينسكي شراء السلاح الأمريكي من شركات الأسلحة الأمريكية بأموال المساعدات الأوروبية. في هذه الأثناء، يُفضي تصريح وزير الدفاع البلجيكي تيو فرانكن عن الوضعية المزرية لمنظومة السلاح الأوروبي إلى توجه أوروبي اضطراري شامل نحو السلاح الأمريكي، لا فقط بسبب تخلف المنظومات التسليحية الأوروبية، وإنما أيضا لقلة الموارد المالية التي ذهب جزء منها إلى الميدان الأوكراني. وفي تصريح لافت، اعترف فرانكن بأن معظم الأنظمة الدفاعية الرئيسة في أوروبا أمريكية، مبينا أنّ الطيران الأوروبي الذي صُمّم لمحاكاة الطيران الأمريكي ومنافسته «فظيع» بضعفه. وفي مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية قال: «عندما نتحدث عن أنظمة الصواريخ من طراز أرض-جو، فهي تقريبا كلها أمريكية، أما فيما يتعلق بطائرات النقل الثقيلة، فالخيار الأفضل هو الطائرة الأمريكية Chinook». ويبدو أنّ توظيف الولايات المتحدة الأمريكية للحرب الروسية الأوكرانية لفائدتها تجاوز الحدّ العسكري بالمعنى التسليحي، نحو الحدّ الطاقيّ. وبعد قطع موسكو إمداداتها من الغاز الطبيعي لأوروبا ضمن اتفاق «نورد ستريم 1 و2»، بحث الاتحاد الأوروبي عن بدائل جزئية ومتنوعة. وإن وجد في قطر والجزائر جزءا من الحلّ، إلا أنّ الحاجة بقيت تفوق العرض؛ ما فرض استنجادا جديدا بواشنطن التي زادت من ضخّ الغاز الطبيعي في الأنابيب، وزادت من سعره أيضا، لتتحمل القارة العجوز فاتورة باهظة ومكلفة. في مقالته المنشورة في مركز الدراسات العربية والأوراسية، يصوّر الباحث الصيني شووينهنغ واقعا طاقيا أوروبيا صعبا جدّا، حيث يؤكد أنّ الاتحاد الأوروبي اضطرّ في مواجهة ارتفاع تكاليف الطاقة، إلى خفض متطلباته من الطاقة النظيفة؛ إذ لجأت الدول الأعضاء إلى «الوقود الأحفوري» للحفاظ على إنتاجها الصناعي وتزويد الصناعات والأسر بالكهرباء والتدفئة.