«فورين أفيرز»: من المستبعد إبرام صفقة كبرى بين أمريكا والصين

«فورين أفيرز»: من المستبعد إبرام صفقة كبرى بين أمريكا والصين


قالت مجلة «فورين أفيرز» إن تاريخ التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة والسياسات الداخلية لكلا البلدين يجعل احتمالية الوصول إلى صفقة كبرى بعيدة المنال. وتأتي ترجيحات الصحيفة على الرغم من أن عالم دبلوماسية القوى العظمى ينبض بالأمل، في ظل الحديث عن صفقة كبرى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ. وأشارت المجلة إلى أن الصين والولايات المتحدة، منذُ عام 1950، انتقلتا من التعاون إلى المواجهة، وكررتا الأمر عدة مرات، فقد فعلتا ذلك لأسباب جيوسياسية وسياسية محلية. وكقاعدة عامة، لم تتمكن بكين وواشنطن من التعاون في المجال الأمني إلا عند مواجهة خطر واضح وقائِم من عدو مشترك، وفقًا للمجلة، التي بيّنت أنه في الوقت الراهن لا يوجد شيء دوليًا أو محليًا من شأنه أن يوحي بأن هذه لحظة مواتية للصين والولايات المتحدة لتجاوز خلافاتهما.

صفقة خاسرة
ولفتت إلى أن الرئيس ترامب لن يرغب في التلاعب بالأوراق، التي في يده، فإذا ما دفع باتجاه صفقة كبرى، فمن شبه المؤكد أنها ستكون صفقة خاسرة للولايات المتحدة. وأوضحت المجلة أنه لكي تُبرم واشنطن أي صفقة شاملة، سيتعين عليها تقديم تنازلات بشأن تايوان أو مطالبات بكين في بحر الصين الجنوبي، ما قد يُؤدي إلى تفكك هيكل أمني عزز الاستقرار الإقليمي لعقود. 
وذكرت أن التكاليف الاستراتيجية التي تتحملها الولايات المتحدة من التنازل عن نفوذها في المنطقة للصين تفوق بكثير أي فوائد اقتصادية محتملة، بما في ذلك زيادة الوصول إلى السوق الصينية أو حتى انتعاش التصنيع الأمريكي. وأضافت أن قيمة تجارة السلع والخدمات بين الصين والولايات المتحدة تجاوزت، في العام الماضي، 580 مليار دولار، إذ تُعدّ الصين ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، التي تعد أكبر سوق تصديرية للصين، دون احتساب التكتلات الإقليمية مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا أو الاتحاد الأوروبي.  ورغم أن بكين تمتلك أكثر من تريليون دولار من سندات الخزانة الأمريكية، فإن هذه التبعية الاقتصادية المتبادلة تُخفي قوى طاردة مركزية أعمق تُفرّق بين البلدين تدريجيًا.

الانغلاق على الذات
وعلى الصعيد المحلي، يواجه القادة الأمريكيون والصينيون ضغوطًا سياسية متزايدة للانغلاق على الذات والابتعاد عن الأسواق العالمية، وللسبب نفسه تقريبًا، التفاوت والاضطراب الذي يُعتقد أن العولمة قد تسببت به. وأردفت المجلة بأنه مع تخلي كل طرف عن الآخر، وعدم وجود عدو مشترك لخلق حوافز للتعاون، ضاقت المساحة السياسية للتوافق في المسائل الاستراتيجية والعسكرية، وتعثرت محاولات إيجاد أرضية مشتركة بشأن التحديات الأمنية غير التقليدية، كالإرهاب وتغير المناخ والصحة العالمية.  ومع تعمق انعدام الثقة الاستراتيجي خلال سنوات الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، أصبحت واشنطن وبكين تنظران إلى تصرفات بعضهما بعضًا من خلال عدسة التنافس بين القوى العظمى.
 ويسعى كلا البلدين بشكل متزايد إلى تسليح جوانب من اعتمادهما المتبادل، وفرض ضوابط التصدير على الرقائق الدقيقة والمعادن النادرة، وتصعيد التهديدات بشأن الديون المملوكة للدولة، وتدفقات الاستثمار الحكومية أو الموجهة من الدولة. ورأت المجلة أنه لخدمة المصالح الأمريكية بشكل أفضل، من الحكمة أن يُعيد ترامب ضبط طموحاته في إبرام الصفقات نحو أهداف أضيق نطاقًا، لكنها ذات أهمية استراتيجية وقابلة للنجاح.
 ومن أهم تلك الأهداف منع الصراعات العرضية في بحر الصين الجنوبي من خلال قنوات اتصال أكثر موثوقية، وحوارات بين الجيوش، وتدابير بناء الثقة، مثل إجراءات الإخطار المسبق لعمليات الإطلاق الفضائية، وعمليات التعامل الفوري مع الحرب الإلكترونية والقرصنة.

إطار مشترك
وأكد أن التقدم المدروس في الاقتصاد يتطلب أولًا إطارًا مشتركًا لضمان قابلية التنبؤ في اللوائح وشروط التبادل التجاري، فالرسوم الجمركية وغيرها من الحواجز التي ترتفع وتنخفض أسبوعيًا أو شهريًا تضر بمصالح كل من الولايات المتحدة والصين. 
وفي حين قد تُتاح لترامب فرصةٌ لوضع أهم علاقة ثنائية في العالم على أرضية أكثر صلابة، يجب أن تستند سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين إلى تقييم واضح للظروف الدولية والمحلية السائدة، ما يعني أنه في غياب عدو مشترك، من المرجح أن تكون أي صفقة كبرى تُبرمها واشنطن مُدمرة للذات، لأن الأمن المُعزز الذي تسعى إليه بكين في المنطقة لا يمكن أن يأتي إلا من تنازلات أمريكية أحادية الجانب.
 وبينما لا يُرجح أن تُحقق التنازلات التي تميل الصين إلى تقديمها في مجال التجارة مقابل تنازلات أمريكية في مجال الأمن الراحة، التي تطالب بها الدوائر المناهضة للعولمة، وفي حين أن المجال السياسي للتفاوض أو التسوية بين الصين والولايات المتحدة ضيق، فإن الخطوات التدريجية الصغيرة في الاتجاه الصحيح تتغلب على أي وعود بصفقة كبرى.