الشيخة فاطمة: المولد النبوي مناسبة لتعزيز قيم الرحمة والتسامح
مع تصاعد الضغوط الجيوسياسية
«قوة سيبيريا 2».. روسيا والصين تعيدان رسم خريطة الطاقة في أوراسيا
قطعت روسيا والصين خطوة مهمة نحو استكمال مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي «قوة سيبيريا 2» الذي طال انتظاره، وهو مشروع قد يعيد رسم خريطة تدفقات الطاقة في أوراسيا ويعمّق الروابط الاقتصادية بين البلدين.
غير أنّ البنود التعاقدية الأساسية لا تزال غير محسومة، في مؤشر إلى تنامي نفوذ بكين في المفاوضات مع موسكو التي تزداد عزلة على الساحة الدولية، بحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال». وبعد محادثات رفيعة المستوى في بكين جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ، أعلنت السلطات توقيع مذكرة تفاهم ملزمة قانونياً للمضي قدماً في المشروع. وعند اكتماله، سيعزز خط «قوة سيبيريا 2» صادرات روسيا من الغاز الطبيعي إلى الصين، ما يعمّق الروابط الثنائية في وقت تتصاعد فيه التوترات بين الجانبين والولايات المتحدة. ورغم هذا الإعلان، لا تزال المفاوضات معلّقة بشأن قضايا محورية، منها تسعير الغاز وآليات التمويل والجدول الزمني للبناء. ويبرز غياب الاتفاقات النهائية تفوّق موقف بكين، إذ تتيح لها وفرة بدائل الغاز الطبيعي المسال (LNG) من الأسواق العالمية التريث في حسم الصفقة، تاركة موسكو في موقع التابع وهي تسعى لتعويض عائداتها المتراجعة من الأسواق الأوروبية.
السياق
الجيوسياسي والاقتصادي
وفرضت العقوبات الغربية ضد روسيا بعد حربها في أوكرانيا قيوداً حادة على صادراتها من الطاقة إلى أوروبا، التي كانت تاريخياً أكبر أسواقها. وفي مواجهة ذلك، توجهت موسكو شرقاً لتعزيز صادراتها النفطية والغازية إلى الصين.
ويرى محللون أن هذا التحوّل أوجد علاقة غير متوازنة بين الطرفين، حيث تُمسك بكين بخيوط اللعبة بينما تكافح موسكو لتأمين إيرادات مستقرة. وقال ألكسندر غابوييف، مدير «مركز كارنيغي روسيا أوراسيا»: «الصين مهتمة بخط الأنابيب وبموارد الطاقة الروسية، لكن هذه ليست صفقة نهائية بعد»، مضيفاً: «هذا يظهر كيف أصبحت العلاقة غير متكافئة بشكل متزايد، الصين تملك كل الأوراق».
وأشار غابوييف أيضاً إلى الحاجة الملحة لموسكو لتأمين عقود تصدير جديدة، خصوصاً في ظل خطط الاتحاد الأوروبي للتخلص الكامل من الطاقة الروسية بحلول عام 2027، في وقت تسرّع فيه بكين جهودها نحو خفض الانبعاثات وتعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ما يضيّق هامش الفرص أمام روسيا في السوق الصينية.
نطاق المشروع وتحدياته
يُعد خط أنابيب «قوة سيبيريا 2» امتداداً للمشروع الأول الذي دخل حيز التشغيل عام 2019، ويهدف إلى نقل ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من شبه جزيرة يامال في القطب الشمالي الروسي مروراً بمنغوليا وصولاً إلى الصين. ووفقاً لتصريحات الرئيس التنفيذي لشركة «غازبروم»، أليكسي ميلر، فإن الإمدادات بموجب الاتفاق ستستمر لمدة 30 عاماً، مع توقع زيادة تدفقات الغاز عبر خط الأنابيب الحالي من 38 مليار متر مكعب إلى 44 مليار متر مكعب سنوياً.
غير أنّ الخلافات حول التسعير وشروط الملكية، إضافة إلى مخاوف الصين من الاعتماد المفرط على روسيا في مجال الطاقة، عطّلت المشروع مراراً. لكن الاضطرابات الجيوسياسية الأخيرة، بما في ذلك التوترات في الشرق الأوسط، دفعت بكين إلى إعادة تقييم موثوقية مصادر إمدادها، ما قد يمنح المشروع دفعة جديدة. ونقلت وكالة «تاس» الروسية عن ميلر قوله، إن سعر الغاز الذي سيُضخ عبر خط الأنابيب الجديد سيتم التفاوض عليه بشكل منفصل، بينما تشير موسكو إلى أن الأسعار ستكون أقل من تلك المفروضة على العملاء الأوروبيين، في انعكاس لوضعها التفاوضي الضعيف.
الانعكاسات الاستراتيجية
بالنسبة لموسكو، يمثل إبرام صفقة «قوة سيبيريا 2» أولوية استراتيجية، إذ إن بنيتها التحتية الحالية وقدرتها المحدودة على تصدير الغاز الطبيعي المسال لا تكفيان لتلبية الطلب الصيني المتنامي دون إنشاء خط أنابيب جديد. وعلى النقيض من ذلك، يمنح تنوع إمدادات الغاز المسال عالمياً الصين مرونة أكبر، إلى جانب سياسة غير معلنة تقيد وارداتها من أي مورد بنسبة لا تتجاوز 20%، ما يتيح لها إطالة أمد المفاوضات والحصول على شروط أكثر ملاءمة. وعلى صعيد أوسع، أصبحت العلاقات التجارية بين روسيا والصين أكثر اختلالاً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. فبينما تمثل الصين حالياً نحو ثلث التجارة الإجمالية لروسيا، لا تشكل روسيا سوى أقل من 5% من حجم التجارة الصينية.
شريان حياة لاقتصاد روسيا
وقد استغلت بكين هذا التفاوت لتقديم شريان حياة للاقتصاد الروسي المتضرر من العقوبات، من خلال شراء الطاقة الروسية وتزويد موسكو بكل شيء من الإلكترونيات إلى الماكينات والجرارات، إضافة إلى معدات حساسة مثل البصريات والرقائق الدقيقة ومحركات الطائرات المسيّرة، التي تدعم الآلة العسكرية الروسية. ومع تصاعد الضغوط الجيوسياسية، يرمز مشروع «قوة سيبيريا 2» إلى مزيج من التعاون والاعتماد المتبادل، في إشارة إلى مرحلة جديدة ومعقدة في مسار العلاقات بين موسكو وبكين.