«قوة ضاربة» في أمريكا اللاتينية.. هل الجيش الكولومبي جاهز لحرب خارجية؟

«قوة ضاربة» في أمريكا اللاتينية..  هل الجيش الكولومبي جاهز لحرب خارجية؟


تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وكولومبيا على نحو غير مسبوق، بعد هجوم كلامي متبادل بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الكولومبي غوستافو بيترو. 
فقد وصف ترامب، عبر منصته “تروث سوشيال”، بيترو بأنه “تاجر مخدرات غير قانوني”، متهمًا إياه بـ”تشجيع إنتاج المخدرات على نطاق واسع”، فيما ردّ الزعيم اليساري باتهام واشنطن بـ”القتل” إثر غارة أمريكية استهدفت سفينة مشتبهًا بها في تهريب المخدرات، وأدت إلى مقتل صياد كولومبي.
وذكرت مجلة “نيوزويك” أن السفارة الكولومبية في واشنطن رغم حديثها عن “مناقشة صريحة وبنّاءة” بين السفير دانييل غارسيا بينيا والقائم بالأعمال الأمريكي جون ماكنمارا، فإن واقع العلاقات بين البلدين يوحي بأزمة عميقة تتجاوز التصريحات الدبلوماسية.
وأضافت أن واشنطن كثّفت في الأسابيع الأخيرة وجودها العسكري في جنوب الكاريبي، ونفذت عمليات سرية لوكالة الاستخبارات المركزية على الأراضي الفنزويلية، ما أثار قلق كاراكاس وبوغوتا على حدّ سواء.
تأتي هذه التطورات فيما تواجه كولومبيا، الحليف العسكري الأبرز للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، تهديدًا بفرض رسوم جمركية من البيت الأبيض، وسط مخاوف من أن تمتد التوترات إلى بنية التعاون العسكري التي استمرت لعقود.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لطالما اعتُبرت كولومبيا “قوة عسكرية ضاربة” في أمريكا الجنوبية، بفضل جيشها المنظم وصناعتها الدفاعية النشطة. 
ووفقًا للباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، كارلوس سولار، تحتل كولومبيا المرتبة الثانية من حيث عدد القوات النشطة بعد البرازيل، مع إنفاق دفاعي يتجاوز 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تفوق العديد من الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو.
خلال العقود الماضية، طوّرت القوات المسلحة الكولومبية قدراتها عبر التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة في إطار “خطة كولومبيا”، وهي برنامج مساعدات عسكرية وأمنية أُطلق مطلع الألفية لمكافحة تهريب المخدرات والتمرد المسلح. 
واعتبر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) أن كولومبيا أصبحت “أقرب شريك عسكري دولي” لواشنطن، بل أصبحت في عام 2017 أحد “شركاء الناتو العالميين».
لكن الجيش الكولومبي، البالغ قوامه نحو 200 ألف جندي نشط، صُمّم بالأساس للعمليات الداخلية أكثر من خوض الحروب التقليدية؛ فلا تمتلك كولومبيا دبابات، لكنها تعتمد على 550 مركبة مدرعة وأربع غواصات و58 سفينة دورية، إلى جانب أسطول جوي يضم نحو 20 طائرة مقاتلة من طراز “كفير” الإسرائيلية، التي يجري استبدالها تدريجيًا بطائرات “غريبن” السويدية.ورغم هذه القدرات، يرى سولار أن الجيش الكولومبي يواجه “لحظة مفصلية” بسبب تدهور علاقات بوغوتا مع واشنطن وتل أبيب، ما قد يعرقل خطط تحديث الأسطول الجوي والبحري. 
وقد تُفضّل القيادة الكولومبية تأجيل المشاريع الدفاعية إلى حين وصول إدارة جديدة قادرة على إعادة ضبط العلاقات الخارجية.
في المقابل، تظل الولايات المتحدة القوة العسكرية الأكثر قدرة وانتشارًا في العالم؛ فهي تمتلك أكثر من 1.3 مليون جندي في الخدمة الفعلية، وقرابة 800 ألف ضمن قوات الاحتياط، وتدير شبكة ضخمة من القواعد العسكرية في القارات الخمس.
تُشغّل البحرية الأمريكية أسطولًا يضم 65 غواصة (بينها 14 نووية من فئة “أوهايو”) و122 سفينة سطحية، بينها 11 حاملة طائرات، فيما يمتلك سلاح الجو الأمريكي مقاتلات من الجيل الخامس مثل إف-22 رابتور وإف-35 لايتنينغ II، إلى جانب طائرات استطلاع وقاذفات استراتيجية تمنح واشنطن قدرة فريدة على التدخل العسكري السريع في أي مسرح عالمي.
كما تملك الولايات المتحدة، إلى جانب روسيا، حوالي 90% من الترسانة النووية العالمية، ما يجعلها الركيزة الأولى في نظام الردع الدولي. 
وتتيح لها هذه القوة فرض نفوذها العسكري والدبلوماسي على دول الحلفاء والخصوم على حد سواء، وهي ميزة لا يمكن لدولة إقليمية مثل كولومبيا مجاراتها.
لكنّ انهيار الشراكة العسكرية بين واشنطن وبوغوتا قد يخلق، وفقًا لسولار، “فراغًا استراتيجيًا في قلب أمريكا اللاتينية” يُضعف جهود مكافحة تهريب المخدرات ويقوّض الثقة التي بُنيت على مدى أكثر من عقدين من التعاون الأمني الوثيق.
منذ إطلاق “خطة كولومبيا” عام 2000، كان التحالف بين البلدين نموذجًا لشراكة أمنية ناجحة في مكافحة الإرهاب والمخدرات. لكن تصريحات ترامب الأخيرة، التي هدد فيها بوقف جميع المساعدات الأمريكية لكولومبيا، كشفت هشاشة هذا التحالف أمام التقلبات السياسية.
فبينما تمثل واشنطن مظلة الحماية الأكبر للجيش الكولومبي، تسعى بوغوتا في عهد بيترو إلى إعادة صياغة علاقاتها الخارجية بطريقة أكثر استقلالية، مستندة إلى تعاون متزايد مع الاتحاد الأوروبي وبعض دول الجنوب العالمي؛ إلا أن ذلك قد يكون سيفًا ذا حدين، إذ قد يُفقدها دعمًا لوجستيًا وتقنيًا طالما شكّل ركيزة لاستقرارها الداخلي.
في النهاية، يبدو أن العلاقات العسكرية بين كولومبيا والولايات المتحدة تقف على مفترق طرق: فإما إعادة بناء الثقة عبر قنوات دبلوماسية هادئة، أو انزلاق تدريجي نحو القطيعة، بما يحمله ذلك من تداعيات على أمن المنطقة واستقرارها في مواجهة شبكات التهريب والنفوذ المتنامي لقوى أخرى مثل الصين وروسيا في أمريكا اللاتينية.