بطل عالمي في الاحتباس الحراري

«كوب 26»: لهذا تفضّل الصين «غرفة منفصلة»...!

«كوب 26»: لهذا تفضّل الصين «غرفة منفصلة»...!

    إن التطور الاقتصادي الكبير الذي حققته الصين خلال ثلاثين عامًا قد حولها إلى بطل عالمي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ويصدر عن امبراطورية الوسط بمفردها 27 بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ومع ذلك، أبلغ الرئيس الصيني شي جين بينغ، الحكومة البريطانية أنه لن يشارك في قمة المناخ “كوب 26” التي تنظمها الأمم المتحدة. ووافق فقط على التدخل خلال مؤتمر بالفيديو.
   من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر، سيكون وفد برئاسة وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، في غلاسكو، ولكن دون أن يملك القدرة على اتخاذ قرارات ملزمة للغاية. لم يشارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضًا في هذا الاجتماع العالمي الكبير، بينما تحتل روسيا المرتبة الرابعة في إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وتباطأ رؤساء دول أخرى، مثل أستراليا أو الهند، في الإعلان عن نواياهم، لكنهم أحضروا في الأخير، بتشجيع قوي من الولايات المتحدة وبريطانيا.   من حيث المبدأ، يجب أن تكون هذه القمة مكمّلة لمعاهدة باريس لعام 2015 التي شهدت، بعد اتفاق بين الولايات المتحدة والصين، التزام 196 دولة بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية سنويًا مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة.
 وهذه المرة، يتمثل التحدي في الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، والتي بدونها من المتوقع أن تكون العواقب البيئية كارثية.

عدم ارتياح
   لا شك أن شي جين بينغ لم يكن متحمّسا للمشاركة في قمّة تعقد في بريطانيا. انتقدت لندن الصين بشدة عندما انفردت بإدارة هونغ كونغ عام 2020. تستفيد المنطقة مبدئيا من قانون حكم ذاتي، وتضاعفت المظاهرات المعادية لجمهورية الصين الشعبية هناك.
  طيلة قرن، حتى عام 1997، كانت هونغ كونغ تحت الإدارة البريطانية، وعندما وضعت بكين يدها على الإقليم، لم تكتف الحكومة الإنجليزية بالاحتجاج بصوت أعلى من الدول الأخرى، بل سمحت للعديد من مواطني هونغ كونغ باللجوء إلى المملكة المتحدة.
    سبب آخر لعدم ذهاب شي جين بينغ إلى غلاسكو: إنه يتجنب السفر إلى الخارج منذ رحلة إلى بورما في يناير 2020، مع بداية وباء كوفيد-19. ان استثناء لهذه القاعدة يمكن أن يثير استياء الرأي العام في الصين، خاصة أنّ قلّة من المواطنين الصينيين يسمح لهم بمغادرة البلاد.
   أخيرًا، في بكين، يدركون تمامًا الصورة السيئة للصين منذ ظهور كورونا فيروس، وأنها لم تسمح بإجراء تحقيق دولي حقيقي حول أصوله. وحضور قمة اسكتلندا، قد لا يكون مريحًا حقًا لـ شي جين بينغ. وعلى العكس من ذلك، فإن الغياب فعليًا عن مؤتمر المناخ الدولي، قد يسمح لرئيس الدولة الصيني بالظهور أقل التزامًا بالقرارات التي قد تتّخذ هناك. أيضًا، قرار عدم ذهاب شي جين بينغ إلى غلاسكو، قد يكون حاز على الأرجح تأييد المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني.
    والنتيجة، هي أن أعلى زعيم صيني لن يشارك إلا عن طريق الفيديو في الاجتماع السنوي الرئيسي المخصص لحماية البيئة، بينما يلقي جو بايدن وإيمانويل ماكرون وأورسولا فون دير لاين وآخرين، خطاباتهم مباشرة في هذه القمة، أمام حوالي 180 من قادة الدول، وحوالي 36 ألف مندوب من المؤسسات الدولية.

وعد بتخفيض انبعاثات الكربون بنسبة 65 بالمائة
   يؤكد هذا الغياب الجسدي لـ شي جين بينغ في قمة “كوب 26”، حرص قادة بكين على تنفيذ السياسة الصينية لمكافحة التغيّر المناخي بما يرونه مناسباً. وفي هذا المجال، يشير كل شيء إلى أن الصين بعيدة عن أن تكون غير نشطة. من ناحية لأسباب داخلية: في الدولة، يتسبب أي تدهور بيئي كبير في استياء عميق بين السكان. وتبدأ المظاهرات وحركات الاحتجاج على الفور عندما تتسبب المصانع أو الأشغال في تلوث شديد في بلدة أو قرية. ورغم سلطويته، لا يمكن للنظام تجاهل هذه الحركات التي يثيرها القلق الشعبي، والتي تندرج ضمن التصنيف الرسمي لـ مائة ألف “حادث جماهيري” سنوي.
   في غضون سنوات قليلة، طوّر الصينيون خطة تهدف إلى الحد من استخدام الوقود الأحفوري. والهدف هو الوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون في الصين عام 2030، ثم تحقيق حياد الكربون عام 2060. ومن ثم سيتم البدء فعليًا في اتخاذ إجراءات ضد الطاقات الملوثة اعتبارًا من عام 2030. ويمثل الوقود 25 بالمائة من استهلاك الطاقة في البلاد.
   كل هذه الالتزامات من قبل الصين تم تناولها وتفصيلها في “مساهمة محددة وطنيا” جديدة نشرتها بكين في 28 أكتوبر على موقع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيرات المناخية. وتلتزم الحكومة الصينية الآن بخفض كثافة الكربون لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 65 بالمائة مقارنة بعام 2005.
   في المساهمة المحددة وطنيا السابقة، كان من المتوقع أن تكون النسبة “بين 60 و65 بالمائة”. كل هذا يفترض، من بين أشياء أخرى، أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تنتجان ما لا يقل عن 1200 جيجاوات في السنة. ويبدو أن العديد من الخبراء في “كوب 26” يتوقعون المزيد من الالتزامات الجديدة وأقوى من الصين. من جانبهم، يرغب القادة الصينيون الذين صاغوا المساهمة المحددة وطنيًا في التذكير بأنه “يجب على الدول المتقدمة الاستمرار في أخذ زمام المبادرة في الحد من الانبعاثات”، وهذا يعني أن الصين لا تزال ليست من بين الدول المتقدمة.
   ولتحقيق الطموحات المعلنة، سيتعين على الصين خفض استهلاكها التدريجي للفحم -الذي يوفر حاليًا 60 بالمائة من إنتاج الكهرباء في البلاد -وكذلك تقليل استخدام الغاز والنفط. وتؤكد بكين رغبة واضحة في التحرك نحو خفض الاستهلاك الصيني للفحم.
   في 21 سبتمبر، أعاد الرئيس شي جين بينغ التأكيد على ذلك عبر الفيديو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مضيفًا أن الصين لم تعد تبني محطات طاقة تعمل بالفحم في بقية العالم. وهذا يعني أن مشاريع محطات الطاقة المخطط لها، على وجه الخصوص في تركيا وإندونيسيا وزيمبابوي أو البوسنة والهرسك، يجب التخلي عنها بسبب نقص التمويل الصيني. وتهدف كلمات رجل الصين الأول إلى إعطاء صورة التلميذ الجيد في المعركة البيئية لبلاده. وفي الوقت نفسه ، طمأنة الصينيين بأن حكومتهم تعمل على تحسين البيئة، في الصين وحول العالم.

ارتهان للفحم
   ومع ذلك، في الوقت نفسه ، يبدو أنه على المدى القصير، لا تستطيع الصين الاستغناء عن الفحم. إنتاجها الصناعي ضخم، والمعدات البديلة بعيدة عن أن تكون كافية، والاستغناء عن الفحم قد يؤدي إلى تباطؤ النمو. من جهة أخرى، لا يمكن تصور منع الاستخدام المعتاد للفحم بشكل رسمي في مقاطعات شمال البلاد حيث، مثل كل شتاء، سيصل البرد.
   الى درجة أن الصين قررت التحرك نحو زيادة إنتاج الفحم. العديد من المناجم في منغوليا الداخلية التي بدأت في خفض الإنتاج تعمل عكس الاتجاه. في أوائل أكتوبر، أفادت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، وهي هيئة التخطيط القوية في الصين، أنه تم السماح لـ 153 منجمًا بزيادة مردوديتها لإنتاج 220 مليون طن إضافي سنويًا. وبما أن كل هذا لا يبدو أنه كافٍ، فقد استأنفت الصين استيراد الفحم الأسترالي.
   ومع ذلك، فإن هذا التجديد في استخدام الفحم لا يمنع البلاد من الالتزام القوي بالطاقات المتجددة. فالبلاد هي المصنع الرئيسي في العالم في تصنيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح. في سبتمبر الماضي، أعلنت بكين مرة أخرى عن إطلاق حديقة جديدة للطاقة الكهروضوئية والرياح 100 سي وات بالقرب من صحراء غوبي، في أقصى غرب الصين.

«تحسين الإدارة
البيئية العالمية»
    في 24 أكتوبر، أصدرت الحكومة الصينية وثيقة تحدد الخطوات المخطط لها للوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون عام 2030. في اليوم التالي، صدر كتاب أبيض في بكين يحدد “الإجراءات والتقدم الذي أحرزته الصين في التخفيف من التغيّر المناخي، التحدي المشترك للبشرية”. وتم الإعلان رسميًا عن الهدف من هذا الكتاب الأبيض: وهو “مشاركة تجربة الصين ومناهجها مع بقية العالم».    وهو يتضمن مقولات شي جين بينغ عن المناخ مثل: “نحن بحاجة إلى تحسين الإدارة البيئية العالمية، والاستجابة بفعالية للتغيّر المناخي، وإنشاء مجتمع حياة للإنسانية والطبيعة. نحن بحاجة إلى تسريع الانتقال إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون وتحقيق الانتعاش والتنمية الخضراء».
   من الواضح أن الصين تحاول ألا تبتعد كثيرًا عن “كوب 26” في غلاسكو. وفي هذا السياق، اتصل إيمانويل ماكرون بشي جين بينغ في 26 أكتوبر. وبالإضافة إلى طلب مواصلة إعادة التوازن لعلاقتها الاقتصادية مع أوروبا، أوصى الرئيس الفرنسي نظيره الصيني بتعزيز طموحات بلاده المناخية عبر إرسال “إشارة حاسمة” خلال “كوب 26».
    يبدو أن هناك جهدًا مبرمجًا في الصين للاستجابة لحالة الطوارئ المناخية لا يرقى اليه الشك. لكن فيما يتعلق بهذا الموضوع، فإن قادة البلاد يسعون إلى الحفاظ على استقلالية قراراتهم. وللقيام بذلك، فإنهم يبقون علشى مسافة معينة من الغالبية العظمى من الدول على هذا الكوكب. لكن يجب عليهم أيضًا مراعاة السكان الصينيين الذين يطالبون بجو صحيّ أكثر... إن الفشل في تلبية كل هذه المطالب لن يكون مشجعًا للصين ولا لبقية العالم.