«نيويورك تايمز»: ماذا بقي من «ثورة الياسمين»؟

«نيويورك تايمز»: ماذا بقي من «ثورة الياسمين»؟

قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إنه بعد عقد من الزمن على “ثورة الياسمين”، يتذكّر التونسيون بحسرة ما آلت إليه حتى بات تاريخها محل جدل.
وذكرت الصحيفة أن لا أحد يلتفت أو يهتمّ لتدمير نصب تذكاري لشهداء 2011 في مدينة الكرم، وكأن “لا أحد لديه الرغبة في تذكّر الثورة».
ونقلت عن بعض سكان بلدة الكرم أن من دمّر النصب “يعاني من مرض عقلي، أو كان مخموراً”، لكنّها أشارت إلى أن لا أحد منهم اهتم بإصلاح الضرر.
وقال أيمن طاهري للصحيفة: “لا أحد يهتم بهذا المكان. في العام الأول كان هناك نوع من الدعم من الجميع، لكنه تلاشى بعد ذلك». وقالت الصحيفة إنه بعد عقد من الزمن يتذكّر التونسيون انتفاضتهم التي قلبت المنطقة رأساً على عقب، وأصبحت تعرف بـ”الربيع العربي».
وفي 14 يناير(كانون الثاني) المقبل، تحل الذكرى العاشرة لإنهاء حكم زين العابدين بن علي، لكن لم يكن هناك احتفاء رسمي، بل المزيد من الاحتجاجات على التدهور الاقتصادي الذي لن ينتهي قريباً.

ندم وخيبة
وذكرت الصحيفة أن الندم أصبح منتشراً أكثر من الذكرى، ويعتبر التونسيون، أن الانتفاضة لم تحقق إلا القليل من الآمال التي انتظرها الشعب، من تساوي الفرص، إلى المساءلة، ووضع حد للفساد.
وأشارت إلى أن “هذا العقد من خيبة الأمل في قادتهم المنتخبين هو سبب دعم العديد من التونسيين” لقرارات يوليو( تموز) الماضي، عندما علّق الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان، وتولى السلطة، ما أدى إلى أزمة سياسية لا تزال تسيطر على البلاد.
وقال طاهري: “الثورة أصبحت من التاريخ، ونحن نتقدم للأمام الآن».
عمل طاهري مع عماله على تنظيف الدوار من أعقاب السجائر وري الأعشاب. لم يطلب أحد منه ذلك، “لكن البلدية لا مال لديها، ولا أحد لديه الإرادة”. وقال: “لم أفكر أنني أشرف الشهداء، وهذا لا يعني التقليل من تضحياتهم».
وقال: “في2011، جعل قمع بن علي وفساده من الثورة أمراً لا مفر منه».

خلاف على ذاكرة الثورة
ومع ذلك، قالت الصحيفة إن تونس تفتقر لنصب تحتفل بمن أسقط بن علي. ويبرر المسؤولون ذلك بأن إنشاء نصب تذكاري مرهون بمصادقة الحكومة على قائمة القتلى والجرحى.
وأشارت إلى أن بعض النصب التذكارية الموجودة، وضعتها السلطات المحلية بمبادرات منها أو على حساب عائلات الضحايا.
وقال فتحي لعيوني، رئيس بلدية الكرم: “لسنا مهتمين بالقائمة الرسمية المفصلة ونعرف شهداءنا جيداً، وقمنا بالمبادرة لتخفيف معاناة العائلات وآلامها».
وذكرت الصحيفة أن هناك خلافاً على ذاكرة الثورة. حيث أمضت هيئة الحقيقة والكرامة التونسية المستقلّة سنوات في جمع الأدلة على الجرائم في ظل نظام زين العابدين بن علي وسلفه الحبيب بورقيبة، لكنها وجدت نفسها أمام عراقيل لمحاكمة الجناة.
بعد إزالته في 2011، أُعيد تمثال بورقيبة المنتصر على حصان في 2016 إلى شارع يحمل اسمه وسط مدينة تونس، الشارع ذاته الذي هتف فيه آلاف التونسيين لبن علي “ارحل!».  ولا يعرف أحد أن الساحة القريبة من التمثال، يفترض أن تسمّى بساحة 14 يناير (كانون الثاني) 2011.

حنين إلى الديكتاتور السابق
وقالت الصحيفة: “سيكون من السهل لوم المتعاطفين مع النظام السابق على ذلك. لكن يبدو أن العديد من التونسيين يحنون إلى ديكتاتورهم السابق أكثر بكثير من الحنين إلى الثورة التي أطاحت به».
وقالت سندس كوني من صفاقس، وسط شرق: “لو استمر بن علي بالحكم بنفس الطريقة التي حكم بها في سنواته الأولى، لربما بقي”. ولم تشارك كوني في أحداث 2011، لكنها اقتنعت في النهاية أن على بن علي الرحيل.
وقالت إن من مات في الاحتجاجات “لم يمت عبثاً، ولكن ارتُكبت أخطاء فيما بعد كان يجب ألا تحدث».
ووفقاً لطاهري وآخرين “لم يقم قادة تونس بعد الثورة سوى بإثراء أنفسهم وأصدقائهم. وأن لا أحد يشعر بالمرارة أكثر من عائلات الضحايا».
وقالت سعيدة السيفي، التي قُتل ابنها شكري: “قمنا به حتى تظلّ أسماؤهم خالدة”. وتحول منزل عائلة السيفي إلى نصب في حد ذاته، حيث تنتشر صور شكري. ورغم أن المنزل مملوك للدولة، علّقت العائلة لوحة خارج البوابة تُعلن بفخر أنها منزل شهيد ثورة.

أمل في سعيّد
ورغم محاولات الحكومة إخراجهم منه، إلا أن العائلة تعتبره من حقها، لأنها ضحت بابنها من أجل تونس، وتتوقع من الرئيس سعيد تحقيق ما وعد به سابقاً، ولم يتحقق، أي تقديم القتلة للمحاكمة وتعويض عائلات المفقودين.
وقالت الوالدة: “لا أزال أدعم الثورة، ولكن السنوات الـ10 الماضية كانت فوضى. ونأمل من الرئيس سعيد، أن يحلّ المشاكل وينقذ البلد ويحقق العدالة».
بدورها، تأمل عربية جنيحي، إن زوجها نوري شارك في الإحتجاجات، بسبب ما عاناه من سوء معاملة من المسؤولين، حيث عنفته الشرطة، وأُهين في قاعة البلدية، مضيفةً “شوارع الكرم كانت مليئة بالمتضرّرين مثله».
وأوضحت أنها انضمت للثورة لكنّها لم تترك لها إلا الحسرة. وقالت: “أتمنى لو أني لم أذهب، وأتمنى لو أن الثورة لم تكن. وفي لحظة تمنيت لو أني لم ألتقِ بزوجي”. وأضافت “كان لدينا أمل وحلم، ولكنه ظل حلماً».
ورغم كل وعود الثورة التي تبدّدت، لا يزال طاهري يؤمن بمبادئها . وقال: “أظهرنا أن الشعب هو الذي يملك القوة».