الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة لا تزال غير كافية لكبح جماح بكين

«واشنطن بوست»: الولايات المتحدة بحاجة لاستراتيجية جديدة مع الصين

«واشنطن بوست»: الولايات المتحدة بحاجة لاستراتيجية جديدة مع الصين


ترى صحيفة “واشنطن بوست”، أنه على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة وحلفاؤها الديمقراطيون لموازنة طموحات الصين كقوة عظمى، والتي باتت أكثر جدية خلال العام الماضي، فإن ذلك لا يزال غير كاف لكبح جماح بكين، لافتة إلى ضرورة اتباع استراتيجية جديدة أفضل تجاه البلد الآسيوي العملاق.
وقالت الصحيفة في مقال، إنه خلال الأسابيع الأخيرة من 2022، أعلنت اليابان عن زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي، ومددت تايوان  فترة الخدمة العسكرية الإلزامية، كما عملت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على تشديد ضوابط التصدير التي منعت بكين من الوصول إلى تكنولوجيا الكمبيوتر الفائقة”، مشيرة إلى أن “غياب واشنطن عن هذه الصيغة الدفاعية يشكل استراتيجية إيجابية لمنافسة الصين على التجارة».

الصين تُهيمن
وتعمل الصين على تعزيز مكانتها في مركز النظام التجاري في آسيا، إذ نمت تجارتها في جنوب شرق آسيا 71% في السنوات الأربع الماضية، وفقاً لتحليل أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخراً، كما تسير بكين في مسار الهيمنة على المشهد الاقتصادي للمنطقة الأكثر إنتاجا في العالم، ما يزيد من نفوذها على الولايات المتحدة وحلفائها.
ويقدم تقرير حديث صادر عن معهد سياسات جمعية آسيا أعده المسؤول التجاري السابق في إدارة باراك أوباما ويندي كاتلر والمسؤول التجاري السابق في إدارة دونالد ترامب كليت ويلمز، خريطة طريق للزعماء المهتمين بإصلاح هذا النقص الاستراتيجي الصارخ على نحو متزايد.
ويتيح التقرير توصيات صلبة لتعزيز الشراكة عبر المحيط الهادئ عبر الاتفاقية التجارية المكونة من 12 عضواً التي خرجت منها إدارة ترامب في عام 2017 وذهبت الدول الأخرى إلى سن اتفاقية أخرى في عام 2018.
وتلفت الصحيفة إلى أن الحكمة التقليدية السائدة في واشنطن ترى أن الاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف أصبحت شيئاً من الماضي. وحتى لو كانت في مصلحة الولايات المتحدة، فإن المنطق يقول إن السياسة تجعلها مستحيلة، متسائلة: هل هذا صحيح؟

مواقف أمريكية
وكما لاحظا كاتلر وويلمز في تقريرهما، اقترضت إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي وفازت بـ 89 صوتاً في مجلس الشيوخ في عام 2020.
وتشير الصحيفة إلى “تغيير المواقف الأمريكية تجاه الصين بشكل كبير منذ أن كشفت إدارة أوباما عن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، مروراً بأزمة جائحة (كوفيد -19) ما أدى إلى ضعف سلاسل الإمداد الأمريكية التي تعتمد على الصين. وقد يحظى خفض الحواجز التجارية في المحيط الهادي مع البلدان الصديقة بدعم أكبر إذا تم طرح ذلك كجزء من جدول أعمال للقدرة التنافسية الاقتصادية والأمن للولايات المتحدة».
ولعل نقطة الضعف الأعظم في الشراكة عبر المحيط الهادي كانت تتلخص في احتمال استفادة الصين من الاتفاق من خلال التجارة مع الدول الأعضاء مثل فيتنام، ما من شأنه أن يقوض حماية العمال والغرض الاستراتيجي للشراكة عبر المحيط الهادئ.
على سبيل المثال، شرط قاعدة المنشأ للسيارات، الذي ينص على أن 45% من السيارة يجب أن تكون داخل منطقة التجارة الحرة لتأهيلها للحصول على معاملة معفاة من الرسوم الجمركية، كان يمكن أن يسمح بإعفاء السيارة من الرسوم الجمركية الأمريكية، حتى لو في الواقع 55% منها تم تصنيعها في الصين.

قواعد أكثر صرامة
ويقترح كاتلر وويلمز في تقريرهما قواعد منشأ أكثر صرامة وتوجهات أكثر صرامة في التعامل مع الشركات المملوكة للدولة.
ويدعو التقرير أيضاً إلى صياغة فقرات لحماية البيئة وحماية العمل على غرار قانون الولايات المتحدة المتعدد الأطراف، وهو فصل جديد من الاتفاقية لتحسين نقاط ضغط سلسلة العرض التي يفرضها الوباء، فضلاً عن فقرة العمل الجماعي التي من شأنها أن تجعل الدول الأعضاء الأخرى في الشراكة عبر المحيط الهادئ تهب لمساعدة البلدان التي تحاول الصين الضغط عليها اقتصاديا (مثل أستراليا بعد أن دعت إلى إجراء تحقيق في أصول فيروس كورونا).
وتضيف الصحيفة أن التلاعب بالعملة من الممكن أن يؤدي إلى ميل ساحة اللعب حتى في غياب الحواجز التجارية، لذا فإن التقرير يقترح أيضاً توسيع الاتفاقية بحيث تغطي نزاعات العملة بين البلدان الأعضاء في الشراكة عبر المحيط الهادي.

نفوذ استراتيجي
وذكرت الصحيفة أنه مع القيادة الأمريكية القوية، قد تكون العديد من هذه الإجراءات ممكنة، ورغم أن واشنطن كانت تتمتع بقدر أعظم من النفوذ الاقتصادي عندما طالبت بمعايير عالية في اتفاقية أمريكا الوسطى مع المكسيك وكندا ــ البلدان ذات الاقتصاد الصغير مقارنة بأمريكا ــ فإنها تتمتع بقدر أعظم من النفوذ الاستراتيجي في التفاوض مع دول منطقة الباسيفيكي مثل اليابان.

كان التحول العدواني الذي شهدته الصين طيلة الأعوام الستة الماضية سبباً في زيادة الحاجة إلى التوازن ضد بكين، وقد يكون لدى الولايات المتحدة قدرة أكبر على تشكيل أحكام معينة الآن ما كانت عليه في عام 2010.

في الوقت نفسه، بالإضافة إلى تنظيم اتفاق تجاري إقليمي منفصل يضم 15 دولة، بما في ذلك الصين، تتقدم بكين بعطاءات للعضوية في الشراكة عبر المحيط الهادئ، وتضغط على أعضائها الـ11 للقبول، وستستخدم أستراليا واليابان حق النقض ضـــــــد عضويــــــة الصين في المستقبل المنظور، لكن غياب الولايات المتحدة كان بمثابة انقلاب اقتصادي ودبلوماسي في بكين.

واختتمت الصحيفة بالقول: “لا يكفي تعزيز السياسة الصناعية وتشديد ضوابط التصدير على رقائق الكمبيوتر والحفاظ على التعريفات الجمركية على السلع الصينية، إن الولايات المتحدة تحتاج إلى استراتيجية اقتصادية إيجابية للمشاركة مع الدول الآسيوية من أجل توسيع أسواق التصدير وموازنة قوة الصين. قد لا يكون الوقت مناسباً في هذا الكونغرس، ولكن من الحكمة أن تحول واشنطن انتباهها نحو تجارة الباسيفيكي في حين لا يزال بوسعها أن تفعل ذلك وفقاً لشروطها».