أتلانتيك: إيران سجن كبير... تفاصيل صادمة من داخل إيفين

أتلانتيك: إيران سجن كبير... تفاصيل صادمة من داخل إيفين


في 15 أكتوبر -تشرين الأول الماضي، اشتعل الشغب في سجن إيفين الإيراني بالتزامن مع التظاهرات الحاشدة التي هزت إيران منذ وفاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق بعد اعتقالها بسبب ملابسها.

ووردَ في التقارير أن الأجهزة الأمنية الإيرانية ردت بعنفٍ شديد، وهددَت بإطلاق النار على السجناء ما لم يتراجعوا إلى زنازينهم. وخلف العنف 8 قتلى. يحتل سجن إيفين مكانةً خاصة لدى أجهزة أمن النظام في المخيلة السياسية لكثيرٍ من الإيرانيين، ولذلك لفتت أعمال الشغب الانتباه.
ورغم أن السجن فُتِحَ بعد بضع سنوات من الإطاحة بالشاه في 1979، ووصول رجال الدين إلى سدة الحكم، فإنه أمسى رمزاً للحكم المُستبد ورفض التسامح مع أي معارضة. ومن ثم، أصبح إيفين باستيل إيران.

مِن الصعب الجزم إذا كانت أعمال الشغب وإطلاق النيران ترتبط بالاحتجاجات. ففي 23 أكتوبر -تشرين الأول، أصدرت الحكومة الإيرانية مقطعاً مصوراً يزعم أن النيران التي أُشعلت كانت جزءاً من محاولة للهروب في الأقسام غير المُشددة من السجن. ودون تحقيق مُستقل، يستحيل التثبُّت من هذه الرواية.

ويقول عالم الاجتماع الأمريكي من أصل إيراني كيان تاجبخش، مستشار أول لدى مراكز كولومبيا العالمية في جامعة كولومبيا الأمريكية في مقال بمجلة “أتلانتك” الأمريكية: “يضم سجن إيفين حالياً رُبع مساجين الرأي الإيرانيين. ومنذ ثلاثة عشر عاماً، كنت أحدهم. فقد اعتُقلت في إيفين لأول مرة في 2007 بسبب أعمالي التي دَعَمَت الجماعات الديمقراطية في إيران لصالح معهد المجتمع المفتوح لجورج سوروس، ومرة أخرى في 2009 بسبب مشاركتي في احتجاجات الحركة الخضراء».

وتَطلق التقارير الإعلامية على سجن إيفين “سيئ السمعة” أو “المرعب”. فقد ماتت الأحلام الثورية للذين أطاحوا بالشاه في سجن إيفين بعد 1979 عندما أمسى المضطهدون مُستبدين، واستغل النظام الجديد السجن مسرحاً لمُحاكماته الصورية، والآلاف من الإعدامات. وفي العقود اللاحقة، اكتظ السجن بالمساجين حتى اضطروا إلى النوم بالتناوب. وكان الضرب والتعذيب والإرهاب ظواهر شائعة فيه، وفي 1988، قُرب نهاية الحرب الإيرانية العراقية، قُتِلَ آلاف المساجين السياسيين في إعدامات جماعية. ولم تُوقّع إيران قط اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب».

 ولطالما زعمَ الموالون للنظام أنهم قضوا على أبشع الممارسات السائدة في عهد الشاه. ورغم أن إيفين ظل مفتوحاً، فقد أغلقت السلطات سجن الشاه الأقدم في وسط طهران وحوّلته إلى “متحف إبرات” لاستعراض بشاعات وجرائم الشاه، إذ يضم مُجسمات كاملة من الشمع لضحايا التعذيب.

ويضيف الكاتب “عندما كُنت سجيناً في إيفين، أُجبرت على المشاركة في مقاطع إنكار للأحداث مُتلفزة. أُرغمت على النوم أرضاً في زنزانتي الصغيرة، وتعرضت للتهديد بالإعدام. وفي 2013، أقرّ المرشد الأعلى لإيران بأن الحبس الانفرادي يرقى إلى التعذيب النفسي. وقد كان كذلك فعلاً».

وتابع الكاتب “ربما لم يعد إيفين اليوم تلك البؤرة الجهنمية القديمة خلال السنوات الأولى القاسية للثورة. غير أن حضوره الطاغي في التاريخ الثوري لإيران يجعله تذكاراً للطرائق التي أمسى بها المجتمع الإيراني نفسه سجناً كبيراً، لا تسامُح فيه مع الشقاق. ولم يحظر الجلد الذي تصوره المُجسمات المروعة في متحف إبرات، فهو يمارَس خارج السجن على الملأ عقاباً على انتهاكات مثل وضع حجاب على نحو غير لائق أو الاختلاط بين الجنسين».

وزاد الكاتب “لا أعرف ماذا الذي دعاني لألقي على مسامع المراسلين مزحةً خلال أول اعتقالي في إيفين. كنت في طريقي إلى جلسة تحقيق، وإذا بأحدهم يأمرني بخلع عصابة عيني. قدم لي آمر السجن نفسه، وسألني عن حالي، وكأننا التقينا في مُتنزه. قلت له بحذرٍ: بخير، إذ لاحظت الاختلاف بين ملابس السجن التي أرتديها، وزيه الرسمي. وبعدها قال لي: من المصادفة أن مراسلين دوليين يزورون السجن الآن، ويريدون أن يطرحوا عليك بعض الأسئلة عن الأحوال هنا. من الواضح أن هذا فخ. لم يكن عندي خيار سوى مجاراته.

سمعت آمر السجن يقول كذباً وزوراً إن السجن يفي بالمعايير الدولية، ثم التفت إلي وكأنه مدير فندق بارع سائلاً: كيف حال المرافق في جناحك؟ هل أنت راضٍ عن زنزانتك؟. أُمِرتُ أن أتكلم الفارسية، ففعلت وقلت إن الأحوال لا بأس بها، وإني في محبس انفرادي به مرحاض، واعترفت بأن زوجتي تزورني كل أسبوع. وصُدِمت من سذاجة أسئلة الآمر لدرجة أني قلت: لا ينقصني سوى حمام سباحة. غير أني استُبعدت بعد سخريتي هذه، ولم تُتَح لي الفرصة لأضيف أني مواطن يحمل الجنسيتين الإيرانية والأمريكية، ولذلك جذبت قضيتي انتباه الحكومة الأمريكية، وأعتقد أن معاملتي أفضل من غيري من سجناء الرأي الآخرين».