القصة الكاملة لجاسوسين هاويين:

أرادا خيانة بلادهما، فكان المؤبد في انتظارهما...!

أرادا خيانة بلادهما، فكان المؤبد في انتظارهما...!

    في أي لحظة من التغيير النفسي يختار زوجان لا مشاكل لهما خيانة بلدهما من خلال بيع أسرار نووية لقوة أجنبية؟ هذا هو أحد الأسئلة المذهلة التي طرحها اعتقال جوناثان توبي، 42 عامًا، مهندس بحري في البحرية الأمريكية، وزوجته ديانا، 45 عامًا، أستاذة جامعية في العلوم الإنسانية، في أنابوليس بالقرب من واشنطن.
   خلف القضبان منذ 9 أكتوبر، قد يقضيان بقية حياتهما هناك، معزولين عن طفليهما، مراهقين اثنين، فتاة وصبي.
   في مطلع أبريل 2020، قرر الموظف النموذجي المعتمد من وزارة الدفاع البحرية، الاتصال بدولة أجنبية “لم يتم الكشف عن اسمها”.
بعث بظرف كرافت، يحتوي على بطاقة ذاكرة، وإرشادات حول أفضل طريقة للتواصل سريّا -عبر منصة تراسل مشفرة -ورسالة. “أرجو المعذرة لسوء جودة الترجمة بلغتكم”، كتب في الديباجة، المرسل الذي يعرض تسليم وثائق سرية للبحرية الأمريكية: ملفات تحتوي على مخططات ودليل إجــــراءات ومواصفــــات وأدلـــة اســــتخدام. إجمالاً، أكثر من 10 آلاف صفحة من النثر السري للغاية.
ويخلص إلى القول: “قوموا بإيصال هذه الرسالة إلى جهاز استخباراتكم العسكري، أعتقد أن هذه المعلومات ستكون ذات قيمة كبيرة لبلدكم... هذه ليست خدعة».
   بعد بضعة أشهر، سلمت الدولة المستفيدة الحزمة إلى سفارة الولايات المتحدة، التي أرسلتها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن. ذهول! “جاسوس” يحاول تحقيق دخل مالي من أسرار تصنيع أحدث جيل من الغواصات الهجومية الأمريكية التي تعمل بالطاقة النووية، والمعروفة باسم فرجينيا كلاس، والكشف بشكل أكثر تحديدًا عن الحلول لتقليل أثر الضوضاء والضجيج.
   تبلغ قيمة كل غواصة 3 مليارات دولار، وهذه الغواصات بالتحديد هي قلب “قضية الغواصات الأسترالية”. نذكر: في 15 سبتمبر الماضي، قررت كانبيرا إنهاء عقد ضخم مع باريس، لصالح الأجهزة المصنوعة في الولايات المتحدة، مما أثار استياء إيمانويل ماكرون والدبلوماسية الفرنسية.
   «في الغواصة، يعد كتم الصوت أساسي”، يشرح قائد غواصة هجوم نووي سابق ستيفان مونييه، الذي يعمل في قسم تسويق الغواصات في مجموعة نافال.
 وتتنافس جميع الدول الكبرى لتقليل الضوضاء، ولا سيما من خلال عزل جميع العناصر المولدة للاهتزازات في هيكل السفينة.
ويتطلب هذا ابتكارات تكنولوجية، ولكن أيضًا اكتشافات صغيرة جديرة بمنافسة ليبين. وفي كل الأحوال، هي أسرار ثمينة”، وبالتالي، يمكن تحويلها إلى نقود... وكان جوناثان توبي يأمل في جني 5 ملايين دولار منها.
   «ينتمي الزوجان توبي إلى مجموعة من الجواسيس الذين اجتذبتهم الأموال، يرى براين لاتيل، وهو ضابط كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية. لكن آخرين، تدفعهم معتقدات أيديولوجية، وكان هذا هو حال ألدريتش أميس، جاسوس داخل وكالة المخابرات المركزية (في السجن مدى الحياة منذ 1994)، وروبرت هانسن من مكتب التحقيقات الفيدرالي (في السجن مدى الحياة منذ عام 2002)، اللذين عملا لصالح الاتحاد السوفياتي.
   بعض الجواسيس يتم ابتزازهم، وهذا يجعل منهم عادة محترفين غير موثوق بهم. وآخرون، أخيرًا، يعملون بدافع الأنا: محركهم هو الانتقام، لأنهم يشعرون باستخفاف الإدارة الأمريكية بهم”.
 هذه الفئات المختلفة مبوّبة في كتيبات التجسس تحت اسم مختصر، من أجل المال، والأيديولوجيا، والإكراه (الابتزاز) والأنا.
   بدأ مكتب التحقيقات الفدرالي تحقيقاته في 26 ديسمبر، عبر منصة التراسل المشفرة بروتون ميل، وفقًا لتعليمات مرسل الحزمة، الذي يقدم نفسه تحت الاسم المستعار “أليس”.
 “لقد تلقينا رسالتك... نريد العمل معك... مرت عدة أشهر... نريد أن نعرف ما إذا كنت لا تزال هنا”، كتب مكتب التحقيقات الفيدرالي، متنكرا كدولة أجنبية، ووقّع رسائله “بوب».
   «في هذه الحالات، يكون نجاح الاتصال الأول أمرًا ضروريًا، يشرح للاكسبريس الفرنسية، العميل السري السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي مارك روسكين، الذي ضاعف عدد العمليات السرية خلال حياته المهنية. ولهذا السبب يُعهد بهذا النوع من القضايا دائمًا إلى جاسوس متمرس، وطبيب نفساني جيد، قادر على “قراءة” الشخص الذي امامه.
 يجب أن تكون واثقًا من نفسك، دون أن تبدو متعجّلا... عند أدنى شك، يمكن للخصم أن ينسحب مثل المحار. الشيء الرئيسي هو ألا يقطع اتصاله بك ويوافق على موعد آخر، ثم آخر، ثم آخر... «.
   في التبادلات التالية، كان “أليس” حذرا. ومن أجل إثبات حسن نية “بوب”، فإنه يطالب بدفع الأموال بعملة مشفرة، مما يقلل من إمكانية التتبع. كما طالب محاوريه بتثبيت لافتة مميزة على سطح سفارتهم خلال عطلة نهاية الأسبوع، في يوم الذكرى. ويضيف: “سألعب دور السائح، وسأتمكن من المرور سيرًا على الأقدام أو بالدراجة أو بالسيارة أو بالحافلة، والتحقق من حقيقة وجودكم”، موضحا “شكرًا لو خططتم لشيء يسهل اكتشافه”... وهو ما تمّ.
   لكن أي دولة هي؟ من الواضح أنها دولة صديقة لديها قدرة نووية و - أو صناعة لبناء السفن. مع العلم أن الرسالة الأولى من “أليس” اعتذرت عن رداءة جودة ترجمتها، فهي أيضًا دولة غير ناطقة بالإنجليزية. وهذا يحد من الاختيار لعدد قليل من الدول: فرنسا، ألمانيا، السويد، الهند، إسرائيل.

مفتاح يو اس بي
 مخبأ في سندويتش
   سؤال آخر محيّر: لماذا تعامل مع دولة صديقة بدلاً من الصين أو روسيا؟ يقول الجاسوس مارك روسكين، الذي عمل سابقًا في قضية مماثلة، قضية موظف في محطة نووية يحاول بيع الأسرار لفرنسا، “هناك ظاهرة نفسية يتم ملاحظتها كثيرًا بين الخونة، إنهم يفضلون الالتفات إلى الحلفاء...
 وهكذا، يسهل عليهم إقناع أنفسهم بأنهم ليسوا أوغادًا”. مفتاح آخر للفهم: كرههم لدونالد ترامب، كما يتضح من حساباتهم على فيسبوك وانستغرام، شجع بلا شك انتقال الزوجين توبي إلى الفعل، لأن الرئيس السابق كان في السلطة في بداية مشروعهما الكارثي.
   شجعه تلقي دفعة أولى قدرها 10 آلاف دولار، وافق “أليس” على الذهاب إلى موعد سري في محيط واشنطن، تنفيذاً لتعليمات “بوب”.
 في 26 يونيو في الساعة 10:41 صباحًا، لاحظ المحققون من بعيد رجلًا مجهولًا وضع سندويتش بزبدة الفول السوداني في سلة المهملات، حيث تم إخفاء بطاقة ذاكرة بسعة 16 جيغا بايت.
   ووفقًا لتقنية التبادلات “العشوائية” او “العمياء”، الشائعة في التجسس، يسترجع الفرد في نفس المكان خطاب تعليمات تركه مكتب التحقيقات الفيدرالي وراءه. زوجته كانت ترصد.
 تم التعرف على الزوجين بفضل لوحة سيارتهما، المتوقفة في موقف سيارات قريب.
 وهكذا علم مكتب التحقيقات الفيدرالي أن “أليس” يعمل منذ عام 2012 على مسائل الدفع النووي، ومنذئذ يملك حق الوصول إلى وثائق الدفاع السري. “هواة حقيقيون، يقول عون وكالة المخابرات المركزية السابق براين لاتيل، خطأهم الأول، الأساسي، هو ترك اختيار مكان الموعد لمكتب التحقيقات الفيدرالي.»
   ومع ذلك، تم استخدام نفس طريقة العمل للاجتماعات اللاحقة. في 31 يوليو، قام “أليس” بإيداع بطاقة ذاكرة سعة 32 جيغابايت مخبأة في صندوق من الجبس، وفي 28 أغسطس 2021، أخرى، مخبأة في علبة علكة.

السجن ما لا يقل
عن خمسة وعشرين عاما
   في كل مرة يتم إيداع 10 الاف دولار أو 20 ألف دولار في حساب عملة مشفرة. وبعد هذه المقبلات، الطبق الرئيسي: عرض المهندس تسليم 50 كارت ميموري! السعر؟ 100 ألف دولار لكل منها... أي 5 ملايين دولار في الافق... كان يعتقد أنها صفقة جيدة.
   لكن، في بداية أكتوبر، تم إغلاق المصيدة. خلال موعد آخر، تم القبض على الزوجين من قبل فريق من حوالي عشرين عونا من مكتب التحقيقات الفيدرالي يرتدون ملابس مدنية.
 و”بما أن أفعالهما لم تعرّض أي حياة للخطر، فإن هذين الهاويين اللذين اعتقدا أنهما أذكـــى من الدولـــة الأمريكية ربما يتفاديان السجن مدى الحياة.
فمع قليل من الحظ، وإذا أظهرا تعاونًا، يمكن للزوج أن يحصل على خمسة وعشرين عامًا فقط، ووفقًا لـ تقليد راسخ، التفاوض على عقوبة مخففة لزوجته، سبع أو ثماني سنوات “. سنوات طويلة ستمنحهما الوقت للتفكير في المعاناة التي لحقت بالضحية الرئيسية: طفلاهما.
عن لاكسبريس