أوروبا تحبس أنفاسها.. مخاوف من صفقة «تحت الطاولة» بين بوتين وترامب
مع اقتراب القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، تتزايد المخاوف في أوكرانيا وأوروبا من أن تتحول المفاوضات إلى صفقة «تحت الطاولة» تُعيد رسم خرائط النفوذ على حساب سيادة كييف ووحدة أراضيها.
وأثارت تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة عن إمكانية تبادل الأراضي، واشتراط الرئيس الروسي الحصول على شرق أوكرانيا مقابل وقف الحرب، قلق العواصم الغربية التي ترى في هذا الطرح تمهيداً لتنازلات جغرافية قد تُغير ميزان القوى في القارة.
ورغم انفتاح البيت الأبيض على عقد قمة ثلاثية تضم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلا أن الأجواء توحي بأن موسكو وواشنطن قد تضعان الإطار العام للتسوية، تاركتين لأوكرانيا هامشاً محدوداً للمناورة.
في المقابل، جاء الموقف الأوروبي حازماً عبر تصريحات مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التي شددت على أن أي اتفاق بين واشنطن وموسكو يجب أن يشمل أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، وأن يلتزم بالقانون الدولي وسلامة الحدود الأوكرانية.
ولايزال الحلفاء الغربيون، من لندن إلى باريس وبروكسل، يتمسكون بأن خط التماس الحالي يجب أن يكون نقطة الانطلاق لأي مفاوضات، وأن وقف إطلاق النار هو الخطوة الأولى قبل الدخول في تفاصيل التسوية.
ويحذر خبراء من أن القمة قد تمثل بداية لمرحلة جديدة تعيد واشنطن رسم أولوياتها في أوكرانيا، من الدعم العسكري والسياسي غير المشروط إلى البحث عن صفقة تضمن لموسكو مكاسب استراتيجية، مقابل حزمة مصالح اقتصادية لأمريكا، تشمل استغلال المعادن النادرة في أوكرانيا وعودة الشركات الأمريكية والروسية إلى الأسواق العالمية. ويرى محللون أن هذه المقاربة قد تفتح الباب أمام إعادة تموضع كبرى القوى على الساحة الدولية، لكن الثمن سيكون جغرافياً وسياسياً تدفعه كييف بالدرجة الأولى، فيما يجد الأوروبيون أنفسهم مجدداً في موقع المتفرج الذي أضاع فرصة حقيقية لوقف الحرب في مراحلها الأولى.
حل وسط
وفي هذا السياق، أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، كـــــــارزان حميـد، أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض شــــــكلت مصـــــــدر قلق بالغ لأوكرانيا والدول الأوروبية، مشيراً إلى أن موقف واشنطن من الحرب الروسية - الأوكرانية انقلب كلياً، من دعم قوي لكييف إلى تخلٍ تدريجي عنهـــــــا. وأوضح حميد، لـ»إرم نيوز»، أن ترامب يسعى للوصول إلى حــــــــل وسط يُبقي روسيا في موقع قوة داخل الصراع، على حساب الحلفاء الأوروبيين وأوكرانيا، لافتــــــاً إلى أن الموقــــف الروسي من الاتفــــــاق الذي أبرم في واشنطن بين أذربيجـــــان وأرمينيا يكشف عن قبول ضمني من موسكو لتسوية الملف الأوكراني وفق شروط الكرملين، وليس كما يرغب الرئيس الأوكراني.
ويرى حميد أن هذه التحركات جزء من ترتيبات مدروسة بين القوى الكبرى، حيث تُعقد الصفقات خلف الأبواب المغلقة لتقاسم النفوذ والمصالح، مضيفاً أن ترامب أعاد أوروبا إلى دائرة التأثير الأمريكي، مع قدرته على كبح جماح إيران وكوريا الشمالية، وحتى الصين التي لا تزال بحاجة إلى دعم روسي في ملفات حساسة.
ويعتقد حميد أن قمة ألاسكا المرتقبة بين القطبين تهدف إلى إعادة رسم موازين القوى، غير أن الثمن الذي ستدفعه أوكرانيا سيكون جغرافياً قبل أن يكون سياسياً.
واعتبر أن الأوروبيين لا يملكون حالياً سوى الانتظار بعد أن ضيعوا فرصة حقيقية لوقف الحرب، مرجحاً أن تتخلى بريطانيا بدورها عن دعم كييف، لتتبعها دول أخرى حتى تعود أوكرانيا إلى دائرة النفوذ الروسي.
وتابع حميد أن «تحركات ترامب تبقى غير متوقعة، إلا أن الاستراتيجية الغربية تجاه موســـــكو لم تتغير، إذ تظل روسيا العـــــدو الأول حتى إســـقاطها تماماً، وعندها سيبحث الغرب عن خصــم جديــد» وفــق تعبيره.
«صفقة كبرى»
من جانبه، قال مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية،، ديميتري بريجع، إن قمة ألاسكا قد تشكل «حجر أساس» في مسار الحل للأزمة الأوكرانية، لكنها لن تمثل حلاً نهائياً نظراً لتعقيداتها.
وأكد بريجع لـ «إرم نيوز»، أن على أوروبا الانخراط مباشرة وبموقف موحد في التسوية، إذ إن التباين بين مواقف بعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا يضعف الجهد الأوروبي.
وشدد على أهمية المفاوضات غير المشروطة وإيجاد نقاط مشتركة لمعالجة جذور الأزمة، خاصة في الشرق الأوكراني الذي يرتبط بالقومية الروسية. وكشف أن ترامب ينظر إلى الحل كـ»صفقة كبرى» تتيح للشركات الأمريكية استخراج المعادن النادرة في أوكرانيا والعودة إلى السوق الروسية بعد رفع العقوبات، بالتوازي مع انطلاق الشركات الروسية نحو الأسواق العالمية.
وأوضح بريجع أن الخطة تتضمن دعماً واسعاً لإعادة إعمار المناطق الشرقية المتضررة التي كانت تحت سيطرة القوات الروسية.