رئيس الدولة والرئيس المصري يبحثان العلاقات الأخوية والتطورات الإقليمية
التسريح صعب عندما يكون «النقص في القوى البشرية ملموساً»
أوكرانيا بحاجة لجنود إضافيين والتعبئة غير شعبية
نقل الصحفي الفرنسي المستقل المقيم في كييف فابريس ديبريز أجواء الجدال السائد في أوكرانيا حول كيفية إراحة الجنود الأوكرانيين في وقت تشتد الحاجة إلى مقاتلين لمواصلة الحرب.
وكتب ديبريز في مجلة «فورين بوليسي» أن سؤالاً واحداً يهيمن على هذا النقاش: هل، ومتى يكون الجنود قادرين على العودة إلى ديارهم؟
متعبون جسدياً وذهنياً
قال أستاذ التاريخ السابق في أكاديمية كييف-موهيلا المرموقة ميروسلاف بوريسينكو الذي يعمل الآن ضابط مدفعية في لواء مشاة البحرية جنوب أوكرانيا: «الجنود متعبون جسدياً وذهنياً». وفي حديثه لمجلة فورين بوليسي في كييف خلال استراحة قصيرة نادرة من خدمته، قال بوريسينكو البالغ من العمر 49 عاماً، والذي تطوع للانضمام إلى الجيش في اليوم الأول للغزو الروسي، إن الجنود بحاجة إلى رؤية طريق للخروج من الخنادق. وأضاف أنهم يخدمون حالياً بدون أن تلوح أمامهم نهاية واضحة في الأفق. تعتبر فترات الراحة مثل تلك التي استمتع بها بوريسينكو ترفاً نادراً لم يختبره بعض الجنود منذ أكثر من عام.
ومع دخول أوكرانيا عامها الثالث من الحرب، يبدو الانتصار على روسيا احتمالاً بعيد المنال على نحو متزايد. وضع الهجوم المضاد الفاشل الصيف الماضي، إلى جانب المساعدات الغربية المتوقفة، الجيش الأوكراني في موقف دفاعي. وبينما لا تنشر السلطات الأوكرانية أرقام الضحايا، من المحتمل أن يكون ما لا يقل عن 70 ألف جندي أوكراني قد لقوا حتفهم خلال العامين الماضيين، وفق ما قاله مسؤولون أمريكيون لصحيفة نيويورك تايمز في أغسطس (آب) 2023.
تعبئة إضافية؟
تتناقض الآن الحاجة إلى إخراج القوات المنهكة من القتال مع النقص المتزايد في القوى البشرية. تحتاج القوات المسلحة الأوكرانية إلى المزيد من المقاتلين: طلبت هيئة الأركان العامة في البلاد تعبئة 500 ألف رجل إضافي لتكملة الجيش البالغ قوامه 1.1 مليون جندي، وفق ما قاله الرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي يوم 19 ديسمبر (كانون الأول).
تفتقر التعبئة الإضافية بشدة إلى الشعبية وأثبتت أنها حساسة من الناحية السياسية. في أواخر السنة الماضية، كانت هذه المسألة في لب أول خلاف مفتوح بين زيلينسكي ورئيس أركانه آنذاك فاليري زالوجني، حين أثبت الرئيس الأوكراني تردده في زيادة وتيرة التجنيد الإجباري. وقال زيلينسكي في 20 يناير (كانون الثاني): «أنا شخصياً لا أرى فائدة من تعبئة نصف مليون شخص في الوقت الحالي». مع بدء الغزو الروسي، تخلت أوكرانيا عن نظامها الحالي للخدمة العسكرية الإجبارية والذي كان يتطلب من الرجال الأصحاء أن يخدموا لمدة تتراوح بين 12 إلى 18 شهراً قبل سن السابعة والعشرين. تم التجنيد الإجباري على موجتين سنوياً.
الآن، يمكن لجميع الرجال الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 27 إلى 60 عاماً التجنيد في الجيش الأوكراني في أي وقت، بغض النظر عن خبرتهم العسكرية السابقة. ويمكن لأي شخص يزيد عمره عن 18 عاماً أن يختار الانضمام إلى الجيش، كما فعل بوريسينكو، لكن عدد المتطوعين انخفض بشكل حاد منذ الأشهر الأولى من الحرب. لقد أصبح من المستحيل مواصلة المجهود الحربي بدون تجنيد إجباري.
مفارقة
منذ أواخر 2023، انخرط البرلمان الأوكراني في مناقشات حادة حول التغييرات الشاملة المخطط لها لنظام التعبئة في البلاد. أول مشروع قانون تم تقديمه إلى البرلمان في 25 ديسمبر (كانون الأول) تم سحبه بعد أسبوعين عندما أثارت بعض البنود كفرض عقوبات على المتهربين من الخدمة العسكرية مثل منعهم من قيادة سيارة أو من شراء منزل، انتقادات واسعة.
تمت الموافقة على مشروع قانون ثانٍ خلال القراءة الأولى في 7 فبراير (شباط)، لكن الجدل ظهر مرة أخرى حول أحكام عدة، كإرسال أوامر الاستدعاء إلكترونياً والسماح للدولة بتجميد الحسابات المصرفية للمتهربين من الخدمة. ومن شأن القانون الجديد أيضاً تخفيض سن التجنيد من 27 إلى 25 عاماً وإعطاء سلطة أكبر لمكاتب التجنيد العسكرية.
وقال فولوديمير فيسينكو، محلل سياسي مقيم في كييف: «إنها مفارقة الوضع. معظم الأوكرانيين وطنيون، لكن لدى الكثير وجهة النظر هذه التي مفادها أنه يجب على الجيش أن يكون مسؤولاً عن القتال وأن المدنيين سيدعمونه ببساطة». وأضاف «بالطبع الناس خائفون».
احتجاجات
ثمة ارتباط وثيق بين الضرورات المتنافسة المتمثلة في تجنيد المزيد من القوات مع توفير الراحة للجنود المنهكين. وقال بوريس خميلفسكي، طبيب قتالي سابق انضم مؤخراً إلى فريق في وزارة الدفاع الأوكرانية للبحث عن طرق لتطوير عملية التعبئة: «إن الافتقار إلى عملية تسريح يجعل التعبئة أكثر صعوبة. بالنسبة إلى الأشخاص الذين لم ينضموا بعد إلى الجيش، يبدو العقد المبرم مع الدولة حالياً مثل (أن تخضع للتجنيد حتى تموت أو تصاب بجروح بالغة الخطورة)، وبالطبع هذا ليس عقداً جيداً، لذلك لا يريد الناس الانضمام».
في الخريف الماضي، وبعد الهجوم المضاد الفاشل الذي شنته أوكرانيا في الصيف، انتقلت مسألة ما إذا كان سيتم تسريح القوات وكيفية ذلك إلى الواجهة السياسية.
ابتداءً من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، نزلت مجموعات صغيرة من زوجات وأمهات الجنود إلى شوارع العديد من المدن الأوكرانية للمطالبة بحق الجنود في التسريح بعد 18 شهراً من الخدمة بدون إمكانية تجنيدهم مرة أخرى لمدة عام ونصف. وما زالت الاحتجاجات مستمرة، وآخرها اندلعت في أكثر من اثنتي عشرة مدينة أوكرانية من ضمنها كييف، في 11 فبراير(شباط).
وقالت أناستازيا تشوفاكينا، معلمة رقص تبلغ من العمر 22 عاماً من أوديسا لمجلة فورين بوليسي: «نعلم أنه ليس من حقنا أن نقرر هذه المدة، لكن يجب أن تكون هناك مدة للخدمة». وقالت للمجلة إن زوجها لم يتمكن من زيارة منزله إلا ثلاث مرات، ولمدة بضعة أيام فقط، منذ بداية الغزو الروسي.
استياء آخر
وأدى غياب أي إجراء واضح للتسريح حتى الآن إلى توتر العلاقات العسكرية المدنية، مع تزايد الاستياء بين بعض جنود الخطوط الأمامية الذين يشعرون بأن بعض الرجال في المناطق الآمنة يتجنبون التجنيد الإجباري.
وقال بوريسينكو، ضابط المدفعية: «كنت أسير في الشوارع (في كييف)، ورأيت كل هؤلاء الرجال المتمتعين باللياقة الذين يرتدون ملابس مدنية، وفكرت، هذا الرجل سيكون رائعاً للقوات المحمولة جواً، وسيكون ذلك (الآخر) مثالياً لمشاة البحرية». وأضاف «لقد تعبنا، ونشعر بأن المجتمع غير مستعد للتحضير بشكل صحيح لهذه الحرب، ولا يرى أننا بحاجة إلى التناوب».
في الوقت نفسه، قال بوريسينكو إن القتال أصبح أكثر صعوبة، حيث اضطرت قوات الخطوط الأمامية إلى التكيف مع نقص الذخيرة والتغير التكنولوجي. «قبل عام واحد، كان من الممكن أن يكون الليل هو الوقت المناسب للنوم على الخطوط الأمامية، لكن في الأشهر القليلة الماضية، تلقى العدو طائرات بدون طيار ذات رؤية حرارية وليلية. وقد غيّر كل شيء».
ما المطروح؟
التسريح أمر صعب بالنسبة إلى الحكومة عندما يكون «النقص في القوى البشرية ملموساً»، كما قال رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف لصحيفة فايننشال تايمز في يناير (كانون الثاني). في مقابل عشرات الآلاف من الجنود الذين سيتركون الجيش إذا تم الإعلان عن فترة تسريح رسمية، سيكون هناك حاجة إلى استبدالهم بقوات جديدة، بالضبط بينما تكافح كييف للعثور على أشخاص مستعدين لهذه المهمة.
واعترفت السلطات الأوكرانية العسكرية والسياسية بإرهاق قوات الخطوط الأمامية، لكنها تتطلع إلى زيادة فترات الراحة بدلاً من بدء عملية التسريح. غير أن البعض يرى أن الإصلاح يجب أن يظل مؤثراً على المدى الطويل. قال خميليفسكي: «أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة بناء النظام بأكمله - التعبئة والتسريح والضمانات والتعويضات للجنود والمحاربين القدامى، كل شيء». وختم «لأنه إذا أردنا البقاء، فنحن بحاجة إلى بناء نظام يمكنه العمل لعقود من الزمن».