ثقافة راسخة بين المواطنين

إسبانيا، التلميذ الأوروبي النجيب في التطعيم...!

إسبانيا، التلميذ الأوروبي النجيب في التطعيم...!

- كان الحجر الأول أطول وأكثر صرامة وقاسيا على الإسبان
- تمثلت استراتيجية التطعيم الإسبانية في تقسيم السكان إلى فئات عمرية، مع وضع روزنامة لكل منها
- انخفضت نسبة الرافضين للتطعيم من 32.46 بالمائة في أكتوبر،إلى 3.4 في مايو
- يبدو أن الجدول الزمني الطموح لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يسير في الاتجاه الصحيح
- خوفًا من المعاناة من عواقب الوباء مرة أخرى، يُظهر الشعب الإسباني بوضوح ثقته في اللقاحات


  إسبانيا ليست فقط واحدة من أكثر الوجهات زيارة في العالم، بل هي أيضًا واحدة من تلك التي لديها أعلى معدل تطعيم ضد كوفيد-19.
مع حصول 66 فاصل 51 بالمائة من الناس على التطعيم الكامل، تعدّ المملكة من بين أنجب التلاميذ في أوروبا، إلى جانب الدنمارك (68 فاصل 9 بالمائة) والبرتغال (67 فاصل 44 بالمائة) وبلجيكا (67 فاصل 17 بالمائة)، وهي دولة ذات عدد أقل من السكان. ويصل معدل اللقاح الأول حوالي 76 بالمائة.

وهي أرقام أعلى مما تحقق في فرنسا، في السجلين –69 فاصل 62 بالمائة من اللقاحات لأول مرة، و54 فاصل 54 بالمائة للتغطية الكاملة.
   قبل بضعة أشهر، حددت حكومة بيدرو سانشيز الاشتراكية هدفًا للوصول إلى 70 بالمائة من المواطنين الذين يتم تطعيمهم بالكامل بحلول نهاية الصيف. وسيكون هذا هو الحال قريبًا، إذا استمر زخم الأسابيع السابقة يطبع الأيام الأخيرة من شهر أغسطس.

ما يقرب من 100 بالمائة بين الفئات الأكثر هشاشة
   تمثلت استراتيجية التطعيم الإسبانية في تقسيم السكان إلى فئات عمرية، مع وضع روزنامة لكل منها، وأعطيت الأولوية الصارمة لكبار السن. وكان التفكير وراء هذه الخطة هو نفسه بالنسبة لجيران أوروبيين آخرين: يجب أولاً حماية الفئات الأكثر هشاشةً، فقط ، كانت الفئات العمرية أقل اتساعا منها في فرنسا، واستغرق الأمر وقتًا أطول للنزول إلى الأصغر سنًا.
   حققت الحملة نجاحًا كبيرًا بين كبار السن: تم تطعيم 100 بالمائة ممن تزيد أعمارهم عن 80 عامًا، ثم 98 بالمائة من 70-79 عامًا، و93 بالمائة من 60 إلى 69 عامًا، و89 بالمائة من 50 إلى 59 عامًا، أو حتى 80 بالمائة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 40-49 عاما.    الاشكال الوحيد في الاستراتيجية: استقبل الأصغر سنا موسم الصيف دون أن يتمكنوا من التطعيم، وتلقوا جرعتهم الثانية منذ وقت ليس ببعيد. وفي الأثناء، أعيد فتح النوادي الليلية، وتضاعفت رحلات نهاية السنة الدراسية، والشيء نفسه مع حالات كوفيد-19.
   لم يكن هذا هو السبب الوحيد لانتعاش الوباء، لكن هذا وضع الحكومة تحت نيران النقد. 56 بالمائة ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عامًا، و31 بالمائة ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عامًا قد تم تطعيمهم الآن بشكل كامل.

اللقاح، مقبول عموما
   يكمن توهّج الإسبان في الحملة في ثقتهم باللقاحات، أو على الأقل، عدم رفضها. في مايو الماضي، أظهر استطلاع أجرته المؤسسة الإسبانية للعلوم والتكنولوجيا، أن 82 فاصل 7 بالمائة من السكان قد تم تطعيمهم أو “متأكدون تمامًا” من القيام بذلك. وهو رقم زاد بمرور الوقت، حيث كان 20 بالمائة فقط في أكتوبر 2020، ثم 58 فاصل 1 بالمائة في يناير 2021. في المقابل، فإن أولئك الذين أكدوا بشكل قاطع أنهم لن يلقحوا كانوا 32 فاصل 46 بالمائة في أكتوبر الماضي، مقابل 3 فاصل 4 بالمائة في مايو. وتشير دراسة أخرى أجرتها إمبريال كوليدج لندن، إلى أن 79 بالمائة من الإسبان يثقون في لقاحات كوفيد-19، مقارنة بـ 56 بالمائة من الفرنسيين.
   ويستحضر رئيس الجمعية الإسبانية للتلقيح، آموس غارسيا، ثقافة لقاح معينة في شبه الجزيرة. ان معدلات التطعيم ضد العديد من الأمراض، مثل الأنفلونزا أو الحصبة، أعلى من مثيلاتها في البلدان الأوروبية الأخرى. وترتبط اللقاحات ونظام الصحة العامة أيضًا بالتقدم والحداثة، في بلد عانى من تأخيرات مختلفة في ظل ديكتاتورية فرانكو.

   يتم الاستشهاد بواحدة من الأحداث التاريخية، على وجه الخصوص، من قبل المتخصصين لتوضيح هذا الوضع: الصدمة التي خلّفها وباء شلل الأطفال.
   لم يبدأ التطعيم في البلاد في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، كما كان الحال في بلدان اخرى، ولكن بعد حوالي عقد من الزمان. وكان لهذا عواقب وخيمة على الأطفال الذين ولدوا خلال تلك الفترة. وقد بلغ الارتياح لوصول اللقاحات درجة أن ذاك الإحساس الايجابي يعمل حتى يومنا هذا، ككابح للحركة المناهضة للتلقيح. “بدأت جميع الحركات المناهضة للقاحات في أوروبا والولايات المتحدة في الظهور في أواخر السبعينات، لكنها وجدت أرضية غير مواتية في إسبانيا، لأننا كنا قد خرجنا للتو من وباء شلل الأطفال بفضل اللقاح”، يوضح الدكتور ألبرتو إنفانتي الأستاذ المميز للصحة الدولية في معهد كارلوس الثالث للصحة، إلى صحيفة إل بايس.

الأزمة والتضامن
   يفسر نجاح حملة التطعيم أيضًا بتداعيات وباء كوفيد -19، التي تدفع السكان إلى الحقن حتى لا يعودوا إلى هذا الوضع. وكان الحجر الصحي الأول أطول وأكثر صرامة وقاسيا في إسبانيا. ويعتقد ثلث الذين شملهم استطلاع منظمة المستهلكين والمستخدمين أن “صحتهم العقلية قد تأثرت بشكل خطير”. 11 بالمائة فقدوا صديقًا أو فردًا من العائلة بسبب المرض.
   كان الضرر اقتصاديًا أيضًا، في بلد بدأ يتعافى من الأزمة الرهيبة لعام 2008. لقد أظهر النموذج السياحي حدوده، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي 11 نقطة في 2020 مقابل 8 فاصل 3 في فرنسا أو 5 في ألمانيا. وانتقل معدل البطالة من 13 فاصل 78 بالمائة في نهاية عام 2019 إلى 16 فاصل 13 بالمائة بعد عام. ويقول ربع الإسبان إنهم “عانوا كثيرًا” اقتصاديًا من الوباء.
   أخيرًا، سيكون هذا التطعيم الضخم دليلًا على تضامن الأسرة الإسبانية. يؤكد ثلاثة أرباع الأشخاص الذين تم استجوابهم في دراسة منظمة المستهلكين والمستخدمين، أنه “من المهم أن يتم التطعيم لحماية الآخرين”. ومع ذلك، في إسبانيا، تتأخر حرية الشباب– 55 بالمائة من 25 إلى 29 عامًا، و25 فاصل 6 بالمائة من 30 إلى 34 عامًا، يعيشون عند والديهم عام 2020. ومن هنا تأتي الحاجة إلى التطعيم، حتى عندما لا ننتمي مباشرة الى الفئات الضعيفة والهشة صحيا.

70 بالمائة وماذا بعد؟
   هذا الوضع يحدد مسار المناقشات في إسبانيا. لا يتم انتقاد الحكومة لترويجها اللقاحات، ولكن لعدم تقديمها بالسرعة الكافية، وتولّد اجبارية اللقاح نقاشًا أقل مما هو سائد في فرنسا.
ليست هناك حاجة لاستخدامه لمقدمي الرعاية الصحية، على سبيل المثال، لأن أكثر من 90 بالمائة من اهل المهنة تلقوا تغطية كاملة.
   90 بالمائة: هذا هو الرقم المتوقع الآن لجميع السكان، كما أوضح المتحدث باسم الجمعية الإسبانية للصحة العامة، مانويل فرانكو. فوصول متغيرات جديدة وانتعاش الوباء، جعلاه يقول إن علامة 70 بالمائة لن تكون نقطة الوصول، وإننا علامة يجب تجاوزها قبل المرحلة التالية من الحملة: تطعيم الأصغر سنا، وإقناع الذين ما زالوا يرفضون القيام بذلك.