تم التصويت، وبرلمان جديد قائم:
إسبانيا: هل لا تزال كاتالونيا عنصر انسداد سياسي...؟
-- في البناء الحالي للحلم الكتالوني، إدانة لتاريخ إسبانيا، الذي يُقرأ على أنه هيمنة مستمرة وخنق دائم لكاتالونيا
-- انهيار سيودادانوس الحزب الوسطي، ودخول فوكس اليميني المتشدد بقوة
-- أزمة التمثيل السياسي أكثر خطورة اليوم مما كانت عليه بالأمس
-- عزز الانفصاليون قبضتهم على البرلمان وسجل حزب الشعب أسوأ نتيجة في كاتالونيا منذ عام 1980
-- معطى تأكد منذ الانتخابات الإقليمية الأولى عام 1980 -هذه الانتخابات تفضل الأحزاب القومية
في ديسمبر 2017، اضطر الناخبون الكاتالونيون إلى انتخاب برلمان إقليمي جديد بعد أن قررت الحكومة الإسبانية تطبيق المادة 155 التي تقضي بتعليق السلطات الإقليمية. في 1 أكتوبر 2017، أجروا استفتاء أحادي الجانب لتقرير المصير، وفي 27 أكتوبر، أعلنوا استقلال كاتالونيا. في المساء نفسه ، بموجب هذه المادة 155، تم استبدال الحكومة الإقليمية بوصاية الحكومة المركزية، ويمكن لرئيس الحكومة حينها، ماريانو راخوي، بموجب الصلاحيات المنقولة، حل البرلمان الإقليمي الكاتالوني. شهدت انتخابات ديسمبر 2017 إقبالًا قياسيًا: 79 فاصل 1 بالمائة، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط لهذا النوع من الانتخابات. وحصلت الأحزاب الانفصالية –”اليسار الجمهوري الكاتالوني”، و “معًا من أجل كاتالونيا” بزعامة كارليس بويغديمونت، وحركة “ترشيح الوحدة الشعبية” -على أغلبية برلمانية جديدة.
وسط ألم وانقسام، تم تشكيل حكومة. ترأسها أولاً الناشط كيم تورا، الذي أطاع أوامر كارليس بويغديمونت، وقادها بير أراجونيس، اعتبارًا من سبتمبر 2020. لكن بسبب عدم قدرة الأغلبية النيابية على التصويت على الميزانية، تم حل هذا البرلمان في نهاية عام 2020 والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة جديدة في 14 فبراير 2021 “1».
كانت للانتخابات التي أجريت في الأيام الأخيرة، في ظروف صحية صعبة، أهمية ثلاثية. ستعطي فكرة عن تطور ميزان القوى في كاتالونيا بعد ثلاث سنوات تميزت بالحكم على السياسيين السابقين الذين اختاروا استراتيجية انفصال أحادية الجانب وغير قانونية. وستسمح بفهم كيفية تطور الصراع الكتالوني.
وأخيرًا، ستشكل مستقبل السياسة الوطنية لأنه، بالإضافة إلى كونها اختبارًا لحكومة سانشيز، فانه لا يمكن ألا يكون لميزان القوى في كاتالونيا تأثيره على ملامح الأغلبية البرلمانية لبيدرو سانشيز. بعبارة أخرى، يفترض أن يجعل هذا الاقتراع من الممكن معرفة ما إذا كانت كاتالونيا لا تزال عنصرًا من عناصر الانسداد السياسي، أو على العكس من ذلك، يمكن وضع استراتيجية جديدة طويلة المدى. تشير نتائج 14 فبراير 2021، أولاً إلى أن كاتالونيا لا تزال تمثل قفلًا في السياسة الإسبانية، وعندما نكتب الإسبانية، فإننا نعني المشهد السياسي في كاتالونيا وفي الأمة الإسبانية.
هل انتصرت الانفصالية؟
خلال مساء الانتخابات، أصرت الأحزاب الثلاثة المؤيدة للاستقلال على أن العدد الإجمالي للأصوات التي تم الإدلاء بها تجاوز 50 بالمائة (بالضبط 50 فاصل 9 بالمائة) لأول مرة. إنهم يجددون أغلبيتهم البرلمانية بتطور ملليمتري ولكنه حاسم.
في الواقع، جاء حزب “معًا من أجل كاتالونيا” خلف” اليسار الجمهوري الكاتالوني”: 32 مقعدًا مقابل 33 (34 مقابل 32 في البرلمان السابق). وهكذا فاز الخيار “البراغماتي” لحزب أوريول جونكيراس والأب أراجونيس، على الخيار الراديكالي لتشكيلة كارليس بويغديمونت ولورا بوراس. بمفردهما، لا يتمتع الحزبان بأغلبية مطلقة: فهما يرتهنان، مرة أخرى، لأقصى اليسار الراديكالي-”ترشيح الوحدة الشعبية” -الذي ضاعف تمثيليته (9 مقاعد بدلاً من 4). ومع ذلك، فإن حركة “ترشيح الوحدة الشعبية” هي شريك لا يمكن توقعه: عام 2015 أسقطت قيادة ارتور ماس، وبالتالي ساهمت في ظهور الشخصية الثانوية حتى ذلك الحين لكارليس بويغديمونت. فبإدانتها للفساد، كانت قد أعلنت رفضها تولي لورا بوراس، المتهمة باختلاس الأموال العامة. ومن خلال الانتقال من 70 مقعدًا إلى 74 من أصل 135، يعزز الانفصاليون قبضتهم على البرلمان.
إذا قمنا بتقسيم النتائج حسب المقاطعات، يمكننا، مرة أخرى، أن نرى الجغرافيا السياسية التقليدية لكاتالونيا: تكون المقاطعات الريفية انفصالية إلى حد كبير، بينما تعد برشلونة أقل بشكل ملحوظ.
ويمكننا إثراء هذه المقاربة من خلال الإشارة إلى أنه في فيك (ريف برشلونة وعاصمة الاستقلالية المتشددة)، تحصل حزب “معًا من أجل كاتالونيا” على 42 فاصل 2 بالمائة من الأصوات، و”اليسار الجمهوري في كاتالونيا” على 20 فاصل 2 بالمائة، و”ترشيح الوحدة الشعبية” على 10 فاصل 1 بالمائة. والاشتراكيون بنسبة 10 فاصل 6 بالمائة، يبدون شاحبين ... اما في جيرونا، التي كان بويغديمونت عمدتها، حصل الانفصاليون على 61 بالمائة من الأصوات. ويفوق معدل المشاركة في كل من فيك وجيرونا، المتوسط الإقليمي (57 فاصل 5 بالمائة، و57 فاصل 6 بالمائة على التوالي). بعبارة أخرى -وهذا معطى تم التحقق منه منذ الانتخابات الإقليمية الأولى عام 1980 -هذه الانتخابات تفضل التشكيلات القومية.
من جهة أخرى، يضمن القانون الانتخابي تمثيلاً مفرطًا للمقاطعات الثلاث الأقل كثافة سكانية على حساب مقاطعة برشلونة. ويمثل النائب عن برشلونة 50 ألف ناخب، وزملائه من جيرونا وليريدا وتاراغونا بين 17 و22 الفا. هنا، مرة أخرى، من المعروف أنه مع تمثيل أكثر توازناً، لن يحصل الانفصاليون على أغلبية برلمانية”2». ولكن، إذا كان بإمكان المناقشة النظرية أن تتبنى هذه الحجج، فإن الواقع السياسي فعليّا هو توازن قوى موات للتشكيلات الانفصالية التي تعتبر نفسها قد أعيد إضفاء الشرعية عليها وتقويتها في نضالها.
على الجانب المناهض للانفصالية، انزعجت البانوراما تمامًا من عودة ظهور الحزب الاشتراكي في كتالونيا وانهيار حزب سيودادانوس سيوتادان، الحزب الوسطي الذي جسد عام 2017 مقاومة المشروع الانفصالي. جديد راديكالي اخر: دخول اليمين المتشدد -فوكس -بقوة مما أدى إلى أسوأ نتيجة لحزب الشعب في كاتالونيا منذ عام 1980. لقد أصبح الاشتراكيون مجددا أول قوة سياسية غير انفصالية، وحتى أول قوة سياسية في كاتالونيا. لكن لهذا النجاح جانب مراوغ: كان الحزب الاشتراكي الكاتالوني حتى عام 2011 هو أول حزب كاتالوني في الانتخابات العامة، ومن 1980 إلى 2006، كان يتأرجح حول 25-30 بالمائة مع نجاح تاريخي عام 1999 بنسبة 38 فاصل 2 بالمائة. الاشتراكيون يتعافون، وهذا خبر مهم: لطالما اعتقدت أن ضعف الاشتراكيين بين 2010 (18 فاصل 3 بالمائة من الأصوات) و2017 (13 فاصل 9 بالمائة) كان بمثابة النافذة للفرصة التي اغتنمها الانفصاليون لجعل مواقفهم. أكثر راديكالية. الحزب الاشتراكي الكاتالوني هو ذراع مفصلية بين كاتالونيا وإسبانيا: لقد تكسر... وهو الآن في الجبس، وهش، لكنه عائد. عرف الوسطيون انهيارا يمكن أن يعني اختفاءهم. على المستوى الوطني، بين أبريل وأكتوبر 2019، انتقلوا من 57 مقعدًا إلى 10. هذه المرة يتكرر السيناريو في كاتالونيا، حيث ولدوا كرد فكري وأخلاقي على الاستقلال وأكاذيبه وأوهامه. في الحقيقة، لقد تعرضت المثل الوسطية للناخبين للخيانة من قبل سياسيين مبتدئين أسكرتهم نجاحاتهم السريعة. وبسبب عدم قدرتهم على تحمل مسؤولياتهم، تبين أنهم خيبوا الآمال الى درجة أن العقوبة ارتقت إلى مستوى الآمال التي أثاروها.
ويُخشى أن يكون
مصيرهم مزبلة التاريخ
على اليمين، يصبح الوضع معقدًا بشكل غير عادي. لقد ربح حزب فوكس رهانًا مذهلاً: بوجود 11 مسؤولًا منتخبًا و7 فاصل 7 بالمائة من الأصوات، يعمل حزب اليمين المتشدد على ترسيخ نفسه كبديل حقيقي لحزب الشعب. كيف يمكن لحزب الشعب أن يطمح لحكم إسبانيا بأقل من 4 بالمائة من الأصوات في كاتالونيا؟ إن نجاح فوكس كارثي بالنسبة لبابلو كاسادو، زعيم حزب الشعب. بين أغسطس وأكتوبر 2020، غيّر خطه السياسي. ومنذ اقتراع نوفمبر 2019، اختار موقفًا يمينيًا للغاية مما تسبب في توترات مع الديمقراطيين الليبراليين والوسطيين والمسيحيين من حزب الشعب. كانت الفكرة هي خنق نمو فوكس من خلال استعادة الناخبين الراديكاليين بسبب الأزمة الكاتالونية وقضية الهجرة إلى حزب الشعب. لكن امام الافتقار إلى نتائج ملموسة، اختار بابلو كاسادو العودة إلى الجوهر الوسطي لحزب الشعب، ورفض الانضمام إلى لائحة اللوم التي قدمها فوكس ضد بيدرو سانشيز.
ومع ذلك، بهذه النتيجة في كاتالونيا، التي لم يقدّر أي معهد استطلاع حجمها، أصبح فوكس منفذًا للناخبين المتطرفين. ان مناخ التوتر على المستوى الوطني، وهو مناخ يستنكره بيدرو سانشيز ويحافظ عليه بمهارة، يسمح بتقسيم الناخبين اليمينيين. وهذا الانقسام يمنعه من التفكير في أي عودة إلى السلطة لسنوات ومواعيد انتخابية عديدة. وخصوصا، قد يشير هذا التجاوز في كاتالونيا إلى الظاهرة نفسها على المستوى الوطني، والتي ستكون أكثر قتامة بالنسبة لاحتمالات استعادة اليمين الإسباني للسلطة.
ماذا يعني
الامتناع عن التصويت؟
تعد نسبة المشاركة الانتخابية في انتخابات 14 فبراير 2021، هي الأدنى في تاريخ الانتخابات الإقليمية الكتالونية منذ عام 1980. وبلغت 53 فاصل 55 بالمائة. لكن إذا أزلنا البطاقات الفارغة والباطلة، فإن الأصوات المدلى بها تمثل 52 فاصل 34 بالمائة من إجمالي الناخبين.
بالطبع، أول فويرق لنجاح الاستقلاليين يأتي من هذه البيانات. تمثل نسبة 50 فاصل 9 بالمائة من الأصوات 26 فاصل 64 بالمائة من مجموع الناخبين الكتالونيين. عام 2017، مثلت نسبة 48 بالمائة، 37 فاصل 5 بالمائة من المجموع نفسه . عدديا، خسر المعسكر الانفصالي أكثر من 720 ألف صوت بينما خسر غير الانفصاليين 900 ألف. لا يمكن التشكيك في شرعية الاقتراع، لكن قدرته على التعبير عن إرادة عامة، خاصة إذا كنا نتحدث عن الرغبة في الاستقلال، يمكن التشكيك فيها. مع أكثر من 25 بالمائة من الناخبين، لا يمكنك بناء أمة أو دولة.
يجوز تفسير الامتناع أولاً بسياق الوباء (انظر الملاحظة 1). وظروف الحملة، التي سُمح خلالها بالحضور في التجمعات، بينما ظلت التجمعات العائلية والأصدقاء لأكثر من ستة أشخاص محظورة، ولا شك أن الخوف من العدوى أثناء التصويت دفع العديد من الناخبين إلى البقاء في منازلهم. لقد انفجر التصويت البريدي (+ 350 بالمائة) لكن هذا لا يمثل سوى 5 بالمائة من الناخبين.
ويفسر ذلك أيضًا بالإحباط والتعب. إحباط النشطاء المناهضين للاستقلال الذين لم يعودوا يعرفون لأي حزب يصوتون... لقد فقدوا الزخم. ظل حزب الشعب متخلفًا في كاتالونيا منذ فترة طويلة، وبقي الحزب الاشتراكي الكاتالوني وفوكس: خياران متضادان. علاوة على ذلك، إذا كان الحزب الاشتراكي الكاتالوني يرفض الاستقلال، فهو لا يعادي الحوار السياسي، دون تحديد نطاقه وموضوعاته. كما تقاعس الناخبون الذين لاحظوا كيف أصيبت الحكومة الإقليمية المنتهية ولايتها بالشلل منذ مايو 2018 بسبب الخلافات الداخلية بين الأحزاب الانفصالية.
يعبّر بعض النشطاء المؤيدين للاستقلال عن شك حقيقي في صدق” اليسار الجمهوري في كاتالونيا” أو “معًا من أجل كاتالونيا”. ماذا لو كان كل هذا مجرد وضعية؟ يُظهر النجاح المحترم لـ “ترشيح الوحدة الشعبية” (9 مقاعد) بوضوح الأمل في التطرف الذي يغذيه جزء كبير من المجتمع الكاتالوني (6 فاصل 7 بالمائة من الأصوات). بالإضافة إلى ذلك، تواصل حركة “ترشيح الوحدة الشعبية” إدانة الزبونية والعلائقية لحزب “معًا من أجل كاتالونيا”، الاسم الجديد لحزب التقارب والاتحاد بزعامة جوردي بوجول.
وهنا، تتجلى قوة الشبكات التي تم بناؤها سابقًا بأسلوب ومثابرة من عام 1980 إلى يومنا هذا من قبل هذا الحزب السياسي. لقد كان تحوله إلى الانفصالية المقاتلة عصا النجاة في وجه الغرق بعد الكشف عن فضيحة 3 بالمائة “3”. وحقق التقارب السابق ما لم تفعله الديمقراطية المسيحية الإيطالية: أعِاد اختراع نفسه، واستمر بفضل نسيجه الاجتماعي والزبوني. تم التصويت... وبرلمان جديد قائم، إلا اأن أزمة التمثيل السياسي أكثر خطورة اليوم مما كانت عليه بالأمس... هذه ليست مجرد مسالة كاتالونية.
ما “المشكلة الإقليمية” الكاتالونية؟
ما يبدو كاتالونيا على وجه التحديد، هي “المشكلة الإقليمية”، كما يقول الانفصاليون. هناك مشكلة، ولكن ما هي؟ وماذا يعني هذا التعبير “مشكلة إقليمية”؟
بالاستماع إلى قادة ونشطاء القضية الانفصالية، فإن المشكلة تنبع من حالة من الاضطهاد، أو حتى الاستعمار (أحد المرشحين، الرئيس السابق لغرفة تجارة برشلونة، قال، خلال الحملة الانتخابية، عن “غير الكاتالونيين” في كاتالونيا، أنهم كانوا “مستعمرين»).
ان الدولة الإسبانية، التي جاءت مباشرة من الفرنكية، تخنق المجتمع الكاتالوني. واستحضار الدعوة إلى رفض الشروع في استفتاء تقرير المصير، وإدانته أمام القضاء من قبل السلطات الحكومية في ذلك الوقت، وقمع الشرطة للمظاهرات، لا سيما تصويت 1 أكتوبر 2017، إلى جانب أخذ التأثيرات على أنها أسباب، يعني أيضًا تجاهل الوضع الحالي لكاتالونيا والبنية المؤسسية للدولة الإسبانية. لن نعود هنا إلى وصف هذا النظام اللامركزي للغاية، يكفي القول إن قوة المؤسسات الكتالونية أعطت المشهد السياسي الكتالوني كثافة لا مثيل لها في بقية البلاد، وأن كاتالونيا وحدها هي التي تحدد استقرار إسبانيا.
سبب آخر هو “العجز” الكتالوني: تساهم المنطقة بشكل مفرط في التكاليف الوطنية وهذا من شأنه أن يكون بمثابة عقوبة مسلطة عليها بشكل دائم. شجب جوزيب بوريل في أيامه هذه الأسطورة المتعلقة بالميزانية (انظر روايات وحكايات الاستقلال، 2015). وأظهر مؤرخون اقتصاديون التشابك الوثيق للعلاقة بين كاتالونيا والسوق الإسبانية (انظر غابرييل تورتيلاس، كاتالونيا في إسبانيا التاريخ والأسطورة، 2016). وهنا مرة أخرى، الحجة ضعيفة. تبقى مسألتان عاطفيتان: الأولى هي تاريخ كاتالونيا، والثانية هي المطالبة بـ “الحق في اتخاذ القرار”. في البناء الحالي للحلم الكاتالوني، يجب أن ندين تاريخ إسبانيا، الذي يُقرأ على أنه هيمنة مستمرة وخنق دائم لكاتالونيا... وبالتالي، ستكون المشكلة الإقليمية هي الرغبة في العدالة، أو بالأحرى في الانتقام.
وتكمن الصعوبة في أن كاتالونيا مستقلة أم لا، لن تمحو تاريخها ... ستعيد كتابته كما نراه في كتب المدارس الثانوية. الحقيقة لا تهم، طالما لدينا نخوة وطنية ... أما “الحق في اتخاذ القرار”، فهو اختراع لتبرير التصويت على تقرير المصير، وهو أمر مستحيل في الإطار المؤسسي الإسباني (سيادة الإسبان واحدة وغير قابلة للتجزئة). ومن أجل وجوده، من الضروري أن يعيش “شعب كاتالوني».
أين الشعب الكتالوني؟
المسالة هنا... هل هناك وجود يكشف عنه العمل القومي بكل فاعليته؟ هل هي أسطورة تعبئ؟ أم أنها تخفي تصورًا عنصريًا للمجتمع السياسي؟
لا يمكن معالجة هذه القضايا الجوهرية في مسارح التجمعات والاجتماعات، ولا خلف كواليس المفاوضات بين الأحزاب التي هي مكاتب تمثل مصالح مادية قوية للمسؤولين المنتخبين، ولا في احتجاج الشبكات الاجتماعية أو المظاهرات الحضرية. من خلال معارضة الكتالونيين باستمرار للإسبان، الجيدين و “السيئين”، الطاهرين والملوثين، فإن السياسة الكاتالونية محصورة في مخطط كارل شميت (الأصدقاء مقابل الأعداء).
ولهذا السبب، فإنها تظل قفلًا مزدوجًا يعيق، على حد السواء، الأغورا السياسية الإسبانية ومستقبل كاتالونيا. يبقى 14 فبراير 2021 مثالاً على هذه القوى السلبية”4».
«1» تم تحديد التاريخ في وقت أشار فيه تراجع الوباء إلى أن الاقتراع سيُجرى دون صعوبة كبيرة. في مطلع يناير 2021، اختارت الحكومة الكاتالونية نقل التاريخ إلى 30 مايو. لكن المحكمة العليا، التي لجا اليها الحزب الاشتراكي في كاتالونيا، اعتبرت أن هذا القرار غير قانوني لأن الحكومة الإقليمية لا يمكنها تأجيل انتخابات تم تحديد موعدها رسميًا وقانونًا. وتم الإبقاء على تاريخ 14 فبراير رغم انزعاج الانفصاليين.
«2» تحصل الاشتراكيون على 23 نائبًا من أصل 33 نائبًا في برشلونة ، وحصل حزب الشعب على 3 نواب في دائرة برشلونة وحدها. وتمكن فوكس من أن يكون له ممثلون منتخبون في جميع الدوائر الانتخابية الأربع، بينما الوسطيين فقط في برشلونة (5) وتاراغونا (1). كما نجحت حركة ترشيح الوحدة الشعبية في انتخاب مرشحين في جميع الدوائر.
«3» منذ عام 2000 ، ورط باسكوال ماراجال (اشتراكي) جوردي بوجول. قال له في البرلمان الكتالوني: “لديك مشكلة، وهذه المشكلة هي الـ 3 بالمائة”. كانت هذه الجملة كافية لتعريف قضية الفساد. بعد خمسة عشر عامًا، أصبحت كاتالونيا بأكملها تعرف الآن مدى انتشار شبكة الفساد القائمة.
«4» سوف ندرس في مساهمة أخرى السيناريوهات المحتملة بعد هذه الانتخابات. تستدعي تعقيدات وانعكاسات الحياة السياسية الكتالونية توخي الحذر، ويريد الهدف من هذا التحليل، التركيز على الأهمية الانتخابية ليوم 14 فبراير 2021.
*مؤرخ، أستاذ كرسي في معهد كوندورسيه
-- انهيار سيودادانوس الحزب الوسطي، ودخول فوكس اليميني المتشدد بقوة
-- أزمة التمثيل السياسي أكثر خطورة اليوم مما كانت عليه بالأمس
-- عزز الانفصاليون قبضتهم على البرلمان وسجل حزب الشعب أسوأ نتيجة في كاتالونيا منذ عام 1980
-- معطى تأكد منذ الانتخابات الإقليمية الأولى عام 1980 -هذه الانتخابات تفضل الأحزاب القومية
في ديسمبر 2017، اضطر الناخبون الكاتالونيون إلى انتخاب برلمان إقليمي جديد بعد أن قررت الحكومة الإسبانية تطبيق المادة 155 التي تقضي بتعليق السلطات الإقليمية. في 1 أكتوبر 2017، أجروا استفتاء أحادي الجانب لتقرير المصير، وفي 27 أكتوبر، أعلنوا استقلال كاتالونيا. في المساء نفسه ، بموجب هذه المادة 155، تم استبدال الحكومة الإقليمية بوصاية الحكومة المركزية، ويمكن لرئيس الحكومة حينها، ماريانو راخوي، بموجب الصلاحيات المنقولة، حل البرلمان الإقليمي الكاتالوني. شهدت انتخابات ديسمبر 2017 إقبالًا قياسيًا: 79 فاصل 1 بالمائة، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط لهذا النوع من الانتخابات. وحصلت الأحزاب الانفصالية –”اليسار الجمهوري الكاتالوني”، و “معًا من أجل كاتالونيا” بزعامة كارليس بويغديمونت، وحركة “ترشيح الوحدة الشعبية” -على أغلبية برلمانية جديدة.
وسط ألم وانقسام، تم تشكيل حكومة. ترأسها أولاً الناشط كيم تورا، الذي أطاع أوامر كارليس بويغديمونت، وقادها بير أراجونيس، اعتبارًا من سبتمبر 2020. لكن بسبب عدم قدرة الأغلبية النيابية على التصويت على الميزانية، تم حل هذا البرلمان في نهاية عام 2020 والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة جديدة في 14 فبراير 2021 “1».
كانت للانتخابات التي أجريت في الأيام الأخيرة، في ظروف صحية صعبة، أهمية ثلاثية. ستعطي فكرة عن تطور ميزان القوى في كاتالونيا بعد ثلاث سنوات تميزت بالحكم على السياسيين السابقين الذين اختاروا استراتيجية انفصال أحادية الجانب وغير قانونية. وستسمح بفهم كيفية تطور الصراع الكتالوني.
وأخيرًا، ستشكل مستقبل السياسة الوطنية لأنه، بالإضافة إلى كونها اختبارًا لحكومة سانشيز، فانه لا يمكن ألا يكون لميزان القوى في كاتالونيا تأثيره على ملامح الأغلبية البرلمانية لبيدرو سانشيز. بعبارة أخرى، يفترض أن يجعل هذا الاقتراع من الممكن معرفة ما إذا كانت كاتالونيا لا تزال عنصرًا من عناصر الانسداد السياسي، أو على العكس من ذلك، يمكن وضع استراتيجية جديدة طويلة المدى. تشير نتائج 14 فبراير 2021، أولاً إلى أن كاتالونيا لا تزال تمثل قفلًا في السياسة الإسبانية، وعندما نكتب الإسبانية، فإننا نعني المشهد السياسي في كاتالونيا وفي الأمة الإسبانية.
هل انتصرت الانفصالية؟
خلال مساء الانتخابات، أصرت الأحزاب الثلاثة المؤيدة للاستقلال على أن العدد الإجمالي للأصوات التي تم الإدلاء بها تجاوز 50 بالمائة (بالضبط 50 فاصل 9 بالمائة) لأول مرة. إنهم يجددون أغلبيتهم البرلمانية بتطور ملليمتري ولكنه حاسم.
في الواقع، جاء حزب “معًا من أجل كاتالونيا” خلف” اليسار الجمهوري الكاتالوني”: 32 مقعدًا مقابل 33 (34 مقابل 32 في البرلمان السابق). وهكذا فاز الخيار “البراغماتي” لحزب أوريول جونكيراس والأب أراجونيس، على الخيار الراديكالي لتشكيلة كارليس بويغديمونت ولورا بوراس. بمفردهما، لا يتمتع الحزبان بأغلبية مطلقة: فهما يرتهنان، مرة أخرى، لأقصى اليسار الراديكالي-”ترشيح الوحدة الشعبية” -الذي ضاعف تمثيليته (9 مقاعد بدلاً من 4). ومع ذلك، فإن حركة “ترشيح الوحدة الشعبية” هي شريك لا يمكن توقعه: عام 2015 أسقطت قيادة ارتور ماس، وبالتالي ساهمت في ظهور الشخصية الثانوية حتى ذلك الحين لكارليس بويغديمونت. فبإدانتها للفساد، كانت قد أعلنت رفضها تولي لورا بوراس، المتهمة باختلاس الأموال العامة. ومن خلال الانتقال من 70 مقعدًا إلى 74 من أصل 135، يعزز الانفصاليون قبضتهم على البرلمان.
إذا قمنا بتقسيم النتائج حسب المقاطعات، يمكننا، مرة أخرى، أن نرى الجغرافيا السياسية التقليدية لكاتالونيا: تكون المقاطعات الريفية انفصالية إلى حد كبير، بينما تعد برشلونة أقل بشكل ملحوظ.
ويمكننا إثراء هذه المقاربة من خلال الإشارة إلى أنه في فيك (ريف برشلونة وعاصمة الاستقلالية المتشددة)، تحصل حزب “معًا من أجل كاتالونيا” على 42 فاصل 2 بالمائة من الأصوات، و”اليسار الجمهوري في كاتالونيا” على 20 فاصل 2 بالمائة، و”ترشيح الوحدة الشعبية” على 10 فاصل 1 بالمائة. والاشتراكيون بنسبة 10 فاصل 6 بالمائة، يبدون شاحبين ... اما في جيرونا، التي كان بويغديمونت عمدتها، حصل الانفصاليون على 61 بالمائة من الأصوات. ويفوق معدل المشاركة في كل من فيك وجيرونا، المتوسط الإقليمي (57 فاصل 5 بالمائة، و57 فاصل 6 بالمائة على التوالي). بعبارة أخرى -وهذا معطى تم التحقق منه منذ الانتخابات الإقليمية الأولى عام 1980 -هذه الانتخابات تفضل التشكيلات القومية.
من جهة أخرى، يضمن القانون الانتخابي تمثيلاً مفرطًا للمقاطعات الثلاث الأقل كثافة سكانية على حساب مقاطعة برشلونة. ويمثل النائب عن برشلونة 50 ألف ناخب، وزملائه من جيرونا وليريدا وتاراغونا بين 17 و22 الفا. هنا، مرة أخرى، من المعروف أنه مع تمثيل أكثر توازناً، لن يحصل الانفصاليون على أغلبية برلمانية”2». ولكن، إذا كان بإمكان المناقشة النظرية أن تتبنى هذه الحجج، فإن الواقع السياسي فعليّا هو توازن قوى موات للتشكيلات الانفصالية التي تعتبر نفسها قد أعيد إضفاء الشرعية عليها وتقويتها في نضالها.
على الجانب المناهض للانفصالية، انزعجت البانوراما تمامًا من عودة ظهور الحزب الاشتراكي في كتالونيا وانهيار حزب سيودادانوس سيوتادان، الحزب الوسطي الذي جسد عام 2017 مقاومة المشروع الانفصالي. جديد راديكالي اخر: دخول اليمين المتشدد -فوكس -بقوة مما أدى إلى أسوأ نتيجة لحزب الشعب في كاتالونيا منذ عام 1980. لقد أصبح الاشتراكيون مجددا أول قوة سياسية غير انفصالية، وحتى أول قوة سياسية في كاتالونيا. لكن لهذا النجاح جانب مراوغ: كان الحزب الاشتراكي الكاتالوني حتى عام 2011 هو أول حزب كاتالوني في الانتخابات العامة، ومن 1980 إلى 2006، كان يتأرجح حول 25-30 بالمائة مع نجاح تاريخي عام 1999 بنسبة 38 فاصل 2 بالمائة. الاشتراكيون يتعافون، وهذا خبر مهم: لطالما اعتقدت أن ضعف الاشتراكيين بين 2010 (18 فاصل 3 بالمائة من الأصوات) و2017 (13 فاصل 9 بالمائة) كان بمثابة النافذة للفرصة التي اغتنمها الانفصاليون لجعل مواقفهم. أكثر راديكالية. الحزب الاشتراكي الكاتالوني هو ذراع مفصلية بين كاتالونيا وإسبانيا: لقد تكسر... وهو الآن في الجبس، وهش، لكنه عائد. عرف الوسطيون انهيارا يمكن أن يعني اختفاءهم. على المستوى الوطني، بين أبريل وأكتوبر 2019، انتقلوا من 57 مقعدًا إلى 10. هذه المرة يتكرر السيناريو في كاتالونيا، حيث ولدوا كرد فكري وأخلاقي على الاستقلال وأكاذيبه وأوهامه. في الحقيقة، لقد تعرضت المثل الوسطية للناخبين للخيانة من قبل سياسيين مبتدئين أسكرتهم نجاحاتهم السريعة. وبسبب عدم قدرتهم على تحمل مسؤولياتهم، تبين أنهم خيبوا الآمال الى درجة أن العقوبة ارتقت إلى مستوى الآمال التي أثاروها.
ويُخشى أن يكون
مصيرهم مزبلة التاريخ
على اليمين، يصبح الوضع معقدًا بشكل غير عادي. لقد ربح حزب فوكس رهانًا مذهلاً: بوجود 11 مسؤولًا منتخبًا و7 فاصل 7 بالمائة من الأصوات، يعمل حزب اليمين المتشدد على ترسيخ نفسه كبديل حقيقي لحزب الشعب. كيف يمكن لحزب الشعب أن يطمح لحكم إسبانيا بأقل من 4 بالمائة من الأصوات في كاتالونيا؟ إن نجاح فوكس كارثي بالنسبة لبابلو كاسادو، زعيم حزب الشعب. بين أغسطس وأكتوبر 2020، غيّر خطه السياسي. ومنذ اقتراع نوفمبر 2019، اختار موقفًا يمينيًا للغاية مما تسبب في توترات مع الديمقراطيين الليبراليين والوسطيين والمسيحيين من حزب الشعب. كانت الفكرة هي خنق نمو فوكس من خلال استعادة الناخبين الراديكاليين بسبب الأزمة الكاتالونية وقضية الهجرة إلى حزب الشعب. لكن امام الافتقار إلى نتائج ملموسة، اختار بابلو كاسادو العودة إلى الجوهر الوسطي لحزب الشعب، ورفض الانضمام إلى لائحة اللوم التي قدمها فوكس ضد بيدرو سانشيز.
ومع ذلك، بهذه النتيجة في كاتالونيا، التي لم يقدّر أي معهد استطلاع حجمها، أصبح فوكس منفذًا للناخبين المتطرفين. ان مناخ التوتر على المستوى الوطني، وهو مناخ يستنكره بيدرو سانشيز ويحافظ عليه بمهارة، يسمح بتقسيم الناخبين اليمينيين. وهذا الانقسام يمنعه من التفكير في أي عودة إلى السلطة لسنوات ومواعيد انتخابية عديدة. وخصوصا، قد يشير هذا التجاوز في كاتالونيا إلى الظاهرة نفسها على المستوى الوطني، والتي ستكون أكثر قتامة بالنسبة لاحتمالات استعادة اليمين الإسباني للسلطة.
ماذا يعني
الامتناع عن التصويت؟
تعد نسبة المشاركة الانتخابية في انتخابات 14 فبراير 2021، هي الأدنى في تاريخ الانتخابات الإقليمية الكتالونية منذ عام 1980. وبلغت 53 فاصل 55 بالمائة. لكن إذا أزلنا البطاقات الفارغة والباطلة، فإن الأصوات المدلى بها تمثل 52 فاصل 34 بالمائة من إجمالي الناخبين.
بالطبع، أول فويرق لنجاح الاستقلاليين يأتي من هذه البيانات. تمثل نسبة 50 فاصل 9 بالمائة من الأصوات 26 فاصل 64 بالمائة من مجموع الناخبين الكتالونيين. عام 2017، مثلت نسبة 48 بالمائة، 37 فاصل 5 بالمائة من المجموع نفسه . عدديا، خسر المعسكر الانفصالي أكثر من 720 ألف صوت بينما خسر غير الانفصاليين 900 ألف. لا يمكن التشكيك في شرعية الاقتراع، لكن قدرته على التعبير عن إرادة عامة، خاصة إذا كنا نتحدث عن الرغبة في الاستقلال، يمكن التشكيك فيها. مع أكثر من 25 بالمائة من الناخبين، لا يمكنك بناء أمة أو دولة.
يجوز تفسير الامتناع أولاً بسياق الوباء (انظر الملاحظة 1). وظروف الحملة، التي سُمح خلالها بالحضور في التجمعات، بينما ظلت التجمعات العائلية والأصدقاء لأكثر من ستة أشخاص محظورة، ولا شك أن الخوف من العدوى أثناء التصويت دفع العديد من الناخبين إلى البقاء في منازلهم. لقد انفجر التصويت البريدي (+ 350 بالمائة) لكن هذا لا يمثل سوى 5 بالمائة من الناخبين.
ويفسر ذلك أيضًا بالإحباط والتعب. إحباط النشطاء المناهضين للاستقلال الذين لم يعودوا يعرفون لأي حزب يصوتون... لقد فقدوا الزخم. ظل حزب الشعب متخلفًا في كاتالونيا منذ فترة طويلة، وبقي الحزب الاشتراكي الكاتالوني وفوكس: خياران متضادان. علاوة على ذلك، إذا كان الحزب الاشتراكي الكاتالوني يرفض الاستقلال، فهو لا يعادي الحوار السياسي، دون تحديد نطاقه وموضوعاته. كما تقاعس الناخبون الذين لاحظوا كيف أصيبت الحكومة الإقليمية المنتهية ولايتها بالشلل منذ مايو 2018 بسبب الخلافات الداخلية بين الأحزاب الانفصالية.
يعبّر بعض النشطاء المؤيدين للاستقلال عن شك حقيقي في صدق” اليسار الجمهوري في كاتالونيا” أو “معًا من أجل كاتالونيا”. ماذا لو كان كل هذا مجرد وضعية؟ يُظهر النجاح المحترم لـ “ترشيح الوحدة الشعبية” (9 مقاعد) بوضوح الأمل في التطرف الذي يغذيه جزء كبير من المجتمع الكاتالوني (6 فاصل 7 بالمائة من الأصوات). بالإضافة إلى ذلك، تواصل حركة “ترشيح الوحدة الشعبية” إدانة الزبونية والعلائقية لحزب “معًا من أجل كاتالونيا”، الاسم الجديد لحزب التقارب والاتحاد بزعامة جوردي بوجول.
وهنا، تتجلى قوة الشبكات التي تم بناؤها سابقًا بأسلوب ومثابرة من عام 1980 إلى يومنا هذا من قبل هذا الحزب السياسي. لقد كان تحوله إلى الانفصالية المقاتلة عصا النجاة في وجه الغرق بعد الكشف عن فضيحة 3 بالمائة “3”. وحقق التقارب السابق ما لم تفعله الديمقراطية المسيحية الإيطالية: أعِاد اختراع نفسه، واستمر بفضل نسيجه الاجتماعي والزبوني. تم التصويت... وبرلمان جديد قائم، إلا اأن أزمة التمثيل السياسي أكثر خطورة اليوم مما كانت عليه بالأمس... هذه ليست مجرد مسالة كاتالونية.
ما “المشكلة الإقليمية” الكاتالونية؟
ما يبدو كاتالونيا على وجه التحديد، هي “المشكلة الإقليمية”، كما يقول الانفصاليون. هناك مشكلة، ولكن ما هي؟ وماذا يعني هذا التعبير “مشكلة إقليمية”؟
بالاستماع إلى قادة ونشطاء القضية الانفصالية، فإن المشكلة تنبع من حالة من الاضطهاد، أو حتى الاستعمار (أحد المرشحين، الرئيس السابق لغرفة تجارة برشلونة، قال، خلال الحملة الانتخابية، عن “غير الكاتالونيين” في كاتالونيا، أنهم كانوا “مستعمرين»).
ان الدولة الإسبانية، التي جاءت مباشرة من الفرنكية، تخنق المجتمع الكاتالوني. واستحضار الدعوة إلى رفض الشروع في استفتاء تقرير المصير، وإدانته أمام القضاء من قبل السلطات الحكومية في ذلك الوقت، وقمع الشرطة للمظاهرات، لا سيما تصويت 1 أكتوبر 2017، إلى جانب أخذ التأثيرات على أنها أسباب، يعني أيضًا تجاهل الوضع الحالي لكاتالونيا والبنية المؤسسية للدولة الإسبانية. لن نعود هنا إلى وصف هذا النظام اللامركزي للغاية، يكفي القول إن قوة المؤسسات الكتالونية أعطت المشهد السياسي الكتالوني كثافة لا مثيل لها في بقية البلاد، وأن كاتالونيا وحدها هي التي تحدد استقرار إسبانيا.
سبب آخر هو “العجز” الكتالوني: تساهم المنطقة بشكل مفرط في التكاليف الوطنية وهذا من شأنه أن يكون بمثابة عقوبة مسلطة عليها بشكل دائم. شجب جوزيب بوريل في أيامه هذه الأسطورة المتعلقة بالميزانية (انظر روايات وحكايات الاستقلال، 2015). وأظهر مؤرخون اقتصاديون التشابك الوثيق للعلاقة بين كاتالونيا والسوق الإسبانية (انظر غابرييل تورتيلاس، كاتالونيا في إسبانيا التاريخ والأسطورة، 2016). وهنا مرة أخرى، الحجة ضعيفة. تبقى مسألتان عاطفيتان: الأولى هي تاريخ كاتالونيا، والثانية هي المطالبة بـ “الحق في اتخاذ القرار”. في البناء الحالي للحلم الكاتالوني، يجب أن ندين تاريخ إسبانيا، الذي يُقرأ على أنه هيمنة مستمرة وخنق دائم لكاتالونيا... وبالتالي، ستكون المشكلة الإقليمية هي الرغبة في العدالة، أو بالأحرى في الانتقام.
وتكمن الصعوبة في أن كاتالونيا مستقلة أم لا، لن تمحو تاريخها ... ستعيد كتابته كما نراه في كتب المدارس الثانوية. الحقيقة لا تهم، طالما لدينا نخوة وطنية ... أما “الحق في اتخاذ القرار”، فهو اختراع لتبرير التصويت على تقرير المصير، وهو أمر مستحيل في الإطار المؤسسي الإسباني (سيادة الإسبان واحدة وغير قابلة للتجزئة). ومن أجل وجوده، من الضروري أن يعيش “شعب كاتالوني».
أين الشعب الكتالوني؟
المسالة هنا... هل هناك وجود يكشف عنه العمل القومي بكل فاعليته؟ هل هي أسطورة تعبئ؟ أم أنها تخفي تصورًا عنصريًا للمجتمع السياسي؟
لا يمكن معالجة هذه القضايا الجوهرية في مسارح التجمعات والاجتماعات، ولا خلف كواليس المفاوضات بين الأحزاب التي هي مكاتب تمثل مصالح مادية قوية للمسؤولين المنتخبين، ولا في احتجاج الشبكات الاجتماعية أو المظاهرات الحضرية. من خلال معارضة الكتالونيين باستمرار للإسبان، الجيدين و “السيئين”، الطاهرين والملوثين، فإن السياسة الكاتالونية محصورة في مخطط كارل شميت (الأصدقاء مقابل الأعداء).
ولهذا السبب، فإنها تظل قفلًا مزدوجًا يعيق، على حد السواء، الأغورا السياسية الإسبانية ومستقبل كاتالونيا. يبقى 14 فبراير 2021 مثالاً على هذه القوى السلبية”4».
«1» تم تحديد التاريخ في وقت أشار فيه تراجع الوباء إلى أن الاقتراع سيُجرى دون صعوبة كبيرة. في مطلع يناير 2021، اختارت الحكومة الكاتالونية نقل التاريخ إلى 30 مايو. لكن المحكمة العليا، التي لجا اليها الحزب الاشتراكي في كاتالونيا، اعتبرت أن هذا القرار غير قانوني لأن الحكومة الإقليمية لا يمكنها تأجيل انتخابات تم تحديد موعدها رسميًا وقانونًا. وتم الإبقاء على تاريخ 14 فبراير رغم انزعاج الانفصاليين.
«2» تحصل الاشتراكيون على 23 نائبًا من أصل 33 نائبًا في برشلونة ، وحصل حزب الشعب على 3 نواب في دائرة برشلونة وحدها. وتمكن فوكس من أن يكون له ممثلون منتخبون في جميع الدوائر الانتخابية الأربع، بينما الوسطيين فقط في برشلونة (5) وتاراغونا (1). كما نجحت حركة ترشيح الوحدة الشعبية في انتخاب مرشحين في جميع الدوائر.
«3» منذ عام 2000 ، ورط باسكوال ماراجال (اشتراكي) جوردي بوجول. قال له في البرلمان الكتالوني: “لديك مشكلة، وهذه المشكلة هي الـ 3 بالمائة”. كانت هذه الجملة كافية لتعريف قضية الفساد. بعد خمسة عشر عامًا، أصبحت كاتالونيا بأكملها تعرف الآن مدى انتشار شبكة الفساد القائمة.
«4» سوف ندرس في مساهمة أخرى السيناريوهات المحتملة بعد هذه الانتخابات. تستدعي تعقيدات وانعكاسات الحياة السياسية الكتالونية توخي الحذر، ويريد الهدف من هذا التحليل، التركيز على الأهمية الانتخابية ليوم 14 فبراير 2021.
*مؤرخ، أستاذ كرسي في معهد كوندورسيه