رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس بنين ورئيسة الاتحاد السويسري بذكرى اليوم الوطني لبلديهما
الهدف تعديل شكل الجيش
إعادة التسلح الضخمة لبولندا: الأسباب والعواقب والخلافات
-- يكشف تحليل سياسة إعادة التسلح هذه عن خطوط الانقسام في الإجماع المؤيد للغرب للنخب السياسية البولندية
-- عملية التحديث ستجعل الجيش البولندي هو الأقوى في أوروبا
-- تعهدت أحزاب المعارضة بمراجعة كل هذه السياسة إذا فازت في انتخابات 2023
-- يبرز البرنامج ملامح النظام الجيوسياسي الذي يدعو إليه حزب القانون والعدالة، في أوروبا وخارجها
-- الاتحاد الأوروبي في نظر حزب القانون والعدالة هو أحد أساليب الوصول إلى العولمة الليبرالية
بفضل الحرب في أوكرانيا، شهدت بولندا تحسنًا ملحوظًا لصورتها في أوروبا. فقد استقبلت وارسو عددا كبيرا من لاجئي الحرب الأوكرانيين وزودت أوكرانيا بالأسلحة، مستفيدة من القرب التقني للمعدات بين البلدين. وسجّلت الحكومة البولندية أيضًا اختلافها من خلال إرسال رئيس وزرائها إلى كييف في مارس 2022 مصحوبا بنظيريه التشيكي والسلوفيني، أي قبل ثلاثة أشهر من قيام رؤساء الدول والحكومات الألمانية والفرنسية والإيطالية بنفس الخطوة. وارتكز حزب القانون والعدالة اليميني، الذي يتولى السلطة منذ عام 2015، على تردد بعض عواصم أوروبا الغربية في بداية الصراع في محاولة لاعتماد أطروحة تحول الزعامة الأوروبية إلى شرق الاتحاد الاوروبي.
علاوة على ذلك، ومن خلال إعطاء مزيد من الوضوح للرهانات الأمنية للجناح الشرقي لحلف الناتو، بدا أن الصراع يثبت صحة مواقف وارسو المتشددة تجاه روسيا -مواقف هي موضوع إجماع قوي في السياسة الداخلية منذ عدة عقود، على الأقل في الظّاهر.
وفي هذا السياق، ضاعفت وزارة الدفاع البولندية منذ عدة أشهر من إعلاناتها عن عمليات شراء أسلحة، بهدف معلن يتمثل في بناء “جيش كبير” قادر على تحمل صدمة عدوان مسلح من روسيا. ويكشف تحليل سياسة إعادة التسلح هذه عن خطوط الانقسام في الإجماع المؤيد للغرب للنخب السياسية البولندية. كما أنه يجعل من الممكن إبراز ملامح النظام الجيوسياسي الذي يدعو إليه حزب القانون والعدالة، في أوروبا وخارجها.
جهد عسكري
غير مسبوق
الحكومة، التي أعلنت أن 3 بالمائة من الميزانية ستخصص من الآن فصاعدا للدفاع، تعتزم تعديل شكل الجيش، الذي سيتحول من أربعة إلى ستة أقسام. وبالتالي سيكون لديها ما يقرب من 300 ألف مقاتل، مقابل 115 الفا حاليًا. كما ستشهد زيادة قوتها النارية بشكل كبير، بما يتماشى مع عقيدة الدفاع في البلاد، التي تستبعد الضربات الوقائية ولكنها تهدف إلى ردع أي عدوان مسلح.
يتعلق نشاط وارسو بالحصول على أسلحة “جاهزة” (أي موجودة فعلا) وليس على الشراكات التي من المحتمل أن تعزز صناعة الأسلحة الوطنية. وستشمل الشراءات المستقبلية الدبابات والمروحيات الأمريكية الثقيلة، وكذلك صواريخ هيمارس، التي تم إثبات فعاليتها خلال القتال في أوكرانيا. تم إبرام عقود أخرى مع كوريا الجنوبية، خاصة لتعزيز المدفعية بمدافع جديدة ذاتية الدفع. وخصوصا، يبدو أن عمليات الشراء من سيول تشمل عمليات نقل التكنولوجيا والتعاون الذي يمكن أن يجعل صناعة الدفاع البولندية أكثر استقلالية في نهاية المطاف، بل وتضعها في منافسة مع نظيراتها في أوروبا الغربية.
ستجعل عملية التحديث هذه الجيش البولندي هو الأقوى في أوروبا.
وبالتالي، يؤكد موقع ميتا ديفونس على “التعزيز المذهل لقدرات الجيوش البولندية، والتي ستضمّ في نهاية العقد 1500 دبابة حديثة، ومثلها من المركبات القتالية للمشاة، و1200 من أنظمة المدفعية المتحركة، وعدة آلاف من المركبات المدرعة الخفيفة، اي أكثر من القوات الفرنسية والألمانية والبريطانية والإيطالية والهولندية والبلجيكية مجتمعة».
على مدار هذه الإعلانات، تم إهمال الصناعات الدفاعية في الاتحاد الأوروبي أوتوماتيكيا لصالح المعدات الأمريكية أو البريطانية، وكذلك الكورية (بعد إيرباص، تحمل ليوناردو الإيطالي وطأة الخيار البولندي لصالح مروحيات أباتشي التي تنتجها شركة بوينغ). ومؤخرا، أدرجت وزارة الدفاع سياستها الجديدة تحت مسمى “موديل 2035”، حتى لو لم يتم الإعلان عن التوجهات العامة لهذه الخطة حتى الآن.
حزب القانون والعدالة يفضل “الاطلسي” على الاتحاد الأوروبي
توضح كل هذه الاعلانات “الخيال الجيوسياسي” الواقعي الذي يعمل به حزب القانون والعدالة وجزء كبير من الدوائر المحافظة البولندية، وتسلط الضوء بالمصادفة على مواقفه الأوروبية.
منذ أوائل التسعينات، يفضّل اليمين البولندي الاندماج مع الناتو على عضوية الاتحاد الأوروبي، بينما يظهر الليبراليون والمعتدلون مواقف أكثر صراحة لصالح التكامل الأوروبي.
وحتى لو كانت هذه الفروق قد غُرِقت لفترة طويلة في الهاجس العام بالانضمام إلى المنظمات الدولية الأوروبية والغربية في حركة واحدة، فإنها تتخذ اليوم نشاطًا غير مسبوق.
بالنسبة لحزب القانون والعدالة، فإن الانتماء إلى المعسكر الغربي يعني قبل كل شيء حلف الناتو..
بينما يبدو الاتحاد الأوروبي فضاء ثانويا، خاصة أن هذا الاخير لا يتردد في الذهاب إلى عملية لي ذراع مع وارسو عندما يرى أن الحكومة البولندية تنصلت من بعض المبادئ الأوروبية.
يُظهر الإعلان عن تعاون جديد مع كوريا الجنوبية بوضوح أن حكومة حزب القانون والعدالة تعتزم تحريــــر نفسها من كل تبعية وكل تضامن داخلي للاتحاد الأوروبـي في المسائل الدفاعية، من أجل إنشـــاء شراكات قادرة على قلب البلاد من موقعها الهامشي نحو وضع لاعب عالمي.
ويمكن ربط هذه التوجهات بالمحاولات التي بدأت في يناير 2022 لإنشاء تحالف جديد مع أوكرانيا والمملكة المتحدة، بعد البريكسيت، وهذا الأخير مدعوم بأيديولوجية بريطانيا العالمية. وفي الخلفية، تتجلى هكذا تفضيلات أيديولوجية سيادية، والتي تُظهر أن الاتحاد الأوروبي في نظر حزب القانون والعدالة هو أحد أساليب الوصول إلى العولمة الليبرالية، أكثر من كونه مشروع اندماج وتضامن جديد بين الدول الأعضاء.
إعادة تسليح شاملة
لا تتمتع بإجماع
ومع ذلك، تعرضت هذه الإعلانات لانتقادات من المعارضة، التي تحاول تشكيل ائتلاف لانتخابات 2023 حول المنصة المدنية، حزب دونالد تاسك. تستنكر أحزاب المعارضة الارتجال وعدم الاتساق وعدم مصداقية هذه السياسة، بالنظر إلى الآفاق الاقتصادية والديموغرافية للبلاد؛ إنهم يحاولون، في تطور جديد، جعل الملف أحد موضوعات الحملة الانتخابية المقبلة، كما يتضح من الندوة الأخيرة المخصصة لهذه القضايا من قبل اثنين من الرؤساء البولنديين السابقين، ألكسندر كواسنيوسكي وبرونيسلاف كوموروفسكي.
علاوة على ذلك، بينما أيدت أحزاب المعارضة بالإجماع قانون “الدفاع عن الوطن” الذي يزيد من جهود الدفاع إلى 3 بالمائة من الميزانية، تندد بعض الأصوات بمزايدة ياروسلاف كاتشينسكي، رئيس حزب القانون والعدالة والزعيم الحقيقي للحكومة، والذي يؤكد أن هذه النسبة يجب أن تصل في المستقبل إلى 5 بالمائة.
ووفقًا لوزراء الدفاع السابقين الذين شغلوا هذا المنصب بين 2011 و2015 في حكومة المنصة المدنية، مثل توماش سيمونياك، فإن جنون الاستحواذ هذا سيؤدي إلى تكديس أنظمة أسلحة غير متجانسة وسيتم إلحاق الضرر بالصناعة المحلية. ولإعطاء وزن لهذه الحجة، يذكّرون بأنّ مدير الشركة البولندية المنتجة لمدافع ذاتية الدفع استقال مؤخرًا، احتجاجًا على اختيار المعدات الجديدة المطورة مع كوريا الجنوبية.
قضية كاراكالز الفرنسية، التي يعود تاريخها إلى عام 2016، تعاود الظهور أيضًا، من خلال تسريبات رسائل البريد الإلكتروني الحكومية الداخلية التي تدعو إلى بذل كل الجهود لغرس فكرة أن هذه الأجهزة غير فعالة في النقاش العام. كان من المقرر تسليم طائرات الهليكوبتر من طراز إيرباص كاراكال إلى بولندا بين 2017 و2022، في حين تم طلب 96 طائرة أباتشي أمريكية مؤخرا ولم يتم تسجيل سوى 18 عملية تسليم حتى الآن -وهذا، خارج أي إجراء طلب عروض مما اثار استياء المعارضة.
ان هذه الاخيرة تستنكر اختناقات أخرى، على سبيل المثال مع هيمارس، التي يكون إنتاجها بطيئًا ويجب توزيعه بين الجيش الأمريكي نفسه وزبائن الولايات المتحدة.
ويدين زعماء المعارضة، أخيرًا وليس آخرًا، المواقف المناهضة لأوروبا لحزب القانون والعدالة، ويشددون على أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون أحد مجالات التعاون الغربي في الشؤون الدفاعية. وتشهد هذه الانتقادات على إعادة تشكيل وتنظيم داخل الإجماع المؤيد للأطلسي، كما لو أن التباسات هذا الاخير لا تصمد في السياق الجديد للحرب في أوكرانيا. إجمالاً، تتعهد أحزاب المعارضة بمراجعة كل هذه السياسة إذا فازت في انتخابات 2023.
هل تُلغى المشاريع إذا خسر القانون والعدالة عام 2023؟
في الواقع، يتم نشر سياسة إعادة التسلح الحالية في سياق انتخابي غير موات بشكل متزايد لحزب القانون والعدالة، الذي تنهار نواياه التصويتية في استطلاعات الرأي. ويضاف إلى أزمة كوفيد التضخم، وهو الأعلى منذ التسعينات (قرابة 16 فاصل 4 بالمائة عام 2022) والأزمات المختلفة التي تدار بشكل سيء من قبل الحكومة، مثل الكارثة البيئية في أودر خلال صيف 2022.
ومن المرجح أيضًا أن يؤدي الانفجار في أسعار الطاقة والنقص الذي يظهر في سوق الفحم للأفراد إلى معاقبة المجموعات الأكثر ميلًا للتصويت لصالح حزب القانون والعدالة (الأسر المسنة أو الريفية، والمناطق الجغرافية ذات الديناميكية الاقتصادية الأقل)، والتي يمكن أن تكون أقل تعبئة في الانتخابات التشريعية العام المقبل.
وفي هذا الوضع الصعب، فإن نشاط حزب القانون والعدالة فيما يتعلق بخطاب الدفاع والسيادة يجعل من الممكن إحياء خطوط الانقسام واستقطاب اللعبة السياسية، لا سيما من خلال لعب الورقة المناهضة لألمانيا. قال جاروسلاف كاتشينسكي مؤخرًا عن جهود أولاف شولتز الدفاعية المعلنة في ألمانيا يمكن أن “نتساءل ضد من ستوجه” -مرة أخرى إحياء شعار دعائي قديم للسلطة الشيوعية قبل عام 1989 الذي يجعل من ألمانيا الفيدرالية تهديدًا للسلام في أوروبا.
بالإضافة إلى ذلك، نجح حزب القانون والعدالة في فرض مسألة التعويضات التي يجب أن تدين بها ألمانيا لبولندا عن الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، على النقاش العام. يبقى، من غير المؤكد، هذه المرة، أن هذه “الخيوط الكبرى” الانتخابية ستعمل كما كانت في الماضي.
*أستاذ محاضر في العلوم السياسية، عضو في معهد العلوم الاجتماعية للسياسة “المعهد الأعلى للإعداد، المركز القومي للبحث العلمي”، جامعة باريس نانتير -جامعة باريس لوميير
-- عملية التحديث ستجعل الجيش البولندي هو الأقوى في أوروبا
-- تعهدت أحزاب المعارضة بمراجعة كل هذه السياسة إذا فازت في انتخابات 2023
-- يبرز البرنامج ملامح النظام الجيوسياسي الذي يدعو إليه حزب القانون والعدالة، في أوروبا وخارجها
-- الاتحاد الأوروبي في نظر حزب القانون والعدالة هو أحد أساليب الوصول إلى العولمة الليبرالية
بفضل الحرب في أوكرانيا، شهدت بولندا تحسنًا ملحوظًا لصورتها في أوروبا. فقد استقبلت وارسو عددا كبيرا من لاجئي الحرب الأوكرانيين وزودت أوكرانيا بالأسلحة، مستفيدة من القرب التقني للمعدات بين البلدين. وسجّلت الحكومة البولندية أيضًا اختلافها من خلال إرسال رئيس وزرائها إلى كييف في مارس 2022 مصحوبا بنظيريه التشيكي والسلوفيني، أي قبل ثلاثة أشهر من قيام رؤساء الدول والحكومات الألمانية والفرنسية والإيطالية بنفس الخطوة. وارتكز حزب القانون والعدالة اليميني، الذي يتولى السلطة منذ عام 2015، على تردد بعض عواصم أوروبا الغربية في بداية الصراع في محاولة لاعتماد أطروحة تحول الزعامة الأوروبية إلى شرق الاتحاد الاوروبي.
علاوة على ذلك، ومن خلال إعطاء مزيد من الوضوح للرهانات الأمنية للجناح الشرقي لحلف الناتو، بدا أن الصراع يثبت صحة مواقف وارسو المتشددة تجاه روسيا -مواقف هي موضوع إجماع قوي في السياسة الداخلية منذ عدة عقود، على الأقل في الظّاهر.
وفي هذا السياق، ضاعفت وزارة الدفاع البولندية منذ عدة أشهر من إعلاناتها عن عمليات شراء أسلحة، بهدف معلن يتمثل في بناء “جيش كبير” قادر على تحمل صدمة عدوان مسلح من روسيا. ويكشف تحليل سياسة إعادة التسلح هذه عن خطوط الانقسام في الإجماع المؤيد للغرب للنخب السياسية البولندية. كما أنه يجعل من الممكن إبراز ملامح النظام الجيوسياسي الذي يدعو إليه حزب القانون والعدالة، في أوروبا وخارجها.
جهد عسكري
غير مسبوق
الحكومة، التي أعلنت أن 3 بالمائة من الميزانية ستخصص من الآن فصاعدا للدفاع، تعتزم تعديل شكل الجيش، الذي سيتحول من أربعة إلى ستة أقسام. وبالتالي سيكون لديها ما يقرب من 300 ألف مقاتل، مقابل 115 الفا حاليًا. كما ستشهد زيادة قوتها النارية بشكل كبير، بما يتماشى مع عقيدة الدفاع في البلاد، التي تستبعد الضربات الوقائية ولكنها تهدف إلى ردع أي عدوان مسلح.
يتعلق نشاط وارسو بالحصول على أسلحة “جاهزة” (أي موجودة فعلا) وليس على الشراكات التي من المحتمل أن تعزز صناعة الأسلحة الوطنية. وستشمل الشراءات المستقبلية الدبابات والمروحيات الأمريكية الثقيلة، وكذلك صواريخ هيمارس، التي تم إثبات فعاليتها خلال القتال في أوكرانيا. تم إبرام عقود أخرى مع كوريا الجنوبية، خاصة لتعزيز المدفعية بمدافع جديدة ذاتية الدفع. وخصوصا، يبدو أن عمليات الشراء من سيول تشمل عمليات نقل التكنولوجيا والتعاون الذي يمكن أن يجعل صناعة الدفاع البولندية أكثر استقلالية في نهاية المطاف، بل وتضعها في منافسة مع نظيراتها في أوروبا الغربية.
ستجعل عملية التحديث هذه الجيش البولندي هو الأقوى في أوروبا.
وبالتالي، يؤكد موقع ميتا ديفونس على “التعزيز المذهل لقدرات الجيوش البولندية، والتي ستضمّ في نهاية العقد 1500 دبابة حديثة، ومثلها من المركبات القتالية للمشاة، و1200 من أنظمة المدفعية المتحركة، وعدة آلاف من المركبات المدرعة الخفيفة، اي أكثر من القوات الفرنسية والألمانية والبريطانية والإيطالية والهولندية والبلجيكية مجتمعة».
على مدار هذه الإعلانات، تم إهمال الصناعات الدفاعية في الاتحاد الأوروبي أوتوماتيكيا لصالح المعدات الأمريكية أو البريطانية، وكذلك الكورية (بعد إيرباص، تحمل ليوناردو الإيطالي وطأة الخيار البولندي لصالح مروحيات أباتشي التي تنتجها شركة بوينغ). ومؤخرا، أدرجت وزارة الدفاع سياستها الجديدة تحت مسمى “موديل 2035”، حتى لو لم يتم الإعلان عن التوجهات العامة لهذه الخطة حتى الآن.
حزب القانون والعدالة يفضل “الاطلسي” على الاتحاد الأوروبي
توضح كل هذه الاعلانات “الخيال الجيوسياسي” الواقعي الذي يعمل به حزب القانون والعدالة وجزء كبير من الدوائر المحافظة البولندية، وتسلط الضوء بالمصادفة على مواقفه الأوروبية.
منذ أوائل التسعينات، يفضّل اليمين البولندي الاندماج مع الناتو على عضوية الاتحاد الأوروبي، بينما يظهر الليبراليون والمعتدلون مواقف أكثر صراحة لصالح التكامل الأوروبي.
وحتى لو كانت هذه الفروق قد غُرِقت لفترة طويلة في الهاجس العام بالانضمام إلى المنظمات الدولية الأوروبية والغربية في حركة واحدة، فإنها تتخذ اليوم نشاطًا غير مسبوق.
بالنسبة لحزب القانون والعدالة، فإن الانتماء إلى المعسكر الغربي يعني قبل كل شيء حلف الناتو..
بينما يبدو الاتحاد الأوروبي فضاء ثانويا، خاصة أن هذا الاخير لا يتردد في الذهاب إلى عملية لي ذراع مع وارسو عندما يرى أن الحكومة البولندية تنصلت من بعض المبادئ الأوروبية.
يُظهر الإعلان عن تعاون جديد مع كوريا الجنوبية بوضوح أن حكومة حزب القانون والعدالة تعتزم تحريــــر نفسها من كل تبعية وكل تضامن داخلي للاتحاد الأوروبـي في المسائل الدفاعية، من أجل إنشـــاء شراكات قادرة على قلب البلاد من موقعها الهامشي نحو وضع لاعب عالمي.
ويمكن ربط هذه التوجهات بالمحاولات التي بدأت في يناير 2022 لإنشاء تحالف جديد مع أوكرانيا والمملكة المتحدة، بعد البريكسيت، وهذا الأخير مدعوم بأيديولوجية بريطانيا العالمية. وفي الخلفية، تتجلى هكذا تفضيلات أيديولوجية سيادية، والتي تُظهر أن الاتحاد الأوروبي في نظر حزب القانون والعدالة هو أحد أساليب الوصول إلى العولمة الليبرالية، أكثر من كونه مشروع اندماج وتضامن جديد بين الدول الأعضاء.
إعادة تسليح شاملة
لا تتمتع بإجماع
ومع ذلك، تعرضت هذه الإعلانات لانتقادات من المعارضة، التي تحاول تشكيل ائتلاف لانتخابات 2023 حول المنصة المدنية، حزب دونالد تاسك. تستنكر أحزاب المعارضة الارتجال وعدم الاتساق وعدم مصداقية هذه السياسة، بالنظر إلى الآفاق الاقتصادية والديموغرافية للبلاد؛ إنهم يحاولون، في تطور جديد، جعل الملف أحد موضوعات الحملة الانتخابية المقبلة، كما يتضح من الندوة الأخيرة المخصصة لهذه القضايا من قبل اثنين من الرؤساء البولنديين السابقين، ألكسندر كواسنيوسكي وبرونيسلاف كوموروفسكي.
علاوة على ذلك، بينما أيدت أحزاب المعارضة بالإجماع قانون “الدفاع عن الوطن” الذي يزيد من جهود الدفاع إلى 3 بالمائة من الميزانية، تندد بعض الأصوات بمزايدة ياروسلاف كاتشينسكي، رئيس حزب القانون والعدالة والزعيم الحقيقي للحكومة، والذي يؤكد أن هذه النسبة يجب أن تصل في المستقبل إلى 5 بالمائة.
ووفقًا لوزراء الدفاع السابقين الذين شغلوا هذا المنصب بين 2011 و2015 في حكومة المنصة المدنية، مثل توماش سيمونياك، فإن جنون الاستحواذ هذا سيؤدي إلى تكديس أنظمة أسلحة غير متجانسة وسيتم إلحاق الضرر بالصناعة المحلية. ولإعطاء وزن لهذه الحجة، يذكّرون بأنّ مدير الشركة البولندية المنتجة لمدافع ذاتية الدفع استقال مؤخرًا، احتجاجًا على اختيار المعدات الجديدة المطورة مع كوريا الجنوبية.
قضية كاراكالز الفرنسية، التي يعود تاريخها إلى عام 2016، تعاود الظهور أيضًا، من خلال تسريبات رسائل البريد الإلكتروني الحكومية الداخلية التي تدعو إلى بذل كل الجهود لغرس فكرة أن هذه الأجهزة غير فعالة في النقاش العام. كان من المقرر تسليم طائرات الهليكوبتر من طراز إيرباص كاراكال إلى بولندا بين 2017 و2022، في حين تم طلب 96 طائرة أباتشي أمريكية مؤخرا ولم يتم تسجيل سوى 18 عملية تسليم حتى الآن -وهذا، خارج أي إجراء طلب عروض مما اثار استياء المعارضة.
ان هذه الاخيرة تستنكر اختناقات أخرى، على سبيل المثال مع هيمارس، التي يكون إنتاجها بطيئًا ويجب توزيعه بين الجيش الأمريكي نفسه وزبائن الولايات المتحدة.
ويدين زعماء المعارضة، أخيرًا وليس آخرًا، المواقف المناهضة لأوروبا لحزب القانون والعدالة، ويشددون على أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون أحد مجالات التعاون الغربي في الشؤون الدفاعية. وتشهد هذه الانتقادات على إعادة تشكيل وتنظيم داخل الإجماع المؤيد للأطلسي، كما لو أن التباسات هذا الاخير لا تصمد في السياق الجديد للحرب في أوكرانيا. إجمالاً، تتعهد أحزاب المعارضة بمراجعة كل هذه السياسة إذا فازت في انتخابات 2023.
هل تُلغى المشاريع إذا خسر القانون والعدالة عام 2023؟
في الواقع، يتم نشر سياسة إعادة التسلح الحالية في سياق انتخابي غير موات بشكل متزايد لحزب القانون والعدالة، الذي تنهار نواياه التصويتية في استطلاعات الرأي. ويضاف إلى أزمة كوفيد التضخم، وهو الأعلى منذ التسعينات (قرابة 16 فاصل 4 بالمائة عام 2022) والأزمات المختلفة التي تدار بشكل سيء من قبل الحكومة، مثل الكارثة البيئية في أودر خلال صيف 2022.
ومن المرجح أيضًا أن يؤدي الانفجار في أسعار الطاقة والنقص الذي يظهر في سوق الفحم للأفراد إلى معاقبة المجموعات الأكثر ميلًا للتصويت لصالح حزب القانون والعدالة (الأسر المسنة أو الريفية، والمناطق الجغرافية ذات الديناميكية الاقتصادية الأقل)، والتي يمكن أن تكون أقل تعبئة في الانتخابات التشريعية العام المقبل.
وفي هذا الوضع الصعب، فإن نشاط حزب القانون والعدالة فيما يتعلق بخطاب الدفاع والسيادة يجعل من الممكن إحياء خطوط الانقسام واستقطاب اللعبة السياسية، لا سيما من خلال لعب الورقة المناهضة لألمانيا. قال جاروسلاف كاتشينسكي مؤخرًا عن جهود أولاف شولتز الدفاعية المعلنة في ألمانيا يمكن أن “نتساءل ضد من ستوجه” -مرة أخرى إحياء شعار دعائي قديم للسلطة الشيوعية قبل عام 1989 الذي يجعل من ألمانيا الفيدرالية تهديدًا للسلام في أوروبا.
بالإضافة إلى ذلك، نجح حزب القانون والعدالة في فرض مسألة التعويضات التي يجب أن تدين بها ألمانيا لبولندا عن الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، على النقاش العام. يبقى، من غير المؤكد، هذه المرة، أن هذه “الخيوط الكبرى” الانتخابية ستعمل كما كانت في الماضي.
*أستاذ محاضر في العلوم السياسية، عضو في معهد العلوم الاجتماعية للسياسة “المعهد الأعلى للإعداد، المركز القومي للبحث العلمي”، جامعة باريس نانتير -جامعة باريس لوميير