سهيل المزروعي: الإمارات من أكبر المستثمرين في قطاع الطاقة الأمريكي
بعد طيّ صفحة دونالد ترامب
إعادة تنظيم وترتيب كبرى عبر المحيط الأطلسي...!
-- يرتبط بإعادة توزيع الخرائط الجيوسياسية، يمكن أن يؤدي صعود القومية في كل مكان إلى زعزعة استقرار عميقة
-- استعادت الليبرالية اليد العليا بانتخاب جو بايدن، لكن الشعبويين ما زالوا يترصدون
-- إن المخاطرة بأن تتحول أوروبا إلى فريسة إذا فشلت في إثبات ذاتها كقوة، تظل كبيرة
-- التجديد عبر الأطلسي، مع كل الرفاه والأمان الذي يبدو أنه يجلبهما، هو أكثر هشاشة مما نعتقد
-- «الانسحاب الاستراتيجي» الذي بدأته الولايات المتحدة مع أوباما، وواصله ترامب، سيستمر مع بايدن
-- يقع مركز المواجهة الجيوسياسية العالمية الآن في آسيا ولم يعد في أوروبا
طوى انتخاب جو بايدن صفحة ترامب. بينما انتقد سلفه الناتو وهدد بالانسحاب منه، يعيد الرئيس الأمريكي الجديد تنشيط الارتباط عبر الأطلسي. تمت دعوة توني بلينكين لمجلس الشؤون الخارجية، وجو بايدن إلى المجلس الأوروبي، ودعوة ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، إلى مجلس الشؤون الخارجية والمفوضية الأوروبية، ومشاركة جوزيب بوريل وستيفانو سانينو، رئيس وأمين عام السلك الدبلوماسي الأوروبي، في المجلس الأطلسي، في انتظار قمة الناتو والقمة الأوروبية / الأمريكية، وكل هذا يدل على ان السداسي الأخير، سبق ان شهد إعادة توحيد كبرى عبر الأطلسي.
العالم حسب بايدن، يبدو أوضح بكثير من العالم حسب أوباما أو العالم حسب ترامب. وضوح أيديولوجي: معسكر الديمقراطية الليبرالية ضد معسكر الأنظمة السلطوية (الأمريكيون يستعدون لقمة الديمقراطيات). الوضوح الجيوسياسي: تتجه الولايات المتحدة نحو حرب باردة جديدة مع الصين لمنعها من الوصول إلى التفوق العالمي، باتباع منطق “فخ ثيوسيديدس”، دون أن يكون هناك أي اختلاف بين إدارة بايدن وإدارة ترامب.
أخيرًا، الوضوح الدبلوماسي:
تقوم الولايات المتحدة ببناء تحالفاتها في كل من أوروبا ضد روسيا (هذا هو دور الناتو)، وفي آسيا ضد الصين (هذا هو دور التنسيق الرباعي الذي تشارك فيه الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا؛ وعقدت هذه الصيغة التي تم إطلاقها بشكل غير رسمي عام 2007 اجتماعها الوزاري الأول في نهاية إدارة ترامب، وقمتها الأولى في بداية إدارة بايدن).
في أوروبا، ما انفكت العلاقة بين الغرب وروسيا تتدهور منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة، لكن الأزمة الأوكرانية عام 2014 هي التي تسببت في القطيعة مع فرض العقوبات الغربية على موسكو بعد ضم شبه جزيرة القرم وتمرد دونباس. ونتيجة لذلك، اعتمد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إعلانين عام 2014 لعام 2016 لتطوير تعاونهما.
ورغم أن أوروبا قد عززت سياستها الأمنية والدفاعية المشتركة منذ عام 2013 من خلال مبادرات مختلفة، إلا أن الحقيقة هي أن الناتو قد أكد تفوقه في ضمان الدفاع عن أوروبا، لا سيما من خلال تنظيم وجود معزز لحماية دول البلطيق وبولندا من روسيا. ويبدو أن الأوروبيين قد خففوا مطالبتهم “بالاكتفاء الذاتي الاستراتيجي” منذ انتخاب جو بايدن.
هل يعني هذا أن العلاقة عبر الأطلسي ستعود إلى الإطار البسيط للحرب الباردة، حيث ضمن الناتو أمن أوروبا الغربية مقابل الكتلة السوفياتية، وفشل الأوروبيون في تطوير هوية أوروبية؟ الأمن والدفاع رغم (اتحاد أوروبا الغربية)؟ في الحقيقة، الوضع مختلف من نواح كثيرة.
أولاً، تحول ميزان القوى عبر الأطلسي لصالح الولايات المتحدة. على سبيل المثال، كانت نسبة الإنفاق العسكري الفرنسي إلى الإنفاق العسكري الأمريكي من 1 إلى 10 في نهاية الحرب الباردة؛ ومن 1 إلى 15 اليوم. بالإضافة إلى ذلك، فإن أوروبا بأكملها أقل تجانسًا وأثقل.
تصطف الدول الشرقية بشكل عام الى جانب الولايات المتحدة. وفي المسائل العسكرية، فإن الضمان الأمريكي للأمن في إطار حلف شمال الأطلسي هو الذي يحمي أوروبا. وفي الشؤون الدبلوماسية، يمكن أن يشكل الجمع بين باريس وبرلين (على سبيل المثال في الأزمة الأوكرانية) أو باريس وبرلين ولندن (في الأزمة الإيرانية) محركًا للعمل المستقل، ولكن تم إضعاف الصيغة الثلاثية بسبب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
علاوة على ذلك، لم يكن من السهل على الأوروبيين الاتفاق على عمل مشترك: لقد رأينا ذلك في الماضي في حروب يوغوسلافيا أو في الأزمة العراقية عام 2003، ونراه اليوم في ليبيا، كل هذا لصالح واشنطن.
لكن، ثانيًا، يقع مركز المواجهة الجيوسياسية العالمية الآن في آسيا ولم يعد في أوروبا. في آسيا، يمكن للأوروبيين القيام الكومبارس الاستراتيجي فقط.
وفي أوروبا، التهديد الروسي حقيقي، لكن لا يمكن مقارنته بما كان يمثله التهديد السوفياتي.
بالنسبة للولايات المتحدة، يعد المسرح الأوروبي هامشيًا، ويمكن أن يخدم اصطفاف الحلفاء ضد روسيا والإطاحة بالصين (كما رأينا في التشكيك في الية “17 + 1” التي أنشأتها بكين مع أوروبا الشرقية)، لكن أعين واشنطن كانت تركز أولاً على آسيا، على احتواء الصين، وعلى تأمين تايوان أو كوريا الجنوبية، وعلى الحفاظ على حرية الملاحة في محيط الصين.
وكما أظهر الانسحاب من أفغانستان أو الإحجام عن التدخل في نزاع غزة، فإن “الانسحاب الاستراتيجي” الذي بدأته الولايات المتحدة مع أوباما، وواصله ترامب، سيستمر مع بايدن. ومع ذلك، يواجه الأوروبيون تهديدات (استقرار جوارهم الجنوبي، ومكافحة الإرهاب، وضغط الهجرة) ذات أهمية استراتيجية ثانوية لواشنطن والتي تلزمهم بتحمل مسؤولية الدفاع عن أنفسهم.
تمثل روسيا أيضًا مشكلة تهم الأوروبيين أولاً وقبل كل شيء: في أيام الحرب الباردة، ساهموا في الانفراج، واليوم لديهم دور يلعبونه في توجيه العلاقة نحو المواجهة (عند الضرورة) أو شكل واقعي من التعايش. كل هذه العناصر يجب أن تدفع الأوروبيين، رغم نقاط ضعفهم وانقساماتهم، الى تأكيد قوتهم وقدراتهم وإرادتهم على العمل.
العنصر الثالث الذي يجب أخذه في الاعتبار: سيتم صعود الصين إلى المرتبة الأولى في اقتصاد العالم قبل نهاية العقد (محسوبًا بتناصف القوة الشرائية، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة عام 2014). وليس مؤكدا أن السياسة الأمريكية في التشديد والعقوبات والقيود يمكن أن تمنع ظاهرة التصدّر الاقتصادي والتكنولوجي هذه.
وإذا أصبحت الصين القوة الاقتصادية الأولى، وإذا تفوقت الهند على الاقتصادات الأوروبية الرئيسية وحتى اليابان، وإذا تجاوزت الدول غير الأوروبية الاقتصاد الكلي للمعسكر الغربي الديمقراطي (دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عموما) يمكن ان يختل توازن العالم، وقد يجد النظام الليبرالي الغربي نفسه في موقف دفاعي، بل وربما ينهار. وقد لا تكون حقيقة أن الولايات المتحدة في قلب إمبراطورية خيّرة، مبنيّة على الثقة والحرية، كافية لإحباط طاقة الجذب للقوة الصينية. وهذا احتمال يغذي المخاوف المشروعة ولكنه مع ذلك يمثل منحدرا قويًا.
العنصر الرابع والأخير: التعارض الصارخ بين غرب موسّع وليبرالي وديمقراطي وعالم سلطوي، يمكن أيضًا تنسيبه. من المؤكد أن هذا المعسكر السلطوي لا يتمتع بالتماسك الأيديولوجي الذي كان للمعسكر الشيوعي خلال الحرب الباردة (والذي كان بدوره نسبيًا، كما أظهرت القطيعة الصينية السوفياتية بعد عام 1960). لكن تيارًا غير ليبرالي قوي ظهر في المعسكر الغربي، في المجر، في بولندا، مع الحركات الشعبوية في فرنسا، أو في إيطاليا، مع انتخاب ترامب، ومع البريكسيت.
إنها عودة القومية التي تدعم هذه الحركات “غير الليبرالية”، كما أنها تدعم أنظمة سلطوية في الصين وروسيا وتركيا وإيران والهند. ان هذه القومية تمثل استجابة لحاجة للهوية والتماسك والحماية والنجاعة والفاعلية، وتجد الأنظمة السياسية الليبرالية صعوبة في الدفاع عن تفوقها. لقد استعادت الليبرالية اليد العليا بانتخاب جو بايدن، إلا أن الشعبويين ما زالوا يترصدون. مقترنة بإعادة توزيع الخرائط الجيوسياسية، يمكن أن يؤدي صعود القومية في كل مكان إلى زعزعة استقرار عميقة.
بعبارة أخرى، التجديد عبر الأطلسي، مع كل الرفاه والأمان الذي يبدو أنه يجلبهما، هو أكثر هشاشة مما نعتقد. إن المخاطرة بأن تتحول أوروبا إلى فريسة، إذا ما فشلت في إثبات نفسها كقوة، تظل كبيرة. وتجنب هذا الخطر من خلال الوحدة والإرادة والعمل والتعاون هو التحدي الكبير الذي لا يزال يواجه الزعماء الأوروبيين.
*دبلوماسي، أستاذ في كلية إدارة الأعمال الأوروبية، ومعهد العلوم السياسية بباريس
-- استعادت الليبرالية اليد العليا بانتخاب جو بايدن، لكن الشعبويين ما زالوا يترصدون
-- إن المخاطرة بأن تتحول أوروبا إلى فريسة إذا فشلت في إثبات ذاتها كقوة، تظل كبيرة
-- التجديد عبر الأطلسي، مع كل الرفاه والأمان الذي يبدو أنه يجلبهما، هو أكثر هشاشة مما نعتقد
-- «الانسحاب الاستراتيجي» الذي بدأته الولايات المتحدة مع أوباما، وواصله ترامب، سيستمر مع بايدن
-- يقع مركز المواجهة الجيوسياسية العالمية الآن في آسيا ولم يعد في أوروبا
طوى انتخاب جو بايدن صفحة ترامب. بينما انتقد سلفه الناتو وهدد بالانسحاب منه، يعيد الرئيس الأمريكي الجديد تنشيط الارتباط عبر الأطلسي. تمت دعوة توني بلينكين لمجلس الشؤون الخارجية، وجو بايدن إلى المجلس الأوروبي، ودعوة ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، إلى مجلس الشؤون الخارجية والمفوضية الأوروبية، ومشاركة جوزيب بوريل وستيفانو سانينو، رئيس وأمين عام السلك الدبلوماسي الأوروبي، في المجلس الأطلسي، في انتظار قمة الناتو والقمة الأوروبية / الأمريكية، وكل هذا يدل على ان السداسي الأخير، سبق ان شهد إعادة توحيد كبرى عبر الأطلسي.
العالم حسب بايدن، يبدو أوضح بكثير من العالم حسب أوباما أو العالم حسب ترامب. وضوح أيديولوجي: معسكر الديمقراطية الليبرالية ضد معسكر الأنظمة السلطوية (الأمريكيون يستعدون لقمة الديمقراطيات). الوضوح الجيوسياسي: تتجه الولايات المتحدة نحو حرب باردة جديدة مع الصين لمنعها من الوصول إلى التفوق العالمي، باتباع منطق “فخ ثيوسيديدس”، دون أن يكون هناك أي اختلاف بين إدارة بايدن وإدارة ترامب.
أخيرًا، الوضوح الدبلوماسي:
تقوم الولايات المتحدة ببناء تحالفاتها في كل من أوروبا ضد روسيا (هذا هو دور الناتو)، وفي آسيا ضد الصين (هذا هو دور التنسيق الرباعي الذي تشارك فيه الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا؛ وعقدت هذه الصيغة التي تم إطلاقها بشكل غير رسمي عام 2007 اجتماعها الوزاري الأول في نهاية إدارة ترامب، وقمتها الأولى في بداية إدارة بايدن).
في أوروبا، ما انفكت العلاقة بين الغرب وروسيا تتدهور منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة، لكن الأزمة الأوكرانية عام 2014 هي التي تسببت في القطيعة مع فرض العقوبات الغربية على موسكو بعد ضم شبه جزيرة القرم وتمرد دونباس. ونتيجة لذلك، اعتمد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إعلانين عام 2014 لعام 2016 لتطوير تعاونهما.
ورغم أن أوروبا قد عززت سياستها الأمنية والدفاعية المشتركة منذ عام 2013 من خلال مبادرات مختلفة، إلا أن الحقيقة هي أن الناتو قد أكد تفوقه في ضمان الدفاع عن أوروبا، لا سيما من خلال تنظيم وجود معزز لحماية دول البلطيق وبولندا من روسيا. ويبدو أن الأوروبيين قد خففوا مطالبتهم “بالاكتفاء الذاتي الاستراتيجي” منذ انتخاب جو بايدن.
هل يعني هذا أن العلاقة عبر الأطلسي ستعود إلى الإطار البسيط للحرب الباردة، حيث ضمن الناتو أمن أوروبا الغربية مقابل الكتلة السوفياتية، وفشل الأوروبيون في تطوير هوية أوروبية؟ الأمن والدفاع رغم (اتحاد أوروبا الغربية)؟ في الحقيقة، الوضع مختلف من نواح كثيرة.
أولاً، تحول ميزان القوى عبر الأطلسي لصالح الولايات المتحدة. على سبيل المثال، كانت نسبة الإنفاق العسكري الفرنسي إلى الإنفاق العسكري الأمريكي من 1 إلى 10 في نهاية الحرب الباردة؛ ومن 1 إلى 15 اليوم. بالإضافة إلى ذلك، فإن أوروبا بأكملها أقل تجانسًا وأثقل.
تصطف الدول الشرقية بشكل عام الى جانب الولايات المتحدة. وفي المسائل العسكرية، فإن الضمان الأمريكي للأمن في إطار حلف شمال الأطلسي هو الذي يحمي أوروبا. وفي الشؤون الدبلوماسية، يمكن أن يشكل الجمع بين باريس وبرلين (على سبيل المثال في الأزمة الأوكرانية) أو باريس وبرلين ولندن (في الأزمة الإيرانية) محركًا للعمل المستقل، ولكن تم إضعاف الصيغة الثلاثية بسبب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
علاوة على ذلك، لم يكن من السهل على الأوروبيين الاتفاق على عمل مشترك: لقد رأينا ذلك في الماضي في حروب يوغوسلافيا أو في الأزمة العراقية عام 2003، ونراه اليوم في ليبيا، كل هذا لصالح واشنطن.
لكن، ثانيًا، يقع مركز المواجهة الجيوسياسية العالمية الآن في آسيا ولم يعد في أوروبا. في آسيا، يمكن للأوروبيين القيام الكومبارس الاستراتيجي فقط.
وفي أوروبا، التهديد الروسي حقيقي، لكن لا يمكن مقارنته بما كان يمثله التهديد السوفياتي.
بالنسبة للولايات المتحدة، يعد المسرح الأوروبي هامشيًا، ويمكن أن يخدم اصطفاف الحلفاء ضد روسيا والإطاحة بالصين (كما رأينا في التشكيك في الية “17 + 1” التي أنشأتها بكين مع أوروبا الشرقية)، لكن أعين واشنطن كانت تركز أولاً على آسيا، على احتواء الصين، وعلى تأمين تايوان أو كوريا الجنوبية، وعلى الحفاظ على حرية الملاحة في محيط الصين.
وكما أظهر الانسحاب من أفغانستان أو الإحجام عن التدخل في نزاع غزة، فإن “الانسحاب الاستراتيجي” الذي بدأته الولايات المتحدة مع أوباما، وواصله ترامب، سيستمر مع بايدن. ومع ذلك، يواجه الأوروبيون تهديدات (استقرار جوارهم الجنوبي، ومكافحة الإرهاب، وضغط الهجرة) ذات أهمية استراتيجية ثانوية لواشنطن والتي تلزمهم بتحمل مسؤولية الدفاع عن أنفسهم.
تمثل روسيا أيضًا مشكلة تهم الأوروبيين أولاً وقبل كل شيء: في أيام الحرب الباردة، ساهموا في الانفراج، واليوم لديهم دور يلعبونه في توجيه العلاقة نحو المواجهة (عند الضرورة) أو شكل واقعي من التعايش. كل هذه العناصر يجب أن تدفع الأوروبيين، رغم نقاط ضعفهم وانقساماتهم، الى تأكيد قوتهم وقدراتهم وإرادتهم على العمل.
العنصر الثالث الذي يجب أخذه في الاعتبار: سيتم صعود الصين إلى المرتبة الأولى في اقتصاد العالم قبل نهاية العقد (محسوبًا بتناصف القوة الشرائية، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة عام 2014). وليس مؤكدا أن السياسة الأمريكية في التشديد والعقوبات والقيود يمكن أن تمنع ظاهرة التصدّر الاقتصادي والتكنولوجي هذه.
وإذا أصبحت الصين القوة الاقتصادية الأولى، وإذا تفوقت الهند على الاقتصادات الأوروبية الرئيسية وحتى اليابان، وإذا تجاوزت الدول غير الأوروبية الاقتصاد الكلي للمعسكر الغربي الديمقراطي (دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عموما) يمكن ان يختل توازن العالم، وقد يجد النظام الليبرالي الغربي نفسه في موقف دفاعي، بل وربما ينهار. وقد لا تكون حقيقة أن الولايات المتحدة في قلب إمبراطورية خيّرة، مبنيّة على الثقة والحرية، كافية لإحباط طاقة الجذب للقوة الصينية. وهذا احتمال يغذي المخاوف المشروعة ولكنه مع ذلك يمثل منحدرا قويًا.
العنصر الرابع والأخير: التعارض الصارخ بين غرب موسّع وليبرالي وديمقراطي وعالم سلطوي، يمكن أيضًا تنسيبه. من المؤكد أن هذا المعسكر السلطوي لا يتمتع بالتماسك الأيديولوجي الذي كان للمعسكر الشيوعي خلال الحرب الباردة (والذي كان بدوره نسبيًا، كما أظهرت القطيعة الصينية السوفياتية بعد عام 1960). لكن تيارًا غير ليبرالي قوي ظهر في المعسكر الغربي، في المجر، في بولندا، مع الحركات الشعبوية في فرنسا، أو في إيطاليا، مع انتخاب ترامب، ومع البريكسيت.
إنها عودة القومية التي تدعم هذه الحركات “غير الليبرالية”، كما أنها تدعم أنظمة سلطوية في الصين وروسيا وتركيا وإيران والهند. ان هذه القومية تمثل استجابة لحاجة للهوية والتماسك والحماية والنجاعة والفاعلية، وتجد الأنظمة السياسية الليبرالية صعوبة في الدفاع عن تفوقها. لقد استعادت الليبرالية اليد العليا بانتخاب جو بايدن، إلا أن الشعبويين ما زالوا يترصدون. مقترنة بإعادة توزيع الخرائط الجيوسياسية، يمكن أن يؤدي صعود القومية في كل مكان إلى زعزعة استقرار عميقة.
بعبارة أخرى، التجديد عبر الأطلسي، مع كل الرفاه والأمان الذي يبدو أنه يجلبهما، هو أكثر هشاشة مما نعتقد. إن المخاطرة بأن تتحول أوروبا إلى فريسة، إذا ما فشلت في إثبات نفسها كقوة، تظل كبيرة. وتجنب هذا الخطر من خلال الوحدة والإرادة والعمل والتعاون هو التحدي الكبير الذي لا يزال يواجه الزعماء الأوروبيين.
*دبلوماسي، أستاذ في كلية إدارة الأعمال الأوروبية، ومعهد العلوم السياسية بباريس