استثمار أردوغان في الانقلاب الفاشل وصل إلى نهايته

استثمار أردوغان في الانقلاب الفاشل وصل إلى نهايته


يصادف الخميس الذكرى الخامسة لمحاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. استثمر الأخير كثيراً في تلك المحاولة لتعزيز شعبيته وقبضته على الحكم، لكن القدرة على هذا الاستثمار وصلت إلى نهاياتها كما يكتب الصحافي المخضرم دايفد ليبيسكا في صحيفة “ذا ناشونال” الإماراتية.
اتهمت أنقرة تيار الداعية فتح الله غولن بالوقوف خلف المحاولة فشنت سلسلة من عمليات التطهير التي انتهت بفقدان حوالي 150 ألفاً من المشتبه بانتمائهم لغولن وظائفهم الرسمية، وبدخول عشرات الآلاف منهم السجون. وبعد إلغاء جوازات سفرهم، هرب عدد لا يحصى من المواطنين الأتراك المرتبطين بغولن من البلاد، واستضافت غالبية دول الاتحاد الأوروبي حوالي 30 ألفاً منهم.
طاردت تركيا أتباع غولن كما معارضين آخرين في الخارج. وذكر تقرير صادر عن منظمة فريدوم هاوس الحقوقية أن الانقلاب الفاشل أطلق “تحولاً في استخدام تركيا للقمع العابر للحدود”. واحتجزت أنقرة أكثر من 110 أشخاص مشتبه بانتمائهم للتيار الغولني في حوالي 30 دولة أجنبية قبل أن تعيدهم إلى تركيا لمحاكمتهم. وأعلن أردوغان الأسبوع الماضي أنّ حكومته ألقت القبض على رئيس التيار في آسيا الوسطى.
في هذه الأثناء، بدأت مجموعات قومية بتصنيف الحركة الكردية والمعارضين والناشطين والصحافيين المستقلين بأنهم أهداف مشروعة إلى جانب الغولنيين. في 2018، حض رئيس الهيئة التركية الحكومية للإشراف على الشتات المغتربين الأتراك على مساعدة أنقرة في البحث عن أتباع غولن. وأطلق جهاز الاستخبارات الوطني تطبيقاً على الهواتف الخلوية يمكن المواطنين الأتراك المقيمين في ألمانيا من الإبلاغ عن أي شخص ينتقد أردوغان وحكومته.

الذئاب الرمادية
بدأ حزب العدالة والتنمية يتعاون مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف في أواخر 2015 وتوطد التنسيق بينهما عقب الانقلاب. وكان رئيس الحركة دولت بهتشلي من بين أوائل داعمي خطة أردوغان لتحويل تركيا إلى نظام رئاسي وهي خطوة تمت الموافقة عليها في استفتاء 2017. باع حزب العدالة والتنمية نشاطاته العسكرية في سوريا وليبيا وغيرهما كحملات قومية، الأمر الذي شجع الجناح العسكري لحزب الحركة القومية، أي الذئاب الرمادية، على أن يصبح أكثر تجرؤاً في أوروبا. سنة 2020، أطلق مركز دراسات وأبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريراً وجد أنّ 20 ألف عضو من الذئاب الرمادية ناشطون في ألمانيا و5 آلاف على الأقل في النمسا.

قرارات حكيمة
هاجمت الذئاب الرمادية تجمعاً لمنظمة كردية نسائية في فيينا وآخر للأرمن الفرنسيين في بلدة ديسين. وذكرت تقارير عن قائد مجموعة محلية للذئاب الرمادية يدعى أحمد جتين قوله: “فلتعطني الحكومة التركية ألفي يورو وسلاحاً وسأقوم بما يجب القيام به، في أي مكان من فرنسا”. حظرت باريس الذئاب الرمادية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بينما تدرس ألمانيا والنمسا وهولندا اتخاذ إجراءات مماثلة. يصف ليبيسكا هذه القرارات بالحكيمة.
في السبعينات والثمانينات، قتلت مجموعات الذئاب الرمادية المعارضين للنظام العسكري في الشوارع التركية. ووصل العنف أحياناً إلى أوروبا كما حصل سنة 1981 حين حاول أحد المنتمين لهذه المجموعات اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان. من جهته، يقول الصحافي الفرنسي غيوم بيرييه إن خطاب الكراهية القومي أصبح أكثر انتشاراً بين الأتراك الفرنسيين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية أو حزب الحركة القومية.
حذر الصحافي المنفي جان دوندار في صحيفة واشنطن بوست من مخطط اغتيال مدعوم من تركيا ويحتمل أن يكون مرتبطاً بالذئاب الرمادية. ردت الحكومة التركية عبر حجز أصوله لإدانته بكشف أسرار رسمية. وسعت أنقرة طويلاً، لكن من دون جدوى، إلى إسكات لاعب كرة السلة أنس كانتر الداعم علناً لغولن، عبر محاكمة والده في تركيا.

دعم الإخوان الإرهابيين
في الوقت نفسه، عملت أنقرة على إعادة صياغة الإسلام الأوروبي. يعمل آلاف الأئمة الأتراك في أوروبا بتوجيه من مديرية الشؤون الدينية في تركيا (ديانيت) من أجل مراقبة وجمع المعلومات عن أتباع غولن وإرسالها إلى أنقرة. في 2020، ذكر تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي أن تنظيم الإخوان المسلمين هو أكثر مجموعة إسلاموية إثارة للإشكالية في فرنسا، ويشير إلى أن تركيا المسؤولة عن تدريب نصف أئمة فرنسا على الرغم من تمثيلهم 5% من السكان فقط، هي الداعم الأكبر للتنظيم الإرهابي.
أضاف ليبيسكا أن الحضور الإسلاموي الأساسي لأوروبا هو ميللي غوروش (الرؤية القومية)، وهو تيار أسسه مرشد أردوغان ورئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان ويضم حوالي 150 ألف عضو في أوروبا. في مارس (آذار)، وافق مجلس بلدية ستراسبورغ على 3 ملايين دولار من أجل تمويل مسجد لميللي غوروش وكان مقدراً له أن يكون الأكبر في أوروبا. تم إلغاء التمويل في أبريل (نيسان) بعد نشوء اعتراض شعبي عليه.
واجه حزب العدالة والتنمية وميللي غوروش انتقادات واسعة لصلاتهما بالإخوان لمسلمين ومجموعات عنيفة أخرى. في يونيو (حزيران) الماضي، نشرت صحيفة يني شفق التركية الإسلاموية المقربة من الحكومة سيرة حياة الإخواني والمؤسس المشارك لتنظيم القاعدة عبدالله عزام واصفة إياه بأنه “أيقونة فلسطينية”. ورأى مدير برنامج مكافحة التطرف في جامعة جورج واشنطن لورينزو فيدينو أن شبكة تركيا الإسلاموية في أوروبا تعزز النفوذ التركي وتقوض الاندماج الأوروبي.

اعتداءات وطعنات
قال أتراك منفيون في ألمانيا لشبكة زد دي أف الألمانية إنهم يواجهون تهديدات مباشرة من المساجد التي تديرها تركيا، بينما تعيش المشرعة الألمانية من أصول تركية سفيم داغدلين التي تنشر مقالات في صحف تركية، تحت حماية الشرطة. فقد تم استهدافها وتعرضت لهجمات شخصية عدة.
في الأسبوع الماضي أيضاً، تعرض الصحافي المنفي إرك أجارر الذي اتهم في يونيو حزب العدالة والتنمية بنشر الأكاذيب والنفاق والاحتيال، لهجوم بالسكين داخل منزله في برلين. بعد عودته من المستشفى كتب أجارر في تغريدة على تويتر: “هذا إثبات على أن كل ما نقوله عن الحكومة الفاشية الإسلاموية لـ(حزبَي) العدالة والتنمية-الحركة القومية هو صحيح».

يبني قصوراً فيما شبعه جائع
في اليوم التالي على نهايته، وصف أردوغان الانقلاب الفاشل بأنه “هدية من الله” وهو توصيف يعتقد الرئيس التركي أنه يصبح أكثر صحة بمرور الأيام. في هذه الأثناء، نشر الإعلام التركي صوراً جديدة لقصره الصيفي في مرمريس المؤلف من 300 غرفة والبالغة كلفته 74 مليون دولار. ويشرف القصر على شاطئ بشكل هلال كما يضم أحواض سباحة ودار ضيافة ضخماً إضافة إلى الحدائق. بمجرد أن انتشرت الصور على المواقع الإلكترونية، حثت عقيلة الرئيس أمينة أردوغان المواطنين الأتراك على الاستهلاك بكميات أصغر. أثارت هاتان الصورتان غضب أتراك كثر مع نسبة فقر متزايدة ونسبة تضخم وصلت إلى 17.5% وهي الأعلى خلال عامين. يقول رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو: “إن الشعب يتضور جوعاً، لكنه لا يأبه. لقد بنى قصراً صيفياً لنفسه».

بداية النهاية؟
خلال عطلة نهاية الأسبوع، كشف “جايمس إن توركي” وهو أبرز مستطلع للرأي أن حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يواجهان تدنياً قياسياً في شعبيتيهما، وقد انتشرت تقارير تتحدث عن تفسخات في تحالفهما، حيث يبحث حزب أردوغان عن شريك جديد. ويخلص ليبيسكا إلى أنه بعد خمسة أعوام من استثمار أردوغان في الانقلاب الفاشل لتعزيز سيطرته على تركيا وعلى الشتات، ربما وصلت قدرته على الاستفادة السياسية منه إلى نهايتها.