رئيس الدولة يبحث مع وزير الدفاع السعودي علاقات التعاون وتطورات الأوضاع في المنطقة
أطول فترة حرب بقيادة واشنطن
الانسحاب من أفغانستان: أسباب الفشل...!
-- لم يكن لدى الخبراء الأمريكيين الذين أرسلوا إلى هناك أي معرفة بالمجتمع الأفغاني
-- لم تأخذ الولايات المتحدة البعد الإقليمي في الصراع الأفغاني في الاعتبار بشكل كافٍ
-- سرعان ما أصبح المرور عبر أفغانستان مرحلة للارتقــاء في ســلّم وظـائف الجيش الأمريـكي
-- الوضع بعيد كل البعد عن التصريحات التي بررت العمليات العسكرية
مع إعلان جو بايدن في 14 أبريل 2021 إعادة التأكيد على الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية” 1”، الذي حدده سلفه في البداية في 1 مايو 2021 وتم تأجيله إلى 11 سبتمبر، فإن الأمر يتعلق فعلا بوضع حد “لأطول فترة حرب بقيادة الولايات المتحدة “. ومن الواضح أن تاريخ 11 سبتمبر لم يتم اختياره بشكل عشوائي من قبل الرئيس الحالي. ورغم عدم تورط الأفغان بشكل مباشر في هذا الهجوم الفريد في تاريخ الإرهاب، إلا أن تداعياته كانت كارثية على البلاد. ما هي الحصيلة التي يمكن استخلاصها بعد عشرين عاما من تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ووجود، بالنظر الى طول مدته، غير مسبوق في المنطقة؟
الحصاد واضح: الوضع بعيد كل البعد عن التصريحات التي بررت العمليات العسكرية في ذلك الوقت كرد فعل على الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي.
بعد ما يقرب من عقدين على الميدان، النتائج التي تم الحصول عليها لا تعكس نسبيا الموارد التي خصصتها الولايات المتحدة... حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر!
أخطاء من البداية
من الواضح أن التدخل في أفغانستان جاء نتيجة رغبة الإدارة الأمريكية في ربط منفذي الهجمات بمن يؤوون القاعدة. فبالإضافة إلى هدف تدمير ملاذات التنظيم الإرهابي، كان هناك القبض على بن لادن وإسقاط نظام حركة طالبان التي وصلت إلى السلطة عام 1996، بتهمة دعم أكثر المطلوبين آنذاك.
الأمريكيون، وقوات التحالف على نطاق أوسع، الذين وصلوا في 7 أكتوبر 2001 على الأراضي الأفغانية، وضعوا بسرعة حدًا للنظام القائم، مما غذى وهم النصر الكامل والشامل... وهم فعلا لأن الطالبان سيعيدون تنظيم صفوفهم بسرعة، مستفيدين من كل الأخطاء المتراكمة على مر السنين.
بعد الإطاحة بهم من السلطة، انتهج الأخيرون باستمرار سياسة الاختراق الإيديولوجي انطلاقا من المساجد، بدءً من عام 2003. والغريب، أن هذا لم يثر قلقا داخل التحالف في ذلك الوقت.
إن سياسة “بناء الدولة” هي سياسة اثبتت فشلها، مع من جهة، حكومة أفغانية تسيطر على جزء من الأراضي يتقلص بشكل متزايد، ومن الجهة الأخرى، حركة طالبان أكثر حضوراً من أي وقت مضى، وتنظيم القاعدة لا يزال راسخا في البلد.
لم تختف طالبان أبدًا: عام 2017 كانت تسيطر على ما يقارب 70 بالمائة من مناطق البلاد. وقد اكتسبت فعليا أسبقية على المستوى العسكري.
وإذا كان البعض لا يزال يشك في ذلك، فإن هجوم 29 نوفمبر 2020 على قاعدة للجيش الأفغاني في ولاية غزنة (شرق)، وأودى بحياة ثلاثين جنديًا على الأقل، هو دليل آخر. منذ يناير 2021، كانت البلاد مرة أخرى مسرحًا للاغتيالات المستهدفة: قُتلت قاضيتان تعملان في المحكمة العليا الأفغانية بوحشية في كابول في 17 يناير.
عام 2014، تمت إضافة لاعب جديد في هذا العنف، وهو تنظيم داعش، مما زاد من عدد الهجمات الدموية.
إن الفساد الذي طال جميع مسؤولي الدولة، وصولا الى أعلى المناصب، أضعف المؤسسات القائمة؛ لان البعض لم يقتصر على التعاطي مع المساعدة الدولية على أنها ضمانة لتحصيل دخل فحسب، بل أضعف المتدخلون الدوليون تدريجياً الدولة الأفغانية من خلال الالتفاف عليها. وساهمت كثرة الجهات الخارجية، بدءًا من المنظمات الدولية، إلى مراكز الفكر، مرورا بالأجهزة الأمنية، ناهيك عن المنظمات غير الحكومية والجامعات والشركات ... في عملية الاضعاف هذه.
اعتمد التحالف بشكل كبير على محاورين محليين في البلاد، على حساب المعيار الوطني، مما زاد من تقليص دور الحكومة المركزية. وكان المتدخلون في عملية التنمية هم أول من تخطى الدولة وتجاوزها، وقد أصبح تنسيق برامج المساعدة أمرًا صعبًا من البداية بسبب العدد المتزايد لهؤلاء المتدخلين في هذا المجال. ولم يؤدي هذا الا إلى زيادة المنافسة بينهم حتى أصبحت سياساتهم غير متسقة؛ وشهدنا، بالتالي، إهدارًا سريعًا للموارد. وغذى تدفق الأموال الفساد بقدر ما غذى المحسوبية، ناهيك عن بعض الاستثمارات التي لم يتم إجراؤها دائمًا بطريقة عقلانية.
غالبًا ما تعود مناقصات الحكومة الأمريكية وبانتظام إلى المجموعات الأمريكية؛ وتُسند معظم المقاولات الفرعية إلى شركات من دول أخرى أعضاء في التحالف.
أما بالنسبة للمتدخلين الوطنيين، فيتم تحويل وجهة جزء من التمويل.
وفيما يتعلق بالعدالة، بعد عام 2001، من الواضح أنها لم تكن أولوية التحالف في بناء “دولة موثوق بها”! وسمح هذا الضعف لطالبان باستعادة اليد العليا على هذا المستوى أيضًا. لقد نجحوا في ترسيخ أنفسهم كمحكمين في النزاعات المحلية والتقاضي، الى درجة أن “محاكمهم” قد حلت محل جهاز عدل الدولة وقضائها.
أما بالنسبة للشرطة، فإن هذه المؤسسة المبتلاة بالفساد المستشري، تعاني من نقص التدريب.
وعلى المستوى السياسي، فإن فشل النظام الديمقراطي وتقويض مصداقيته أمر بائن للأسف هنا. والانتخابات التي شابها عمليات تزوير واسعة النطاق، دمرت مصداقية العملية الانتخابية.
إن “إعادة إعمار” البلد، إذا جاز الحديث عن إعادة إعمار، قد تقوضت بسبب سلوكيات وتجاوزات معينة للجنود، وكذلك فاعلين خارجيين، ولا سيما شركات الأمن الخاصة. إن وجود الشركات العسكرية الخاصة التي من بينها بلاك ووتر (التي أصبحت عام 2009 الجهاز X ثم أكاديمية عام 2010) لم يسمح، في كل الأحوال، بضمان أمن الإقليم، بل على العكس من ذلك ... استمر عدد الأخطاء الامنية في الارتفاع.
العناد في إنكار الواقع
عززت السياسة الأمريكية عودة “أمراء الحرب”، التي سهلها سقوط نظام طالبان. دعمتهم الولايات المتحدة لإعادة احتلال المنطقة، لكن المجتمع الأفغاني أصبح حضريًا بشكل متزايد نتيجة للنزوح الجماعي من الريف، والذي يبدو مرة أخرى أنه تم تجاهله. بعد عام 2001، استخدم كرزاي القبائل كمنصة، مما زاد في إضعاف المؤسسات المركزية.
كان وصول التحالف، فصلا مكانيّا أيضًا ظهر مع إنشاء جيوب مؤمّنة بشدة شكلت إبعادًا متعمدًا ومقصودا، وبالتالي مانعا لمعرفة وفهم حقيقيين لمجتمع يُفترض أنه تحرر من نظام قمعي. وقد أدى هذا الفصل إلى تفاقم سوء التفاهم وتعزيز رفض مراعاة النواميس والرموز الثقافية.
لم يكن لدى الخبراء الأمريكيين الذين أرسلوا إلى هناك في النهاية أي معرفة بالمجتمع الأفغاني، وتنقلهم في البلاد لم يسمح لهم بفهم حقيقتها. وسرعان ما أصبح المرور عبر أفغانستان مرحلة للارتقاء في وظائف الجيش الأمريكي.
إن عمى قادة التحالف، وانكار عودة طالبان، طالما غذّاه إلى حد كبير “الرجل القوي” الذي وضعه الأمريكيون أنفسهم: حامد كرزاي، “حبيب الغرب”، وخلال السنوات الأولى من حكمه، أعلن في مؤتمر صحفي في 26 فبراير 2004، أن طالبان لم تعد موجودة كحركة. إن هذا الرفض للاعتراف بالواقع هو موقف يبدو أنه حينها يناسب ضباط التحالف، ومن بينهم الجنرال جيمس ل. جونز، قائد قوات الناتو في أوروبا من 2003 إلى2006 “2»
وخلافًا للاعتقاد السائد، فإن حركة طالبان منسقة تمامًا، ولم تعد حركة مقتصرة على قبيلة البشتون؛ لقد باتت الآن قادرة على حشد المقاتلين من مختلف المحافظات، حيث تمكنت من الاستفادة من استياء السكان المتزايد ضد التحالف والحكومة. وأدى توسيع استراتيجية حرب العصابات التي تعتمدها إلى الانفتاح على مجموعات عرقية أخرى. ومن خلال دمج الأوزبك والتركمان في الشمال، عززوا الطابع الوطني لتمردهم ضد الحكومة والتحالف.
لقد نجحوا في إعادة تأسيس منظمة من المقاتلين قادرة على تنفيذ هجمات أكثر دقة وكبيرة الحجم، والاستيلاء على مناطق بأكملها. إن عناصرها قادرون على قطع الطرق الرئيسية، وهذا بشكل متكرر. ففي 13 مايو، استولوا على منطقة نيرخ، على بعد 40 كم جنوب غرب كابول، “التي تسيطر عليها” حتى ذلك الحين الحكومة الأفغانية.
لكن، لا شك أن الدور الذي لعبته باكستان يظل ضروريًا لفهم عدم قدرة التحالف على إنهاء التمرد.
باكستان جارة عبء
ماذا عن سياسة واشنطن غير المتسقة تجاه باكستان الداعمة لطالبان؟ لعبت القراءة الأمريكية لموقف باكستان ودورها في التمرد، دورًا لا يمكن إنكاره في تعثر القوات المسلحة للتحالف في صراع خاسر مقدّما ... لقد قلل الأمريكيون بشكل كبير من أهمية الدعم الباكستاني: الملاذ الباكستاني مورد حيوي لطالبان. ولعب الجيش الباكستاني نفسه على الحبلين: أن يظل داعمًا رئيسيًا لتمرد طالبان، مع البقاء حليفًا للولايات المتحدة. ان السياسة الامريكية تجاه باكستان غير مفهومة فقد ظلت الحدود الأفغانية الباكستانية ملاذًا بعد 11 سبتمبر، بما في ذلك للقاعدة. ومع ذلك، فقد تدهورت العلاقات مع الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار في جنوب وزيرستان (على الحدود الأفغانية)، والتخلص من بن لادن في مايو 2011، والذي سيكون سببًا لأزمة دبلوماسية بين واشنطن وإسلام أباد.
لم يتم أخذ البعد الإقليمي، وبالتالي، الدور النشط لباكستان في الصراع الأفغاني في الاعتبار بشكل كافٍ من قبل الولايات المتحدة، والتي بالكاد أظهرت استراتيجية متماسكة تجاه إسلام أباد. ان احتواء التمرد دون حل مشكلة الملاذ الباكستاني كان محكوما بالفشل منذ البداية. فضلت الولايات المتحدة زيادة الموارد دون نتائج مقنعة.
ولم تفعل ولاية أوباما شيئًا لحل التناقض في هذه السياسة التي اتبعها قبله بوش ورفاقه. ورغم العمليات التي استهدفت كوادر التمرد “3”، فإن التنظيم لم ينكسر أبدًا، وذلك بفضل الحماية التي توفرها باكستان على وجه الخصوص. دون أن ننسى الخسائر المدنية، سواء من الجانب الأفغاني أو على الجانب الباكستاني، مما أضعف الموقف الأمريكي ومواقع التحالف مع المدنيين. وسرعان ما أصبح هؤلاء مسؤولين عن انعدام الأمن في نظر جزء من السكان.
أي مستقبل
للجمهورية الأفغانية؟
كان من المقرر عقد مؤتمر في 24 أبريل في اسطنبول، حيث سيجمع اللاعبين الأفغان والدوليين الرئيسيين، لكن تم تأجيله إلى منتصف مايو. ومع ذلك، يبدو أن عملية السلام بين طالبان وكابول، والتي تعثرت منذ توقيع مسودة الاتفاق بين الإدارة الأمريكية والمتمردين” 4”،”5” ، عادت مجددا الى الواجهة. يقال إن مسؤولين في الحكومة الأفغانية قد التقوا بأعضاء حركة طالبان في 14 مايو. لكن لم يتم اتخاذ أي قرار في تلك المرحلة: لا تعترف طالبان بجمهورية أفغانستان الإسلامية، وترغب في أن ترى مكانها إمارة إسلامية.
أما الحكومة الأفغانية، فهي لا تريد حكومة ائتلافية مؤقتة على الأقل في الوقت الحالي ...
هل من الضروري التذكير بأنه في إطار مسودة الاتفاق الشهيرة الموقعة “6”، كانت الصفقة قائمة على شكل ضمان من طالبان بعدم مهاجمة القوات الأجنبية أثناء انسحابها. لم يتم تحديد أي شيء حول ما إذا كان التمرد سينتهي، حيث لم يتم وضع أساس للمفاوضات بين الأفغان.
من الواضح أن هدف طالبان ليس استئناف القتال ضد القوات الأجنبية، ولكن رؤيتها تغادر بشكل دائم وبالتالي تكون لها يد طليقة في محاولة استعادة السلطة. كما ينص الالتزام الذي وقعت عليه طالبان أيضًا، في إطار مسودة الاتفاق هذه، على منع أي مجموعة أو فرد من جعل أفغانستان أرضًا تهدد أمن البلدان الأخرى، وبالدول الأخرى يجب أن نفهم الولايات المتحدة.
لكن ما الذي يمكن أن نأمله بمجرد مغادرة قوات التحالف؟
يعيش الجيش الأفغاني فقط على المساعدات المالية الأمريكية. ومع ذلك، فقد أعلن البيت الأبيض عزمه على الحفاظ على هذا الدعم. وبدون دعمه المالي، من غير المرجح أن يصمد الجيش الأفغاني أمام هجمات طالبان المتكررة وهجمات القاعدة وداعش. وماذا عن النساء والأطفال الذين هم بلا شك أكبر ضحايا هذا الانسحاب، دون أن ننسى الأقليات الإثنية والمذهبية! الهزارة، الذين كانوا أهدافًا لعنف طالبان عندما كانوا في السلطة، يدفعون من الان ثمن هذا الانسحاب المخطط للقوات الأمريكية. فقد تسبب هجوم استهدف مدرسة للبنات في حداد مجتمع الهزارة في كابول في 8 مايو 2021، حيث أسفر عن مقتل 67 شخصًا وإصابة أكثر من مائة بجروح، معظمهم من فتيات المدارس الثانوية والمعلمين.
ان الخوف من اندلاع حرب أهلية جديدة وعودة حركة طالبان إلى السلطة، بعد عشرين عامًا من رحيلها، ينتشر بشكل متزايد في الداخل وفي الشتات الأفغاني.
وإذا كان علينا أن نقيّم التدخل الأمريكي في العراق، فلن يكون أفضل بكثير.
«1» أو حوالي 10 آلاف جندي ، 2500 منهم أمريكيون
«2» عُين في 1 ديسمبر 2008 مستشارًا للأمن القومي لباراك أوباما
«3» ما يقرب من 4 الاف عملية ضد كوادر طالبان بين يونيو وأغسطس 2010
«4» تخلى الرئيس ترامب عن الاتفاقية الموقعة في 29 فبراير 2020
«5» لم تشارك الحكومة الأفغانية في مسودة الاتفاق هذه
«6» تم اعتماد نص هذا الاتفاق المسبق في 10 مارس 2020 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال القرار رقم 2513
*مستشارة في المسائل الجيوسياسية، باحثة مشاركة في مركز التحليل والتدخل السوسيولوجي
-- لم تأخذ الولايات المتحدة البعد الإقليمي في الصراع الأفغاني في الاعتبار بشكل كافٍ
-- سرعان ما أصبح المرور عبر أفغانستان مرحلة للارتقــاء في ســلّم وظـائف الجيش الأمريـكي
-- الوضع بعيد كل البعد عن التصريحات التي بررت العمليات العسكرية
مع إعلان جو بايدن في 14 أبريل 2021 إعادة التأكيد على الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية” 1”، الذي حدده سلفه في البداية في 1 مايو 2021 وتم تأجيله إلى 11 سبتمبر، فإن الأمر يتعلق فعلا بوضع حد “لأطول فترة حرب بقيادة الولايات المتحدة “. ومن الواضح أن تاريخ 11 سبتمبر لم يتم اختياره بشكل عشوائي من قبل الرئيس الحالي. ورغم عدم تورط الأفغان بشكل مباشر في هذا الهجوم الفريد في تاريخ الإرهاب، إلا أن تداعياته كانت كارثية على البلاد. ما هي الحصيلة التي يمكن استخلاصها بعد عشرين عاما من تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ووجود، بالنظر الى طول مدته، غير مسبوق في المنطقة؟
الحصاد واضح: الوضع بعيد كل البعد عن التصريحات التي بررت العمليات العسكرية في ذلك الوقت كرد فعل على الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي.
بعد ما يقرب من عقدين على الميدان، النتائج التي تم الحصول عليها لا تعكس نسبيا الموارد التي خصصتها الولايات المتحدة... حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر!
أخطاء من البداية
من الواضح أن التدخل في أفغانستان جاء نتيجة رغبة الإدارة الأمريكية في ربط منفذي الهجمات بمن يؤوون القاعدة. فبالإضافة إلى هدف تدمير ملاذات التنظيم الإرهابي، كان هناك القبض على بن لادن وإسقاط نظام حركة طالبان التي وصلت إلى السلطة عام 1996، بتهمة دعم أكثر المطلوبين آنذاك.
الأمريكيون، وقوات التحالف على نطاق أوسع، الذين وصلوا في 7 أكتوبر 2001 على الأراضي الأفغانية، وضعوا بسرعة حدًا للنظام القائم، مما غذى وهم النصر الكامل والشامل... وهم فعلا لأن الطالبان سيعيدون تنظيم صفوفهم بسرعة، مستفيدين من كل الأخطاء المتراكمة على مر السنين.
بعد الإطاحة بهم من السلطة، انتهج الأخيرون باستمرار سياسة الاختراق الإيديولوجي انطلاقا من المساجد، بدءً من عام 2003. والغريب، أن هذا لم يثر قلقا داخل التحالف في ذلك الوقت.
إن سياسة “بناء الدولة” هي سياسة اثبتت فشلها، مع من جهة، حكومة أفغانية تسيطر على جزء من الأراضي يتقلص بشكل متزايد، ومن الجهة الأخرى، حركة طالبان أكثر حضوراً من أي وقت مضى، وتنظيم القاعدة لا يزال راسخا في البلد.
لم تختف طالبان أبدًا: عام 2017 كانت تسيطر على ما يقارب 70 بالمائة من مناطق البلاد. وقد اكتسبت فعليا أسبقية على المستوى العسكري.
وإذا كان البعض لا يزال يشك في ذلك، فإن هجوم 29 نوفمبر 2020 على قاعدة للجيش الأفغاني في ولاية غزنة (شرق)، وأودى بحياة ثلاثين جنديًا على الأقل، هو دليل آخر. منذ يناير 2021، كانت البلاد مرة أخرى مسرحًا للاغتيالات المستهدفة: قُتلت قاضيتان تعملان في المحكمة العليا الأفغانية بوحشية في كابول في 17 يناير.
عام 2014، تمت إضافة لاعب جديد في هذا العنف، وهو تنظيم داعش، مما زاد من عدد الهجمات الدموية.
إن الفساد الذي طال جميع مسؤولي الدولة، وصولا الى أعلى المناصب، أضعف المؤسسات القائمة؛ لان البعض لم يقتصر على التعاطي مع المساعدة الدولية على أنها ضمانة لتحصيل دخل فحسب، بل أضعف المتدخلون الدوليون تدريجياً الدولة الأفغانية من خلال الالتفاف عليها. وساهمت كثرة الجهات الخارجية، بدءًا من المنظمات الدولية، إلى مراكز الفكر، مرورا بالأجهزة الأمنية، ناهيك عن المنظمات غير الحكومية والجامعات والشركات ... في عملية الاضعاف هذه.
اعتمد التحالف بشكل كبير على محاورين محليين في البلاد، على حساب المعيار الوطني، مما زاد من تقليص دور الحكومة المركزية. وكان المتدخلون في عملية التنمية هم أول من تخطى الدولة وتجاوزها، وقد أصبح تنسيق برامج المساعدة أمرًا صعبًا من البداية بسبب العدد المتزايد لهؤلاء المتدخلين في هذا المجال. ولم يؤدي هذا الا إلى زيادة المنافسة بينهم حتى أصبحت سياساتهم غير متسقة؛ وشهدنا، بالتالي، إهدارًا سريعًا للموارد. وغذى تدفق الأموال الفساد بقدر ما غذى المحسوبية، ناهيك عن بعض الاستثمارات التي لم يتم إجراؤها دائمًا بطريقة عقلانية.
غالبًا ما تعود مناقصات الحكومة الأمريكية وبانتظام إلى المجموعات الأمريكية؛ وتُسند معظم المقاولات الفرعية إلى شركات من دول أخرى أعضاء في التحالف.
أما بالنسبة للمتدخلين الوطنيين، فيتم تحويل وجهة جزء من التمويل.
وفيما يتعلق بالعدالة، بعد عام 2001، من الواضح أنها لم تكن أولوية التحالف في بناء “دولة موثوق بها”! وسمح هذا الضعف لطالبان باستعادة اليد العليا على هذا المستوى أيضًا. لقد نجحوا في ترسيخ أنفسهم كمحكمين في النزاعات المحلية والتقاضي، الى درجة أن “محاكمهم” قد حلت محل جهاز عدل الدولة وقضائها.
أما بالنسبة للشرطة، فإن هذه المؤسسة المبتلاة بالفساد المستشري، تعاني من نقص التدريب.
وعلى المستوى السياسي، فإن فشل النظام الديمقراطي وتقويض مصداقيته أمر بائن للأسف هنا. والانتخابات التي شابها عمليات تزوير واسعة النطاق، دمرت مصداقية العملية الانتخابية.
إن “إعادة إعمار” البلد، إذا جاز الحديث عن إعادة إعمار، قد تقوضت بسبب سلوكيات وتجاوزات معينة للجنود، وكذلك فاعلين خارجيين، ولا سيما شركات الأمن الخاصة. إن وجود الشركات العسكرية الخاصة التي من بينها بلاك ووتر (التي أصبحت عام 2009 الجهاز X ثم أكاديمية عام 2010) لم يسمح، في كل الأحوال، بضمان أمن الإقليم، بل على العكس من ذلك ... استمر عدد الأخطاء الامنية في الارتفاع.
العناد في إنكار الواقع
عززت السياسة الأمريكية عودة “أمراء الحرب”، التي سهلها سقوط نظام طالبان. دعمتهم الولايات المتحدة لإعادة احتلال المنطقة، لكن المجتمع الأفغاني أصبح حضريًا بشكل متزايد نتيجة للنزوح الجماعي من الريف، والذي يبدو مرة أخرى أنه تم تجاهله. بعد عام 2001، استخدم كرزاي القبائل كمنصة، مما زاد في إضعاف المؤسسات المركزية.
كان وصول التحالف، فصلا مكانيّا أيضًا ظهر مع إنشاء جيوب مؤمّنة بشدة شكلت إبعادًا متعمدًا ومقصودا، وبالتالي مانعا لمعرفة وفهم حقيقيين لمجتمع يُفترض أنه تحرر من نظام قمعي. وقد أدى هذا الفصل إلى تفاقم سوء التفاهم وتعزيز رفض مراعاة النواميس والرموز الثقافية.
لم يكن لدى الخبراء الأمريكيين الذين أرسلوا إلى هناك في النهاية أي معرفة بالمجتمع الأفغاني، وتنقلهم في البلاد لم يسمح لهم بفهم حقيقتها. وسرعان ما أصبح المرور عبر أفغانستان مرحلة للارتقاء في وظائف الجيش الأمريكي.
إن عمى قادة التحالف، وانكار عودة طالبان، طالما غذّاه إلى حد كبير “الرجل القوي” الذي وضعه الأمريكيون أنفسهم: حامد كرزاي، “حبيب الغرب”، وخلال السنوات الأولى من حكمه، أعلن في مؤتمر صحفي في 26 فبراير 2004، أن طالبان لم تعد موجودة كحركة. إن هذا الرفض للاعتراف بالواقع هو موقف يبدو أنه حينها يناسب ضباط التحالف، ومن بينهم الجنرال جيمس ل. جونز، قائد قوات الناتو في أوروبا من 2003 إلى2006 “2»
وخلافًا للاعتقاد السائد، فإن حركة طالبان منسقة تمامًا، ولم تعد حركة مقتصرة على قبيلة البشتون؛ لقد باتت الآن قادرة على حشد المقاتلين من مختلف المحافظات، حيث تمكنت من الاستفادة من استياء السكان المتزايد ضد التحالف والحكومة. وأدى توسيع استراتيجية حرب العصابات التي تعتمدها إلى الانفتاح على مجموعات عرقية أخرى. ومن خلال دمج الأوزبك والتركمان في الشمال، عززوا الطابع الوطني لتمردهم ضد الحكومة والتحالف.
لقد نجحوا في إعادة تأسيس منظمة من المقاتلين قادرة على تنفيذ هجمات أكثر دقة وكبيرة الحجم، والاستيلاء على مناطق بأكملها. إن عناصرها قادرون على قطع الطرق الرئيسية، وهذا بشكل متكرر. ففي 13 مايو، استولوا على منطقة نيرخ، على بعد 40 كم جنوب غرب كابول، “التي تسيطر عليها” حتى ذلك الحين الحكومة الأفغانية.
لكن، لا شك أن الدور الذي لعبته باكستان يظل ضروريًا لفهم عدم قدرة التحالف على إنهاء التمرد.
باكستان جارة عبء
ماذا عن سياسة واشنطن غير المتسقة تجاه باكستان الداعمة لطالبان؟ لعبت القراءة الأمريكية لموقف باكستان ودورها في التمرد، دورًا لا يمكن إنكاره في تعثر القوات المسلحة للتحالف في صراع خاسر مقدّما ... لقد قلل الأمريكيون بشكل كبير من أهمية الدعم الباكستاني: الملاذ الباكستاني مورد حيوي لطالبان. ولعب الجيش الباكستاني نفسه على الحبلين: أن يظل داعمًا رئيسيًا لتمرد طالبان، مع البقاء حليفًا للولايات المتحدة. ان السياسة الامريكية تجاه باكستان غير مفهومة فقد ظلت الحدود الأفغانية الباكستانية ملاذًا بعد 11 سبتمبر، بما في ذلك للقاعدة. ومع ذلك، فقد تدهورت العلاقات مع الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار في جنوب وزيرستان (على الحدود الأفغانية)، والتخلص من بن لادن في مايو 2011، والذي سيكون سببًا لأزمة دبلوماسية بين واشنطن وإسلام أباد.
لم يتم أخذ البعد الإقليمي، وبالتالي، الدور النشط لباكستان في الصراع الأفغاني في الاعتبار بشكل كافٍ من قبل الولايات المتحدة، والتي بالكاد أظهرت استراتيجية متماسكة تجاه إسلام أباد. ان احتواء التمرد دون حل مشكلة الملاذ الباكستاني كان محكوما بالفشل منذ البداية. فضلت الولايات المتحدة زيادة الموارد دون نتائج مقنعة.
ولم تفعل ولاية أوباما شيئًا لحل التناقض في هذه السياسة التي اتبعها قبله بوش ورفاقه. ورغم العمليات التي استهدفت كوادر التمرد “3”، فإن التنظيم لم ينكسر أبدًا، وذلك بفضل الحماية التي توفرها باكستان على وجه الخصوص. دون أن ننسى الخسائر المدنية، سواء من الجانب الأفغاني أو على الجانب الباكستاني، مما أضعف الموقف الأمريكي ومواقع التحالف مع المدنيين. وسرعان ما أصبح هؤلاء مسؤولين عن انعدام الأمن في نظر جزء من السكان.
أي مستقبل
للجمهورية الأفغانية؟
كان من المقرر عقد مؤتمر في 24 أبريل في اسطنبول، حيث سيجمع اللاعبين الأفغان والدوليين الرئيسيين، لكن تم تأجيله إلى منتصف مايو. ومع ذلك، يبدو أن عملية السلام بين طالبان وكابول، والتي تعثرت منذ توقيع مسودة الاتفاق بين الإدارة الأمريكية والمتمردين” 4”،”5” ، عادت مجددا الى الواجهة. يقال إن مسؤولين في الحكومة الأفغانية قد التقوا بأعضاء حركة طالبان في 14 مايو. لكن لم يتم اتخاذ أي قرار في تلك المرحلة: لا تعترف طالبان بجمهورية أفغانستان الإسلامية، وترغب في أن ترى مكانها إمارة إسلامية.
أما الحكومة الأفغانية، فهي لا تريد حكومة ائتلافية مؤقتة على الأقل في الوقت الحالي ...
هل من الضروري التذكير بأنه في إطار مسودة الاتفاق الشهيرة الموقعة “6”، كانت الصفقة قائمة على شكل ضمان من طالبان بعدم مهاجمة القوات الأجنبية أثناء انسحابها. لم يتم تحديد أي شيء حول ما إذا كان التمرد سينتهي، حيث لم يتم وضع أساس للمفاوضات بين الأفغان.
من الواضح أن هدف طالبان ليس استئناف القتال ضد القوات الأجنبية، ولكن رؤيتها تغادر بشكل دائم وبالتالي تكون لها يد طليقة في محاولة استعادة السلطة. كما ينص الالتزام الذي وقعت عليه طالبان أيضًا، في إطار مسودة الاتفاق هذه، على منع أي مجموعة أو فرد من جعل أفغانستان أرضًا تهدد أمن البلدان الأخرى، وبالدول الأخرى يجب أن نفهم الولايات المتحدة.
لكن ما الذي يمكن أن نأمله بمجرد مغادرة قوات التحالف؟
يعيش الجيش الأفغاني فقط على المساعدات المالية الأمريكية. ومع ذلك، فقد أعلن البيت الأبيض عزمه على الحفاظ على هذا الدعم. وبدون دعمه المالي، من غير المرجح أن يصمد الجيش الأفغاني أمام هجمات طالبان المتكررة وهجمات القاعدة وداعش. وماذا عن النساء والأطفال الذين هم بلا شك أكبر ضحايا هذا الانسحاب، دون أن ننسى الأقليات الإثنية والمذهبية! الهزارة، الذين كانوا أهدافًا لعنف طالبان عندما كانوا في السلطة، يدفعون من الان ثمن هذا الانسحاب المخطط للقوات الأمريكية. فقد تسبب هجوم استهدف مدرسة للبنات في حداد مجتمع الهزارة في كابول في 8 مايو 2021، حيث أسفر عن مقتل 67 شخصًا وإصابة أكثر من مائة بجروح، معظمهم من فتيات المدارس الثانوية والمعلمين.
ان الخوف من اندلاع حرب أهلية جديدة وعودة حركة طالبان إلى السلطة، بعد عشرين عامًا من رحيلها، ينتشر بشكل متزايد في الداخل وفي الشتات الأفغاني.
وإذا كان علينا أن نقيّم التدخل الأمريكي في العراق، فلن يكون أفضل بكثير.
«1» أو حوالي 10 آلاف جندي ، 2500 منهم أمريكيون
«2» عُين في 1 ديسمبر 2008 مستشارًا للأمن القومي لباراك أوباما
«3» ما يقرب من 4 الاف عملية ضد كوادر طالبان بين يونيو وأغسطس 2010
«4» تخلى الرئيس ترامب عن الاتفاقية الموقعة في 29 فبراير 2020
«5» لم تشارك الحكومة الأفغانية في مسودة الاتفاق هذه
«6» تم اعتماد نص هذا الاتفاق المسبق في 10 مارس 2020 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال القرار رقم 2513
*مستشارة في المسائل الجيوسياسية، باحثة مشاركة في مركز التحليل والتدخل السوسيولوجي