رئيس الدولة يبحث مع وزير الدفاع السعودي علاقات التعاون وتطورات الأوضاع في المنطقة
الانهيار المالي... كيف تحوّل لبنان إلى جمهورية للمصرفيين؟
تعليقاً على الانهيار المالي الذي يشهده لبنان، شرح الكاتب يانس إقبال أن الأزمة الاقتصادية في هذا البلد ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنموذج “الأمولة» financialization الذي تتبنّاه النخبة الحاكمة، الذي حوّل البلاد إلى “جمهورية للمصرفيين”، حيث أسّست الدولة، التي كانت تُعرف باسم “سويسرا الشرق الأوسط”، اقتصادها على القطاع المالي دون اعتبار للقطاعات الإنتاجية.
وكتب إقبال، في موقع “مودرن دبلوماسي”، أن أزمة الهيكل الاقتصادي في لبنان متوقّعة. وشرح أن الدولة كانت تقترض من البنك المركزي أو عن طريقه بأسعار فائدة باهظة. بدوره، كان البنك المركزي يقترض من المصارف المحلية، التي كانت تُقرضه أموال المودعين، الذين تمّ استدراجهم بدورهم من خلال أسعار الفائدة المرتفعة. وأدت أسعار الفائدة المرتفعة التي تصل إلى 15% إلى استمرار هذه الدورة غير المستدامة لسنوات. لكن نفاد الأموال كان أمراً لا مفر منه. وعندما حدث هذا، انهارت بنية التراكم بأكملها.
انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنحو 90% في الأشهر الثمانية عشر الماضية، ما أدى إلى ارتفاع التضخم السنوي للغذاء إلى 400%، ومحو الرواتب والمدخرات، ودفع أكثر من نصف البلاد إلى هوة الفقر. ويأتي كل هذا في وقت تكافح البلاد الدمار الاقتصادي الذي أحدثه فيروس كورونا، فضلاً عن الدمار الذي خلّفه انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020.
ويعود أساس المستنقع الحالي إلى سياسة ربط العملة المحلية بالدولار الأمريكي الذي انتهجته السلطات في عام 1997، حيث ثُبّت سعر الليرة اللبنانية بالدولار بمعدل مبالغ فيه، ما مهد الطريق لظهور الرأسمالية الريعية. ومن ناحية، أصبح الاستيراد أكثر ربحية من الإنتاج المحلي. ومن ناحية أخرى، أصبح استثمار رأس المال في القطاعات الاقتصادية غير المنتجة- أي المنتجات المالية والعقارات- أكثر جذباً مع انحسار مخاطر التضخم.
واستجابة لضغوط تخفيض قيمة العملة هذه، كان على مصرف لبنان المركزي ضمان استمرار تدفّق العملات الأجنبية، أي الدولار الأميركي، للحفاظ على سياسة الربط، من خلال مخطط “بونزي» (Ponzi) الوطني، وهي عملية احتيال يتمّ فيها دفع أموال للمستثمرين الحاليين بأموال تمّ جمعها من مستثمرين جدد، بينما يقوم المنظّمون بتحصيل حصة لأنفسهم. وبمساعدة أموال النفط من الخليج والتحويلات المالية من الشتات اللبناني الكبير، قامت البرجوازية ببناء أسس التمويل المحلي. ولتعزيز جذب الأموال من الخارج، وعدت المصارف اللبنانية بأسعار فائدة عالية على الودائع. وفي الوقت نفسه، حصل المودعين على فائدة تزيد عن 5% على الودائع. وكانت الصفقة كبيرة بالنسبة للمستثمرين في المنطقة، الذين كدّسوا الأموال في المصارف اللبنانية، بينما كان من الممكن استخدامها في استثمارات منتجة، لكنها بقيت في الخزائن.
واستخدمت المصارف التجارية اللبنانية التدفّقات الدولارية من الخارج للمضاربة على أدوات الدين السيادية المقوّمة بالليرة اللبنانية بأسعار فائدة أعلى بكثير من أسعار السوق الدولية.
وبعبارة أخرى، بدأت المصارف المليئة بالودائع، بإقراض الأموال للحكومة عبر البنك المركزي. ووعدت المصارف بدفع سعر فائدة مرتفع على الودائع، لكن البنك المركزي وعد بدفع سعر فائدة أعلى للمصارف، بما يضمن أن النظام يمكن أن يستمر لفترة قصيرة. وأقرضت الحكومة الكثير من المال، ورفعت الفرق بين سعري الفائدة.
وحدّت أسعار الفائدة المرتفعة على السندات الحكومية والودائع المصرفية من استثمارات رأس المال في الاقتصاد المنتج. وتمّ استخدام معظم الأموال التي جمعتها الدولة من خلال السندات، في النهاية، لسداد قيمة الفائدة بدلاً من تمويل برامج الرعاية الاجتماعية أو البنية التحتية العامة. وأثرى مخطط الربح هذا المصرفيين على حساب الطبقة العاملة.
وبلغ نصيب المصارف من الدين العام حوالي الثلثين في التسعينيات، ويُقدّر اليوم بحوالي 43%. وفي الواقع، ارتفعت أسعار الفائدة لتصل إلى 40% على أذون الخزانة غير الخاضعة للضريبة، ما ساعد أصول القطاع المصرفي على النمو بنسبة 25% بين عامي 1993 و2000، وزادت ثمانية أضعاف تقريباً بين عامي 1993 و 2013. بالإضافة إلى ذلك، زادت بين عامي 1993 و 2018، أرباح المصارف الصافية من 63 مليون دولار إلى ملياري دولار، وهو ما يمثل زيادة قدرها 3000%.
ارتباط السياسة بأقطاب المال
ودعم السياسيون عملية “الأمولة” بشكل أساسي. في الواقع، يرتبط السياسيون في لبنان بشكل وثيق بأقطاب المال، حيث يُسيطر الأفراد المرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالنخب السياسية على 43٪ من الأصول في القطاع المصرفي التجاري في لبنان. ولدى 18 من أصل 20 مصرفاً مساهمون رئيسيون مرتبطون بالنخبة السياسية. بينما تُسيطر ثماني عائلات فقط على 29٪ من إجمالي أصول القطاع المصرفي، وتمتلك معاً أكثر من 7.3 مليارات دولار من الأسهم.
بداية الانهيار
وبدأ انهيار هرم “بونزي”، الذي انتجته “الأوليغارشية” المالية، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 مع تباطؤ تدفّقات العملات الصعبة في سياق الأزمة العالمية للرأسمالية، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط (غرب آسيا)، لا سيما في سوريا. وأدى تهجير رأس المال إلى تفاقم نقص السيولة.
وبعدما أقرضت ثلاثة أرباع الودائع للحكومة، أصبحت المصارف مفلسة وظيفياً، وافتقرت للسيولة المالية بشكل متزايد. ولأنها غير قادرة على احتواء الأزمة التي ارتكبتها بأنفسها، حمّلت صغار المودعين العبء من خلال وضع ضوابط غير قانونية على رأس المال تمنعهم من سحب معاشاتهم التقاعدية وأجورهم.