البلطيق على صفيح ساخن.. 3 سيناريوهات بعد «اختراقات» روسيا لأجواء الناتو
في عالم تزدحم فيه جبهات الحرب الباردة الجديدة، لم يعد البحر الأسود وحده ساحة الاحتكاك بين روسيا والغرب، حيث أصبحت سماء البلطيق نقطة اختبار حقيقية لمعادلة «الردع الأطلسي»، بعد أن اخترقت 3 مقاتلات روسية من طراز MiG-31 الأجواء الإستونية على نحو وصفته تالين بأنه «استفزاز وقح». قراءة المشهد تتعدى هذه الحادثة بحد ذاتها، خاصةً أنها تمثل الحلقة الثالثة من «الاستفزازات الروسية» في أيام معدودة، بعد سقوط مسيرة روسية داخل الأجواء الفنلندية، ثم طائرة مقاتلة اخترقت أجواء رومانيا، لتكتمل بذلك صورة استراتيجية روسية متعمدة لا يمكن فصلها عن مسار الحرب في أوكرانيا، وفق متابعين. ولم يكن اختيار موسكو لإستونيا قرارًا عشوائيًا، خاصة وأنها دولة واقعة على خاصرة روسيا الشمالية وتمثل أضعف نقاط الناتو من حيث الجغرافيا، وأي اختراق فيها يُقرأ كرسالة إلى الحلف، بأن «قدرتنا على الوصول إلى عمقكم لا تزال قائمة».
ووفقا للمراقبين، فإن الأهم هو أن الحوادث الثلاثة جاءت متزامنة، في وقت تحاول فيه واشنطن وبروكسل بلورة مقاربة موحدة تجاه الأزمة الأوكرانية، وكأن الكرملين يقول للغرب إن الانشغال بالجبهة الأوكرانية لن يمنعه من تحريك ملفات أخرى على هوامش المواجهة. وأدان حلف شمال الأطلسي ما وصفه بـ»السلوك الروسي المتهور»، مؤكدًا أن الحادثة تمثل «مثالًا آخر على قدرة الحلف على الاستجابة»، بينما رفع الاتحاد الأوروبي سقف تحذيراته، إذ وصفت كايا كالاس، الممثلة العليا للسياسة الخارجية، الانتهاك بأنه «استفزاز خطير للغاية» مؤكدة أنه «الاختراق الثالث لأجواء الاتحاد الأوروبي خلال أيام، ويصعّد التوتر في المنطقة»، وفق تعبيرها.
ومن جانبها، شددت أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على أن «أوروبا تقف مع إستونيا في وجه أحدث انتهاك روسي، ومع تصاعد التهديدات، سيتصاعد ضغطنا أيضًا».
وكالعادة، يعكس النفي الروسي للحادثة ما هو أعمق من مجرد جدل قانوني حول المجال الجوي، إذ لا تزال تدرك موسكو أن هذه الخروقات تضع الناتو أمام معادلة صعبة، إما التصعيد الدبلوماسي والإدانة أو أنه يذهب إلى خطوات عسكرية أشد قوة على الرغم من ارتفاع تكلفة الردع الأطلسي، وهو ما تراهن عليه موسكو، بسعيها لإظهار هشاشة قدرة الغرب على حماية حدوده الجوية في البلطيق.
وكما فعلت من قبل فنلندا ورومانيا، طالبت إستونيا بتفعيل المادة الرابعة من ميثاق الحلف، وهذه المطالب المتكررة تحمل أبعادا استراتيجية يفتح معها الباب أمام تعزيز الانتشار العسكري في المنطقة، وربما زيادة الدوريات الجوية المشتركة.
3 سيناريوهات
وقد تشهد الساعات المقبلة، أحد 3 سيناريوهات رئيسة، الأول اجتماع مجلس شمال الأطلسي وإرسال رسائل ردع سياسية قوية دون تغيير جذري في الانتشار العسكري، أو القيام بتعزيزات أوروبية تدريجية، من إرسال مزيد من الطائرات وبطاريات الدفاع الجوي إلى البلطيق، وهو ما يرفع من احتمالات الاحتكاك المباشر. أما السيناريو الثالث والأخطر، فيتمثل في تكرار أزمة شبيهة بأزمة الصواريخ في كوبا، لكن في نسخة أوروبية، في حالة أي خطأ تكتيكي داخل الأجواء الروسية والتي تؤدي بالفعل إلى مواجهة بين طائرات روسية وأطلسية.