رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده
قابلة للتصدير خارج البرازيل:
البولسونارية، المرحلة النهائية من «الشعبوكراسيّة»...!
-- لاستعادة الصدارة، سيستنفر بولسونارو، كل موارد خطابه الشعبوي المتجذر في ما بعد الحقيقة
-- يستخدم الرئيس البرازيلي المنطق الشعبوي الكلاسيكي، الذي يتم استغلاله عالميًا
-- يمكن للبولسونارية أن تعيش بعد هزيمة انتخابية محتملة للرئيس الحالي
-- عناصر خطاب الضحية، المتوفّرة جدًا عند بولسونارو، توجــد أيضًــا داخــل «قوس شــعبوي عالمــي» حقيقـي
-- يستعير بولسونارو، الملقب أحيانًا بـ «ترامب الاستوائي»، خطــــاب الضحيــة من نموذجــــه في وصمــــه لليســــــار
قبل أيام قليلة من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية البرازيلية، التي ستدور 2 أكتوبر “ستجرى الجولة الثانية إذا اقتضى الأمر في 30 أكتوبر”، ظهر مرشحان تاريخيان، من أصل 11 في المجموع، بشكل واضح في استطلاعات الرأي: الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو، والرئيس اليساري السابق لولا “2003-2011”. يحتلّ هذا الأخير الصدارة، على الرغم من المناخ السياسي المعقد والمحفوف بالمخاطر. ويسود الحماس بين معظم المعلقين الغربيين، الذين يأملون في نهاية -هذا الأحد إذا فاز المرشح اليساري في الجولة الأولى -من حقبة بولسونارية كئيبة.
ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين، حيث يبدو أن الاتجاهات الأخيرة تشير إلى تقارب نوايا التصويت لصالح المرشحين الرئيسيين.
ويعتزم بولسونارو، كابتن مدفعية سابق يحنّ إلى الديكتاتورية العسكرية، أن يقود هجومًا غير تقليدي “أخبار زائفة” وبدون قواعد حتى نهاية الحملة ...
ناهيك عن خطر التصويت الخفي، كما حدث عام 2018 خلال الاقتراع الوطني الأخير.
وهكذا، تظل هذه الانتخابات مفتوحة أكثر بكثير مما يُعتقد عمومًا -خاصة أن التبلور النهائي للتصويت يحدث غالبًا، في البرازيل كما في أي
مكان آخر، في الأيام الأخيرة من الحملة. وللحاق بالركب، سيستخدم المنتهية ولايته، الذي سبق ان قال إن “استطلاعات الرأي تكذب”، كل موارد خطابه الشعبوي المتجذر في “ما بعد الحقيقة” -وهو مجال أصبحت فيه عشيرة بولسونارو سيّدة مطلقة.
خطاب “تجربة الواقع»
ما هي البولسونارية من وجهة نظر الخطاب؟
في كتابهما الممتاز “’الشعبوكراسية’، تحوّل ديمقراطياتنا” “2019”، في تحليل خاصة لإيطاليا ماتيو سالفيني، طرح الباحثان إيلفو ديامانتي ومارك لازار فكرة ‘الشعبوكراسية’ “تحديد لنمط حكم يرتكز بشكل مباشر على الشعب دون اللجوء للأحزاب والنقابات-المترجمة-”. وفي رأينا، البرازيل تحت حكم بولسونارو هي ‘شعبوكراسية’ في مرحلتها النهائية.
ماذا نعني بذلك؟ لنترك الكلمة لمبتكري المفهوم:
إن ‘الشعبوكراسية’ نتاج عملية مزدوجة. من ناحية، صعود الحركات والأحزاب الشعبوية بتأثير العدوى وتعديل أسس ديمقراطياتنا. يشير الشعبويون إلى الشعب ذي السيادة الذي يقدسونه. في نفس الوقت، يهاجمون الممثلين السياسيين الذين يعتبرونهم تقليديين، وينغمسون في إخفاء، وحتى نقد جذري، للأشكال المؤسسية التي تنظم هذه السيادة الشعبية نفسها. يتم اعلاء شأن الشعب “...” بشكل منهجي على أنه كيان متجانس وحامل للحقيقة، ويعتبرونه جيدًا في الأساس، لا سيما على النقيض من النخب التي يفترض أنها متجانسة، دائمًا ما يتم تشويهها وتبخيس أهليتها والتحريض على كرهها. هذا العداء -الشعب الفاضل ضد هذه النخب الفاسدة -له تأثير متفجر يمكن قياسه وتضخيمه بواسطة الصدى الذي تشكله الشبكات الاجتماعية».
تنتظم ‘الشعبوكراسية’ اذن، من خلال خطاب شعبوي، يتم نشره بشكل خاص على الشبكات الاجتماعية.
يحاول بولسونارو، بأسلوب مباشر ومألوف، من خلال قرب سياسي حقيقي تم إنشاؤه مع هدفه الانتخابي الأساسي، بناء حدود الواقع، وإنتاج “أخبار زائفة” بكامل مواصفات الأصالة. وهذا الخطاب عن “تجربة الواقع” هو عنصر مركزي في الشعبوية البولسونارية. ومن وجهة نظرنا، فإن “خطاب تجربة الواقع”، عنصر أساسي منسي نسبيًا في دراسة الشعبوية. إن الاعلاء المتتالي من شأن “تجربة الواقع” هذه، يتوفّر بكثرة في الخطاب البولسوناري حول موضوع أثقله بالاتهامات: الأمازون.
لنعد إلى بعض المقتطفات المهمة من هذا الخطاب:
سبتمبر 2019، قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أسابيع قليلة من الضجة الإعلامية الدولية لمجموعة السبع في بياريتز على الأمازون، والتي أثارها بشكل خاص إيمانويل ماكرون، رد أول: “لا تترددوا في القدوم إلى البرازيل، انه بلد مختلف عما ترونه في التلفزيون وفي الصحف”... إنكار لإمكانية وساطة ما هو واقع على الأمازون عبر وسائل الإعلام.
فبراير 2020، هاجم المنظمات البيئية غير الحكومية بسخرية لاذعة:
«إذا كان بإمكاني، أود أن أقيم حجرا صحيا وسط الأمازون على هؤلاء المدافعين عن البيئة حتى يتوقفوا عن إزعاج سكان الأمازون من المدينة».
اذن، يصاحب الاستفزاز المباشر هذا النوع من الخطاب الذي يرسم فاصلًا بين “هم” و “نحن”، أساس الشعبوية.
أغسطس 2020، دعا بولسونارو جمهوره للقيام برحلة فوق الأمازون بين المدن البعيدة بوا فيستا وماناوس، لإدراك عدم وجود ألسنة لهب مرئية:
«لن يجدوا مصدراً واحداً للنيران، ولا هكتاراً واحداً لإزالة الغابات».
يستخدم الرئيس البرازيلي المنطق الشعبوي الكلاسيكي، الذي يتم استغلاله عالميًا، ويقضي بأنّ ضابط الشرطة فقط لديه شرعية التحدث علنًا عن سلامة الشارع، ولا يمكن إلا للعامل التحدث عن تطلعات الطبقات الشعبية، ويجب أن يكون للقاضي أو رجل القانون فقط ما يقوله عن حال العدالة، ولا يمكن إلا لراعي غنم من جبال البرانس إبداء رأيه في مسألة إعادة ادخال الدب، وما إلى ذلك ... ويؤكد بولسونارو اذن، أن البرازيليين الذين يعيشون في منطقة الأمازون “أكثر من 22 مليون شخص، السكان الأصليون التقليديون هم أقلية متطرفة” فقط، لديهم الشرعية اللازمة للتعبير عن أنفسهم بشأن القضايا الملموسة المتعلقة بهذه المنطقة -عمليًا، مع العلم أن ولاية عكا، في غرب الأمازون، كانت معقلا بولسوناريا، حيث حقق أفضل نتائجه في الانتخابات السابقة.
هذا الاختزال لمصدر المعلومات في هويتها، وهو العنصر الوحيد الذي يسمح بالحكم على صحة ملاحظاته، يتزوج المفهوم الشعبوي لـ “الشعب” و”حسه السليم” المفترض.
دور الضحية على غرار الشعبويين الآخرين
تشترك جميع الجماعات الشعبوية في “خطاب الإقصاء” “السردية الإقصائية”، وهو جانب جوهري لفكرة “الشعب” التي يدّعون أنهم يجسدونها، والتي ينتج عنها الخلق الإجباري، في خطابهم، لمعسكرات معادية تمامًا: “نحن” مقابل “الآخرين». فيما يتعلق بمسألة الأمازون، يستخدم بولسونارو ويسرف في هذه الإدانة “للآخرين”، ويمثلها هنا بمصالح أجنبية مفترضة معادية للبرازيل. وتسمح هذه الرواية بترسيخ هوية جماعية قوية في تعارض مع الخصم.
يستخدم بولسونارو “خطاب الإقصاء” هذا في العديد من الموضوعات. لذلك سنركز تحليلنا على الهدف الوحيد منطقة الأمازون. نلاحظ تحديث الاستنكار “الاستعمار الجديد”، حيث تتهم الدول الغربية بأنها تريد نهب ثروات البلاد. ولعب دور الضحية هو عملية مركزية يتم من خلالها تكوين فرد أو مجموعة كضحية ثقافيًا. هذه الإدانة غير المباشرة أو المباشرة لـ “المؤامرة الدولية” ضد مصالح البرازيل، وهذا التعارض الدائم بين الكوني والمحلي هو في صميم نظريات المؤامرة التي يروجها بولسونارو في الفضاء العام.
لنعد إلى بعض المقتطفات المهمة من هذا الخطاب:
1 أغسطس 2019 هاجم بولسونارو وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي التقى بممثلي المنظمات غير الحكومية خلال رحلة رسمية إلى البرازيل: «ما الذي أتى لمناقشته مع المنظمات غير الحكومية هنا؟ بمجرد أن نتحدث عن المنظمات غير الحكومية، يدق ناقوس الخطر في رأس أي شخص لديه حد أدنى من الفطرة السليمة».
سبتمبر 2020، في الأمم المتحدة، يؤكد:
«نحن ضحايا أكثر حملات التضليل الدولية وحشية في منطقة الأمازون “...”. من المعروف أن منطقة الأمازون البرازيلية غنية جدًا بالموارد “....”وهذا ما يفسر دعم المؤسسات الدولية لهذه الحملة، بدعم من مصالح مشكوك فيها، بالإضافة إلى جمعيات برازيلية غير وطنية انتهازية، بهدف إلحاق الضرر بالبرازيل نفسها».
يناير 2021، اضاف البرازيلي ديرفال نيري، المقرّب من الرئيس، ما يلي:
يتم تمويل المنظمة الإنجليزية غير الحكومية الصندوق العالمي للطبيعة من قبل جاكوب دي روتشيلد وجورج سوروس ومؤسسة فورد. هذه المنظمة غير الحكومية وراء محاولة تفعيل التدخل الغربي في منطقة الأمازون، وبالتالي تسليم ثروتها إلى مجموعات أجنبية». عناصر خطاب الضحية المتوفّرة جدًا عند بولسونارو، توجد أيضًا داخل “قوس شعبوي عالمي” حقيقي. جاء ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق لدونالد ترامب، عدة مرات لتقديم المشورة لبولسونارو. ويستخدم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ووسائل الإعلام القريبة من السلطة صورة سوروس كرسوم كاريكاتورية شريرة حقيقية، سبب جزء كبير من مشاكل البلاد والعالم. عام 2014، نفذت الحكومة المجرية حملة كبيرة قبل الانتخابات التشريعية، تحت شعار “أوقفوا سوروس”، زاعمة أن سوروس أفسد جميع المنظمات التي تنتقد أوربان.
بعد ذلك، وصف نايجل فاراج، أحد أبرز مؤيدي البريكسيت، سوروس بأنه “أكبر تهديد حالي للعالم الغربي”. وفي فرنسا، أثار الشعبويون أيضًا شخصية سوروس، حيث ترى فيه مجلة فالور أكتويل “الملياردير الذي يتآمر ضد فرنسا” و “مناضل الهجرة والإسلاموية».
وهكذا، فإن جورج سوروس هو شخصية فارغة يشحن فيها الشعبويون كل أخطائهم وأحقادهم. إنه يمثل فزاعة دولية لرسم كاريكاتير في الاتجاه الذي يريده المرسل، ويعيد تنشيطه في تمرير خيال معاد للسامية بالكامل.
ثانيًا، يستوحي بولسونارو من ممارسة “الوصم العالمي” التي وضعها منذ عام 2011 فلاديمير بوتين، الذي ينزع الشرعية عن خصومه الداخليين (وسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، وما إلى ذلك) من خلال تقديمهم على أنهم “عملاء أجانب” عندما يتلقون تمويلًا، حتى وإن كان محدودًا، من بلد غير روسيا. وبنفس الطريقة، يصر الرئيس البرازيلي على أن الذين ينتقدونه على الصعيد الوطني يفعلون ذلك تحت تأثير قوى أجنبية، عاقدة العزم على إضعاف “الوطن الأم».
ثالثًا، يستعير بولسونارو، الملقب أحيانًا بـ “ترامب الاستوائي”، خطاب الضحية من نموذجه في وصمه لليسار (لولا، قادة آخرون من أمريكا الجنوبية). بالنسبة لبولسونارو وترامب، فإن اليسار، بكل تنوعه، مرتبط بالشيوعية. وفي هذا الصدد يوضح الباحث البرازيلي فيليب لوريرو:
تحدد البولسونارية في الترامبية نوعًا من حارس الدولة القومية في القرن الحادي والعشرين، على عكس المصالح والاستراتيجيات المعولمة، التي يُفترض أنها نتاج مؤامرة من الشيوعية الدولية. هذه المؤامرة، من هذا المنطلق، تعتمد على شبكة دعم معقدة، تضم منظمات دولية “...” مع صلات تعبر عالم الأعمال والأوساط الأكاديمية والصحافة، لتدمير أسس الهوية الوطنية. في البرازيل، تستهدف هذه المؤامرة الديانة المسيحية والأسرة الأبوية».
البولسونارية
ما وراء بولسونارو؟
نلاحظ إذن، أن بولسونارو يلعب دور الضحية على المستوى الوطني على غرار ترامب، ويندد بالمؤامرة الدولية على غرار بوتين أو أوربان، بينما ينتج خطابه الخاص عن “تجربة الواقع». يمكن لهذه البولسونارية أن تنجو من هزيمة انتخابية محتملة للرئيس الحالي ... ويمكن تصديرها إلى أوروبا، وعلى وجه الخصوص لتحفيز الشعور المناهض للبيئة الموجود اصلا في بعض الاوساط الشعبوية في القارة العجوز. غدًا، غيوم دخان هذيان البولسونارية يمكن أن يخيّم ظلامها على سماوات بعيدة، مثلما أن تأثير حرائق الأمازون لا يقتصر على البرازيل. اذن، إن الفهم والتحليل واليقظة في مواجهة الخطاب الشعبوي الوطني والدولي هي أيضًا ضرورة ديمقراطية.
* دكتوراة في نظم المعلومات والمعرفة، جامعة السوربون
-- يستخدم الرئيس البرازيلي المنطق الشعبوي الكلاسيكي، الذي يتم استغلاله عالميًا
-- يمكن للبولسونارية أن تعيش بعد هزيمة انتخابية محتملة للرئيس الحالي
-- عناصر خطاب الضحية، المتوفّرة جدًا عند بولسونارو، توجــد أيضًــا داخــل «قوس شــعبوي عالمــي» حقيقـي
-- يستعير بولسونارو، الملقب أحيانًا بـ «ترامب الاستوائي»، خطــــاب الضحيــة من نموذجــــه في وصمــــه لليســــــار
قبل أيام قليلة من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية البرازيلية، التي ستدور 2 أكتوبر “ستجرى الجولة الثانية إذا اقتضى الأمر في 30 أكتوبر”، ظهر مرشحان تاريخيان، من أصل 11 في المجموع، بشكل واضح في استطلاعات الرأي: الرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو، والرئيس اليساري السابق لولا “2003-2011”. يحتلّ هذا الأخير الصدارة، على الرغم من المناخ السياسي المعقد والمحفوف بالمخاطر. ويسود الحماس بين معظم المعلقين الغربيين، الذين يأملون في نهاية -هذا الأحد إذا فاز المرشح اليساري في الجولة الأولى -من حقبة بولسونارية كئيبة.
ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين، حيث يبدو أن الاتجاهات الأخيرة تشير إلى تقارب نوايا التصويت لصالح المرشحين الرئيسيين.
ويعتزم بولسونارو، كابتن مدفعية سابق يحنّ إلى الديكتاتورية العسكرية، أن يقود هجومًا غير تقليدي “أخبار زائفة” وبدون قواعد حتى نهاية الحملة ...
ناهيك عن خطر التصويت الخفي، كما حدث عام 2018 خلال الاقتراع الوطني الأخير.
وهكذا، تظل هذه الانتخابات مفتوحة أكثر بكثير مما يُعتقد عمومًا -خاصة أن التبلور النهائي للتصويت يحدث غالبًا، في البرازيل كما في أي
مكان آخر، في الأيام الأخيرة من الحملة. وللحاق بالركب، سيستخدم المنتهية ولايته، الذي سبق ان قال إن “استطلاعات الرأي تكذب”، كل موارد خطابه الشعبوي المتجذر في “ما بعد الحقيقة” -وهو مجال أصبحت فيه عشيرة بولسونارو سيّدة مطلقة.
خطاب “تجربة الواقع»
ما هي البولسونارية من وجهة نظر الخطاب؟
في كتابهما الممتاز “’الشعبوكراسية’، تحوّل ديمقراطياتنا” “2019”، في تحليل خاصة لإيطاليا ماتيو سالفيني، طرح الباحثان إيلفو ديامانتي ومارك لازار فكرة ‘الشعبوكراسية’ “تحديد لنمط حكم يرتكز بشكل مباشر على الشعب دون اللجوء للأحزاب والنقابات-المترجمة-”. وفي رأينا، البرازيل تحت حكم بولسونارو هي ‘شعبوكراسية’ في مرحلتها النهائية.
ماذا نعني بذلك؟ لنترك الكلمة لمبتكري المفهوم:
إن ‘الشعبوكراسية’ نتاج عملية مزدوجة. من ناحية، صعود الحركات والأحزاب الشعبوية بتأثير العدوى وتعديل أسس ديمقراطياتنا. يشير الشعبويون إلى الشعب ذي السيادة الذي يقدسونه. في نفس الوقت، يهاجمون الممثلين السياسيين الذين يعتبرونهم تقليديين، وينغمسون في إخفاء، وحتى نقد جذري، للأشكال المؤسسية التي تنظم هذه السيادة الشعبية نفسها. يتم اعلاء شأن الشعب “...” بشكل منهجي على أنه كيان متجانس وحامل للحقيقة، ويعتبرونه جيدًا في الأساس، لا سيما على النقيض من النخب التي يفترض أنها متجانسة، دائمًا ما يتم تشويهها وتبخيس أهليتها والتحريض على كرهها. هذا العداء -الشعب الفاضل ضد هذه النخب الفاسدة -له تأثير متفجر يمكن قياسه وتضخيمه بواسطة الصدى الذي تشكله الشبكات الاجتماعية».
تنتظم ‘الشعبوكراسية’ اذن، من خلال خطاب شعبوي، يتم نشره بشكل خاص على الشبكات الاجتماعية.
يحاول بولسونارو، بأسلوب مباشر ومألوف، من خلال قرب سياسي حقيقي تم إنشاؤه مع هدفه الانتخابي الأساسي، بناء حدود الواقع، وإنتاج “أخبار زائفة” بكامل مواصفات الأصالة. وهذا الخطاب عن “تجربة الواقع” هو عنصر مركزي في الشعبوية البولسونارية. ومن وجهة نظرنا، فإن “خطاب تجربة الواقع”، عنصر أساسي منسي نسبيًا في دراسة الشعبوية. إن الاعلاء المتتالي من شأن “تجربة الواقع” هذه، يتوفّر بكثرة في الخطاب البولسوناري حول موضوع أثقله بالاتهامات: الأمازون.
لنعد إلى بعض المقتطفات المهمة من هذا الخطاب:
سبتمبر 2019، قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أسابيع قليلة من الضجة الإعلامية الدولية لمجموعة السبع في بياريتز على الأمازون، والتي أثارها بشكل خاص إيمانويل ماكرون، رد أول: “لا تترددوا في القدوم إلى البرازيل، انه بلد مختلف عما ترونه في التلفزيون وفي الصحف”... إنكار لإمكانية وساطة ما هو واقع على الأمازون عبر وسائل الإعلام.
فبراير 2020، هاجم المنظمات البيئية غير الحكومية بسخرية لاذعة:
«إذا كان بإمكاني، أود أن أقيم حجرا صحيا وسط الأمازون على هؤلاء المدافعين عن البيئة حتى يتوقفوا عن إزعاج سكان الأمازون من المدينة».
اذن، يصاحب الاستفزاز المباشر هذا النوع من الخطاب الذي يرسم فاصلًا بين “هم” و “نحن”، أساس الشعبوية.
أغسطس 2020، دعا بولسونارو جمهوره للقيام برحلة فوق الأمازون بين المدن البعيدة بوا فيستا وماناوس، لإدراك عدم وجود ألسنة لهب مرئية:
«لن يجدوا مصدراً واحداً للنيران، ولا هكتاراً واحداً لإزالة الغابات».
يستخدم الرئيس البرازيلي المنطق الشعبوي الكلاسيكي، الذي يتم استغلاله عالميًا، ويقضي بأنّ ضابط الشرطة فقط لديه شرعية التحدث علنًا عن سلامة الشارع، ولا يمكن إلا للعامل التحدث عن تطلعات الطبقات الشعبية، ويجب أن يكون للقاضي أو رجل القانون فقط ما يقوله عن حال العدالة، ولا يمكن إلا لراعي غنم من جبال البرانس إبداء رأيه في مسألة إعادة ادخال الدب، وما إلى ذلك ... ويؤكد بولسونارو اذن، أن البرازيليين الذين يعيشون في منطقة الأمازون “أكثر من 22 مليون شخص، السكان الأصليون التقليديون هم أقلية متطرفة” فقط، لديهم الشرعية اللازمة للتعبير عن أنفسهم بشأن القضايا الملموسة المتعلقة بهذه المنطقة -عمليًا، مع العلم أن ولاية عكا، في غرب الأمازون، كانت معقلا بولسوناريا، حيث حقق أفضل نتائجه في الانتخابات السابقة.
هذا الاختزال لمصدر المعلومات في هويتها، وهو العنصر الوحيد الذي يسمح بالحكم على صحة ملاحظاته، يتزوج المفهوم الشعبوي لـ “الشعب” و”حسه السليم” المفترض.
دور الضحية على غرار الشعبويين الآخرين
تشترك جميع الجماعات الشعبوية في “خطاب الإقصاء” “السردية الإقصائية”، وهو جانب جوهري لفكرة “الشعب” التي يدّعون أنهم يجسدونها، والتي ينتج عنها الخلق الإجباري، في خطابهم، لمعسكرات معادية تمامًا: “نحن” مقابل “الآخرين». فيما يتعلق بمسألة الأمازون، يستخدم بولسونارو ويسرف في هذه الإدانة “للآخرين”، ويمثلها هنا بمصالح أجنبية مفترضة معادية للبرازيل. وتسمح هذه الرواية بترسيخ هوية جماعية قوية في تعارض مع الخصم.
يستخدم بولسونارو “خطاب الإقصاء” هذا في العديد من الموضوعات. لذلك سنركز تحليلنا على الهدف الوحيد منطقة الأمازون. نلاحظ تحديث الاستنكار “الاستعمار الجديد”، حيث تتهم الدول الغربية بأنها تريد نهب ثروات البلاد. ولعب دور الضحية هو عملية مركزية يتم من خلالها تكوين فرد أو مجموعة كضحية ثقافيًا. هذه الإدانة غير المباشرة أو المباشرة لـ “المؤامرة الدولية” ضد مصالح البرازيل، وهذا التعارض الدائم بين الكوني والمحلي هو في صميم نظريات المؤامرة التي يروجها بولسونارو في الفضاء العام.
لنعد إلى بعض المقتطفات المهمة من هذا الخطاب:
1 أغسطس 2019 هاجم بولسونارو وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي التقى بممثلي المنظمات غير الحكومية خلال رحلة رسمية إلى البرازيل: «ما الذي أتى لمناقشته مع المنظمات غير الحكومية هنا؟ بمجرد أن نتحدث عن المنظمات غير الحكومية، يدق ناقوس الخطر في رأس أي شخص لديه حد أدنى من الفطرة السليمة».
سبتمبر 2020، في الأمم المتحدة، يؤكد:
«نحن ضحايا أكثر حملات التضليل الدولية وحشية في منطقة الأمازون “...”. من المعروف أن منطقة الأمازون البرازيلية غنية جدًا بالموارد “....”وهذا ما يفسر دعم المؤسسات الدولية لهذه الحملة، بدعم من مصالح مشكوك فيها، بالإضافة إلى جمعيات برازيلية غير وطنية انتهازية، بهدف إلحاق الضرر بالبرازيل نفسها».
يناير 2021، اضاف البرازيلي ديرفال نيري، المقرّب من الرئيس، ما يلي:
يتم تمويل المنظمة الإنجليزية غير الحكومية الصندوق العالمي للطبيعة من قبل جاكوب دي روتشيلد وجورج سوروس ومؤسسة فورد. هذه المنظمة غير الحكومية وراء محاولة تفعيل التدخل الغربي في منطقة الأمازون، وبالتالي تسليم ثروتها إلى مجموعات أجنبية». عناصر خطاب الضحية المتوفّرة جدًا عند بولسونارو، توجد أيضًا داخل “قوس شعبوي عالمي” حقيقي. جاء ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق لدونالد ترامب، عدة مرات لتقديم المشورة لبولسونارو. ويستخدم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان ووسائل الإعلام القريبة من السلطة صورة سوروس كرسوم كاريكاتورية شريرة حقيقية، سبب جزء كبير من مشاكل البلاد والعالم. عام 2014، نفذت الحكومة المجرية حملة كبيرة قبل الانتخابات التشريعية، تحت شعار “أوقفوا سوروس”، زاعمة أن سوروس أفسد جميع المنظمات التي تنتقد أوربان.
بعد ذلك، وصف نايجل فاراج، أحد أبرز مؤيدي البريكسيت، سوروس بأنه “أكبر تهديد حالي للعالم الغربي”. وفي فرنسا، أثار الشعبويون أيضًا شخصية سوروس، حيث ترى فيه مجلة فالور أكتويل “الملياردير الذي يتآمر ضد فرنسا” و “مناضل الهجرة والإسلاموية».
وهكذا، فإن جورج سوروس هو شخصية فارغة يشحن فيها الشعبويون كل أخطائهم وأحقادهم. إنه يمثل فزاعة دولية لرسم كاريكاتير في الاتجاه الذي يريده المرسل، ويعيد تنشيطه في تمرير خيال معاد للسامية بالكامل.
ثانيًا، يستوحي بولسونارو من ممارسة “الوصم العالمي” التي وضعها منذ عام 2011 فلاديمير بوتين، الذي ينزع الشرعية عن خصومه الداخليين (وسائل الإعلام، والمنظمات غير الحكومية، وما إلى ذلك) من خلال تقديمهم على أنهم “عملاء أجانب” عندما يتلقون تمويلًا، حتى وإن كان محدودًا، من بلد غير روسيا. وبنفس الطريقة، يصر الرئيس البرازيلي على أن الذين ينتقدونه على الصعيد الوطني يفعلون ذلك تحت تأثير قوى أجنبية، عاقدة العزم على إضعاف “الوطن الأم».
ثالثًا، يستعير بولسونارو، الملقب أحيانًا بـ “ترامب الاستوائي”، خطاب الضحية من نموذجه في وصمه لليسار (لولا، قادة آخرون من أمريكا الجنوبية). بالنسبة لبولسونارو وترامب، فإن اليسار، بكل تنوعه، مرتبط بالشيوعية. وفي هذا الصدد يوضح الباحث البرازيلي فيليب لوريرو:
تحدد البولسونارية في الترامبية نوعًا من حارس الدولة القومية في القرن الحادي والعشرين، على عكس المصالح والاستراتيجيات المعولمة، التي يُفترض أنها نتاج مؤامرة من الشيوعية الدولية. هذه المؤامرة، من هذا المنطلق، تعتمد على شبكة دعم معقدة، تضم منظمات دولية “...” مع صلات تعبر عالم الأعمال والأوساط الأكاديمية والصحافة، لتدمير أسس الهوية الوطنية. في البرازيل، تستهدف هذه المؤامرة الديانة المسيحية والأسرة الأبوية».
البولسونارية
ما وراء بولسونارو؟
نلاحظ إذن، أن بولسونارو يلعب دور الضحية على المستوى الوطني على غرار ترامب، ويندد بالمؤامرة الدولية على غرار بوتين أو أوربان، بينما ينتج خطابه الخاص عن “تجربة الواقع». يمكن لهذه البولسونارية أن تنجو من هزيمة انتخابية محتملة للرئيس الحالي ... ويمكن تصديرها إلى أوروبا، وعلى وجه الخصوص لتحفيز الشعور المناهض للبيئة الموجود اصلا في بعض الاوساط الشعبوية في القارة العجوز. غدًا، غيوم دخان هذيان البولسونارية يمكن أن يخيّم ظلامها على سماوات بعيدة، مثلما أن تأثير حرائق الأمازون لا يقتصر على البرازيل. اذن، إن الفهم والتحليل واليقظة في مواجهة الخطاب الشعبوي الوطني والدولي هي أيضًا ضرورة ديمقراطية.
* دكتوراة في نظم المعلومات والمعرفة، جامعة السوربون