الحرب في أوكرانيا:

الدول الأوروبية في سباق محموم لإعادة تسلّحها...!

الدول الأوروبية في سباق محموم لإعادة تسلّحها...!

-- أعلنت بولندا وليتوانيا وألمانيا عن عقود جديدة لإعادة التسلح في سياق الحرب في أوكرانيا
-- سيكون لدى البولنديين أكبر جيش بـري في أوروبـــا من حيث القـدرات
-- الخوف من الروس يجعل هذه الدول تستثمر بشكل كبير في جيش البرّ أساسا
-- هل ستكون الشركات قادرة على تسليم هذه الأسلحة الجديدة في الوقت المناسب، وماذا عن إشكالية التجنيد؟


   ألمانيا في يونيو، وبولندا وليتوانيا مؤخرًا. تعلن الدول الأوروبية تباعا عن زيادة ميزانيتها المخصصة للدفاع وبشكل أكثر تحديدًا للأسلحة. لقد أدخلت الحرب في أوكرانيا، التي اندلعت في فبراير الماضي، أوروبا في مناخ من التهديد، مما دفع جيران روسيا إلى تبني خطط إعادة تسليح جديدة بشكل عاجل.
   ويقول ليو بيريا بينيه، الباحث في مركز الدراسات الأمنية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية: “الخوف من الروس يجعل هذه الدول تستثمر بشكل كبير في جيش البرّ اساسا».

   بالنسبة لفريديريك ماورو، المتخصص في القضايا الدفاعية الأوروبية في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، تتم إعادة التسلح هذه “لاستبدال المعدات السوفياتية القديمة، وتحسّبا لوقوع هجوم من الشرق».

تريد بولندا
مضاعفة عدد جنودها
   في الأسبوع الماضي، أعلنت ليتوانيا أنها تريد زيادة ميزانيتها العسكرية بمقدار 148 مليون يورو هذا العام لتجهيز نفسها بصواريخ مدفعية ومركبات تكتيكية وطائرات بدون طيار من الأمريكيين. وقالت وزيرة المالية جينتاري سكيستي في بيان صحفي، “في سياق الحرب التي شنتها روسيا، نقوم بزيادة التمويل الدفاعي، وتطبيق منهجي لاتفاق الأحزاب البرلمانية».
   في بولندا، أعلن رئيس الوزراء ماتيوز موراويكي، عن زيادة قدرها 20 مليار يورو في ميزانية الدفاع، منها أكثر من 8 مليارات في التسلح وحده. وطلبت الدولة المجاورة لأوكرانيا 1300 دبابة من كوريا الجنوبية، وتريد مضاعفة عدد جنودها من 115 الفا إلى 300 ألف في السنوات المقبلة.

   وقبل ذلك بأسابيع قليلة، أعلنت بولندا أيضًا عن توقيع عقد مع الولايات المتحدة لتجهيز نفسها بطائرات مقاتلة وقاذفات صواريخ مقابل 4.7 مليار دولار. وقال وزير الدفاع ماريوس بلاشتشاك، “نحن نتعلم الدروس مما يحدث في أوكرانيا “...”. لا يمكننا الانتظار، يجب أن نسلّح الجيش البولندي”. وستخصص وارسو 3 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، وهو أحد أعلى المعدلات في أوروبا. “سيكون لدى البولنديين أكبر جيش بري في أوروبا من حيث القدرات”، يقول ليو بيريا بينيه.

مسؤولية رئيسية
 عن أمن القارة
   وهكذا تشرع أوروبا في سباق تسلح محموم بينما ضم فلاديمير بوتين لتوه أربع مناطق من أوكرانيا. “لكن هذا ليس شيئًا جديدًا تمامًا، فهذه الديناميكيات موجودة منذ 2014 مع ضم شبه جزيرة القرم”، يؤكد الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. سبق لغزو شبه الجزيرة من قبل الجيش الروسي ان دفع الأوروبيين الى التفاعل في ذلك الوقت، وكان هذا حال اليونان وبولندا خاصة.
   جاء رد فعل ألمانيا لاحقًا. في منتصف سبتمبر، وبصوت مستشارها، أولاف شولتز، كسرت برلين المحرمات بشأن إعادة تسليح جنودها، راغبة في جعل جيشها “الأفضل تجهيزًا في أوروبا”. وقال خليفة أنجيلا ميركل: “نظهر بوضوح وبصدق أن ألمانيا مستعدة لتحمل المسؤولية الرئيسية عن أمن قارتنا”. وأعلن في هذه العملية، أن ألمانيا ستخصص 2 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي -بناءً على توصيات الناتو -للدفاع في السنوات المقبلة، وإنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو لتجهيز الجيش.
   بهذه التصريحات من القادة الدوليين والشركات التي تبيع الأسلحة، يشير ليو بيريا بينيه إلى وجود “تأثير ارباح غير متوقعة” في السوق. كما إن التغطية الإعلامية للأدوات القتالية سلطت عليها الاضواء، وهذا ما حدث مع مدافع قيصر مؤخراً، عندما قررت فرنسا إرسال حوالي خمسة عشر منها إلى الجبهة الأوكرانية، حيث “برز” وكسب حضورا. ويتوقع أنه “إذا كان الطلب قويًا، ومواعيد التسليم طويلة، فقد تضطر الشركات إلى إنشاء خطوط إنتاج جديدة في مصانع الأسلحة”. “إنها صناعة مجوهرات”، ينسّب فريديريك ماورو، “الصناعة العسكرية تواجه مشاكل في سلاسل التزوّد ولا يمكنها الإنتاج بكميات كبيرة في وقت واحد.»

مجرّد تصريحات؟
   يبقى أن نرى ما إذا كانت الشركات ستكون قادرة على تسليم هذه الأسلحة الجديدة في موعدها. لأن السلطات تعلن عن هذه العقود الجديدة الآن، لكن التسليم غالبًا ما يستغرق عدة سنوات، ويمكن إعادة التفاوض على العقود سرّا. “قد تكون مجرد تصريحات للتأثير” يؤكد فريديريك ماورو “بولندا، على سبيل المثال، خائفة حقًا وتعيد تسليحها بسرعة، لكن هل لديها التمويل؟».
   «المسألة أيضًا هي معرفة الطاقة الإنتاجية لأوروبا. لقد طلب البولنديون معدات عسكرية من الأمريكيين والكوريين”، يذكّر ليو بيريا بينيه. من جانبها، أعلنت فرنسا في نهاية يوليو أنها طلبت 18 مدفع قيصر جديدة لتحل محل تلك المرسلة إلى أوكرانيا، والتي يتم إنتاجها في روان في لوار.
   اشكالية أخرى مطروحة على الطاولة هي مسألة التجنيد. إذا كانت الجيوش مزودة بالدبابات والمدافع، فالأمر يتعلق أيضًا بتدريب الجنود وتجنيد الكوادر. “الجيش الألماني يعاني من مشاكل في صيانة معداته ويواجه مشاكل مع الموارد البشرية” يقول ليو بيريا بينيه على وجه الخصوص. أما بالنسبة لبولندا، عندما وصل حزب القانون والعدالة إلى السلطة عام 2015، استقال أكثر من 80 بالمائة من القيادات العليا للجيش.