الأمن السيبراني:

السيناريوهات الأربعة التي قد تظهر بحلول عام 2040

السيناريوهات الأربعة التي قد تظهر بحلول عام 2040

-- الحاجة إلى الاستثمار في تقنيات ومهارات الأمن السيبراني حتى تسيطر الدول على مستقبلها

   قبل الشروع في سباق تكنولوجي حقيقي، ومن أجل اتخاذ الخيارات الصحيحة، يبدو من المهم تقييم المستقبل المحتمل من حيث الأمن السيبراني.
   بينما نتابع بيقظة شديدة تطور الحرب في أوكرانيا من جميع جوانبها، لا سيما السيبرانية، وبينما يتعين على الحكومة الفرنسية الجديدة تحديد خارطة طريقها الرقمية قريبًا، يبدو لنا أنه من الضروري رسم سيناريوهات تطور طويل المدى للأمن السيبراني.
 فمن بين عواقب أزمة كوفيد-19، تسريع التحول الرقمي، ولم تعد المكانة الممنوحة له في حياتنا موضع شك، بل على العكس تمامًا.
   قبل الانغماس في هذا السباق التكنولوجي، ألا يجب أن نسأل أنفسنا عن السيناريوهات المحتملة للتطور فيما يتعلق بالأمن السيبراني؟ أربعة سيناريوهات يمكن أن تظهر بحلول عام 2040، وتلهمنا لاتخاذ الخيارات الصحيحة الآن.

السيناريو الأول:
الفضاء الرقمي، فضاء سلام وازدهار، ومنفعة عامة للبشرية
   عام 2040، نتيجة للقطيعة التكنولوجية الناجمة عن البحث المكثف، إلى جانب الوعي العالمي بأهمية الحفاظ على هذا الفضاء الجديد الحيوي، يتم، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإعلان عن ان الفضاء الرقمي ملك مشترك للبشرية جمعاء، وهو محمي بموجب الاتفاقيات الدولية التي تحظر عسكرته، ويحترم الخصوصيات، ويستبعد مستوى أمنه العالي إمكانية حدوث عمليات إجرامية. وسيتم إنشاء وكالة خاصة به، على غرار منظمة الصحة العالمية أو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

   هذا السيناريو، المتفائل بشدة، وبالتالي غير المرجح، هو مع ذلك معقول، وسيتيح للجميع الاستفادة من فضائل التكنولوجيا الرقمية وثمارها. وعلى نطاق أوسع، فإن المستوى العالي من الثقة في الفضاء الرقمي، سيسمح بتسارع تكنولوجي في خدمة التحديات الرئيسية لعصرنا، لا سيما فيما يتعلق بالصحة والتحوّل الطاقي. وتوجد سوابق، مثل القطب الجنوبي أو قاع البحر العميق اللذين يستفيدان من مثل هذا الوضع الذي يتم احترامه حتى الآن.

السيناريو الثاني:
 الفضاء الرقمي
 في زمن توازن القوى
  عام 2040، من خلال الاستثمار والتنظيم على نطاق عالمي، سيصبح الفضاء الرقمي مكانًا حيويًا يتمتع بمستوى عالٍ من الأمان.
ووحدها الدول العظمى في وضع يمكّنها من مواجهته بتكلفة كبيرة.
يفعلون ذلك بضبط النفس الشديد، لأن مجتمعاتهم واقتصاداتهم، وكذلك التجارة العالمية، ستعاني من أي تدهور للأمن الرقمي. ستختفي الجرائم الإلكترونية بسبب التكلفة والخبرة التي تتطلبها.
   هكذا يترسخ توازن، مشابه للمجال الجوي الحالي لا يمكن عموما للفاعلين غير الحكوميين ان يصلوا إليه: المعارك الجوية نادرة، لا سيما بسبب سعر الطائرات المقاتلة الحديثة، ويثق المواطنون في شركات الطيران. سيتم إنشاء مجلس للأمن الرقمي، سيضم فقط أعضاء دائمين من القوى العظمى في هذا الفضاء.

السيناريو الثالث:
 الفضاء الرقمي،
 السيطرة على انعدام الأمن
   عام 2040، كما هو الحال اليوم، يسجّل انعدام الأمن الرقمي حضوره، لكنه يظل على نطاق نسبي لا يبلغ حدود التشكيك في النموذج الذي نعرفه. تتبنى الدول المواقف وتضع اللوائح وتنفذ سياسات الحوافز لتعزيز مستوى السلامة. الا انها تفعل ذلك مع القيام بأعمال هجومية باستمرار للحفاظ على مصالحها، حتى لو كان ذلك يعني زعزعة استقرار الهيكل الأمني الذي يبنونه في مكان آخر.
   تستمر الجرائم الإلكترونية من خلال استغلال نقاط الضعف وإعادة استخدام الأساليب والأدوات الهجومية التي طورتها الدول، لكن يمكن تحمّل تأثيرها سياسياً واقتصادياً، بفضل نظام التأمين على وجه الخصوص. ولسوء الحظ، كما هو الحال في الفضاء المادي، يظل الأضعف (المستخدمون المعرضون للخطر والشركات الصغرى والدول الهشة) أول الضحايا.

السيناريو الرابع:
 انعدام الثقة، وانهيار الفضاء الرقمي العالمي وميلاد بدائل إقليمية
   عام 2040، سنوات قليلة بعد موجة هجمات انتشرت على نطاق عالمي، وولّد بعضها تداعيات انسانية واقتصادية كبيرة، ينهار الفضاء الرقمي، الذي تطور بلا حدود، على نفسه.
 وسيكون النمــوذج المعولـــم بالكامل، الذي صار غير قابل للسيطرة، مع توطين للبيانات غير مراقب، واحتكارات تكنولوجية تملي شروطها، وقانون دولي لا صوت له، وحقوق وطنية غير فعالة، سيكون موضع تساؤل عميق من قبل الدول والمواطنين.
   ستُبنى فضاءات جديدة تقوم على أساس مقاربة قومية أو إقليمية.  
وترتكز، ما بعد الجوانب القانونية، على تقنيات متمايزة تسمح بتفادي الآثار النظامية؛ ويتم تنظيم الجودة والسلامة على حساب السعر والابتكار؛ والتحكم في السطح البيني، إلخ.      وفي مثل هذا السيناريو، الذي أصبحت بواكيره محسوسة فعلا مع الصين وروسيا، لم يختف انعدام الأمن، سواء من الدولة أو من قبل مجرمي الإنترنت، بل يزداد في أكثر المناطق هشاشة. في النهاية، في هذه الفرضية، فإن الفضاء الرقمي، الذي فقد خصوصيته العالمية، يصطف مع الفضاء المادي، للأفضل أو للأسوأ.
   بطبيعة الحال، المستقبل غير مكتوب، والسيناريو الأكثر احتمالا هو مزيج من الأربعة المقترحة. يبقى تعزيز أحد الثوابت من اليوم: الحاجة إلى الاستثمار في تقنيات ومهارات الأمن السيبراني حتى تتمكن أوروبا ومجمل الدول من السيطرة على مستقبلها. هذا هو الشرط الأساسي المشترك لهذه السيناريوهات الأربعة.

*كادر في أورانج للدفاع السيبراني، ويدرّس في معهد العلوم السياسية بباريس