في وقت تقيم فيه الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي حواجز أمام وارداتها :
الصين تعيد النظر في سياستها الإفريقية لجذب « الجنوب العالمي »
في بكين، يعد هذا «الحدث الدبلوماسي، عقد منتدى التعاون الصيني الافريقي، الأكثر أهمية لهذا العام»، بحسب وزير الخارجية الصيني وانغ يي. وكانت الزيارات الأخيرة إلى بكين و التي قام بها فلاديمير بوتين وجيك سوليفان، مبعوث جو بايدن، ملفتة للنظر.
ويشارك أكثر من 50 رئيس دولة في منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) الذي عقد في الرابع من سبتمبر/أيلول برئاسة الرئيس شي جين بينغ، بهدف تعزيز الشراكة الحاسمة لتحقيق الطموحات الكبرى للقوة العالمية الثانية. افتتح رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الحفل يوم الاثنين، حيث استقبله الزعيم الصيني بضجة كبيرة في قاعة الشعب الكبرى، وأشاد رامافوزا بالصعود «التاريخي» لـ «الجنوب العالمي»، تحت شعار النمو.
ويشكل هذا المصطلح أحد ركائز رؤية شي الجيوسياسية، والذي تكرره الدعاية باعتباره فكرة مهيمنة عشية القمة التي تعقد حتى يوم الجمعة، مما يشير إلى البعد العالمي للهجوم الساحر تجاه القارة الأفريقية. انطلقت هذه القمة في عام 2000 تحت شعار التنمية، لتصبح أداة نفوذ استراتيجي تهدف إلى تهميش الغربيين الذين كانوا في موقف دفاعي في القارة الهائلة في زمن أوكرانيا وغزة، وذلك باستخدام الروافع الاقتصادية الهائلة وتكنولوجيا مصانع العالم. . و تجمع هذه القمة التاسعة معظم الزعماء الأفارقة، في إشارة إلى الدور المركزي الذي يلعبه شريكهم التجاري الأول أكثر من أي وقت مضى، في وقت تنشغل فيه القارة القديمة بالغزو الروسي وتنجذب أمريكا إلى سباقها الانتخابي بجبهة المحيطين الهندي و الهادئ. «إن العالم يشهد تحولات لم نشهدها منذ قرن من الزمان. وأعلن شي، الذي سيلقي الكلمة الافتتاحية في الخامس من سبتمبر-أيلول، في فبراير/شباط، أن «الجنوب العالمي» الذي تمثله الصين وأفريقيا يزدهر ويصنع التاريخ. وبينما يتم طرد باريس وواشنطن من منطقة الساحل، وترسل موسكو مرتزقتها، تقدم بكين نفسها على أنها بطلة عالم «ما بعد الغرب» والمزدهر، وتتصفح خطاب إنهاء الاستعمار الذي تفاقم بسبب الأزمة في غزة، لإغراء أفريقيا و نخبها.
• ومع اشتداد المنافسة مع الغرب، يرى المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني أكثر من أي وقت مضى أن العواصم الناشئة في أفريقيا هي بمثابة وسائل لتقويض «التطويق» الأميركي.
• لا شك أن ثمة دوافع خفية تحوم حول تموضع النظام الشيوعي في الشرق الأوسط، حيث يظهر دوره بشأن القضية الفلسطينية، بل ويلعب دور الوسيط بين فتح وحماس. إذ تسعى الصين إلى تحقيق نفوذ سياسي طويل الأمد في أفريقيا مع تشدد علاقاتها مع الغرب. وعندما تبدو كوسيط للفلسطينيين، فإنها تهدف إلى مغازلة «الجنوب العالمي» أكثر من أن تحل محل الولايات المتحدة
• في الشرق الأوسط»، كما يقول كوبوس فان ستاتن، الباحث في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية في جوهانسبرغ. ومع وضع أنظارنا على قارة شابة نامية سوف تمثل ربع سكان العالم بحلول عام 2025. ولكن خلف التصفيق المناسباتي، سوف يكون هناك احتكاك في قاعة الشعب الكبرى، في وقت يتسم بتباطؤ النمو والتحديات الكبرى ومشاريع البنية التحتية لـ «طرق الحرير الجديدة» التي قلصت بكين حجمها بشكل كبير. وفي عام 2023، قدمت البنوك الصينية ما مجموعه 4.2 مليار دولار لثمانية دول وبنكين إقليميين. وهو انتعاش بالتأكيد منذ كوفيد، لكنه بعيد جدا عن فترة الازدهار 2012-2018، عندما تجاوزت القروض 20 مليار دولار، وفقا لحسابات جامعة بوسطن. وتفسح مشاريع البنية التحتية العملاقة المجال أمام استثمارات أكثر استهدافا، مع التركيز على التكنولوجيات الخضراء، بقيادة شركات مثل هواوي. وعلى نفس الصورة تتردد الصين في تمويل خط السكة الحديد الذي يربط كينيا بأوغندا، حتى أنها أجبرت السلطات على إعادة تشغيل الخط القديم الذي تم بناؤه خلال العهد البريطاني. وتضع الصين نفسها الآن في موقع بطل تحول الطاقة، حيث تبحث عن فرص لمركباتها وبطارياتها الكهربائية أو الألواح الشمسية. وهي تراها ضرورة في وقت تقيم فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حواجز أمام وارداتها، خوفا من إغراقها بهذه السيارات المدعومة بالإعانات والقروض التفضيلية. يتعارض هذا الهجوم التصديري الجديد مع طموحات التصنيع لدى القادة الأفارقة الذين يبحثون عن وظائف لسكانهم في ظل التوسع الديموغرافي الكامل. ولا تزال أفريقيا تنتظر تحقيق الوعد باستيراد سلع أفريقية بقيمة 300 مليار دولار، والذي أطلقته القمة الأخيرة في عام 2021، ولكن تخفيض الاستهلاك إلى النصف في الصين و استراتيجية دعم «القوى الإنتاجية الجديدة» التي صدقت عليها الجلسة المكتملة الثالثة للحزب الشيوعي يجعلان هذا الهدف أقل احتمالا في المستقبل. ومع ذلك، فإن التحرك نحو الترف لـ «مصنع العالم» يستثني معظم البلدان في القارة التي لا تزال في مرحلة صناعية أكثر بدائية، مثل المنسوجات في بنين. «بالنسبة لمعظم بلدان الجنوب، تصدر الصين المنتجات التي تحتاجها، بسعر لا يهزم»، يلخص فان ستاتن.
• إن تصاعد المشاعر المناهضة للصين التي تدين احتكار الموارد المعدنية من جانب بعض رجال الأعمال الآسيويين، يعمل على زيادة الضغوط على الزعماء الأفارقة في طريقهم إلى بكين. ويستفيد هؤلء الزعماء أيضاً من خيارات تمويل بديلة في اسيا، للمطالبة باحترام الشراكة «المربحة للجانبين». لكن بكين تتقدم من موقع قوة في وقت يبتعد الغرب عن القارة.
• في واشنطن، أفريقيا لا تهم أحدا، وأوروبا تشغلها أوكرانيا والشرق الأوسط. «إن الصين لديها فرصة، شريطة أن تجعل وعودها ذات مصداقية»، يقول إريك أولاندر، المؤسس المشارك لمشروع الجنوب العالمي الصيني. سوف يقدم «فوكاك» مجموعة من الإعلانات والأرقام المذهلة التي تمزج بين الوعود القديمة والالتزامات الجديدة، والتي يصعب تتبعها. وإذا لم يتم الاستماع إلى المطالب الأفريقية بالكامل، فلابد أن تؤكد القمة نفوذ بكين الذي لا مثيل له الآن في قارة الغد .