سهيل المزروعي: الإمارات من أكبر المستثمرين في قطاع الطاقة الأمريكي
رئيس وزراء سابق على الخط:
الصين: عندما تطال سهام النقد شي جين بينغ...!
-- يفتقر رئيس الوزراء السابق إلى النفوذ الذي يمكّنه من إسماع صوته، أو حتى أن ينظر إليه على أنه تهديد
-- يعكس ظهور وين جياباو إدراكًا بأن جزءًا من أجندة الإصلاح قد تعرض للركود
-- رسالة وين جياباو إلى والدته وتعليقات كيشان، هي أعراض للتوترات السائدة داخل الحزب
-- حسب وين، تحوّل شي إلى اليسار، يقضي على المكاسب التي تحققت خلال عقده في السلطة
في مقال نُشر في ماكاو في 25 مارس وخضع للرقابة في بكين، هاجم وين جياباو، رئيس الوزراء السابق في عهد هو جينتاو، السلطة المركزية وجميع المنجز السياسي لشي جين بينغ. فبالنسبة له، “يجب أن تكون الصين دولة يسودها العدل والإنصاف وتحترم إرادة الشعب”. حتى وان كانت هذه الكلمات هي كلمات متقاعد من السياسة الصينية فقد كل نفوذه، فإنها تكشف، من بين أمور أخرى، عن اتجاه محرج لشي: الرجل الاول الصيني حاليًا، الذي يستعد للبقاء في السلطة بعد مؤتمر الحزب عام 2022، بات موضوع نقد ينتشر أكثر فأكثر في الفضاء العام. «في الهيمنة وفنون المقاومة”، يعلّمنا العالم السياسي وعالم الأنثروبولوجيا جيمس سكوت أن نتجاوز مظاهر الانسجام الاجتماعي البسيط بين المسيطرين والمسيطر عليهم، ونستوعب “النص المخفي”: ما يقوله المسيطر عليهم فيما بينهم، “خطاب التابعين”، وسياستهم السرية. يمكن أن ينطبق هذا جيدًا على تاريخ الحياة السياسية في الصين في أواخر مارس ومنتصف أبريل. تم نقل المعلومة من قبل العديد من وسائل الإعلام الدولية: رئيس الوزراء السابق وين جياباو (2003-2013) نشر مقالا بعنوان “أمي” نُشر في ماكاو هيرالد في 25 مارس.
نص ليس فقط عن والدته يانغ تشيون، التي توفيت نهاية عام 2020، ولكن أيضًا عن والده وين جانغ، حول عذاباته أثناء الثورة الثقافية –”الاستجوابات الوحشية”، من بين أشياء أخرى -وبالطبع حول تطلعاته للصين.
الجدير بالذكر أن وين كان مساعد تشاو تسى يانغ، الأمين العام السابق للحزب من عام 1987 إلى 1989، وعزله دنغ شياو بينغ عقب أحداث ميدان تيانانمن. وتم اختيار وين جياباو لاحقًا من قبل رئيس الوزراء الإصلاحي تشو رونغجي في التسعينات.
نُشر مقال وين قبل حوالي عشرة أيام من عيد الأنوار، حيث يكرّم الصينيون الموتى ويهدّؤون الأرواح. لكن الحزب اتخذ هذا العام إجراءين بنيويين. من جانب، نشر حراسًا عند مدخل قبر تشاو زيانغ في مقبرة تشانغ بينغ في بكين. وسُمح فقط لعائلة تشاو المقرّبة بالدخول، منهم ابنه تشاو ارجون وابنته وانغ يانان. وتم “ثني” الزوار الآخرين عن الذهاب إلى المكان.
من جانب اخر، فتح قبر جيانغ تشينغ، السيدة ماو، والشخصية البارزة في “عصابة الأربعة”، لأول مرة للجمهور. ولئن يبرز هذا الى أي جانب يصطف الحزب، فمن المدهش ألا يسعى هذا الأخير إلى طمس ذكرى جيانغ تشينغ تمامًا، التي إذا أعيدت إلى النقاش العام، ستذكّر بشكل خطير بجميع “التجاوزات اليسارية” للثورة الثقافية.
تحقيق
دعونا نعود إلى مقال وين جياباو. يطرح مشاعر رئيس الوزراء السابق، وكذلك الجو العام -المتوتر -الذي ساد في تشونغناهاي، مقر السلطة المركزية، خلال ثمانية وعشرين عامًا في الخدمة، عشرة منها على رأس الدولة. وقد كتب يقول، إن الأمر كان بمثابة “السّير على جليد رفيع، ومثل مواجهة الهاوية”. وجاءت خاتمة نصه ملفتة: “أنا أتعاطف مع الفقراء والضعفاء، وأعارض التنمر والقمع... في رأيي، يجب أن تكون الصين بلدًا مليئًا بالإنصاف والعدالة، حيث تُحترم إرادة الشعب والإنسانية والطبيعة البشرية، وحيث يوجد شعور “...”بالحرية “....” من أجل ذلك، صرخت، وقاتلت، وهذه الحقيقة علمتني اياها الحياة، ولكن أيضًا تعلمتها من والدتي».
رغم أن شي جين بينغ يتحدث عن “مجتمع متوسط الدخل”، أو محاربة الفقر، فإن الحزب لا يستخدم هذه المصطلحات. هذا جزء كبير من مشكلة وين. لا يعكس نصه تطلعاته فحسب، بل يعكس أيضًا تطلعات الإصلاحيين في الثمانينات، مثل تشاو زيانغ وسلفه هو ياوبانغ. وهذا يُذكّرنا بتعليقات وين المماثلة في مقابلته مع فريد زكريا على قناة سي إن إن عام 2010، حيث تحدث هو الذي كان يعلم أن زمنه ينفد، عن الديمقراطية والحرية.
في ذلك الوقت، لم تتمكن تصريحاته من الوصول الى الصين. ومن هنا جاء خيار النشر اليوم في ماكاو هيرالد. سرعان ما تم حظر النص من ويتشات ووسائل التواصل الاجتماعي الصينية الأخرى بسبب “انتهاك معايير المستخدم” لهذه المنصات.
بالنسبة إلى شي جين بينغ، فإن خروج وين جياباو هذا، غير مناسب. لرئيس الوزراء السابق تأثير ضئيل للغاية في هيكل الدولة -الحزب، سواء من حيث التحالفات او الشبكات. ناهيك عن أنه بعيد عن أن يكون في دفاتر الرئيس الصيني الصغيرة أو “الجيل الأحمر الثاني”، أبناء الثوار الذين قادوا الصين الشعبية بعد عام 1949.
علاوة على ذلك، سبق أن لفت وين الانتباه اليه في يونيو 2020 خلال الفيضانات –حيث برز شي ولي كه تشيانغ بغيابهما. في حين ظهر وين جياباو في جامعة لانتشو. زيارة حاولت السلطة المركزية أيضا محو آثارها لأنها افقدت الرئيس ورئيس وزرائه ماء الوجه. حتى خلال السنوات التي قضاها في السلطة مع هو جينتاو، لم يكن وين جياباو، الذي كان محاطًا بفريق جيانغ زيمين، قادرًا على التعبير عن نفسه بشكل كامل. لذلك عام 2013، عندما أفسح هو جينتاو المجال لشي، لم يسعى وين للاحتفاظ بنفوذه. في الواقع، لقد تم تهميشه بسرعة بسبب خلافاته مع “الجيل الأحمر الثاني».
ربما تكون هذه الرغبة المفاجئة لدى وين جياباو للتعليق على الوضع الحالي في الصين مرتبطة بالسياق: وفاة والدته، ومهرجان الأنوار، والذكرى السنوية لوفاة هو ياوبانغ في 15 أبريل. لكنها تعكس أيضًا إدراكًا بأن جزءً من أجندة الإصلاح قد تعرض للركود. كان وين يبلغ من العمر 24 عامًا في بداية الثورة الثقافية: في نظره، يجب بأي ثمن تفادي عودة هذا النوع من الحملات السياسية، التي عانى منها تشاو زيانغ، وكذلك تشو رونغجي. من جهة اخرى، فإن “تحول شي إلى اليسار”، وفقًا لما قاله وين، يقضي على المكاسب الاجتماعية والسياسية المكتسبة خلال عقده في السلطة. ومع ذلك، فإن رئيس الوزراء السابق يفتقر إلى النفوذ الذي يمكنه من إسماع صوته، أو حتى أن ينظر إليه على أنه تهديد. خلال السنوات العشر التي قضاها في قمة الدولة، حاول “الجيل الثاني من الحمر”، ومنهم بو شيلاي، رئيس الحزب السابق المخلوع في تشونغتشينغ -وأحيانًا بنجاح -وضع وين في حجمه.
أصبحت هذه التوترات بين الحمر والكوادر من أصول عائلية “متواضعة”، ذات أهمية متزايدة خلال تلك الفترة. في بداية ولايته الأولى (2003-2008)، كان وين يجد صعوبة في الحصول على إحاطات لأنه لم يؤخذ على محمل الجد. ولم يمنعه هذا من التعاون مع هو جينتاو وحتى مع هو غوكيانغ، سكرتير الحزب للجنة التأديبية من 2007 إلى 2012 وخادم “زمرة جيانغ زيمين”، لإسقاط بو شيلاي، الذي بدت أغانيه وكأنها “حمراء” زيادة عن اللزوم لبعض الاذان.
«حاشية الشمال»
و«حاشية الجنوب»
لماذا كل هذا الضجيج حول مقالة وين؟ عام 2005، شدد خطابه حول “المجتمع المتناغم” على الفوضى الاجتماعية التي أعقبت الإصلاحات. وبالمثل اليوم، فإن الحديث عن الحرية أو الكرامة، يعني أن هذه الحقوق مفقودة في الصين بقيادة شي جين بينغ. وهكذا، يعبّر وين عن استياء كبير -يتم سرده ببراعة كبيرة بين الذكريات والحكايات -تجاه الاتجاه الذي اتخذته السلطة المركزية منذ رحيله. كما انتهز الفرصة للحديث عن تجربة والده خلال الثورة الثقافية: الذي، رغم التقلبات، أراد حياة سلمية، فهزته زوبعة سياسية. ويروي وين، كيف حلّت “كارثة” الثورة الثقافية بأسرته.
لنتناول الآن تعليق وين على المناخ العام في تشونغنانهاي المكونة من توترات بين “حاشية الشمال” مجلس الدولة (الاسم الرسمي للحكومة) و “حاشية الجنوب”، الحزب. هذه التصريحات، التي يمكن وصفها بأنها شريرة في أحسن الأحوال، أثارت غضب شي بالتأكيد. ان هذا المقال يحتوي على “نص مخفي”: فهو يشير بأصابع الاتهام إلى الحكومة المركزية ويهاجم بشكل غير مباشر عمل شي جين بينغ منذ توليه رئاسة الصين.
ومن غير المعقول، أنّ عضوا سابقا في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي -وهو في موقف ضعيف مقابل شي ولا يزال لديه مصالح في الصين – يهاجم الاكثر احمرارا من بين الحمر. ان وين، ينتقد ليس فقط “حياة الحزب” في هياكله العليا وكذلك الإرث السياسي لشي، ولكن خصوصا الثورة الثقافية. وهنا ايضا، مثل هذا لا يمرّ عند الرجل الاول في الصين حاليًا.
ومع ذلك، رغم شعبيته “على طريقة تشاو زيانغ”، فمن المعروف، خاصة منذ عام 2010، أن وين جياباو تمتع بمزايا كونه على رأس الحزب. ويتضح ذلك من ابنه وينستون وين (وين يون سونغ) وعلاقاته بشركة نيو هورايزون كابيتال، وكذلك ابنته وين روشون التي استحوذت مع شقيقها على أسهم في مجموعة واندا، المملوكة للشهير وانغ جي إيان لين، بين 2009 و2010، كما حقق هذا الاستثمار عائدًا كبيرًا جدًا للثنائي وين. هل يدعو هذا إلى إعادة النظر في طبيعة والدهم وين جياباو؟ ليس بالضرورة، ولكن لنقل إن خلفيّته الاجتماعية المتواضعة يتم فحصها عن كثب كما هو الحال بالنسبة لمزاعمه بالتفوق الأخلاقي. وفي كل الاحوال، تظل جذور وين متعارضة تمامًا لموقف شي، ناهيك عن موقفه الواضح المتمثل في اعطاء “الأولوية لعامة الناس».
وانغ كيشان و”الضيف المؤقت»
مقالة وين هي مجرد واحدة من الأحداث الأخيرة التي تثير العديد من الأسئلة حول الوضع داخل الحزب. كانت الحلقة السياسية اللافتة الاخرى، هي منتدى بواو الدولي في هاينان من 18 إلى 21 أبريل.
في 20 أبريل، قدم نائب الرئيس وانغ كيشان نفسه على أنه “الضيف المؤقت” للمنتدى -الضيف الحقيقي هو شي -و “مجرد قارئ”، تقريبًا بنفس الكلمات كما في عام 2018. رأى البعض في هذا الخطاب وانغ كيشان حذرا، منتبها إلى ما يقوله “أمام شي”. وهذا التغيير في الموقف، الملحوظ منذ عام 2020، بعيد كل البعد عن الأيام الجميلة لذروة التحالف من 2013 إلى 2017، وهي فترة أطلق عليها اسم “إدارة شي ووانغ «. هذا التقزيم الذاتي، الذي وصفه البعض بأنه بروتوكولي، يشبه إلى حد ما الطريقة التي قدم بها تشاو زيانغ نفسه إلى جورباتشوف أثناء زيارته للصين عام 1989: “ربما تعلم أن دنغ شياو بينغ “...”كان زعيمًا لحزبنا معترف بها عمومًا على هذا النحو داخل الدولة وخارج حدودها. “...”ويعلم جميع رفاق حزبنا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن زعامته وحكمته وخبرته. “...” لقد تم اتخاذ قرار مهم إلى حد ما: بالنسبة لجميع المسائل المهمة، يجب أن ننظر إليه على أنه الزعيم».
بهذا المعنى، ان تكون ناقلا، و”مجرد قارئ”، و”الضيف المؤقت” يحتمل أن يكون له تداعيات سياسية مهمة للغاية. بما أن تشاو زيانغ، قد أشار في اتجاه دنغ شياو بينغ –محملا إياه مسؤولية الوضع الذي يتكشف أمام الجميع -فمن المحتمل أن يكون وانغ قد وجه أصابع الاتهام إلى شي بشأن مشاكل الصين الحالية. ورغم الطبيعة غير الضارة لهذه الصيغ، مع العلم أن شي ووانغ من قدامى المحاربين في المناورات الداخلية للحزب، فمن المحتمل جدًا أن يكون الرئيس الصيني قد أدرك الفروق الدقيقة.
إن النظر إلى هذين الحدثين معًا يجعل من الممكن فهم كيف تدهور المناخ السياسي داخل الحزب منذ عام 2013، وازداد هذا التدهور منذ عام 2017. لقد أصبح شي جين بينغ هدفًا لنقد ينتشر بشكل متزايد في الفضاء العام.
رسالة وين جياباو إلى والدته، وتعليقات وانغ كيشان، هي أعراض للتوترات السائدة داخل الحزب. وتعكس جميعها، في نفس الوقت، وبشكل جيد، ما تحدّث عنه جيمس سكوت في الهيمنة أو فنون المقاومة: المرؤوسون “يتصرفون كما لو”، ويتحدثون إلى السلطة متوجهين لها بنقد ملتو، لكنهم يحترمون دائمًا أطرها المرجعية.
ما تبقى، فإن تاريخ الحزب يعلمنا: ألا نتفاجأ بأن يسعى الحزب الشيوعي الصيني باستمرار للسيطرة على الخطاب حول تاريخه، كما في رؤيته للحرية أو الكرامة. ومع ذلك، فإن “خطب المرؤوسين” تستحق اهتمامنا، لأنها تقدم لنا مستويات متعددة من الرسائل بالإضافة إلى تعليقات اجتماعية وسياسية مهمة في هذا الوقت من التوتر قبل مؤتمر الحزب عام 2022.
*متخصص في النظام السياسي الصيني، وحركاته المؤسسية، ودينامياته البيروقراطية، فضلاً عن تياراته الفكرية.
-- يعكس ظهور وين جياباو إدراكًا بأن جزءًا من أجندة الإصلاح قد تعرض للركود
-- رسالة وين جياباو إلى والدته وتعليقات كيشان، هي أعراض للتوترات السائدة داخل الحزب
-- حسب وين، تحوّل شي إلى اليسار، يقضي على المكاسب التي تحققت خلال عقده في السلطة
في مقال نُشر في ماكاو في 25 مارس وخضع للرقابة في بكين، هاجم وين جياباو، رئيس الوزراء السابق في عهد هو جينتاو، السلطة المركزية وجميع المنجز السياسي لشي جين بينغ. فبالنسبة له، “يجب أن تكون الصين دولة يسودها العدل والإنصاف وتحترم إرادة الشعب”. حتى وان كانت هذه الكلمات هي كلمات متقاعد من السياسة الصينية فقد كل نفوذه، فإنها تكشف، من بين أمور أخرى، عن اتجاه محرج لشي: الرجل الاول الصيني حاليًا، الذي يستعد للبقاء في السلطة بعد مؤتمر الحزب عام 2022، بات موضوع نقد ينتشر أكثر فأكثر في الفضاء العام. «في الهيمنة وفنون المقاومة”، يعلّمنا العالم السياسي وعالم الأنثروبولوجيا جيمس سكوت أن نتجاوز مظاهر الانسجام الاجتماعي البسيط بين المسيطرين والمسيطر عليهم، ونستوعب “النص المخفي”: ما يقوله المسيطر عليهم فيما بينهم، “خطاب التابعين”، وسياستهم السرية. يمكن أن ينطبق هذا جيدًا على تاريخ الحياة السياسية في الصين في أواخر مارس ومنتصف أبريل. تم نقل المعلومة من قبل العديد من وسائل الإعلام الدولية: رئيس الوزراء السابق وين جياباو (2003-2013) نشر مقالا بعنوان “أمي” نُشر في ماكاو هيرالد في 25 مارس.
نص ليس فقط عن والدته يانغ تشيون، التي توفيت نهاية عام 2020، ولكن أيضًا عن والده وين جانغ، حول عذاباته أثناء الثورة الثقافية –”الاستجوابات الوحشية”، من بين أشياء أخرى -وبالطبع حول تطلعاته للصين.
الجدير بالذكر أن وين كان مساعد تشاو تسى يانغ، الأمين العام السابق للحزب من عام 1987 إلى 1989، وعزله دنغ شياو بينغ عقب أحداث ميدان تيانانمن. وتم اختيار وين جياباو لاحقًا من قبل رئيس الوزراء الإصلاحي تشو رونغجي في التسعينات.
نُشر مقال وين قبل حوالي عشرة أيام من عيد الأنوار، حيث يكرّم الصينيون الموتى ويهدّؤون الأرواح. لكن الحزب اتخذ هذا العام إجراءين بنيويين. من جانب، نشر حراسًا عند مدخل قبر تشاو زيانغ في مقبرة تشانغ بينغ في بكين. وسُمح فقط لعائلة تشاو المقرّبة بالدخول، منهم ابنه تشاو ارجون وابنته وانغ يانان. وتم “ثني” الزوار الآخرين عن الذهاب إلى المكان.
من جانب اخر، فتح قبر جيانغ تشينغ، السيدة ماو، والشخصية البارزة في “عصابة الأربعة”، لأول مرة للجمهور. ولئن يبرز هذا الى أي جانب يصطف الحزب، فمن المدهش ألا يسعى هذا الأخير إلى طمس ذكرى جيانغ تشينغ تمامًا، التي إذا أعيدت إلى النقاش العام، ستذكّر بشكل خطير بجميع “التجاوزات اليسارية” للثورة الثقافية.
تحقيق
دعونا نعود إلى مقال وين جياباو. يطرح مشاعر رئيس الوزراء السابق، وكذلك الجو العام -المتوتر -الذي ساد في تشونغناهاي، مقر السلطة المركزية، خلال ثمانية وعشرين عامًا في الخدمة، عشرة منها على رأس الدولة. وقد كتب يقول، إن الأمر كان بمثابة “السّير على جليد رفيع، ومثل مواجهة الهاوية”. وجاءت خاتمة نصه ملفتة: “أنا أتعاطف مع الفقراء والضعفاء، وأعارض التنمر والقمع... في رأيي، يجب أن تكون الصين بلدًا مليئًا بالإنصاف والعدالة، حيث تُحترم إرادة الشعب والإنسانية والطبيعة البشرية، وحيث يوجد شعور “...”بالحرية “....” من أجل ذلك، صرخت، وقاتلت، وهذه الحقيقة علمتني اياها الحياة، ولكن أيضًا تعلمتها من والدتي».
رغم أن شي جين بينغ يتحدث عن “مجتمع متوسط الدخل”، أو محاربة الفقر، فإن الحزب لا يستخدم هذه المصطلحات. هذا جزء كبير من مشكلة وين. لا يعكس نصه تطلعاته فحسب، بل يعكس أيضًا تطلعات الإصلاحيين في الثمانينات، مثل تشاو زيانغ وسلفه هو ياوبانغ. وهذا يُذكّرنا بتعليقات وين المماثلة في مقابلته مع فريد زكريا على قناة سي إن إن عام 2010، حيث تحدث هو الذي كان يعلم أن زمنه ينفد، عن الديمقراطية والحرية.
في ذلك الوقت، لم تتمكن تصريحاته من الوصول الى الصين. ومن هنا جاء خيار النشر اليوم في ماكاو هيرالد. سرعان ما تم حظر النص من ويتشات ووسائل التواصل الاجتماعي الصينية الأخرى بسبب “انتهاك معايير المستخدم” لهذه المنصات.
بالنسبة إلى شي جين بينغ، فإن خروج وين جياباو هذا، غير مناسب. لرئيس الوزراء السابق تأثير ضئيل للغاية في هيكل الدولة -الحزب، سواء من حيث التحالفات او الشبكات. ناهيك عن أنه بعيد عن أن يكون في دفاتر الرئيس الصيني الصغيرة أو “الجيل الأحمر الثاني”، أبناء الثوار الذين قادوا الصين الشعبية بعد عام 1949.
علاوة على ذلك، سبق أن لفت وين الانتباه اليه في يونيو 2020 خلال الفيضانات –حيث برز شي ولي كه تشيانغ بغيابهما. في حين ظهر وين جياباو في جامعة لانتشو. زيارة حاولت السلطة المركزية أيضا محو آثارها لأنها افقدت الرئيس ورئيس وزرائه ماء الوجه. حتى خلال السنوات التي قضاها في السلطة مع هو جينتاو، لم يكن وين جياباو، الذي كان محاطًا بفريق جيانغ زيمين، قادرًا على التعبير عن نفسه بشكل كامل. لذلك عام 2013، عندما أفسح هو جينتاو المجال لشي، لم يسعى وين للاحتفاظ بنفوذه. في الواقع، لقد تم تهميشه بسرعة بسبب خلافاته مع “الجيل الأحمر الثاني».
ربما تكون هذه الرغبة المفاجئة لدى وين جياباو للتعليق على الوضع الحالي في الصين مرتبطة بالسياق: وفاة والدته، ومهرجان الأنوار، والذكرى السنوية لوفاة هو ياوبانغ في 15 أبريل. لكنها تعكس أيضًا إدراكًا بأن جزءً من أجندة الإصلاح قد تعرض للركود. كان وين يبلغ من العمر 24 عامًا في بداية الثورة الثقافية: في نظره، يجب بأي ثمن تفادي عودة هذا النوع من الحملات السياسية، التي عانى منها تشاو زيانغ، وكذلك تشو رونغجي. من جهة اخرى، فإن “تحول شي إلى اليسار”، وفقًا لما قاله وين، يقضي على المكاسب الاجتماعية والسياسية المكتسبة خلال عقده في السلطة. ومع ذلك، فإن رئيس الوزراء السابق يفتقر إلى النفوذ الذي يمكنه من إسماع صوته، أو حتى أن ينظر إليه على أنه تهديد. خلال السنوات العشر التي قضاها في قمة الدولة، حاول “الجيل الثاني من الحمر”، ومنهم بو شيلاي، رئيس الحزب السابق المخلوع في تشونغتشينغ -وأحيانًا بنجاح -وضع وين في حجمه.
أصبحت هذه التوترات بين الحمر والكوادر من أصول عائلية “متواضعة”، ذات أهمية متزايدة خلال تلك الفترة. في بداية ولايته الأولى (2003-2008)، كان وين يجد صعوبة في الحصول على إحاطات لأنه لم يؤخذ على محمل الجد. ولم يمنعه هذا من التعاون مع هو جينتاو وحتى مع هو غوكيانغ، سكرتير الحزب للجنة التأديبية من 2007 إلى 2012 وخادم “زمرة جيانغ زيمين”، لإسقاط بو شيلاي، الذي بدت أغانيه وكأنها “حمراء” زيادة عن اللزوم لبعض الاذان.
«حاشية الشمال»
و«حاشية الجنوب»
لماذا كل هذا الضجيج حول مقالة وين؟ عام 2005، شدد خطابه حول “المجتمع المتناغم” على الفوضى الاجتماعية التي أعقبت الإصلاحات. وبالمثل اليوم، فإن الحديث عن الحرية أو الكرامة، يعني أن هذه الحقوق مفقودة في الصين بقيادة شي جين بينغ. وهكذا، يعبّر وين عن استياء كبير -يتم سرده ببراعة كبيرة بين الذكريات والحكايات -تجاه الاتجاه الذي اتخذته السلطة المركزية منذ رحيله. كما انتهز الفرصة للحديث عن تجربة والده خلال الثورة الثقافية: الذي، رغم التقلبات، أراد حياة سلمية، فهزته زوبعة سياسية. ويروي وين، كيف حلّت “كارثة” الثورة الثقافية بأسرته.
لنتناول الآن تعليق وين على المناخ العام في تشونغنانهاي المكونة من توترات بين “حاشية الشمال” مجلس الدولة (الاسم الرسمي للحكومة) و “حاشية الجنوب”، الحزب. هذه التصريحات، التي يمكن وصفها بأنها شريرة في أحسن الأحوال، أثارت غضب شي بالتأكيد. ان هذا المقال يحتوي على “نص مخفي”: فهو يشير بأصابع الاتهام إلى الحكومة المركزية ويهاجم بشكل غير مباشر عمل شي جين بينغ منذ توليه رئاسة الصين.
ومن غير المعقول، أنّ عضوا سابقا في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي -وهو في موقف ضعيف مقابل شي ولا يزال لديه مصالح في الصين – يهاجم الاكثر احمرارا من بين الحمر. ان وين، ينتقد ليس فقط “حياة الحزب” في هياكله العليا وكذلك الإرث السياسي لشي، ولكن خصوصا الثورة الثقافية. وهنا ايضا، مثل هذا لا يمرّ عند الرجل الاول في الصين حاليًا.
ومع ذلك، رغم شعبيته “على طريقة تشاو زيانغ”، فمن المعروف، خاصة منذ عام 2010، أن وين جياباو تمتع بمزايا كونه على رأس الحزب. ويتضح ذلك من ابنه وينستون وين (وين يون سونغ) وعلاقاته بشركة نيو هورايزون كابيتال، وكذلك ابنته وين روشون التي استحوذت مع شقيقها على أسهم في مجموعة واندا، المملوكة للشهير وانغ جي إيان لين، بين 2009 و2010، كما حقق هذا الاستثمار عائدًا كبيرًا جدًا للثنائي وين. هل يدعو هذا إلى إعادة النظر في طبيعة والدهم وين جياباو؟ ليس بالضرورة، ولكن لنقل إن خلفيّته الاجتماعية المتواضعة يتم فحصها عن كثب كما هو الحال بالنسبة لمزاعمه بالتفوق الأخلاقي. وفي كل الاحوال، تظل جذور وين متعارضة تمامًا لموقف شي، ناهيك عن موقفه الواضح المتمثل في اعطاء “الأولوية لعامة الناس».
وانغ كيشان و”الضيف المؤقت»
مقالة وين هي مجرد واحدة من الأحداث الأخيرة التي تثير العديد من الأسئلة حول الوضع داخل الحزب. كانت الحلقة السياسية اللافتة الاخرى، هي منتدى بواو الدولي في هاينان من 18 إلى 21 أبريل.
في 20 أبريل، قدم نائب الرئيس وانغ كيشان نفسه على أنه “الضيف المؤقت” للمنتدى -الضيف الحقيقي هو شي -و “مجرد قارئ”، تقريبًا بنفس الكلمات كما في عام 2018. رأى البعض في هذا الخطاب وانغ كيشان حذرا، منتبها إلى ما يقوله “أمام شي”. وهذا التغيير في الموقف، الملحوظ منذ عام 2020، بعيد كل البعد عن الأيام الجميلة لذروة التحالف من 2013 إلى 2017، وهي فترة أطلق عليها اسم “إدارة شي ووانغ «. هذا التقزيم الذاتي، الذي وصفه البعض بأنه بروتوكولي، يشبه إلى حد ما الطريقة التي قدم بها تشاو زيانغ نفسه إلى جورباتشوف أثناء زيارته للصين عام 1989: “ربما تعلم أن دنغ شياو بينغ “...”كان زعيمًا لحزبنا معترف بها عمومًا على هذا النحو داخل الدولة وخارج حدودها. “...”ويعلم جميع رفاق حزبنا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن زعامته وحكمته وخبرته. “...” لقد تم اتخاذ قرار مهم إلى حد ما: بالنسبة لجميع المسائل المهمة، يجب أن ننظر إليه على أنه الزعيم».
بهذا المعنى، ان تكون ناقلا، و”مجرد قارئ”، و”الضيف المؤقت” يحتمل أن يكون له تداعيات سياسية مهمة للغاية. بما أن تشاو زيانغ، قد أشار في اتجاه دنغ شياو بينغ –محملا إياه مسؤولية الوضع الذي يتكشف أمام الجميع -فمن المحتمل أن يكون وانغ قد وجه أصابع الاتهام إلى شي بشأن مشاكل الصين الحالية. ورغم الطبيعة غير الضارة لهذه الصيغ، مع العلم أن شي ووانغ من قدامى المحاربين في المناورات الداخلية للحزب، فمن المحتمل جدًا أن يكون الرئيس الصيني قد أدرك الفروق الدقيقة.
إن النظر إلى هذين الحدثين معًا يجعل من الممكن فهم كيف تدهور المناخ السياسي داخل الحزب منذ عام 2013، وازداد هذا التدهور منذ عام 2017. لقد أصبح شي جين بينغ هدفًا لنقد ينتشر بشكل متزايد في الفضاء العام.
رسالة وين جياباو إلى والدته، وتعليقات وانغ كيشان، هي أعراض للتوترات السائدة داخل الحزب. وتعكس جميعها، في نفس الوقت، وبشكل جيد، ما تحدّث عنه جيمس سكوت في الهيمنة أو فنون المقاومة: المرؤوسون “يتصرفون كما لو”، ويتحدثون إلى السلطة متوجهين لها بنقد ملتو، لكنهم يحترمون دائمًا أطرها المرجعية.
ما تبقى، فإن تاريخ الحزب يعلمنا: ألا نتفاجأ بأن يسعى الحزب الشيوعي الصيني باستمرار للسيطرة على الخطاب حول تاريخه، كما في رؤيته للحرية أو الكرامة. ومع ذلك، فإن “خطب المرؤوسين” تستحق اهتمامنا، لأنها تقدم لنا مستويات متعددة من الرسائل بالإضافة إلى تعليقات اجتماعية وسياسية مهمة في هذا الوقت من التوتر قبل مؤتمر الحزب عام 2022.
*متخصص في النظام السياسي الصيني، وحركاته المؤسسية، ودينامياته البيروقراطية، فضلاً عن تياراته الفكرية.