العراق إلى المجهول بعد الانسحاب الأمريكي

العراق إلى المجهول بعد الانسحاب الأمريكي


حذر سياسيون من الانسحاب الأمريكي من العراق مما يفتح الباب أمام المليشيات الإيرانية والتمدد في الأراضي العراقية، فضلاً عن إعادة تمركز عناصر تنظيم داعش الإرهابي من جديد بعد القضاء على أماكن تواجده في العديد من المحافظات العراقية مؤخراً.
ووفق صحف عربية إن بقاء القوات الأمريكية في بعض القواعد بإقليم كردستان أو في قواعد قريبة شمال سوريا لن يعيق الميليشيات عن تنفيذ خطتها الرامية إلى السيطرة على كامل العراق وإخضاعه لهيمنتها، ولابد من إعادة تقييم الأمور من جديد.

استدعاء إيراني
ووصفت أوساط سياسية عراقية قرار التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة إنهاء المهام القتالية في العراق بأنه انسحاب ثان لا يقل سوءا عن الانسحاب الأول الذي قرره الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2011، والذي فتح الباب أمام تنظيم داعش للتسلل إلى العراق والهجوم لاحقا على القوات العراقية والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، ثم تمدد الميليشيات العراقية الموالية لإيران تحت مسمى الحشد الشعبي للسيطرة على مناطق واسعة من شمال العراق وغربه وفتح الممر البري من إيران نحو البحر المتوسط.
وقالت هذه الأوساط لصحيفة “العرب” إن الرئيس جو بايدن بهذا القرار المتسرّع سيعبّد الطريق أمام الميليشيات الشيعية للسيطرة على البلاد ويترك لإيران الحبل على الغارب لتدير شؤون العراق من وراء الستار عبر التمكين لحلفائها. واعتبرت أن بقاء القوات الأمريكية في بعض القواعد بإقليم كردستان أو في قواعد قريبة شمال سوريا لن يعيق الميليشيات عن تنفيذ خطتها الرامية إلى السيطرة على كامل العراق وإخضاعه لهيمنتها.
وقال الكاتب السياسي العراقي مصطفى سالم في تصريح لـ “العرب” إن “جميع الأطراف تعرف أن الانسحاب غير كامل، ولن يكون كذلك”، محذرا من أن “ميليشيات الحشد تعتقد أن رحيل القوات الأمريكية يسمح لها -ولأسباب يمكن افتعالها- باستدعاء القوات الإيرانية لتحل مكانها”.
واعتبر سالم أن الشارع العراقي مستنزف إلى درجة أن هذا الموضوع لن يكون من أولوياته، وأن ما تبقى منه في دائرة الاهتمام لا يرغب في رحيل القوات الأميركية وهو يشاهد فشل القوات الحكومية التي لا تحتاج إلى مشورة الأمريكيين بقدر حاجتها إلى أن تكون قوات وطنية وعراقية.

صراع الديوك
فيما وصفت صحيفة “النهار” اللبنانية الصراع في العراق والعلاقة بين الأحزاب بصراع الديوك وكان هناك دائماً نظام سياسي عقائدي يقوم بقمع معارضيه العقائديين الذين كانوا يخططون لاسقاط ذلك النظام الشرس.
وقالت إنه حين وقعت كارثة الاحتلال عام 2003 فإن الأمريكيون قرروا أن ينهوا مرحلة الصراع الدامي ليعم نوع من التوافق بين أحزاب لم يحلم أي واحد منها بالوصول إلى السلطة. ستكون حفلة من طراز خاص. تلك حفلة المعارضة السابقة التي لم تكن تتوقع سقوط عدوها القوي والعنيف صدام حسين لتحل محله بنظام لا يصلح لإدارة دولة معقدة مثل العراق.
وأشارت إلى أن النظام السياسي الذي اخترعه الأمريكيون لا يمت إلى السياسة بصلة. فهو نظام محاصصة حزبية قرروا من خلاله أن يقيموا سداً يحتمون وراءه بمشروعهم الذي لم يتضح منه سوى الخراب. خراب الدولة من خلال تحطيمها وخراب المجتمع من خلال تمزيقه. ولأن ذلك المشروع لم يتسع لشيء من التفكير السياسي الوطني فإن المشاركين في خدمته من العراقيين كانوا نوعاً أخلاقياً واحداً.
هو ذلك النوع الذي لا يولي أدنى اهتمام لمصير الدولة بقدر ما يحيط مصالحه الشخصية الضيقة بكل ما يملك من عزم ضارباً بعرض الحائط كل لوائح القيم الإنسانية والوطنية التي لا تبيح على سبيل المثال سرقة المال العام.
وأكدت الصحيفة أن ما حدث في العراق أن المواقع السياسية كانت أبواباً لدخول المرء إلى عالم الجريمة المنظمة حيث الفساد هو العقيدة الوحيدة التي تجمع بين الوافدين من العالم السفلي. كان اختيار ذلك الحشد المنسجم في سياق معادلة تدني الشعور الوطني المصحوب بعلو منسوب الفساد دليل احترافية لدى اجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية.
 
تكيكات البيت الشيعي
أما صحيفة “الشرق الأوسط” توقعت أن المناوشات بين معسكري التيار الصدري والإطار التنسيقي تزايدت، ويبدو أن الكرد والسنة يغيرون الآن من التكتيك السياسي تجاه الأزمة داخل البيت الشيعي، خشية انسداد طريق التوافق بين أقطابه والتوجه بالتالي إلى حكومة أغلبية.
وأوضحت الصحيفة أن مقتدى الصدر والإطار التنسيقي جسا النبض بأشكال متعددة. لكن المعطيات لم تكن مريحة للطرفين. إذ بدا أنهما غير قادرين على التوافق بسهولة، فتوقف تبادل الرسائل، وتم الاتفاق مؤخراً على تأجيل المفاوضات إلى ما بعد المصادقة على النتائج.
وقالت “رغم أن الصدر يصر في العلن على حكومة أغلبية، فإن احتمال تشكيل حكومة كهذه ضئيل. ويرى مقربون منه أنه لا يريد في هذا المفصل المعقد من العملية السياسية العمل المشترك مع فئة من الحركات الشيعية، وأن هدفه من الضغط الذي يمارسه بشأن الأغلبية هو توافق يعزل خصوما له».
وأشارت إلى أن الطرف المستهدف من حملة الصدر، ومع خسارته الانتخابات، يثير قلق القوى السنية والكردية. يقول مسؤولان سياسيان، من أربيل والفلوجة، إن إقصاء طرف شيعي من المعادلة لن يمر بهدوء، “وسيؤثر على البيئة السياسية في مناطقنا”. هذه إشارة متحفظة على مخاوف أكبر، ذلك أن الجهات الخاسرة تمتد في الميدان بسلاحها ومقاتليها من غرب العراق إلى شماله على الحدود مع سوريا. ما لا يقوله صناع القرار السنة هو أن الأمر معقد لتداخل القوى الماسكة للأرض في هذه البيئة، بينما تخسر في بغداد نفوذها السياسي. في أسبوع الرسائل الشيعية، خرج الفاعلون السنة والكرد من غرفة الانتظار. كسروا صمت انتظار الشريك الشيعي ليحسم خلافاته، وبدأت تحركات متباينة، تدفع جميعها الشيعة إلى التوافق.
وقال مشعان الجبوري، وهو سياسي مستقل انضم مؤخراً لتحالف عزم، لصحيفة “الشرق الأوسط” إن بارزاني أبلغ نواباً من العرب السنة بأن الكرد لن يتفقوا إلا على ما يتفق عليه قطبا السنة، الحلبوسي والخنجر. الأخيران، ومن خلال بطانتهما السنية، يبدو أنهما متفقان على تحالف واسع في البرلمان الجديد، يضمن “وضعاً سنياً مختلفاً” بالاستفادة من التمثيل النيابي الأفضل لسكان المدن المحررة، بالمقارنة مع انتخابات عامي 2014 و2018.
وأكد أن المؤشرات التي تخرج من منزلي العامري والصدر تكشف حجم التحولات النادرة داخل البيئة الشيعية. ثمة استقطاب حاد بين المعسكرين، لا يرتبط عضوياً بالتنافس على الحصص داخل الحكومة، بل على إدارة الحكم ومفاهيم تسيير النظام. وهذا يمهد لفرز شيعي مختلف، فالصدر يطمح لتسيد المشهد وفرض نفسه على مفاتيح القوة، والتحكم بعلاقاتها، فيما الإطار المنكوب، إن صح الوصف، بنتائجه المخيبة، يتمسك بنفوذه الميداني الذي لن يكون سهلاً التخلي عنه.