أطاحت وزير المالية.. «بوابة عشتار» تكشف حجم الفساد
العراق على صفيح ساخن.. هل يصعّد الصدر تحركات الشارع؟
توقعت مصادر سياسية عراقية أن تكون الخطوة المقبلة لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، دعوة اتباعه للعصيان المدني في حال استمرت الأطراف السياسية الأخرى فيما وصفه بالتغافل عن مطالب المتظاهرين.
وأوضحت مصادر عراقية لمراسل “سكاي نيوز عربية، أن تحرك التيار الصدري قد يكون بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية بخصوص النظر بدعوى حل البرلمان الحالي.
وقال الصدر، يوم السبت، إنه لم يلمس تجاوبا من جانب الفرقاء السياسيين على مقترح إجراء حوار وطني.
وأفاد الصدر في بيان على حسابه الرسمي في “تويتر” بأنه قدم “مقترحا للأمم المتحدة لجلسة حوار علنية مع الفرقاء السياسيين في العراق».
وأضاف: “قدمت تنازلات كثيرة من أجل مصلحة الشعب والسلم الأهلي في العراق. نرجو من الجميع انتظار خطوتنا الأخرى إزاء سياسة التغافل عما آلت إليه الأوضاع في البلاد».
وكان الصدر، قد أعلن الثلاثاء الماضي، تأجيل موعد التظاهرات التي كانت مقررة لأنصاره السبت “حتى إشعار آخر».
ويأتي إعلان الصدر عن تأجيل الاحتجاجات، فيما يشهد العراق أزمة سياسية مستمرة منذ الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر من العام الماضي.
وتصاعدت الأزمة في الأسبوعين الأخيرين، مع إعلان أنصار الصدر اعتصامهم المفتوح الذي بدأ في البرلمان ثم انتقل إلى خارجه في المنطقة الخضراء شديدة التحصين وسط بغداد.
وفي المقابل، أعلن الإطار التنسيقي، الخصم الرئيسي للصدر، عن بدء اعتصام لأنصاره خارج المنطقة الخضراء، حيث يطالب هؤلاء بـ”تشكيل حكومة خدمية وطنية».
وتنحصر الخلافات بين التيار الصدري والإطار حول آلية إجراء الانتخابات المبكرة، ففي حين يريد التيار أن تتولى الحكومة الحالية الإعداد للانتخابات وبالقانون الحالي، يسعى الإطار إلى تغيير الحكومة مع تعديل القانون.
وكانت قوى الإطار قد خسرت الانتخابات البرلمانية التي جرت بموجب هذا القانون، حيث فاز التيار الصدري بها.
بوابة عشتار
هذا وفتحت استقالة وزير المالية العراقي، علي علاوي، جرحًا غائرًا في جسد الدولة العراقية، كما سلطت الضوء على حجم الفساد المستشري في البلاد، وسط تحقيقات رسمية تجريها هيئة النزاهة، عن الصفقة الشهيرة لشركة “بوابة عشتار».
بدأت كرة الثلج بالتدحرج، عندما كشفت وسائل إعلام عراقية عن مطالبة شركة “بوابة عشتار” للدفع الإلكتروني، بشرط جزائي وضعته ضمن أحد العقود مع مصرف الرافدين الحكومي، بسبب تلكؤ الأخير، في تنفيذ بنود العقد، وهو ما أثار ضجة واسعة، عن حجم هذا الشرط وسبب وضعه، فضلًا عن جدوى التعاقد مع تلك الشركة وأهمية اختصاصها.
مؤامرة لإحباط التغيير
وفي جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت الثلاثاء الماضي، قدّم وزير المالية، علي علاوي، استقالته لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي قبلها مباشرة، وأوكل مهام خزائن المال إلى وزير النفط إحسان عبد الجبار.
غير أن استقالة علاوي سلطت الضوء على طبيعة الفساد المستشري في الدولة العراقية وحجم السرقات الهائلة، خاصة أن استقالة علاوي كانت في 9 صفحات، إذ تضمنت شرحًا لما واجهه من تحديات وتغول بعض الأطراف السياسية في الإدارة المالية وغيرها.
وقال علاوي: “كل شيء تقريبًا يتآمر لإحباط التغيير الحقيقي وترسيخ استمرار الممارسات الفاسدة التي تدمر الأسس الأخلاقية والمادية للبلد».
وأضاف: “كانت قضايا فساد الدفع الإلكتروني بالنسبة إلي بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لم تكُن حالة نادرة لكنها عكست بوضوح لجميع الأطراف مدى الخلل بالمنظومة، فقد بلورت الدرجة التي تدهورت عندها مكانة الدولة وأصبحت ألعوبة للمصالح الخاصة».
وأشار الوزير العراقي إلى أن “هذه الشبكات محمية من قبل الأحزاب السياسية الكبرى والحصانة البرلمانية وتسليح القانون وحتى القوى الأجنبية (...) لقد وصل هذا الأخطبوط الهائل من الفساد والخداع إلى كل قطاع من قطاعات اقتصاد الدولة ومؤسساتها ويجب تفكيكه بأي ثمن».
عضو اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي، جمال كوجر، قال إن “على الجهات المختصة، مثل البرلمان وهيئة النزاهة والقضاء التحقيق بشكل جدّي فيما ورد من كلام الوزير علاوي، وكشف خيوط تلك الشبكات التي اختزلت الدولة وسيطرت عليها، وأصبحت منظومة مستعصية على الحل، بل واختطفت الدولة».
وأضاف كوجر، في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، أن “تصريحات علاوي خطيرة جدًّا، ولا ينبغي أن تمر مرور الكرام، إذ إن منصب مثل وزير المالية هو بمثابة الحل الشوكي لجسد الدولة، وهو عارف بكل الملفات، وباعتقادي أنّ ما كشفه جزء يسير، وهناك الكثير من الملفات التي لم يتم الكشف عنها”، مشيرًا إلى أن “استقالة الوزير جاءت بسبب الضغوطات التي مورست عليه من الجهات السياسية».
وعلاوي، وهو من مواليد عام 1947، حاصل على شهادة البكالوريوس من معهد MIT في ولاية ماساشوستش الأميركية، في الهندسة المدنية،
والدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة هارفرد، ودرس في مدرسة لندن للاقتصاد، وقام بالتدريس في جامعة أكسفورد.
وينظر قطاع واسع من العراقيين إلى الوزير علاوي،
على أنه شخصية تكنوقراط وراسخة في مجال الإدارة المالية، كما أنه أبدى صرامة في بعض الأوقات ضد إملاءات زعامات سياسية وازنة.
ورغم إطلاق الحكومة العراقية برئاسة الكاظمي، منذ مجيئها عام 2020، إجراءات صارمة لمكافحة الفساد وتحريك جملة ملفات، بالتعاون مع المجتمع الدولي وتشديد الإجراءات الداخلية، لكنّ مختصّين يرون أن الفساد في العراق اتخذ أشكالًا عدة، ودخل رسميًّا في جسد الدولة، وهو ما يحتاج إلى معالجات عميقة لمواجهته.
إحصاء مرعب
وأعلنت هيئة النزاهة تورّط 11 ألفًا و605 مسؤولين، بينهم 54 وزيرًا “في الفساد” خلال العام 2021.
وقالت تلك الهيئة في إحصائية سابقة لها، إن “من بين هؤلاء 54 وزيرًا ومن بدرجته (لم تحدّد أسماؤهم)، وجهّت إليهم 101 تهمة، و422 مُتَّهمًا من ذوي الدرجات الخاصَّة والمُديرين العامِّين ومن بدرجتهم وجّهت إليهم 712 تهمة».
الخبير في الشأن المالي، مصطفى أكرم، يفسر حجم الفساد، بأن “القوانين المالية كلها متعبة وغير قادرةٍ على استيعاب الوضع المالي، ومواجهة الفساد الذي يطوّر أدواته، مثل قانون البنك المركزي، وقانون المصارف، وقانون هيئة الأوراق المالية، وقانون هيئة الاستثمار، وكلها شُرعت عام 2004، وهناك تمسّك واضح من الطبقة السياسية بتلك القوانين، لأنها تشرعن الفساد».
ويرى أكرم، في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية” أن “العراق بحاجة إلى برلمان قوي يقدّم تشريعات كبيرة ورصينة، تُؤسّس لمرحلة جديدة، وتقطع الطريق على شبكات الفساد، المتغلغلة في عدة قطاعات بالبلاد، مثل مزاد العملة والجمارك والاستثمار، وغيرها».