المتغيرات الخمسة التي قد تنتهي باجتياح روسيا لأوكرانيا؟

المتغيرات الخمسة التي قد تنتهي باجتياح روسيا لأوكرانيا؟


أشار الأكاديمي غير المقيم في معهد نيولاينز الأمريكي يوجين شوسوفسكي إلى وجود إطار عمل هيكلي يسمح للمراقبين بفهم وتوقع التدخلات العسكرية الروسية في الفضاء ما بعد السوفييتي. ورغم كل الكلمات القاسية في موسكو، تظهر سجلات روسيا أن اجتياحاً لأوكرانيا غير مرجح حسب شوسوفسكي. وللإجابة على سؤال عن الأهداف التي ستدفع بوتين لاجتياحها، يجب الرجوع إلى الضرورات الجيوسياسية التي تؤطر أساليب صنع القرار في موسكو. أوضح شوسوفسكي في مجلة “فورين بوليسي” أن هذه الضرورات، هي، توطيد الجبهة السياسية الداخلية، وحماية روسيا من التهديدات الأجنبية سواءً صدرت من الجيران أو القوى الدولية، وتوسيع النفوذ إقليمياً خاصةً في دول الاتحاد السوفييتي السابق وأبعد من ذلك ما أمكن.

لا استخفاف أو عشوائية
إن توسيع حلف شمال الأطلسي، ناتو، ليشمل دول الاتحاد السوفييتي السابقة ينتهك ضرورة روسية أساسية ما يعني شعور موسكو بغياب الأمان في مواجهة الدول المجاورة التي تنضم إلى ناتو، وفي مواجهة القوى الخارجية التي تدعمها، وبشكل أساسي الولايات المتحدة.
كانت روسيا ضعيفة جداً وعاجزة عن وقف توسع ناتو في أوروبا الوسطى ودول البلطيق في التسعينات وأوائل الألفية الحالية، أرادت موسكو الذهاب إلى الحرب في جورجيا في 2008، ثم في أوكرانيا سنة 2014 لمنع ذلك. لكن حتى هذا القرار لم يتخذه الكرملين باستخفاف أو عشوائياً، ما ينقل المراقبين إلى إطار العمل عن التدخلات العسكرية الروسية.

المتغيرات الخمسة
في آلية صناعة القرار للتدخل العسكري الخارجي في الفضاء السوفييتي السابق أو الامتناع عنه، تستخدم الحسابات الروسية إطار عمل استراتيجي، يستند إلى خمسة متغيرات، المثير، والدعم المحلي، ورد الفعل العسكري المتوقع، والعملانية التقنية، والكلفة السياسية والاقتصادية المحتملة مثل العقوبات والقيود الديبلوماسية. إذا لم يكف شرط من هذه الشروط، أو لم يوجد، فعندها لا يُرجح أن تتدخل روسيا عسكرياً حتى داخل الفضاء السوفييتي السابق. أما إذا كانت جميع هذه العوامل حاضرة، فهنالك احتمال أكبر بكثير لتدخل عسكري روسي في الخارج. وإذا كانت المقامرة الروسية خاطئة، فستدفع موسكو ثمناً باهظاً جداً.

حسابات جورجيا
يعطي شوسوفسكي الاجتياح الروسي لجورجيا مثلاً على ذلك، وحينه، كانت المتغيرات الخمسة موجودة. كان المثير، قصف جورجيا لقرى أوسيتيا الجنوبية. أما الدعم المحلي للتدخل الروسي فكان قوياً، لكن فقط، في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، فلم ترسل قواتها إلى العمق الجورجي حيث كان الدعم المحلي أضعف بكثير.
كان لروسيا وصول مباشر إلى جورجيا عبر نفق روختي بينما كانت القوات العسكرية الجورجية أضعف بكثير من القوات الروسية، ما جعل التدخل عملانياً من الناحية التقنية. ولم تكن جورجيا دولة أطلسية، وبالتالي توقعت موسكو، رد فعل غربي محدودٍ نسبياً، أما الكلفة فكانت قابلة للسيطرة عليها. هدفت روسيا إلى تقويض مسعى جورجيا إلى الانضمام لناتو، فكانت النتيجة حرباً بين روسيا وجورجيا.

أوكرانيا 2014
أما في الاجتياح الروسي لشرق أوكرانيا، حضرت المتغيرات الخمسة مجدداً، حسب شوسوفسكي. كان المثير، هو ثورة ميدان التي أطاحت بالرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش.
وكان الدعم المحلي قوياً في شبه جزيرة القرم ودونباس، لكنه كان محدوداً جداً في سائر أنحاء البلاد. لوجستياً، امتلكت روسيا أساساً قوات في القرم ووصولاً مباشراً إلى دونيتسك ولوغانسك. لكن الذهاب إلى مناطق أبعد في أوكرانيا، كان سيتطلب خطوط إمداد طويلة، والمرور بأراض أكثر عدوانية. مثل جورجيا، لم تكن أوكرانيا عضواً في ناتو وتوقعت روسيا ألا يتدخل الحلف عقب الاجتياح. هدفت روسيا حينها إلى تقويض الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب، ومنع انضمام كييف إلى ناتو فكانت النتيجة أن ضمت روسيا القرم، واندلع النزاع الانفصالي في شرق أوكرانيا، ولا يزال مستمراً إلى اليوم.

توفرت الدوافع...
ولم تتدخل
انتقل شوسوفسكي ليسرد أمثلة أخرى، لم تتدخل فيها روسيا عسكرياً رغم توفر التبريرات. لم تتدخل روسيا عسكرياً ضد إستونيا في2007، بعد حادثة نقل تمثال الجندي البرونزي الذي يرمز إلى التضحيات السوفيتية لتحرير البلاد من النازية، رغم التبرير الممكن بحماية الإستونيين من أصل روسي، وذلك لأن إستونيا كانت عضواً في الحلف الأطلسي، وتوقعت موسكو كلفة مرتفعة جداً إذا تحركت عسكرياً.
ولم تتدخل روسيا عسكرياً أيضاً بعد صدامات إثنية بين القرغيز والأوزبك في جنوب قرغيزستان في 2010 رغم طلب الحكومة القرغيزية، ذلك أن التدخل لم يكن أساسياً لروسيا لتحقق أياً من ضروراتها، كما أنه لم يكن هنالك تهديد أطلسي. بالتالي، كانت الكلفة أكبر من المنافع.

هل تجتاح أوكرانيا؟
للإجابة على هذا السؤال، يتطرق شوسوفسكي إلى الهدف المحدد الذي قد تحققه موسكو من اجتياحها، لا جواب واضحاً على ذلك، إلا توسيع تقويض الحكومة الأوكرانية، أو استخدام الانتقام لحشد الدعم المحلي أو توجيه رسالة إلى الغرب، دون مثير جوهري، يبدو التدخل غير مرجح. وقد يرتد القرار سلباً على موسكو، ويدفع أوكرانيا أكثر إلى ناتو، الأمر الذي ينتهك واحداً من أهم الضرورات الاستراتيجية الروسية، وبعد أن توفرت المتغيرات الخمسة في 2014، تغير عدد منها اليوم. على سبيل المثال، تحظى أوكرانيا حالياً بدعم غربي أعظم بكثير، ورغم أنها ليست عضواً أطلسياً، ستكون الكلفة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، أكبر بكثير على روسيا. علاوة على ذلك، سيكون الدعم المحلي داخل أوكرانيا لاجتياح روسي أدنى بكثير مما كان عليه في 2014، باستثناء معاقل دونباس والقرم، حيث لروسيا أساساً قوات أو عناصر عسكرية.

هل من بدائل لروسيا؟
إن تطبيق إطار العمل هذا على التدخل العسكري يعني أن اجتياحاً عسكرياً روسياً واسعاً لأوكرانيا غير مرجح. لكن ذلك لا يمنع اتخاذ روسيا إجراءات عسكرية بديلة غير تقليدية، حسب الكاتب.
ويشمل ذلك اللجوء إلى جوانب مختلفة من الحرب الهجينة، مثل النشاطات السرية، والتلاعب السياسي والهجمات السيبيرانية، والبروباغندا، والتضليل، بما في ذلك الإيحاء باجتياح محتمل كما يحصل حالياً.
وهنالك أيضاً احتمال مراكمة بناء عسكري في أماكن أخرى مثل نشر الأسلحة في كالينينغراد، أو في بيلاروسيا.

غير مرجح...
لا يعني مستحيل
رغم ما سبق، يوضح الكاتب أن اجتياحاً روسياً لأوكرانيا ليس مستحيلاً، بما أن الظروف قد تتغير لتؤدي إلى حسابات مغايرة في موسكو. إضافة إلى ذلك، فإن إطار العمل هذا ليس بصمة عسكرية جذورها في وثائق سياسية محددة، لكنه نموذج مدفوع تجريبياً بالاستناد إلى ملاحظة الاتجاهات وطريقة اتخاذ القرارات الروسية في الفضاء العسكري، تحت حكم بوتين. وتظهر القراءة المتانية أن استخدام روسيا للقوة العسكرية في حقبة الرئيس الحالي، وأنه متحفظ ويتفادى المخاطر ويستند إلى تحليل قوي لكلفة والمنفعة في كل حالة على حدة، رغم أنه يبدو غالباً عدوانياً وعشوائياً. لكن هذا الإطار لا يسمح  بفهم تدخلات روسيا العسكرية في أوكرانيا والفضاء السوفييتي السابق وحسب، بل باستباقها أيضاً.