كيف تعزز صحة قلبك من دون الحاجة لـ 10 آلاف خطوة يوميا؟

المشي.. يعزز الفوائد الصحية والبدنية

المشي.. يعزز الفوائد الصحية والبدنية

معلوم أن المشي نشاط بسيط الكلفة، ومتاح للجميع، إضافة إلى أنه يعود عليك بفوائد صحية هائلة، فينعكس إيجاباً على مجموعة واسعة من المؤشرات الصحية، بدءاً من صحة القلب وضغط الدم، وصولاً إلى اللياقة الهوائية (قدرة القلب والرئتين والعضلات على استخدام الأوكسجين بكفاءة أثناء النشاط البدني المستمر)، فضلاً عن تحسين المزاج. ولهذه الأسباب، وغيرها كثير، ينبغي أن يشكل المشي الركيزة الأساس لأي برنامج رياضي أسبوعي تعتمده.

انطلاقاً من هذا التصور، شاع هدف المشي 10 آلاف خطوة يومياً، على رغم أن أبحاثاً حديثة تشير إلى أن هذا الرقم "لا يستند إلى أساس علمي صارم". ولكنه، مع ذلك، يدفع الناس إلى قضاء زهاء 90 دقيقة يومياً على أقدامهم، وهو زمن كافٍ، في حد ذاته، لتحقيق فوائد صحية كبيرة لدى معظم الناس.
لكن الاعتراض الأكثر شيوعاً على هذه الوصفة الرياضية الرائجة يبقى ضيق الوقت، إذ إن فكرة تخصيص 90 دقيقة للمشي في يوم مكتظ بالالتزامات تبدو، في نظر كثر، مهمة شبه مستحيلة، حتى عندما نختار تقسيمها إلى جولات عدة قصيرة بدلاً من جولة واحدة.
ولمن يندرجون ضمن هذه الفئة، يقدم إيمانويل ستاماتاكيس، البروفيسور المتخصص في النشاط البدني ونمط الحياة وصحة السكان في "جامعة سيدني"، مقاربة بديلة تستند إلى نتائج أحدث بحوثه حول المشي.
الخطة أدناه مصممة لتشكل نقطة انطلاق للأشخاص القليلي الحركة الذين يجدون صعوبة في تخصيص وقت للتمارين الرياضية. أضف إلى ذلك أنها قائمة على أحدث الأدلة العلمية، كي تسمح لك باستخراج أقصى فائدة صحية ممكنة من كل خطوة، مع تمهيد الطريق لحياة أكثر نشاطاً وصحة أفضل.

خطة مشي لصحة أفضل في أقل وقت
يومياً، إحرص على القيام بما يلي:
جولة واحدة أو اثنتين من المشي بسرعة مريحة إنما ثابتة، تراوح مدة كل منهما ما بين 10 و15 دقيقة أو أكثر.
خلال هاتين الجولتين، أدرج دفعتين إلى أربع دفعات من الخطى السريعة تراوح مدة كل منها ما بين 30 و60 ثانية. ويمكن أن تشمل هذه الدفعات صعود درج أو المشي صعوداً لزيادة شدة المجهود البدني المبذول.

 الأساس العلمي لهذه الخطة
في الحقيقة، الأشخاص الذين يجنون أكبر عدد من الفوائد من ممارسة الرياضة ليسوا الرياضيين المحترفين، بل الأشخاص الذين يمارسون حالياً نشاطاً بدنياً قليلاً جداً أو شبه معدوم، ذلك أن الانتقال من حياة خاملة تماماً إلى ممارسة بعض الحركة يمثل المرحلة التي تشهد أقوى القفزات في الفوائد الصحية. ويولي البروفيسور ستاماتاكيس هذه الفئة تحديداً جل اهتمامه في معظم بحوثه.
ويقول البروفيسور ستاماتاكيس: "نستهدف الأشخاص الأقل نشاطاً، وغالباً ما يكونون من كبار السن أو من يجدون صعوبة في بلوغ عدد كبير من الخطوات اليومية. لا يحقق هؤلاء عادة الأهداف التقليدية مثل 150 دقيقة من التمارين أسبوعياً أو 7 آلاف إلى 8 آلاف خطوة يومياً. وبالنسبة إلى الملايين منهم، ربما تبدو التمارين الرياضية المنظمة (أو المخطط لها مسبقاً، مثل الذهاب إلى صالة الرياضة، أو أداء تمارين محددة وفق برنامج معين، أو المشي لمسافة معينة في أوقات محددة...)، أمراً غير واقعي أو غير محبب" (على عكس النشاط البدني العفوي أو اليومي مثل صعود الدرج أو المشي أثناء التسوق).
بناء عليه، شرع البروفيسور وزملاؤه في البحث عن تعديلات صغيرة إنما قابلة للتطبيق يمكن دمجها بسهولة في الحياة اليومية، وتمنح الناس "فوائد صحية ملموسة". وخلال هذا العام، اكتشفوا خيارين رئيسين: استبدال جولات المشي القصيرة بنزهات أطول، وزيادة شدة المشي لتصبح أكثر تأثيراً في الصحة.
وأظهرت دراسة لـجامعة "سيدني" وجامعة "يونيفرسيداد أوروبا" الإسبانية هذا العام، أن من يقطعون 8 آلاف خطوة يومياً أو أقل تنخفض لديهم أخطار أمراض القلب بمقدار الثلثين عند المواظبة على نزهات أطول تدوم 10 دقائق أو أكثر، مقارنةً بمن يحققون عدد خطواتهم اليومية عبر نزهات قصيرة ومتقطعة.ويقول البروفيسور ستاماتاكيس: "الخلاصة الأهم هنا مُحفّزة للغاية: فهناك خيارات أخرى لتحسين الصحة غير الزيادة الكبيرة في مقدار النشاط البدني".ويضيف: "تشير دراستنا إلى أن نزهة واحدة أو اثنتين يومياً بوتيرة مريحة وثابتة، ولمدة تتراوح بين 10 و15 دقيقة، قد تقلل بشكل ملموس من أخطار الإصابة بأمراض القلب. وبالنسبة إلى كثر من كبار السن أو البالغين الأقل نشاطاً، يظل هذا الهدف أكثر واقعية وسهولة من محاولة إضافة آلاف الخطوات أو الشروع في تمارين منظمة".
"لا يعني كلامنا أن جولات المشي القصيرة لا تقدم فوائد صحية، ذلك أنها تسهم بالتأكيد في تعزيز الصحة. ومع ذلك، إذا اقتصر النشاط اليومي في الغالب على فترات مشي خفيفة إلى متوسطة الشدة لدقيقتين أو ثلاث دقائق، فإن تحويل جزء منها إلى فترات أطول قليلاً من شأنه أن يحقق فوائد صحية ملموسة"، يتابع البروفيسور ستاماتاكيس.
ووفق البروفيسور ستاماتاكيس، "يشكل المشي السريع والمتواصل إلى المتجر، أو حول الحي، أو أثناء مكالمة هاتفية، بداية ممتازة. والمغزى هنا تعديل أنماط الحركة اليومية، وليس السعي إلى الكمال".
وكشفت دراسة ثانية نشرها البروفيسور ستاماتاكيس وزملاؤه هذا العام أيضاً، عن فوائد ما يعرف بـ"النشاط البدني الحياتي المتقطع العالي الشدة" (اختصاراً VILPA)، أي النشاط اليومي الذي تتخلله فترات قصيرة من حركة مكثفة [مثل صعود الدرج بسرعة أو المشي السريع بين المواصلات، من دون الحاجة إلى التمارين المنظمة التقليدية].
والنشاط العالي الشدة يجعلك تلهث إلى درجة تعجز معها عن التحدث بجمل كاملة، فيما يشير النشاط الحياتي إلى الحركة التي تؤديها بصورة طبيعية كجزء من الروتين اليومي. وعند الجمع بين المفهومين، تندرج أنشطة مثل صعود الدرج، أو حمل أكياس تسوق ثقيلة، أو حتى بعض الأعمال المنزلية المجهدة ضمن هذا النوع من النشاط البدني.
وخلص البحث إلى أن الأشخاص الذين لا يمارسون التمارين الرياضية، ولكن ينجزون يومياً ما بين خمس إلى 10 فترات قصيرة من النشاط العالي الشدة، تستمر كل منها نحو دقيقة واحدة، تنخفض لديهم أخطار الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، وكذلك معدلات الوفيات، بنسبة تراوح ما بين 30 و50 في المئة.
ويقول البروفيسور ستاماتاكيس: "قد تشمل الخطة اليومية المستدامة للنشاط البدني لدى الأشخاص الذين لا يحققون عدداً كبيراً من الخطوات، نزهة واحدة أو اثنتين أطول، بوتيرة مريحة، ولكن ثابتة، تتخللهما ثلاث إلى أربع دفعات قصيرة من "النشاط البدني الحياتي المتقطع العالي الشدة"، أي فترات من المشي السريع جداً تستمر كل منها بين 30 و60 ثانية. وإذا سنحت الفرصة، يمكن أن تتضمن هذه الدفعات أيضاً صعود الدرج أو المشي صعوداً".
وبحسب هذا السيناريو، كما يقول البروفيسور ستاماتاكيس، "يمكن جمع ما بين 15 و30 دقيقة من المشي يومياً، وفق نمط يرجح أن يكون الأكثر فائدة للصحة. ويشمل ذلك ما بين ثلاث وثماني دقائق من النشاط العالي الشدة الذي نعلم أنه قادر على إحداث فارق إيجابي كبير في صحة القلب".
وبغية تحقيق فوائد طويلة الأمد، تبقى الاستمرارية شرطاً أساساً لنجاح هذه الخطة. لذا، ينبغي التزامها في البداية ثلاثة إلى أربعة أيام في الأسبوع، قبل تطويرها تدريجاً لتتحول مع الوقت إلى عادة يومية.

هدف هذه الخطة
ومع ذلك، ينبغي أن يظل الهدف النهائي رفع مستويات النشاط البدني العامة بما يتوافق مع إرشادات "منظمة الصحة العالمية" WHO و"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" البريطانية للبالغين الذين تراوح أعمارهم ما بين 19 و64 سنة، والتي توصي بـ"ممارسة 150 دقيقة في أقل تقدير من النشاط البدني المتوسط الشدة أسبوعياً، أو 75 دقيقة من النشاط العالي الشدة، أو مزيج مكافئ من الاثنين". وفي معظم الحالات، يظل إدخال التمارين الرياضية المنظمة الطريق الأكثر مباشرة وفاعلية لتحسين الصحة واللياقة البدنية.ولكن مع ذلك، صممت هذه الخطة خصيصاً لمن لا يمارسون التمارين الرياضية، ولا يقومون حالياً بما يكفي من النشاط البدني، أي الذين يقطعون أقل من 8 آلاف خطوة يومياً، وفق تعريف البروفيسور ستاماتاكيس.
مثلاً، لو أن رياضياً محترفاً أو متمرناً شغوفاً أضاف إلى نشاطه اليومي جولتين من المشي مدة كل منهما 15 دقيقة، سيكون الأثر في صحة قلبه ضئيلاً، نظراً إلى أنه يملك أصلاً أساساً متيناً من اللياقة البدنية. أما بالنسبة إلى من يجدون صعوبة في إدراج الحركة المنتظمة ضمن روتينهم اليومي، فتمثل هذه الخطة خطوة كبيرة نحو تحسين صحتهم.
عموماً، يهدف بحث البروفيسور ستاماتاكيس إلى توسيع الخيارات المتاحة أمام "80 إلى 85 في المئة من السكان، وغالباً ما يكونون من متوسطي العمر وكبار السن الذين لا يميلون إلى ممارسة التمارين المنظمة بانتظام"، وفق كلامه.
ويضيف زميله والباحث المشارك في الدراسة، الدكتور ماثيو أحمدي أن الغاية ليست إيجاد الحل الأمثل للياقة. فإذا أردت الوصول إلى مستوى كامل من اللياقة، فتبقى التمارين المنظمة الطريق الأفضل بلا شك، ولكنها تأتي مع التزامات كبيرة. تحتاج إلى الوقت، والدافع، والمهارات لمعرفة كيفية ممارستها، وأحياناً إلى إنفاق المال على اشتراكات النوادي والمعدات، بل حتى التنقل، إذ لا يعيش الجميع قرب حديقة".تطول قائمة الأسباب التي تحمل معظم الناس على عدم ممارسة الرياضة بانتظام، أو الإعراض عنها تماماً. إنها الفئة التي يركز عليها بحثنا، وهؤلاء هم من نسعى إلى مساعدتهم لأنهم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة وتراجع جودة الحياة"، يختم الدكتور أحمدي.