فيدرالية دولة إثيوبيا تترنح:
المعارك في تيغراي: شبح حرب الانفصال يترسّخ...!
- قادة تيغراي والسكان على قناعة باستحالة التعايش بسلام في إثيوبيا بعد ما حدث خلال هذا الصراع
- هل أصبح انفجار هذا الاتحاد على نموذج الاتحاد اليوغوسلافي حتميا؟
- إعلان شن هجمات جديدة من قبل قوات تيغراي يشهد على المأزق الجيوسياسي الحالي
- يعزز هذا العنف الشديد الرغبة في الانفصال لدى جزء كبير من السكان
منذ عدة أسابيع، مكّن الهجوم المضاد الذي قادته قوات دفاع تيغراي من استعادة السيطرة على جزء كبير من المنطقة. يوم الثلاثاء 13 يوليو، أعلن المتحدث باسمهم قيتاشوا ريدا لوكالة فرانس برس، الاستيلاء على بلدة ألاماتا. وقال “بدأنا أمس هجوما في منطقة رايا (جنوب تيغراي) وتمكنا من الحاق الهزيمة بفرق قوات الدفاع الاتحادية وقوات أمهرة”. في الغد، وعد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بـ “صد هجمات الأعداء الداخليين والخارجيين”، في بيان نُشر على تويتر.
وقبل أسبوعين، أثار استيلاء قوات التيغراي على ميكيلي، عاصمة تيغراي، بعض الآمال الضئيلة. وفي موقف ضعيف، أعلنت حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وقف إطلاق النار تحت غطاء الحماية الإنسانية.
في الواقع، استمرت أعمال عنف متفرقة في جميع أنحاء هذه المنطقة في أقصى شمال إثيوبيا. ولا يزال قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على تصميمهم لاستعادة السيادة الكاملة في المناطق التي تسيطر عليها القوات الموالية وحلفاؤها.
و”كان الضعف الرئيسي في وقف إطلاق النار، هو أن مواصلة قوات دفاع تيغراي القتال حتى تستعيد السيطرة على تيغراي بالكامل، يظل واردا. وهذا يعني بشكل أساسي أنهم سيدفعون نحو جنوب هذه المنطقة وغربها، يقول المتخصص في إثيوبيا ويليام دافيسون، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية.
المدنيون في قلب العنف
المدنيون هم أول من يعاني من الوضع الذي لا يمكن السيطرة عليه على الأرض. فبالإضافة إلى هجمات المتمردين، اندلع القتال بالقرب من مخيم ماي عيني للاجئين. وبعد ثمانية أشهر من الأزمة، أعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من 400 ألف شخص سيعانون من المجاعة في المنطقة. وفي هذا السياق، يجد المجتمع الدولي صعوبة لإيجاد حلول قابلة للتطبيق.
وإثر إعلان جبهة تحرير شعب التيغراي، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى انسحاب القوات الإريترية من تيغراي. وبعد ان نفت أديس أبابا وجودها في بداية الأعمال العدائية، اعترفت أخيرًا بوجود قواتها في تيغراي في مارس. وتشتبه المنظمات غير الحكومية والمراقبون، في ان هذه الوحدات الأجنبية المرتبطة بميليشيات الأمهرة من الجنوب، ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويعزز هذا العنف الشديد الرغبة في الانفصال لدى جزء كبير من السكان. “هناك بالتأكيد خطر أن تؤدي الحرب الأهلية في تيغراي إلى حرب انفصال. ان قادة تيغراي والسكان، على قناعة بأنهم لا يستطيعون التعايش بسلام في إثيوبيا بعد ما حدث خلال هذا الصراع”، يحلل ويليام دافيسون.
شرخ بين الأعراق
في القرن الأفريقي، الذي هو فريسة عدم الاستقرار منذ عدة عقود، كانت إثيوبيا معجزة. فبين الديكتاتورية الإريترية، والفوضى في الصومال، والحرب الأهلية السودانية، والحرب الأهلية في اليمن، كان النظام الإثيوبي يمثل رمزًا للتوازن.
ومع أكثر من 110 مليون نسمة، فسيفساء عرقية محاطة بفسيفساء لغوية ودينية، كان التحدي هائلاً. وكان الدستور الفيدرالي، الذي تم تبنيه ديسمبر 1994، قد ولد في الأخير دولة إثنية -لغوية. هذا، بالإضافة إلى انه نصّ على إمكانية انفصال ولاية، ويؤكد في ديباجته مبدأ: “نحن أمم وقوميات وشعوب إثيوبيا».
ولكن، منذ بضع سنوات، تعطلت هذه الآلة رغم الصيانة. من 1991 إلى 2018، قادت جبهة تحرير شعب التيغراي الائتلاف الحاكم في أديس أبابا. وفرضت مجموعة الأورومو العرقية ذات الأغلبية نفسها بشكل متزايد في ممارسة السلطة. الأمهرة، الذين يمثلون ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد، تحالفوا مع الحكومة المركزية ضد جبهة تحرير شعب التيغراي.
ومنذ وصول أبي أحمد إلى السلطة، تراجع تيغراي إلى مناطقهم، وأصبح الوضع السياسي متوتراً تدريجياً. ان رغبة الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2019 في تكريس المركزية، كان من نتائجها تقوية مواقف الحكم الذاتي لـ جبهة تحرير شعب التيغراي. وظهرت الاتجاهات الانفصالية بالكامل قبل ثمانية أشهر بعد تأجيل الانتخابات التشريعية. وتشكلت تبعا لذلك تحالفات عرقية.
اليوم، يجعل الشرخ العرقي -اللغوي والعنف المرتكب أثناء النزاع، العودة إلى الوضع القائم قبل هذا الصراع الأخير في تيغراي شبه مستحيل.
فهل أصبح انفجار هذا الاتحاد على نموذج الاتحاد اليوغوسلافي، حتميا؟ بالنسبة إلى ويليام دافيسون، “من الضروري إيجاد حل وسط بشأن الماضي والارث الإمبراطوري لإثيوبيا، وحل وسط بشأن النظام الفيدرالي متعدد الجنسيات”. ويخلص المحلل إلى أن “محاولة تبديد هذه الاختلافات السياسية باستعمال العنف، قد تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب وزعزعة الاستقرار كما نرى الآن».
--------------------------
- هل أصبح انفجار هذا الاتحاد على نموذج الاتحاد اليوغوسلافي حتميا؟
- إعلان شن هجمات جديدة من قبل قوات تيغراي يشهد على المأزق الجيوسياسي الحالي
- يعزز هذا العنف الشديد الرغبة في الانفصال لدى جزء كبير من السكان
منذ عدة أسابيع، مكّن الهجوم المضاد الذي قادته قوات دفاع تيغراي من استعادة السيطرة على جزء كبير من المنطقة. يوم الثلاثاء 13 يوليو، أعلن المتحدث باسمهم قيتاشوا ريدا لوكالة فرانس برس، الاستيلاء على بلدة ألاماتا. وقال “بدأنا أمس هجوما في منطقة رايا (جنوب تيغراي) وتمكنا من الحاق الهزيمة بفرق قوات الدفاع الاتحادية وقوات أمهرة”. في الغد، وعد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بـ “صد هجمات الأعداء الداخليين والخارجيين”، في بيان نُشر على تويتر.
وقبل أسبوعين، أثار استيلاء قوات التيغراي على ميكيلي، عاصمة تيغراي، بعض الآمال الضئيلة. وفي موقف ضعيف، أعلنت حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وقف إطلاق النار تحت غطاء الحماية الإنسانية.
في الواقع، استمرت أعمال عنف متفرقة في جميع أنحاء هذه المنطقة في أقصى شمال إثيوبيا. ولا يزال قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على تصميمهم لاستعادة السيادة الكاملة في المناطق التي تسيطر عليها القوات الموالية وحلفاؤها.
و”كان الضعف الرئيسي في وقف إطلاق النار، هو أن مواصلة قوات دفاع تيغراي القتال حتى تستعيد السيطرة على تيغراي بالكامل، يظل واردا. وهذا يعني بشكل أساسي أنهم سيدفعون نحو جنوب هذه المنطقة وغربها، يقول المتخصص في إثيوبيا ويليام دافيسون، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية.
المدنيون في قلب العنف
المدنيون هم أول من يعاني من الوضع الذي لا يمكن السيطرة عليه على الأرض. فبالإضافة إلى هجمات المتمردين، اندلع القتال بالقرب من مخيم ماي عيني للاجئين. وبعد ثمانية أشهر من الأزمة، أعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من 400 ألف شخص سيعانون من المجاعة في المنطقة. وفي هذا السياق، يجد المجتمع الدولي صعوبة لإيجاد حلول قابلة للتطبيق.
وإثر إعلان جبهة تحرير شعب التيغراي، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا يدعو إلى انسحاب القوات الإريترية من تيغراي. وبعد ان نفت أديس أبابا وجودها في بداية الأعمال العدائية، اعترفت أخيرًا بوجود قواتها في تيغراي في مارس. وتشتبه المنظمات غير الحكومية والمراقبون، في ان هذه الوحدات الأجنبية المرتبطة بميليشيات الأمهرة من الجنوب، ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويعزز هذا العنف الشديد الرغبة في الانفصال لدى جزء كبير من السكان. “هناك بالتأكيد خطر أن تؤدي الحرب الأهلية في تيغراي إلى حرب انفصال. ان قادة تيغراي والسكان، على قناعة بأنهم لا يستطيعون التعايش بسلام في إثيوبيا بعد ما حدث خلال هذا الصراع”، يحلل ويليام دافيسون.
شرخ بين الأعراق
في القرن الأفريقي، الذي هو فريسة عدم الاستقرار منذ عدة عقود، كانت إثيوبيا معجزة. فبين الديكتاتورية الإريترية، والفوضى في الصومال، والحرب الأهلية السودانية، والحرب الأهلية في اليمن، كان النظام الإثيوبي يمثل رمزًا للتوازن.
ومع أكثر من 110 مليون نسمة، فسيفساء عرقية محاطة بفسيفساء لغوية ودينية، كان التحدي هائلاً. وكان الدستور الفيدرالي، الذي تم تبنيه ديسمبر 1994، قد ولد في الأخير دولة إثنية -لغوية. هذا، بالإضافة إلى انه نصّ على إمكانية انفصال ولاية، ويؤكد في ديباجته مبدأ: “نحن أمم وقوميات وشعوب إثيوبيا».
ولكن، منذ بضع سنوات، تعطلت هذه الآلة رغم الصيانة. من 1991 إلى 2018، قادت جبهة تحرير شعب التيغراي الائتلاف الحاكم في أديس أبابا. وفرضت مجموعة الأورومو العرقية ذات الأغلبية نفسها بشكل متزايد في ممارسة السلطة. الأمهرة، الذين يمثلون ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد، تحالفوا مع الحكومة المركزية ضد جبهة تحرير شعب التيغراي.
ومنذ وصول أبي أحمد إلى السلطة، تراجع تيغراي إلى مناطقهم، وأصبح الوضع السياسي متوتراً تدريجياً. ان رغبة الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2019 في تكريس المركزية، كان من نتائجها تقوية مواقف الحكم الذاتي لـ جبهة تحرير شعب التيغراي. وظهرت الاتجاهات الانفصالية بالكامل قبل ثمانية أشهر بعد تأجيل الانتخابات التشريعية. وتشكلت تبعا لذلك تحالفات عرقية.
اليوم، يجعل الشرخ العرقي -اللغوي والعنف المرتكب أثناء النزاع، العودة إلى الوضع القائم قبل هذا الصراع الأخير في تيغراي شبه مستحيل.
فهل أصبح انفجار هذا الاتحاد على نموذج الاتحاد اليوغوسلافي، حتميا؟ بالنسبة إلى ويليام دافيسون، “من الضروري إيجاد حل وسط بشأن الماضي والارث الإمبراطوري لإثيوبيا، وحل وسط بشأن النظام الفيدرالي متعدد الجنسيات”. ويخلص المحلل إلى أن “محاولة تبديد هذه الاختلافات السياسية باستعمال العنف، قد تؤدي إلى مزيد من الاستقطاب وزعزعة الاستقرار كما نرى الآن».
--------------------------