هل يكون العام الجديد عنوانًا للعودة؟

بريطانيا تدفع فاتورة «بريكست» من جيوب مواطنيها

بريطانيا تدفع فاتورة «بريكست» من جيوب مواطنيها


أدى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في بريطانيا إلى تزايد المعارضة الشعبية الداخلية لخروجها من الاتحاد الأوروبي، وكان ضمن الصرخات الناجمة عن تبعات التضخم وأزمات الطاقة، أنين شارع بدأ يتلمس وجع الجيب ويحمّل مسؤوليته لقرارات التعالي البريطاني على عضوية الاتحاد الأوروبي.

الجنيه الإسترليني يتهاوى، والتضخم ينهش الاقتصاد، واليد العاملة تجعل من الإضراب عملها اليومي بكل شرائحها، وثلث المصوتين لمصلحة بريكست نادمون، أما خبراء الاقتصاد فأطلقوا سهام تحليلاتهم صوب الحكومة معلنين بلغة السوق والأرقام كيف أدى بريكست إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في لندن. إضافة لأرقام التضخم والانكماش والركود العالية في المملكة مقارنة بمنطقة اليورو، علت أصوات الشركات والمستثمرين الذين يسددون بشكل يومي فاتورة القطيعة مع الجاشر الأوروبي، بحسب غرفة التجارة.

وأتت بيانات العامين الماضيين لتظهر أن خروج بريطانيا من الاتحاد قلّص التجارة الخارجية بنحو 10-15 في المائة مقارنة بسيناريو عدم الخروج.
تعرية بريكست من قبل مفرزات التضخم وتداعيات الحرب الأوكرانية، دفع بملف الانسحاب ليطفو على السطح، ومعه ملامح تكويعة جديدة للندن لاستعادة العلاقات مع الكتلة الأوروبية.

أزمة مالية هي
 الأعنف منذ عقود
وقال الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد لـ “إرم نيوز”: “الوضع الاقتصادي لبريطانيا أصبح مسار اهتمام جميع مراكز الأبحاث، لأنه يمر في أزمة مالية هي الأسوأ منذ عقود، وتجاوزت تبعاتها أزمة عام 2008، مع تسجيل معدل إفلاس الشركات في بريطانيا نحو 5000 شركة والتوقعات بوصوله إلى 7000 في الأشهر القليلة المقبلة».
وأضاف “وصل الوضع إلى هذا السوء بسبب التخبط الذي تعيشه الحكومات البريطانية الأخيرة، فهل يعقل أن يبدل وزير الخزانة البريطاني 4 مرات خلال النصف الثاني من عام  2022!؟».
وبحسب علي محمد، أدى هذا الواقع إلى “مناخ استثماري يشوبه الكثير من التساؤلات والقلق ومزاج سوقي متشائم يستلهم خيباته من تقارير مراكز الأبحاث والإحصائيات التي توقعت أن حالة الركود قد تستمر إلى نهاية 2024».
الاتحاد الأوروبي يطالب بأن تسدد لندن نحو 47 مليار جنيه إسترليني؛ ما يشكل عامل قلق يؤثر على السوق البريطاني، ويؤدي بدوره إلى هذا التخبط في القرارات الاقتصادية والتعيينات»

بريكست.. تحت المساءلة!
كشف استطلاع أجرته شركة YouGov أن 56٪ من الناس يعتقدون أن بريطانيا كانت مخطئة في مغادرة الاتحاد الأوروبي وأن 32% فقط يعتقدون أنها كانت على حق، لكن 19% من هؤلاء الموافقين على الخروج يعتقدون اليوم أنهم مخطئون بحسب ما قالته الشركة.
وعن تأثيرات الانسحاب البريطاني من الاتحاد، قال محمد “بالتأكيد له التأثير الأكبر، والسبب هو بعض المفاصل الاقتصادية التي مازالت عالقة دون اتفاق حتى الآن بين بريطانيا والاتحاد، والتي تمس بشكل جوهري الاقتصاد والأسواق».
وتابع محمد “مسألة الوحدة الجمركية هي أحد أبرز الأمور المؤثرة، وهي اتفاقية تقضي بفرض رسوم جمركية متساوية على أي سلعة تستورد من دولة داخل الاتحاد إلى دولة أوروبية أخرى، وبعد خروج بريطانيا، ظلت هذه المسألة عالقة ولها آثارها على الشركات والأعمال بشكل ينعكس سلبًا على الاقتصاد ككل».
وأضاف الخبير الاقتصادي “الاتحاد الأوروبي يطالب إلى الآن بموجب مسودة الاتفاق بأن تسدد لندن المبالغ الملزمة فيها عندما كانت عضوًا في الاتحاد الأوروبي».
وتابع “بعد سلسلة من المقايضات لا يزال المبلغ كبير جدًّا، ووصل في آخر جولة مفاوضات إلى نحو 47 مليار جنيه إسترليني؛ ما يشكل عامل قلق يؤثر على السوق البريطاني، ويؤدي بدوره إلى هذا التخبط في القرارات الاقتصادية والتعيينات». وأكد بحث  أجرته صحيفة CityAM حول تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أن 64% من الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة تأثرت سلبيًّا بالانسحاب، وأن 19% فكروا في إغلاق أعمالهم، و20% لا يعتقدون أن أعمالهم ستنجو من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

بريكست يفاقم
أزمة القطاع الصحي
«بريكست زاد أسعار المواد الغذائية بنسبة 6% عامي 2020 و2021، والشركات في بريطانيا أصبحت تتعامل مع تعقيدات الأعمال التجارية لـ 26 دولة منفردة بعدما كانت تتعامل مع دولة واحدة»
هنري ماثيو - جامعة بورنموث
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة بورنموث البريطانية هنري ماثيو لـ “إرم نيوز”: “لا شك أن ما يحصل اليوم هو حصيلة سنوات الوباء والحرب في أوكرانيا بالدرجة الأولى، لكن عند النظر إلى الآثار في دولتنا والآثار في الجارة الأوروبية، نتأكد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أضرّ كثيرًا بالاقتصاد البريطاني».
وأضاف ماثيو “خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي زاد أسعار المواد الغذائية بنسبة 6% خلال عامي 2020 و 2021، أي قبل حدوث الحرب الأوكرانية وقبل بدء تسونامي التضخم، كما إن الشركات في بريطانيا أصبحت تتعامل مع تعقيدات الأعمال التجارية لـ 26 دولة فردية بعد أن كانت تتعامل مع دولة واحدة».
وبرأي ماثيو، فإن أحد الأهداف الأساسية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان تأمين الاستقلال لبريطانيا سياسيًّا وماليًّا، إلا أن الواقع بعد مرور عام لا يعكس بالكامل هذا الهدف.
وتابع “لا يعكس الواقع الحالي أي استقرار مالي ولا حتى سياسي، كل ما نراه هو الغوغائية في القرارات، والميزانيات الفاشلة التي تطرح بين الحين والآخر، إضافة للانخفاض الكبير والمستمر في العلاقات التجارية بين المصدّرين في المملكة المتحدة والمستوردين من الاتحاد الأوروبي».
وبحسب استطلاع على مستوى الدولة أجرته شركة One World Express، قال 73% من المشاركين إن أعمالهم لم تشهد أي فائدة من مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي.

الأسواق المفتوحة..
 المتضرر الأكبر
بالنسبة للشركات والتجار الذين لا تدخل المعاملات التجارية الخارجية في صلب أعمالهم، وبالتالي لا يتعاملون بشكل مباشر مع الاتحاد الأوروبي، لم يشكل الانسحاب مشكلة كبيرة لهم كما أثر في الشركات التي تقوم بأعمال تجارية مع الكتلة الأوروبية.
وقال مدير قسم المعاملات في شركة فيلكروم ألتيدي البريطانية للاستيراد وولف بالتر لـ “إرم نيوز”: “خرجنا بشكل فعلي من الاتحاد الأوروبي منذ عامين، وما زلنا نعاني آثار هذه الخطوة إلى الآن، فهذا الإجراء لم يحملنا كاقتصاديين سوى المزيد من الأعباء المالية والتكاليف الإضافية».
وأضاف بالتر “رغم حل مشكلة التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي بشكل جزئي، ما زلنا نتكبد عناء المعاملات المعقدة على المعابر الحدودية والناجمة عن عدم استقرار المعاملات التجارية بيننا وبين شركات منطقة اليورو».
وتابع “ما زالت إلى الآن الشركات الصغيرة تكافح لإيجاد طرق لتوفير المال والتكيف مع المشهد الجديد، وشركتنا تواجه صعوبات عند محاولة تأمين تأشيرات عمل للموظفين المقيمين في الاتحاد الأوروبي، كما نواجه اضطرابًا في سلسلة التوريد».
وبحسب بالتر أصبحت إجراءات التوريد بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا صعبة للغاية وتتطلب المزيد من الأعمال الورقية والضرائب لنقل الإمدادات؛ ما أدى لزيادة وقت المعالجة وتكاليف الشحنات، إضافة لغياب امتيازات الوحدة الجمركية بشكل فعلي.
ماذا لو أعيد الاستفتاء اليوم..!؟ هل سيصوت البريطانيون لصالح العودة إلى الحضن الأوروبي..!؟
كشف استطلاع أجراه مركز Savanta ComRes أن 30% ممن صوتوا لمصلحة الخروج يظنون اليوم أن على بريطانيا إقامة علاقات أوثق مع بروكسل، بينما يريد 13% فقط أن تكون البلاد أكثر بعدًا.
وبحسب الخبير في استطلاعات الرأي العام جون كيرتيس، فإن 57% من البريطانيين سيصوتون إذا ما أجري استفتاء اليوم لمصلحة انضمام بلادهم إلى الكتلة الأوروبية، في مقابل 43% للبقاء خارج الاتحاد.
وقال الباحث والخبير الاقتصادي علي محمد “لم يبحث هذا الموضوع دوليًّا حتى الآن، لكن المزاج العام يشير إلى ذلك، لا سيما أن نسبة 52% التي وافقت على الانسحاب عام 2016 مقابل 48% ليست بنسبة كبيرة والقبول بالانسحاب من الأساس كان خجولًا».
وأضاف محمد “كل ما تشهده الساحة البريطانية من أحداث وتبعات للحرب الأوكرانية والتضخم، قد يعبد الطريق إلى العودة لتلافي مشكلات جوهرية، مثل: الوحدة الجمركية، ومسألة تسديد المبالغ الكبيرة التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي».
أما أستاذ الاقتصاد في جامعة بورنموث البريطانية هنري ماثيو فيأمل أن يكون عام 2023 سنة العودة البريطانية إلى الاتحاد ويظن أنه قرار آت لا محالة.
وقال ماثيو “منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عانى النمو في المملكة وتفاقم العجز التجاري وأصبحت مالية القطاع العام في حالة يرثى لها والاقتصاد يطالب باستثمارات إقليمية جديدة جفت من الاتحاد الأوروبي، والجميع يستشعر تحركات حزب المحافظين اليوم إلى استعادة العلاقات مع الاتحاد، لذلك أرى أن العودة قريبة».