بسبب التهديدات الروسية –الصينية : اليابان تدخل سباق التسلح

بسبب التهديدات الروسية –الصينية : اليابان تدخل سباق التسلح


لم تقتصر التداعيات  الكبرى للحرب الروسية الأوكرانية على البلدان الاوروبية  و لا على البلدان النامية  ،التي تتزود بالطاقة و بالمواد التموينية من خارج حدودها، بل إن هذا التداعيات مست بلدانا تتصدر المراكز الاولي في الازدهار الاقتصادي مثل الهند و الصين و اليابان .
و اذا ما كان المعنيون بالشأن الدولي يتابعون منذ سنوات عديدة زحف الصين الى القارة الإفريقية و يرصدون تحركاتها من اجل اتخاذ موقف جديد من قضية تايوان فان الانعطاف السريع لليابان عن عقيدتها الدفاعية شكل حدثا لافتا جعل العديد من الباحثين في العلوم السياسية و المختصين في الدراسات الامنية مثل الكندي لويك هاسي أو الامريكي دافيد اغناتيوس يتساءلون عن اسباب هذا الانقلاب في السياسة العسكرية اليابانية  و يخوضون في تفاصيلها .

انقلاب في
 العقيدة العسكرية
الحديث عن انقلاب في العقيدة العسكرية اليابانية يتطلب العودة الى ما فرضته، إثر نهاية الحرب العالمية الثانية ،  الولايات المتحدة و الحلفاء المنتصرون على اليابان في هذه الحرب من قيود من اجل تجريدها من جيشها و تعويضه بمجرد قوات امنية، و ذلك بمقتضى أحكام دستورية صارمة .و لقد جاء هذا الامر واضحا في الفصل التاسع من الدستور الياباني وتم تعليل ذلك، كما كان الشأن أيضا بالنسبة لألمانيا ، بالجرائم الفظيعة التي ارتكبتها اليابان اثناء الحرب العالمية الثانية، التي تراوحت بين عمليات الابادة الجماعية و اقامة معسكرات اعتقال ممتدة للتعذيب الوحشي شبيهة بمعسكرات الاعتقال النازية و اجراء تجارب بيولوجية على الالاف من سكان الدول التي طالها التوسع الياباني الى جانب عمليات اغتصاب للنساء الخ ...إلا أن تولي الشيوعيون مقاليد الحكم في الصين و اندلاع الحرب الكورية قد مكًنأ اليابان ،بموافقة من الولايات المتحدة، أن تعيد جزءا من جيشها و أن تلتف على هذا الفصل من الدستور بإنشاء مزيد من القوات العسكرية تحت عنوان “قوى الدفاع الخاص لليابان “ و في سنة 2015 اعادت تسمية جيشها ليصبح “ قوات الدفاع الذاتي اليابانية «

تهديدات
اليوم وأكثر من أي وقت مضى تشعر اليابان بالخطر يهدد امنها و تريد التسلح بسرعة معتمدة على قدراتها الذاتية من تكنولوجيات متطورة و كفاءات علمية كبيرة و مواد أولية نادرة في صنع اسلحة و قنابل نووية و لكن بالاعتماد  أيضا على حلفائها ككندا و بريطانيا و الولايات المتحدة لتزويدها بصواريخ و غير ذلك من الاسلحة المتطورة .
ترغب االيابان في تنويع مزوديها و تأتي زيارة رئيس الوزراء الياباني منذ ايام الى كندا في هذا الاطار ،  و تستطيع كندا ان توفر لليابان الغاز الطبيعي المسيل و بعض المعادن الاسترأتيجية فضلا عن المواد الفلاحية ،كما اجرىت اليابان خلال الاسبوع الماضي تفاهمات عسكرية مع المملكة البريطانية و ستوسع الولايات المتحدة المعاهدة المشتركة بين واشنطن و طوكيو طويلة المدى لتغطية الهجمات و التهديدات المباشرة و غير المباشرة على اليابان . في نهاية هذه الزيارة لم يخفي رئيس الوزراء قلق بلده البالغ من المناورات العسكرية التي تجريها الصين و كوريا الشمالية و كذلك روسيا في المحيطين الهندي و الهادي مُعلنا ان حكومته قررت مضاعفة موازنتها العسكرية لتبلغ 2 في المائة من اجمالي الناتج المحلي مبررا ذلك بضرورة مواجهة “ التحدي غير المسبوق الصين في المحيطين الهادي و الهندي فضلا عن الأخطار المحتملة التي تشكلها روسيا و كوريا الجنوبية « .

يشير رئيس الوزراء الياباني هنا الى العديد من المناورات العسكرية التي اجريت خلال الاشهر الاخيرة ، و التي تكثفت منذ اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية الى  أكثر من 32 تجربة اجرتها كوريا الشمالية على انواع مختلفة من الصواريخ القصيرة و البعيدة المدى و الى استئناف الصين مناوراتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية ، بعد توقف حوالي سنتين بسبب تفشي داء الكوليرا ، و الى تهديداتها المتواصلة بضم تايوان و بالسيطرة على المناطق البحرية شرق و جنوب الصين .و كذلك جددت الصين و روسيا مناورتهما العسكرية ، اواخر نوفمبر الماضي ، فوق بحر اليابان . هذه المخاوف الأمنية دفعت اليابان  ، كما اسلفنا ، الى التخلي عن التزامها السابق بعدم مضاعفة قواتها العسكرية و عدم التسلح  و هو ما ابرزته الوثائق الثلاث التي اصدرتها منذ أشهر و هي استراتيجية الأمن القومي و استراتيجية الدفاع الوطنية و استراتيجية بناء قوات الدفاع التي  أنهت  بالنسبة لها نظامَ ما بعد الحرب العالمية الثانية ،الذي كان يُلزمها بالتقيد باملاءات الولايات المتحدة و بقية الحلفاء، في التخلي عن اي طموح عسكري و ادخلتها في مرحلة الحرب المضادة ،درءا للمخاطر التي تتهددها، من خلال اقتناء صواريخ بعيدة المدى من مزوديها و بالحصول على صواريخ توماهوك الامريكية الصنع  التي تمنح اليابان القدرة على ضرب اهداف عسكرية في عمق آسيا ،كما تمكنها من حماية أصولها الفضائية الدفاعية التي تشتمل خاصة على قنابل موجهة بالأقمار الصناعية .

مخاوف
يُثير هذا الانعطاف في العقيدة العسكرية اليابانية و سباقها الجديد نحو التسلح مخاوف عديدة لدي دول المنطقة اذ يُحي في الذاكرة الجماعية ما اقترفه الجيش الياباني من عمليات ابادة و اغتصاب لعشرات الالاف من مواطني و مواطنات البلدان التي طالها الغزو الياباني ، فضلا عن معسكرات التعذيب الشبيهة بمعسكرات الاعتقال النازية . كما ان روسيا و الصين لا تنظران بعين الرضا للدعم الذي ابدته الحكومة اليابانية نحو اوكرانيا  إذ تقدمت لها بمساعدات عسكرية و انسانية كما قامت بمساعٍ حثيثة للضغط على 8 من دول الآسيان العشر لدعم قرار الامم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي .
تحتل اليابان اليوم المرتبة الخامسة من بين اقوى 13 جيشا في العالم متخطية بذلك فرنسا، من حيث قوتها الاقتصادية و ميزانية دفاعها و بنيتها العسكرية و ميزانيتها الضخمة. ، إلا  ان هذا الموقع الجديد  ،كما يقول الباحث الكندي لويك تاسي ، بقدر ما يطمئن اليابانيين على مستقبل بلادهم فانه يضاعف امكانيات الصدام بين الدول المجاورة و ستكون اليابان في مقدمة هذه الدول المورطة في صراع قد ينفجر في اية لحظة و يضاعف من ارتباك النظام العالمي الجديد و عدم استقراره .