بلومبرغ: لا لفرض استسلام غير مشروط على بوتين

بلومبرغ: لا لفرض استسلام غير مشروط على بوتين


لفت الكاتب السياسي إيان بوروما إلى أن لا شيء يستطيع خلق الالتباس كالحرب. وأشار بداية في صحيفة “واشنطن بوست” إلى ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “الديبلوماسية تؤدي إلى السلام، والسلام مرغوب به لكل إنسان».

مع ذلك، استنكر المسؤولون الأوكرانيون بشدة اقتراحات، كان آخرها ما تقدم به وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، تطلب منهم القبول بالعودة إلى الوضع السابق وترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية. واقترح الرئيس الأوكراني على الأمريكيين الذين عارضوا دعم بلاده أن “يبدؤوا بقراءة بعض مذكرات الحرب العالمية الثانية”، بما أن أي استرضاء لبوتين سيشجعه على اجتياح المزيد من الدول الأوروبية.

كتب بوروما أن ذكريات الحرب العالمية الثانية ما زالت حية جداً فقط في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. بالنسبة إلى عدد غير قليل من البريطانيين والأمريكيين، ما يبدو حرباً عادلة في أوكرانيا يحفزهم على استعادة ذكريات أفضل الأوقات في بلادهم. كررت بعض التصريحات الأقل ديبلوماسية للرئيس الأمريكي جو بايدن وجهة النظر التي تقول إن هزيمة كاملة لبوتين هي فقط ما سيثنيه عن الشروع في المزيد من المغامرات العسكرية.
لكن ما يشكل هزيمة كاملة يظل غامضاً. في هذه الأثناء، يتم التنديد بأولئك الذين لا يزالون يحاولون إيجاد مجال للديبلوماسية باعتبارهم مسترضين جبناء. تعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسخرية بسبب محاولته التحدث مع بوتين بطريقة عقلانية، بينما انتقد المستشار الألماني أولاف شولتس لإبطائه فرض حظر شامل على استيراد النفط والغاز من روسيا.

أضاف الكاتب أن فكرة كون بوتين تجسيداً لأدولف هتلر هي مجرد صورة انعكاسية لدعاية بوتين عن أن روسيا تقاتل النازيين في أوكرانيا. هذه الحرب، بالرغم من أنها مرعبة بما فيه الكفاية، ليست الحرب العالمية الثانية. ومطالبة الحلفاء ألمانيا واليابان سنة 1945 بالاستسلام غير المشروط هو النموذج الخطأ كي يتم تطبيقه في أوكرانيا. حتى في ذلك الحين، تم الاعتراض على هذا الطلب.
أراد البريطانيون وبعض الأمريكيين منح اليابانيين شروطاً معينة طالبوا بها، مثل الاحتفاظ بإمبراطورهم – وهو الوعد الذي أمكن أن ينهي الحرب في وقت أبكر وينقذ عدداً لا يحصى من الأرواح. غالباً ما كان الديموقراطيون الصقور في هذه القضية إذ اعتقدوا أن استسلاماً يابانياً شاملاً هو وحده ما سيمكن الحلفاء من إقامة ديموقراطية في طوكيو.

عزز تحول اليابان وألمانيا الغربية إلى ديموقراطيتين وحليفتين متحمستين للولايات المتحدة قناعة بعض الأمريكيين، بعد سنوات كثيرة، بأنه يمكن تحقيق الأمر نفسه في أفغانستان والعراق وربما الآن في روسيا. لكن الظروف اليوم مختلفة جداً وفقاً للكاتب. سنة 1945، كانت القوى الحليفة على وشك إلحاق الهزيمة بأعداء مدمرين تماماً. مهما بدت قواتها المسلحة غير كفوءة، تظل روسيا بعيدة من أن تكون مدمرة. ومهما بلغت شجاعة جنودها وفاعلية الأسلحة الغربية المرسلة إليها، فإن أوكرانيا بعيدة من أن تكون مهيمنة. ليس كلا الطرفين في موقع طلب استسلام غير مشروط.

ديموقراطية بعيدة المنال
وصف بوروما الفكرة القائلة إن هزيمة الجيش الروسي في أوكرانيا ستنتج تحولاً ديموقراطياً في روسيا بأنها بعيدة المنال. وبينما يؤكد أن لا شيء مستحيلاً، يشير إلى أن الظروف في روسيا البوتينية لا تشبه ظروف ألمانيا واليابان بعد انهيارهما حتى من بعيد. احتل الحلفاء كلا البلدين سنة 1945 وساعدوا الألمان واليابانيين على استعادة المؤسسات الديموقراطية التي كانت موجودة في السابق باستثناء المناطق التي احتلها السوفيات. ما من فرصة في أن تخضع روسيا للاحتلال. ويصعب أن تصبح روسيا المعرضة للإذلال دولة ليبيرالية في وقت قريب.

موقف مشروع
إن المطالب الأوكرانية بسحب روسيا جميع قواتها من الأراضي الأوكرانية هو موقف مشروع بالكامل كي تتبناه. لكنه موقف وليس إنذاراً أخيراً. وفقاً للكاتب، يمكن ويجب أن يتم التوصل إلى تسويات عندما تبدأ المفاوضات. قد يعني ذلك أن توافق أوكرانيا على ألا تصبح عضواً في حلف شمال الأطلسي، أو أن تحتفظ روسيا ببعض السيطرة على دونباس أو القرم. واستشهد بوروما بالصحافي والمؤرخ البريطاني نيل أتشيرسون الذي أشار إلى أنه يجب عدم الخلط بين وحدة الأراضي والسيادة الوطنية. فقدت العديد من الدول أراضي بعد الحروب من دون خسارة استقلالها الوطني.

ليست بيدقاً
أكد الكاتب أن التسويات قد تكون خطرة. يمكن أن يكون زيلينسكي ضعيفاً أمام هجمات القوميين إذا تنازل عن أي أرض. لكن يعود إليه وإلى حكومته أن يقررا ما هي المخاطر التي تستحق أن يتحملاها لصالح إنهاء حرب تدمر أوكرانيا. الجدال من خلف الخطوط الجانبية بأن التنازلات غير مقبولة وأن كل ما لا يرقى إلى إسقاط بوتين سيكون هزيمة للديموقراطية هو أمر غير مساعد. أوكرانيا ليس بيدقاً في حرب عالمية بين الخير والشر.
يشدد بوروما في الختام على أن مساعدة أوكرانيا في قتال غزو وحشي هو أساسي، وأن إعطاء الأوكرانيين الوسائل لفعل ذلك هو مشروع صحيح. يجب
لفت الكاتب السياسي إيان بوروما إلى أن لا شيء يستطيع خلق الالتباس كالحرب. وأشار بداية في شبكة “بلومبرغ” إلى ما قاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: “الديبلوماسية تؤدي إلى السلام، والسلام مرغوب به لكل إنسان»..