من سلام بعيد الاحتمال إلى حرب مع بكين
تايوان: السيناريوهات المرجحّة في واقع متفجّر...!
- في غضون 5 سنوات، يمكن للصين أن تشن حربًا، وربما تكسبها
- بدون دعم خارجي، قد لا تمتلك تايوان القدرة على الدفاع عن نفسها ضد هجوم صيني
- إنفاق الصين العسكري سيكون أكبر بحوالي 22 مرة من إنفاق تايوان
- من الصعب جدًا على اليابان البقاء بعيدًا عن الصراع
- تعارض كوريا الجنوبية استخدام قواعد الأمريكان في كوريا لدعم عملية عسكرية في مضيق تايوان
- لا تسيطر بكين على الممرات البحرية الرئيسية، والتي تخضع جميعها لسيطرة الولايات المتحدة أو حلفائها
بعد عدة أيام من التوتر الشديد بين تايوان وبكين، يبدو أن شبح الحرب يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى... عرض لأربعة تطورات محتملة في الوضع. «مدينة تايبيه الجديدة ضربتها صواريخ موجهة من الجيش الشيوعي”، “انفجرت سفن ولحقت أضرار بالمنشآت والبواخر في ميناء تايبيه”... هذه التنبيهات، التي تم بثها على شريط اخبار قناة سي تي اس التلفزيونية في 22 أبريل، تسببت في حالة من الهلع والذعر ... لبضع دقائق. سرعان ما اعتذرت وسيلة الاعلام لكونها أخطأت في تمرير هذه الرسائل الوقائية من الحرب، والجاهزة للبث في صورة ما اندلع الحريق حقا. وهذا يعني الى اي مدى يلقي الخوف من غزو صيني بظلاله على هذه الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، والتي تعتبرها بكين إحدى مقاطعاتها. بلغ القلق بشأن نزاع مسلح ذروته في الأيام الأخيرة، اي منذ زيارة نانسي بيلوسي، الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب في الولايات المتحدة، والشخصية الثالثة في الدولة، إلى تايبيه، في الرابع من أغسطس.
لقد رد الجيش الصيني على الفور، وأجرى سلسلة غير مسبوقة من التدريبات الجوية والبحرية العسكرية لعدة أيام حول الجزيرة. من جانبها تتهم تايوان بكين بالتحضير “لغزو”. سيناريو يقلق البيت الأبيض، خاصة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تعهد نهاية مايو بالدفاع العسكري عن الجزيرة في حال وقوع هجوم.
حصار أم حرب مفتوحة أم الإبقاء على الوضع الراهن أم سلام هش ... تعرض لاكسبريس الفرنسية أربعة من أكثر السيناريوهات احتمالا في المستقبل.
السيناريو الأول: الحرب
نزاع مسلح بين بكين وتايبيه يسكن أذهان الجميع، وظل شبحه يحوم فوق مضيق فورموزا منذ 70 عامًا، عندما استقرت قوات الكومينتانغ القومية في الجزيرة، هربًا من تقدم الشيوعيين بزعامة ماو. في العاشر من أغسطس، نشرت بكين كتابا أبيض مخصصا لتايوان، وهو الأول منذ عام 2000، ويعدّ “ الكتاب الأكثر صرامة وحزما على الإطلاق”، حسب صحيفة هوانكيو شيباو في بكين. وتذكّر الصين في هذا الكتاب بأن “استخدام القوة” غير مستبعد، مع ضمان أن تظل “الملاذ الأخير في حالة ظروف قهرية”. ويمكن أن نقرأ أيضا “سنضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة في مواجهة استفزازات الانفصاليين أو القوى الخارجية، إذا تجاوزوا خطوطنا الحمراء».
«أنا لست متفائلًا: نحن نتجه نحو المزيد من الأزمات وربما الحرب بحلول نهاية الثلاثينات من القرن الحالي، يخشى جان بيير كابستان، الباحث في المركز القومي للبحث العلمي والأستاذ المميز للعلوم السياسية في الجامعة المعمدانية في هونغ كونغ، منذ سنوات، يعمل الصينيون بشكل أكثر عدوانية في مضيق تايوان، الذي يعتبرونه مياهًا إقليمية للصين، ونحن نشهد قضمًا تدريجيًا لتايوان «.
في الأشهر الأخيرة، تضاعفت وتيرة وحجم الدوريات التي تقوم بها الطائرات المقاتلة وطائرات المراقبة العسكرية الصينية بشكل فعال حول الجزيرة: كما أن سفنها الحربية ومدمراتها لم تكن أبدًا موجودة بمثل هذه الكثافة. ناهيك عن الهجمات الإلكترونية المتزايدة ضد الوكالات الحكومية في تايبيه. “عام 2020، اتهمت تايبيه أربع مجموعات صينية باختراق ما لا يقل عن عشر وكالات حكومية تايوانية وستة آلاف حساب بريد إلكتروني رسمي منذ عام 2018 في محاولة للوصول إلى البيانات الحكومية والمعلومات الشخصية، يقول مجلس العلاقات الخارجية في مذكرة حديثة، وهو مؤسسة فكرية أمريكية مقرها نيويورك.
لكن تظل هناك أسئلة: هل لدى الصين الوسائل لشن الحرب؟ هل تستطيع تايوان والولايات المتحدة المقاومة؟ “منذ 30 عامًا، تعمل الصين على تحديث وسائلها العسكرية بشكل منهجي ونوعي وكمي حتى تتمكن يومًا ما من الانتصار في هذه الحرب، يوضح أنطوان بونداز، الباحث في مؤسسة البحوث الاستراتيجية، وأحد الأهداف الرئيسية: ثني الأمريكيين عن التدخل، أو على الأقل الحد من قدرتهم على التدخل، فوفق التايوانيين، في غضون 5 سنوات، يمكن للصين أن تشن حربًا، وربما حتى تكسبها.
«بدون دعم خارجي، ربما لا تمتلك تايوان القدرة على الدفاع عن نفسها ضد هجوم صيني”، يثري مجلس العلاقات الخارجية في مذكرته. لقد رفعت تايوان بالتأكيد ميزانيتها العسكرية إلى مستوى قياسي، إلى ما يقرب من 15 مليار دولار لعام 2022 (مقارنة بـ 768 للولايات المتحدة). “لكن إنفاق الصين سيكون أكبر بحوالي 22 مرة من إنفاق تايوان”، حسب مركز الأبحاث الأمريكي.
وفي حالة اندلاع حرب مفتوحة، فإن خطر التصعيد، الذي تشارك فيه جهات أجنبية، كبير. كما إن تدخل واشنطن -وعد جو بايدن في مايو الماضي بالدفاع عن الجزيرة عسكريًا في حالة وقوع هجوم -يثير شبح صراع عالمي.
«سيكون من الصعب جدًا على اليابان البقاء بعيدًا عن الصراع، يؤكد جان بيير كابستان، مؤلف كتاب ‘غدا الصين: حرب أم سلام (منشورات غاليمارد)’، وسيتعلق الامر أساسا بدعم لوجستي للأميركيين عبر قواعدهم في أوكيناوا. لكن هذا يولّد أيضًا خطر أن تصبح اليابان هدفًا للصينيين. وفي ذات السياق، يذكر ان كوريا الجنوبية تعارض استخدام قواعدها في كوريا لدعم عملية عسكرية في مضيق تايوان، وسيتعين على الولايات المتحدة الاعتماد على اليابانيين والاستراليين اولا «.
السيناريو الثاني: الحصار
على المدى القصير، ربما يكون هذا هو سيناريو التصعيد الأكثر احتمالا، والذي تم اختباره على نطاق واسع من قبل بكين بين 4 و10 أغسطس خلال استعراض غير مسبوق للقوة. وبالنظر إلى القفزة التكنولوجية التي حققها الجيش الصيني في السنوات الأخيرة، فإنها باتت قادرة، مؤقتًا على الأقل، على عزل الجزيرة الواقعة على بعد 180 كيلومترًا شرق ساحلها.
إنها تعول على العواقب الاقتصادية الكارثية التي يمكن أن يسببها مثل هذا الاغلاق لردع تايبيه. في مطلع أغسطس، قدمت بكين بروفة، مع إجراءات انتقامية لزيارة نانسي بيلوسي. وقطعت السلطات صادرات الرمال إلى الجزيرة، وجمدت واردات الحمضيات وبعض الأسماك. والكتاب الأبيض الذي نُشر في 10 أغسطس، يثير من جانبه الى “حوافز اقتصادية” لإعادة احتلال تايوان.
«في السنوات العشر المقبلة، لا أرى انزالا للجيش الصيني في تايوان، يعتقد جان بيير كابيستان، أنا أميل أكثر نحو حصار الجزيرة، ويمكننا أن نرى بوضوح بدايات هذا مع هذه المناورات وحظر حركة المرور في مضيق تايوان. يمكن أن يكون الحصار وسيلة لخنق تايوان وإجبارها على التفاوض من أجل إعادة التوحيد. ووحده الجيش الأمريكي يملك القدرة على كسر الحصار».
ومع ذلك، فإن خيار الحصار لا يخلو من المخاطر على الرئيس الصيني شي جين بينغ. “في مثل هذا السيناريو، سيتأثر الاقتصاد الصيني بشدة، حيث إن 90 بالمائة من حركة المرور التي تحدث في المضيق هي من أو إلى الموانئ الصينية، تحدد فاليري نيكيت، الباحثة في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، ناهيك عن الحصار المضاد المحتمل الذي قد يستهدف إمدادات النفط لجمهورية الصين الشعبية التي تمر عبر مضيق ملقا. لا تسيطر بكين على الممرات البحرية الرئيسية، والتي تخضع جميعها لسيطرة الولايات المتحدة أو حلفائها».
وليس مؤكدا، في ظل هذه الظروف، من أن شي جين بينغ سيغامر بحصار طويل الأمد، على الرغم من تهديدات الزعيم الشيوعي المتكررة. “إنها تهدف قبل كل شيء إلى إضعاف معنويات الخصم، ورفع المخاطر مع تايوان والولايات المتحدة، وفرض فكرة أن أي مقاومة للأعمال الصينية غير مجدية”، توضح فاليري نيكيت.
السيناريو الثالث: العودة إلى الوضع الراهن
هذا الحل، الأكثر حكمة إلى حد بعيد، له شرط مسبق، وليس أقله: اعتراف تايوان بسياسة “الصين الواحدة” -التي حددها إجماع عام 1992. والرئيسة الحالية، تساي إنغ وين، المنتخبة عام 2016، ترفض ذلك المبدأ الذي يقرّ أن الجزيرة والصين جزء من أمة واحدة.
«إذا تأملنا في السنوات العشر أو الخمس عشرة القادمة، فإن مصلحة الولايات المتحدة ستكون بلا شك، من أجل تفادي حرب قد تصبح نووية مع الصين، هي ليّ ذراع التايوانيين حتى يقبلوا شكلاً من أشكال الاتفاق مع بكين، يشير عالم الصينيات جان بيير كابستان، اي أن يقبلوا بصيغة تجعل من الممكن الحفاظ على الديمقراطية في تايوان مع الحفاظ على الوضع الراهن مع الصين. هل هذا ممكن؟ فقط إذا تغيرت القيادة يومًا ما في بكين. ولكن اليوم، القومية الصينية متوهجة للغاية بحيث لن تتشكل صيغة مثل ‘صين واحدة، وحكومتان’ تعملان على قدم المساواة «.
ولا يزال، على ما يبدو، الدرب طويلا امام هذا. ففي الواقع، جعل الرئيس شي جين بينغ، الذي من المقرر أن يفوز بولاية ثالثة تاريخية هذا الخريف، من إعادة التوحيد مع تايوان معركته الاساسية. وطالما أنه يحتفظ بالسلطة، فإن الأفضلية ستكون بلا شك لدعاة الحرب. “مثل فلاديمير بوتين، يريد شي جين بينغ الاعتقاد بأن الصين الآن قوة عظمى قادرة على منافسة الولايات المتحدة وفرض إرادتها في منطقة نفوذها في آسيا، وعلى وجه الخصوص في تايوان، تتابع فاليري نيكيت، ومع ذلك ليس مؤكدا أن هذه الرؤية تتقاسمها القيادة بأكملها داخل الحزب الشيوعي الصيني. وربما تكون الصعوبات التي تواجهها روسيا في أوكرانيا قد هدّأت بعضًا منها».
السيناريو الرابع: “إعادة التوحيد السلمي»
رسميا، هذا هو “الخيار الأول” للحكومة الصينية. جاء في الكتاب الأبيض الأخير “نحن على استعداد لخلق مجال واسع من التعاون من أجل تحقيق إعادة التوحيد السلمي”. باختصار: خلق بيئة جذابة بما يكفي لعودة التايوانيين بشكل طبيعي إلى حضن بكين، من خلال “إعادة تأهيل” النفوس والعقول، كما ذكر مؤخرًا السفير الصيني في فرنسا، لو شاي.
كما تعد خريطة الطريق بالازدهار الاقتصادي بعد “إعادة التوحيد”. وهكذا تقترح الصين تقوية الروابط الثقافية، والضمان الاجتماعي، والصحة، أو حتى تشجيع “تكامل” اقتصادي أفضل. وسيكون لهذا الخيار ميزة هائلة، بالنسبة لبكين، كسب الحرب دون الاضطرار إلى القتال، وفقًا لمبادئ الجنرال الصيني صن تزو في فن الحرب.
سيناريو يبدو اليوم من السيناريوهات الأكثر تخيلًا. لقد تذوق التايوانيون طعم الديمقراطية والتقدم الاجتماعي على مدار العشرين عامًا الماضية. وهي ظاهرة شجعها الحزب الديمقراطي التقدمي (المؤيد للاستقلال) بزعامة الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين، التي تولت السلطة عام 2016. “وقد أتاح التحول الديمقراطي ظهور هوية تايوانية وبالتالي هوية وطنية حقيقية، التي لم تعد الهوية الصينية التي فرضها النظام الشيوعي، يلاحظ أنطوان بونداز، وستبقى هذه الديناميكية بغض النظر عن اي حزب في السلطة”. ان “إعادة التوحيد السلمي” لم تبدُ ابدا بعيدة مثلما هي اليوم.
- بدون دعم خارجي، قد لا تمتلك تايوان القدرة على الدفاع عن نفسها ضد هجوم صيني
- إنفاق الصين العسكري سيكون أكبر بحوالي 22 مرة من إنفاق تايوان
- من الصعب جدًا على اليابان البقاء بعيدًا عن الصراع
- تعارض كوريا الجنوبية استخدام قواعد الأمريكان في كوريا لدعم عملية عسكرية في مضيق تايوان
- لا تسيطر بكين على الممرات البحرية الرئيسية، والتي تخضع جميعها لسيطرة الولايات المتحدة أو حلفائها
بعد عدة أيام من التوتر الشديد بين تايوان وبكين، يبدو أن شبح الحرب يلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى... عرض لأربعة تطورات محتملة في الوضع. «مدينة تايبيه الجديدة ضربتها صواريخ موجهة من الجيش الشيوعي”، “انفجرت سفن ولحقت أضرار بالمنشآت والبواخر في ميناء تايبيه”... هذه التنبيهات، التي تم بثها على شريط اخبار قناة سي تي اس التلفزيونية في 22 أبريل، تسببت في حالة من الهلع والذعر ... لبضع دقائق. سرعان ما اعتذرت وسيلة الاعلام لكونها أخطأت في تمرير هذه الرسائل الوقائية من الحرب، والجاهزة للبث في صورة ما اندلع الحريق حقا. وهذا يعني الى اي مدى يلقي الخوف من غزو صيني بظلاله على هذه الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة، والتي تعتبرها بكين إحدى مقاطعاتها. بلغ القلق بشأن نزاع مسلح ذروته في الأيام الأخيرة، اي منذ زيارة نانسي بيلوسي، الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب في الولايات المتحدة، والشخصية الثالثة في الدولة، إلى تايبيه، في الرابع من أغسطس.
لقد رد الجيش الصيني على الفور، وأجرى سلسلة غير مسبوقة من التدريبات الجوية والبحرية العسكرية لعدة أيام حول الجزيرة. من جانبها تتهم تايوان بكين بالتحضير “لغزو”. سيناريو يقلق البيت الأبيض، خاصة أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تعهد نهاية مايو بالدفاع العسكري عن الجزيرة في حال وقوع هجوم.
حصار أم حرب مفتوحة أم الإبقاء على الوضع الراهن أم سلام هش ... تعرض لاكسبريس الفرنسية أربعة من أكثر السيناريوهات احتمالا في المستقبل.
السيناريو الأول: الحرب
نزاع مسلح بين بكين وتايبيه يسكن أذهان الجميع، وظل شبحه يحوم فوق مضيق فورموزا منذ 70 عامًا، عندما استقرت قوات الكومينتانغ القومية في الجزيرة، هربًا من تقدم الشيوعيين بزعامة ماو. في العاشر من أغسطس، نشرت بكين كتابا أبيض مخصصا لتايوان، وهو الأول منذ عام 2000، ويعدّ “ الكتاب الأكثر صرامة وحزما على الإطلاق”، حسب صحيفة هوانكيو شيباو في بكين. وتذكّر الصين في هذا الكتاب بأن “استخدام القوة” غير مستبعد، مع ضمان أن تظل “الملاذ الأخير في حالة ظروف قهرية”. ويمكن أن نقرأ أيضا “سنضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة في مواجهة استفزازات الانفصاليين أو القوى الخارجية، إذا تجاوزوا خطوطنا الحمراء».
«أنا لست متفائلًا: نحن نتجه نحو المزيد من الأزمات وربما الحرب بحلول نهاية الثلاثينات من القرن الحالي، يخشى جان بيير كابستان، الباحث في المركز القومي للبحث العلمي والأستاذ المميز للعلوم السياسية في الجامعة المعمدانية في هونغ كونغ، منذ سنوات، يعمل الصينيون بشكل أكثر عدوانية في مضيق تايوان، الذي يعتبرونه مياهًا إقليمية للصين، ونحن نشهد قضمًا تدريجيًا لتايوان «.
في الأشهر الأخيرة، تضاعفت وتيرة وحجم الدوريات التي تقوم بها الطائرات المقاتلة وطائرات المراقبة العسكرية الصينية بشكل فعال حول الجزيرة: كما أن سفنها الحربية ومدمراتها لم تكن أبدًا موجودة بمثل هذه الكثافة. ناهيك عن الهجمات الإلكترونية المتزايدة ضد الوكالات الحكومية في تايبيه. “عام 2020، اتهمت تايبيه أربع مجموعات صينية باختراق ما لا يقل عن عشر وكالات حكومية تايوانية وستة آلاف حساب بريد إلكتروني رسمي منذ عام 2018 في محاولة للوصول إلى البيانات الحكومية والمعلومات الشخصية، يقول مجلس العلاقات الخارجية في مذكرة حديثة، وهو مؤسسة فكرية أمريكية مقرها نيويورك.
لكن تظل هناك أسئلة: هل لدى الصين الوسائل لشن الحرب؟ هل تستطيع تايوان والولايات المتحدة المقاومة؟ “منذ 30 عامًا، تعمل الصين على تحديث وسائلها العسكرية بشكل منهجي ونوعي وكمي حتى تتمكن يومًا ما من الانتصار في هذه الحرب، يوضح أنطوان بونداز، الباحث في مؤسسة البحوث الاستراتيجية، وأحد الأهداف الرئيسية: ثني الأمريكيين عن التدخل، أو على الأقل الحد من قدرتهم على التدخل، فوفق التايوانيين، في غضون 5 سنوات، يمكن للصين أن تشن حربًا، وربما حتى تكسبها.
«بدون دعم خارجي، ربما لا تمتلك تايوان القدرة على الدفاع عن نفسها ضد هجوم صيني”، يثري مجلس العلاقات الخارجية في مذكرته. لقد رفعت تايوان بالتأكيد ميزانيتها العسكرية إلى مستوى قياسي، إلى ما يقرب من 15 مليار دولار لعام 2022 (مقارنة بـ 768 للولايات المتحدة). “لكن إنفاق الصين سيكون أكبر بحوالي 22 مرة من إنفاق تايوان”، حسب مركز الأبحاث الأمريكي.
وفي حالة اندلاع حرب مفتوحة، فإن خطر التصعيد، الذي تشارك فيه جهات أجنبية، كبير. كما إن تدخل واشنطن -وعد جو بايدن في مايو الماضي بالدفاع عن الجزيرة عسكريًا في حالة وقوع هجوم -يثير شبح صراع عالمي.
«سيكون من الصعب جدًا على اليابان البقاء بعيدًا عن الصراع، يؤكد جان بيير كابستان، مؤلف كتاب ‘غدا الصين: حرب أم سلام (منشورات غاليمارد)’، وسيتعلق الامر أساسا بدعم لوجستي للأميركيين عبر قواعدهم في أوكيناوا. لكن هذا يولّد أيضًا خطر أن تصبح اليابان هدفًا للصينيين. وفي ذات السياق، يذكر ان كوريا الجنوبية تعارض استخدام قواعدها في كوريا لدعم عملية عسكرية في مضيق تايوان، وسيتعين على الولايات المتحدة الاعتماد على اليابانيين والاستراليين اولا «.
السيناريو الثاني: الحصار
على المدى القصير، ربما يكون هذا هو سيناريو التصعيد الأكثر احتمالا، والذي تم اختباره على نطاق واسع من قبل بكين بين 4 و10 أغسطس خلال استعراض غير مسبوق للقوة. وبالنظر إلى القفزة التكنولوجية التي حققها الجيش الصيني في السنوات الأخيرة، فإنها باتت قادرة، مؤقتًا على الأقل، على عزل الجزيرة الواقعة على بعد 180 كيلومترًا شرق ساحلها.
إنها تعول على العواقب الاقتصادية الكارثية التي يمكن أن يسببها مثل هذا الاغلاق لردع تايبيه. في مطلع أغسطس، قدمت بكين بروفة، مع إجراءات انتقامية لزيارة نانسي بيلوسي. وقطعت السلطات صادرات الرمال إلى الجزيرة، وجمدت واردات الحمضيات وبعض الأسماك. والكتاب الأبيض الذي نُشر في 10 أغسطس، يثير من جانبه الى “حوافز اقتصادية” لإعادة احتلال تايوان.
«في السنوات العشر المقبلة، لا أرى انزالا للجيش الصيني في تايوان، يعتقد جان بيير كابيستان، أنا أميل أكثر نحو حصار الجزيرة، ويمكننا أن نرى بوضوح بدايات هذا مع هذه المناورات وحظر حركة المرور في مضيق تايوان. يمكن أن يكون الحصار وسيلة لخنق تايوان وإجبارها على التفاوض من أجل إعادة التوحيد. ووحده الجيش الأمريكي يملك القدرة على كسر الحصار».
ومع ذلك، فإن خيار الحصار لا يخلو من المخاطر على الرئيس الصيني شي جين بينغ. “في مثل هذا السيناريو، سيتأثر الاقتصاد الصيني بشدة، حيث إن 90 بالمائة من حركة المرور التي تحدث في المضيق هي من أو إلى الموانئ الصينية، تحدد فاليري نيكيت، الباحثة في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، ناهيك عن الحصار المضاد المحتمل الذي قد يستهدف إمدادات النفط لجمهورية الصين الشعبية التي تمر عبر مضيق ملقا. لا تسيطر بكين على الممرات البحرية الرئيسية، والتي تخضع جميعها لسيطرة الولايات المتحدة أو حلفائها».
وليس مؤكدا، في ظل هذه الظروف، من أن شي جين بينغ سيغامر بحصار طويل الأمد، على الرغم من تهديدات الزعيم الشيوعي المتكررة. “إنها تهدف قبل كل شيء إلى إضعاف معنويات الخصم، ورفع المخاطر مع تايوان والولايات المتحدة، وفرض فكرة أن أي مقاومة للأعمال الصينية غير مجدية”، توضح فاليري نيكيت.
السيناريو الثالث: العودة إلى الوضع الراهن
هذا الحل، الأكثر حكمة إلى حد بعيد، له شرط مسبق، وليس أقله: اعتراف تايوان بسياسة “الصين الواحدة” -التي حددها إجماع عام 1992. والرئيسة الحالية، تساي إنغ وين، المنتخبة عام 2016، ترفض ذلك المبدأ الذي يقرّ أن الجزيرة والصين جزء من أمة واحدة.
«إذا تأملنا في السنوات العشر أو الخمس عشرة القادمة، فإن مصلحة الولايات المتحدة ستكون بلا شك، من أجل تفادي حرب قد تصبح نووية مع الصين، هي ليّ ذراع التايوانيين حتى يقبلوا شكلاً من أشكال الاتفاق مع بكين، يشير عالم الصينيات جان بيير كابستان، اي أن يقبلوا بصيغة تجعل من الممكن الحفاظ على الديمقراطية في تايوان مع الحفاظ على الوضع الراهن مع الصين. هل هذا ممكن؟ فقط إذا تغيرت القيادة يومًا ما في بكين. ولكن اليوم، القومية الصينية متوهجة للغاية بحيث لن تتشكل صيغة مثل ‘صين واحدة، وحكومتان’ تعملان على قدم المساواة «.
ولا يزال، على ما يبدو، الدرب طويلا امام هذا. ففي الواقع، جعل الرئيس شي جين بينغ، الذي من المقرر أن يفوز بولاية ثالثة تاريخية هذا الخريف، من إعادة التوحيد مع تايوان معركته الاساسية. وطالما أنه يحتفظ بالسلطة، فإن الأفضلية ستكون بلا شك لدعاة الحرب. “مثل فلاديمير بوتين، يريد شي جين بينغ الاعتقاد بأن الصين الآن قوة عظمى قادرة على منافسة الولايات المتحدة وفرض إرادتها في منطقة نفوذها في آسيا، وعلى وجه الخصوص في تايوان، تتابع فاليري نيكيت، ومع ذلك ليس مؤكدا أن هذه الرؤية تتقاسمها القيادة بأكملها داخل الحزب الشيوعي الصيني. وربما تكون الصعوبات التي تواجهها روسيا في أوكرانيا قد هدّأت بعضًا منها».
السيناريو الرابع: “إعادة التوحيد السلمي»
رسميا، هذا هو “الخيار الأول” للحكومة الصينية. جاء في الكتاب الأبيض الأخير “نحن على استعداد لخلق مجال واسع من التعاون من أجل تحقيق إعادة التوحيد السلمي”. باختصار: خلق بيئة جذابة بما يكفي لعودة التايوانيين بشكل طبيعي إلى حضن بكين، من خلال “إعادة تأهيل” النفوس والعقول، كما ذكر مؤخرًا السفير الصيني في فرنسا، لو شاي.
كما تعد خريطة الطريق بالازدهار الاقتصادي بعد “إعادة التوحيد”. وهكذا تقترح الصين تقوية الروابط الثقافية، والضمان الاجتماعي، والصحة، أو حتى تشجيع “تكامل” اقتصادي أفضل. وسيكون لهذا الخيار ميزة هائلة، بالنسبة لبكين، كسب الحرب دون الاضطرار إلى القتال، وفقًا لمبادئ الجنرال الصيني صن تزو في فن الحرب.
سيناريو يبدو اليوم من السيناريوهات الأكثر تخيلًا. لقد تذوق التايوانيون طعم الديمقراطية والتقدم الاجتماعي على مدار العشرين عامًا الماضية. وهي ظاهرة شجعها الحزب الديمقراطي التقدمي (المؤيد للاستقلال) بزعامة الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين، التي تولت السلطة عام 2016. “وقد أتاح التحول الديمقراطي ظهور هوية تايوانية وبالتالي هوية وطنية حقيقية، التي لم تعد الهوية الصينية التي فرضها النظام الشيوعي، يلاحظ أنطوان بونداز، وستبقى هذه الديناميكية بغض النظر عن اي حزب في السلطة”. ان “إعادة التوحيد السلمي” لم تبدُ ابدا بعيدة مثلما هي اليوم.