تحليق فوق القواعد العسكرية.. شبح المسيّرات المجهولة يربك أوروبا

تحليق فوق القواعد العسكرية.. شبح المسيّرات المجهولة يربك أوروبا


أكد الخبراء أن حوادث تحليق الطائرات المسيرة فوق أجواء بلجيكا وألمانيا تعكس حالة القلق الأمني المتصاعد داخل أوروبا، مشيرين إلى أن هذه التطورات باتت تبدو كـ”لعبة القط والفأر” بين موسكو وبروكسل.
وأشار الخبراء لـ”إرم نيوز” إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول استثمار هذه الأحداث لتثبيت صورة التدخلات الروسية، وتهيئة الرأي العام لمرحلة أكثر تشددًا تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”، في الوقت الذي تسعى فيه بعض الحكومات الأوروبية لتغطية إخفاقاتها الداخلية عبر تصعيد الخطاب ضد موسكو.
وأضاف الخبراء أن الحوادث الأخيرة تكشف هشاشة المنظومة الأمنية الأوروبية، وأن استمرار الغموض حول هوية المسيرات قد يدفع إلى سن تشريعات جديدة تحد من حرية استخدام الطائرات المسيرة داخل القارة، مع حجب متزايد للمعلومات عن الرأي العام.
ورُصدت ليلتي الجمعة والسبت الماضيتين 4 مسيرات كبيرة تحلق على ارتفاع مرتفع فوق قاعدة “كلاين بروجل” العسكرية، التي تُعد من أبرز مواقع حلف شمال الأطلسي “الناتو” وتضم أسلحة نووية أمريكية.
وخلال الأشهر الأخيرة تم رصد طائرات مسيرة فوق قواعد ومطارات في ألمانيا، الدنمارك، بولندا، ورومانيا، وصولًا إلى دول البلطيق، وهو ما دفع بـ”الناتو” إلى إطلاق عملية “الحارس الشرقي” لتعزيز الدفاعات الجوية على جناحه الشرقي.
وفي حين تتهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير، روسيا بالسعي وراء زرع القلق والانقسام داخل المجتمع الأوروبي، ألمحت الدنمارك إلى “أدلة غير مباشرة”، على تورط موسكو، إلا أن الأخيرة نفت على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف بشدة أي علاقة لروسيا بتلك الحوادث.

«لعبة القط والفأر»
وقال كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، إن العمليات الأخيرة المتعلقة باختراق الأجواء الأوروبية من قبل الطائرات المسيرة والمقاتلات الروسية باتت تبدو كـ”لعبة القط والفأر” بين بروكسل وموسكو، مشيرًا إلى أن المعلومات المتاحة “مختلطة وغير واضحة”، مما يصعب كشف الحقائق أو على الأقل تحديد تفاصيل هذه الخروقات بدقة.
وبيّن لـ”إرم نيوز”، أن تحليق الطائرات المسيرة فوق بلجيكا، ثم فوق ألمانيا عند مطار برلين، يثير تساؤلات حول طبيعة هذه الطائرات، هل هي روسية، أم مدنية أوروبية داخلية من  قبل هواة يسعون لإحداث اضطرابات فنية؟
وأشار المحلل حميد إلى أن التكتل الأوروبي يحاول من خلال هذه الأحداث رسم صورة نمطية عن “التدخلات الروسية”، وفي الوقت نفسه التغطية على عجزه الداخلي أمام جماهيره الغاضبة من سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وتحضير الرأي العام لمرحلة لاحقة قد تُقدَّم على أنها “ضرورة للدفاع عن النفس».
وأوضح أن نقص المعلومات الدقيقة يعيق معالجة الأزمة بشكل كامل، مؤكدًا أن التكتل الأوروبي قد يستغل هذه الأحداث لوضع “قواعد جديدة للعبة”، تبدأ من الشعوب الأوروبية وصولًا إلى المؤسسات الحكومية، خصوصًا في حال تزايدت حوادث إطلاق المسيرات فوق المطارات، ما قد يدفع إلى سن قوانين جديدة تنظم استخدامها بكل أشكالها.
ولفت المحلل حميد إلى أن موسكو تمتلك قدرات استخباراتية واسعة في عدد من الدول الأوروبية، ولديها “أعين كثيرة” من الجواسيس ضمن خلايا نائمة، مما يجعلها ليست بحاجة إلى استخدام المسيرات لكشف ما يجري في الميدان الأوروبي، إذ يمكن للأقمار الصناعية، والقدرات البشرية، واستغلال الفساد، أن توفر خدمات أكبر للكرملين.
وأكد المحلل حميد أن المسيرات حاليًا غير قادرة على تجاوز حدود العديد من الدول دون اكتشافها، 
وأن إطلاقها من أراضٍ أوروبية “صعب لكنه غير مستحيل”، طالما أن التحكم بها يجري عن بُعد بدقة عالية.
وأشار إلى أن ما يحدث الآن يعكس توجهًا نحو “تضييق الخناق على الداخل الأوروبي” ومنع تسرب أي معلومات، في وقت تُتهم فيه موسكو باختراقات مستمرة لتبرير الصراع القائم معها.
هشاشة الأمن الأوروبي
من ناحيته، قال ديميتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن تحليق الطائرات المسيرة في الأجواء البلجيكية يعد جزءًا من الحرب التصعيدية بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
وأشار لـ”إرم نيوز” إلى أن روسيا تنفي صلتها بهذه المسيرات داخل العمق الأوروبي، مؤكدًا أنه في الحروب يحدث أحيانًا أن تتسبب أطراف معينة في حالة اصطدام تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتغيير السياسات الأوروبية تجاه أوكرانيا، وهذا ما حدث بعد عام 2022.
وأضاف بريجع أن هذه الأحداث مثلت تحولًا كبيرًا وحالة جديدة في العلاقات الدولية، وكذلك في السياسات الأوروبية تجاه روسيا، خاصة بعد أن بدأت أوروبا بفرض عقوبات على روسيا واستمرت في معاقبتها حتى الآن.
وأكد أن التصعيد أصبح المهيمن على الوضع طالما لم تتوافر أفق سياسية لحل الأزمة الأوكرانية، مبينًا أن الأزمة الحالية تسلط الضوء على هشاشة الأمن الأوروبي، كما لفت إلى أن الاعتماد على التدابير العسكرية والسياسية وحدها لن يكون كافيًا لاحتواء الصراعات المستقبلية.