تعثر روسيا في أوكرانيا لا يقيّدها في أفريقيا

تعثر روسيا في أوكرانيا لا يقيّدها في أفريقيا

اقترح القائد الأعلى الأسبق لحلف شمال الأطلسي الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس مجموعة من الخطوات لإبعاد أفريقيا عن روسيا وجعلها تتقرب أكثر من الولايات المتحدة وحلفائها. وكتب في شبكة “بلومبرغ” كيف حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي عقد قمة رفيعة المستوى للزعماء الأفارقة في سان بطرسبرغ.
لكن بدلاً من حضور نحو 50 مدعواً كما كان يأمل، بعدما حضر 43 زعيماً الاجتماع الماضي، لبى أقل من 20 رئيساً الدعوة إلى المؤتمر الأخير. يمكن الشعور بالتشكيك بمجرد النظر إلى التعابير على وجوه أولئك الذين أتوا كما أضاف.
 
قلق عميق
كان بوتين يواجه حشداً صعباً. وبدا بعض الحاضرين قلقاً من تداعيات التمرد الأخير الذي قام به يفغيني بريغوجين، مؤسس فاغنر التي تنشط بشكل كبير في أفريقيا. تثير مثل هذه الانتفاضات أشباحاً قديمة في معظم أنحاء أفريقيا، لا سيما في الدول الاستبدادية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر الآن حيث أطاح مجلس عسكري بحكومة منتخبة ديموقراطياً في 26 يوليو (تموز). وتشعر العديد من الدول الأفريقية بقلق عميق من قرار بوتين الانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.
بدون المنتجات الزراعية الأوكرانية (بما فيها أكثر من 10 في المئة من القمح العالمي)، ستجد دول عدة في أفريقيا والمشرق أن سكانها جائعون ومضطربون. إن قيام بوتين بتسليح الطعام بشكل شبه عادي لتعزيز غزوه غير القانوني أمر يثير استياء شديداً في العديد من العواصم الأفريقية والشرق أوسطية. لقد تجاهل مطالب هذه الدول بالحفاظ على تدفق الحبوب وكذلك دعواتهم لاتفاقية سلام بين أوكرانيا وروسيا. بدلاً من ذلك، طرح بوتين جزرة.
 
ما هي؟
تحدث بوتين عن دفعات مجانية من الحبوب إلى ست دول على مدى الأشهر الأربعة المقبلة. يتراوح حجمها ما بين 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب وهي كمية صغيرة بصراحة إذ قام برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بشحن 32 مليون طن من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى في عام واحد بموجب اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود. من غير المرجح أن يحقق مثل هذا العرض الهزيل الكثير لموسكو حسب ستافريديس. وكان رئيسا أكبر دولتين في أفريقيا، مصر وجنوب أفريقيا، صريحين بشكل خاص بشأن الحاجة إلى إعادة فتح تجارة البحر الأسود.
 
عندما تنبهت أمريكا
يتذكر ستافريديس حين أدركت الولايات المتحدة في وقت متأخر الأهمية الجيوسياسية الكاملة للدول الأفريقية سنة 2007 وأنشأت قيادة مقاتلة مستقلة للتركيز على القارة الشاسعة: القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا. قبل ذلك الوقت، كانت أفريقيا تخضع لإشراف غير متحمس إلى حد ما من قبل القيادة الأمريكية الأوروبية والتي شعرت بأن الحركة الحقيقية كانت في أوروبا والناتو.
في ذلك الوقت، كان ستافريديس يستعد لتولي الإمرة في كل من الناتو والقيادة الأوروبية، وأشاد بفكرة وجود ضابط بأربع نجوم يشرف على العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وأكثر من 50 دولة أفريقية. قال له نائب الأدميرال في ذلك الوقت روبرت مولر: “لقد تأخرنا في النظر إلى المستقبل ورؤية أفريقيا».
بوتين سبقها
لقد فهم بوتين ذلك قبل وقت طويل من أمريكا. لعقود من الزمن، ركز الكرملين على أفريقيا، في الشمال العربي وجنوب الصحراء. بدأت مجموعة فاغنر في القيام بتوغلات جادة لإخماد التمردات والجماعات الإرهابية والمعارضة السياسية في ليبيا ومالي والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وأماكن أخرى. حاولت الولايات المتحدة مواجهتها من خلال بناء علاقات في النيجر وكينيا وأوغندا ورواندا ومن خلال الاتحاد الأفريقي ومقره في إثيوبيا.لدى الروس أسباب عدة لتوسيع بصمتهم الأفريقية. يريدون زيادة نفوذهم في المنظمات المتعددة الجنسية مثل الأمم المتحدة وأجهزتها؛ 54 دولة أفريقية تساوي الكثير من الأصوات في تلك الهيئات. والأهم من ذلك، تريد روسيا الانخراط مع مراكز أخرى للمواد الخام في القارة، على سبيل المثال عبر خلق تعاضد وتلاعب في أسعار الموارد الحيوية. وبالطبع، يريد بوتين صد نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة وهو هدف يتقاسمه مع الرئيس الصيني شي جينبينغ.
 
هل يستطيع الغرب التحرك؟
بالنسبة إلى الغرب، ثمة بعض التعقيدات الأساسية حسب ستافريديس. لم تنس الدول الأفريقية الاستعمار الأوروبي ثم معارضة استقلالها في منتصف القرن العشرين.
 كما أنها تتذكر تورط وكالة الاستخبارات المركزية في العديد من الصراعات الداخلية خلال الحرب الباردة. سوف يلعب بوتين على وتر هذه الموروثات المرة.
 تحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون إلى صياغة استراتيجية شاملة لأفريقيا.
سيكون من غير الحكمة محاولة فرض أنظمة القيم الخاصة بالغرب، أو إجبار الدول الأفريقية على الاختيار بينه وبين الدول الأوتوقراطية مثل روسيا والصين. بدلاً من ذلك، يجب على الغرب إدراك أن البلدان الأفريقية التي يزيد عددها عن 50 دولة تتنوع بشكل كبير في التاريخ والجغرافيا والموارد والثقافة وتتطلب نهجاً فردياً ضمن خطة شاملة.
 
خطوات أخرى
يجب على الولايات المتحدة أن تصوغ تجانساً وتعاوناً في جهودها المنفصلة حالياً بين الوزارات التي تشمل الدفاع والخارجية والزراعة والعدل بالإضافة إلى وكالات الاستخبارات المركزية والأمن القومي والتنمية الدولية. 
يمكن تقديم تدريب متكرر في مكافحة الإرهاب، ولكن بعناية، لأن آخر شيء سيريده الغرب هو إثارة المزيد من الانقلابات أو الحروب الجديدة.
أضاف ستافريديس أنه يجب على واشنطن وحلفائها تشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص بطرق يمكن أن تعزز أهداف سياستهم، على سبيل المثال من خلال شركة تمويل التنمية الدولية الأمريكية. أخيراً، يجب على الأمريكيين صياغة رسالة متماسكة تقول بعبارات بسيطة ومباشرة “إننا نقدّر أفريقيا وشركاءنا هناك”،
 وهو أمر شكك فيه كثيرون منهم لا سيما في عصر التعليقات المهينة للرئيس دونالد ترامب.لا تزال روسيا المتعثرة في أوكرانيا تتحرك في أفريقيا وستواصل تقويض الولايات المتحدة وأصدقائها. “علينا أن ندرك هذا التحدي وأن نوضح أن لدينا الكثير لنقدمه للدول الأفريقية، أكثر من مرتزقة فاغنر وكمية تافهة من الحبوب».