تفويض أمريكي لضرب سفن فنزويلية.. إعلان حرب أم ضغط سياسي على كاراكاس؟
قال خبراء إن التصريحات الأمريكية الأخيرة بشأن فنزويلا تحمل “استعراضا أمريكيا” للقوة في لحظة حساسة من إعادة تشكيل النظام الدولي.وكان وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، قال إن الجيش لديه التفويض لتوجيه ضربات في منطقة البحر الكاريبي لاستهداف سفن يُعتقد أنها تحمل موادّ مخدّرة غير مشروعة قبالة سواحل فنزويلا.
وأوضحوا أن “الولايات المتحدة تسعى إلى منع تمدد النفوذ الروسي والصيني إلى ما تعتبره حديقتها الخلفية، لكن تعاملها بهذا النهج قد ينتج عنه خطأ في الحسابات أو سوء تقدير قد يدفع المنطقة نحو دوامة تصعيد غير محسوبة».
استعادة الهيمنة
وقال أستاذ التواصل السياسي في جامعة كادِس في إشبيلية الإسبانية الدكتور محمد المودن إن “تصريح وزير الدفاع الأمريكي يوحي بأنه حصل على جميع التفويضات اللازمة لشن هجمات عسكرية على السفن قبالة السواحل الفنزويلية، إلا أن هذا الاحتمال يبدو أبعد بكثير من مجرد تهديد عسكري مباشر، فهو يعكس في الحقيقة تصعيدًا مدروسًا ضمن إطار صراع جيوسياسي واسع، تحاول من خلاله واشنطن إعادة فرض هيمنتها على مجالها الجغرافي التقليدي في أمريكا اللاتينية، بعد سنوات من التراجع النسبي لنفوذها أمام الحضور المتزايد لكل من الصين وروسيا وإيران».
وأوضح المودن لـ”إرم نيوز” أن “فنزويلا، منذ صعود حكومة نيكولاس مادورو، تمكنت من كسر جزء من العزلة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة، وأقامت تحالفات استراتيجية مع بكين وموسكو وطهران، وربما تمثل هذه الشراكات مصدر قلق دائم لواشنطن، لأنها تضعف قدرتها على التحكم في موارد الطاقة والطرق البحرية الحيوية في البحر الكاريبي، وتحد من قدرتها على احتواء القوى المناوئة لها في نصف الكرة الغربي».
وأضاف أن “هذا المعطى يساعد كثيرًا في فهم جميع المواقف، فالتوقيت السياسي للتصريح مدروس، إذ يأتي في لحظة تتزايد فيها الضغوط الداخلية على إدارة الرئيس دونالد ترامب بسبب الأزمات الدولية الكبرى، ما بين الحرب في أوكرانيا، والحرب على غزة، وتوتر العلاقات مع الصين. وفي ظل هذه التحديات تحاول واشنطن إرسال رسالة مزدوجة: داخليًا لتظهر حزمها وقوتها أمام الرأي العام الأمريكي، وخارجيًا لتؤكد أنها ما تزال القوة المهيمنة، وأنها لن تسمح بخلق نقاط نفوذ معادية قرب حدودها البحرية أو في ما يُعرف بـ”الحديقة الخلفية” التقليدية للولايات المتحدة».
وبيّن المودن أن “هناك مستوى آخر، جيوسياسيًا، يمكن من خلاله فهم هذا الإعلان كجزء من سياسة احتواء استباقية تهدف إلى ردع أي تحالفات فنزويلية أو ترتيبات عسكرية قد تُستغل لتأمين مواقع لوجستية للقوى المنافسة للولايات المتحدة، إذ إن البحر الكاريبي لم يكن يومًا مجرد مجال بحري عادي، بل يُعد مركزًا استراتيجيًا للأمن القومي الأمريكي، تمر عبره طرق الطاقة والتجارة، كما يشكل عمقًا جغرافيًا لعمليات واشنطن العسكرية والاستخباراتية في أمريكا الجنوبية».
وأكد أن “البعد السياسي للتصريحات الأمريكية يندرج ضمن استراتيجية الضغط المركز على نظام مادورو، عبر الجمع بين التهديد العسكري والضغوط الاقتصادية والعزلة الدبلوماسية، مع محاولة استغلال الانقسامات الداخلية الفنزويلية لإضعاف تماسك النظام وتشجيع انتقال سياسي يخدم المصالح الأمريكية. وفي الوقت ذاته، تحمل هذه الخطوة رسالة غير مباشرة إلى الدول المجاورة مثل كولومبيا والبرازيل، لتأكيد ضرورة الاصطفاف مع واشنطن في مواجهة ما تعتبره تهديدًا للأمن الإقليمي».
ورأى المودن أنه “ربما لا يمكن قراءة هذا الإعلان كاستعداد لحرب وشيكة، بقدر ما هو عرض للقوة في لحظة حساسة من إعادة تشكيل النظام الدولي، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى منع تمدد النفوذ الروسي والصيني إلى ما تعتبره حديقتها الخلفية، لكنه في الوقت نفسه سلاح ذو حدين، إذ إن أي خطأ في الحسابات أو سوء تقدير من الطرفين قد يدفع المنطقة نحو دوامة تصعيد غير محسوبة، تعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب الباردة، ولكن هذه المرة في قلب القارة الأمريكية اللاتينية».
«عزلة أمريكية»
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الأمريكية نعمان أبو عيسى إن “هيغسيث أعلن أنه حصل على جميع التفويضات اللازمة لتنفيذ عمل عسكري على شواطئ فنزويلا، فقد ضربت القوات الأمريكية قوارب، ما أسفر عن قتل 20 شخصًا كانوا على متنها، وتدّعي الولايات المتحدة أن هذه القوارب كانت تحمل المخدرات، غير أنها لم تقدّم أي أدلة أو حقائق تثبت صحة هذا الادعاء».
وأوضح أبو عيسى لـ”إرم نيوز”، أن “الرئيس الأمريكي أعلن أيضًا أن الهجمات استهدفت سفنًا في عرض البحر، والآن يريد نقل الحرب إلى البر لملاحقة من يصفهم بأنهم عصابات تنقل المخدرات على اليابسة».
وأفاد بأن “هذا السلوك يدل على أن واشنطن لا تُعير اهتمامًا لا للقانون الأمريكي ولا لقوانين الأمم المتحدة التي تنظم مثل هذه الحوادث”، مشددًا على ضرورة “فتح تحقيقات دولية لتدعم وتوضح حقيقة الادعاءات حول تهريب المخدرات، مع ضرورة محاكمة المسؤولين عن هذه الأفعال أمام المحاكم الدولية وفقًا للقانون الدولي».
وأشار أبو عيسى إلى أن “الولايات المتحدة ليست اللاعب الوحيد في العالم، وأن مثل هذه الممارسات ستنعكس سلبًا على سمعتها، وتزيد من عزلتها عن المجتمع الدولي، خاصة بعد أن بدأت بعض الدول الكبرى بانتقاد تصرفاتها ودعم فنزويلا في مساعيها لتصبح دولة قادرة على الصمود أمام مثل هذه الضربات».