مرة أخرى تضطر واشنطن إلى إدراك أن المنطقة تتطلب وجوداً عسكرياً

تقرير: الشرق الأوسط أكثر تعقيداً من أن تتخلى أمريكا عنه

 تقرير: الشرق الأوسط أكثر تعقيداً من أن تتخلى أمريكا عنه

رأى العقيد الأمريكي المتقاعد ومحلل أبحاث الذكاء الاصطناعي في البنتاغون، جو بوتشينو، أن إدارة الرئيس جو بايدن تواجه شرقاً أوسط في حالة حرب وعلى شفير كارثة بعد هجمات حماس. وكتب بوتشينو في صحيفة «ذا هيل»، أنه بينما كان كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن نفسه يتسابقون إلى المنطقة، في جهد محموم للحد من حجم الصراع ونطاقه، أصبح من الواضح أن سياسة الإدارة التي تطلبت الحد الأدنى من الاهتمام بالشرق الأوسط هي فشل ذريع. على مدى عامين، سعى بايدن ومجلس الأمن القومي إلى زيادة التركيز على الصين وروسيا، مع الحد من التركيز على الشرق الأوسط.. لقد كان هذا خطأ إستراتيجياً يبدو من المرجح أن يفرض إعادة تنظيم السياسة الخارجية، بعد سنوات من سحب القوات من المنطقة، تسارع البنتاغون الآن إلى إعادتها.
 
أرقام ضخمة
رداً على الحرب بين إسرائيل وحماس، أرسلت البنتاغون مجموعتين هجوميتين من حاملات الطائرات.. كان من المقرر أن تشارك إحداهما، وهي يو إس إس دوايت أيزنهاور، في مناورات حلف شمال الأطلسي، ولكن تم تحويلها الآن من أوروبا نحو الشرق الأوسط.  تمثل مجموعتان من حاملات الطائرات قوة أمريكية ضخمة: عشرون سفينة وأكثر من 140 طائرة وأكثر من 20 ألف جندي.. في الوقت نفسه، بدأت السفينة الهجومية البرمائية يو إس إس باتان التحرك إلى مسافة أقرب من الشواطئ الإسرائيلية، ربما للمساعدة في إجلاء الأمريكيين إذا تصاعد الوضع أكثر.. كما تمت إعادة توجيه أصول جوية، بما فيها طائرات هجومية من طراز إي-10 والمقاتلات النفاثة من طراز إف-15 وإف-16 إلى الخليج العربي، معززة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
وتتدفق قوة برية مؤلفة من آلاف العناصر من مشاة البحرية نحو المنطقة لاستعراض القوة من أجل تقييد إيران، وأعلن البيت الأبيض أن هذه السفن والطائرات والأشخاص موجودون في المنطقة بشكل مؤقت، لكن من شبه المؤكد أن بعضهم سيبقى لعدة أشهر قادمة.. وإن خطر وقوع ضربة من قبل إيران أو مجموعة وكيلة لها سيظل كبيراً للغاية بعد الأزمة المباشرة.
 
إستراتيجية بايدن
أضاف الكاتب أنه في سنة 2021، كان لدى الولايات المتحدة مجموعتان من حاملات الطائرات الهجومية ملتزمتان بالشرق الأوسط.. وقد تمت إعادة نشرهما منذ ذلك الحين، مع العديد من الأصول البحرية الأخرى في المنطقة، باتجاه المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين، وكان هذا التحرك للقوة العسكرية متناسقاً مع إستراتيجية بايدن للأمن القومي لسنة 2022، والتي تركز بشكل كبير على المنافسة الأمريكية مع الصين، ولا تذكر الشرق الأوسط حتى الصفحة 42 من أصل 48، كما تنقل إستراتيجية الأمن القومي تاريخياً أولويات الأمن القومي للرئيس وفلسفته ورؤيته الإستراتيجية.. وقد كشفت الإشارات القليلة الخاطفة إلى المنطقة الكثير عن وجهة نظر هذه الإدارة تجاه الشرق الأوسط. 
منذ بداية عهدها، سعت إدارة بايدن على الفور إلى تحقيق هدف رئيسي في سياسة أوباما الخارجية، وهو إعادة تركيز الموارد العسكرية بعيداً من الشرق الأوسط ونحو مواجهة نفوذ الصين المتزايد.. لقد سعت إدارة أوباما إلى إعطاء الأولوية لمنافسة القوى العظمى مع بكين بالتوازي مع إنهاء الحربين في العراق وأفغانستان.. بعد ذلك، أدت الأزمات في المنطقة –الحرب الأهلية السورية والصعود الصاعق لداعش والاضطرابات في ليبيا– إلى سحب اهتمام إدارة أوباما مرة أخرى إلى الشرق الأوسط.
 
المزيد من الانسحاب والفوضى
أضاف بوتشينو أنه مثل سياسة أوباما، أعطت السياسة الخارجية لترامب الأولوية لمواجهة النفوذ الصيني في جميع أنحاء العالم، والاستثمار في التكنولوجيا الجديدة والقدرات والأصول الحيوية في الفضاء.. ومرة أخرى، أجبرت طموحات إيران النووية ودعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة وهجومها السافر سنة 2019 ضد منشأة نفطية سعودية، أمريكا على إعادة قواتها سريعاً إلى الشرق الأوسط.
وبدءاً من 2021، جرب فريق بايدن نهجاً أقل تدخلية، حيث قام بتجميع إطار أمني إقليمي في شراكة تركز على التحوط ضد دوافع إيران الأكثر تدميراً.. وسحب بايدن جميع القوات الأمريكية من أفغانستان، وهو مسعى فوضوي ومأساوي يحد بشكل كبير من قدرة أمريكا على مراقبة ومحاربة داعش في ذلك البلد.. كما قام وزير الدفاع لويد أوستن بسحب أصول كبيرة من الدفاع الجوي، بما فيها أكثر من ثماني بطاريات صواريخ باتريوت، من الشرق الأوسط.
 
لا ردع لإيران من دون قوة أمريكية
مرة أخرى، تضطر واشنطن إلى إدراك أن الشرق الأوسط يتطلب وجوداً عسكرياً أمريكياً كبيراً، فالمنطقة ببساطة متقلبة جداً ومهمة جداً ومعقدة جداً كي تُترك من دون يد أمريكية قوية.. ولا يمكن إبعادها إلى هامش الرؤية الإستراتيجية الأمريكية، وبغض النظر عن كيفية انتهاء الأزمة الحالية، يدعو الكاتب الولايات المتحدة إلى التأكد من أنها وبينما تتطلع إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ستظل ثابتة في التزامها بالاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.. لا تستطيع الولايات المتحدة ببساطة ردع إيران والقوات الوكيلة لها، من دون وجود قوة أمريكية بشكل دائم في الشرق الأوسط.