توازنات على حد السيف.. هل تبدد حلم ماكرون بـ «قيادة أوروبا»؟
تواجه الدبلوماسية الفرنسية تحديات معقدة في ظل طموحات الرئيس، إيمانويل ماكرون، لقيادة أوروبا وسط أزمات دولية، فمن التوترات مع الولايات المتحدة وإيطاليا، تبرز صعوبة التوفيق بين المواقف الوطنية والتحالفات الدولية. مع اقتراب اجتماعات حاسمة، مثل زيارة ماكرون إلى مولدوفا واستقباله لقادة أوروبيين، ستظل هذه التحديات محورية في تحديد مسار السياسة الخارجية الفرنسية، التي تعيش مرحلة متوترة، وفق تقرير لصحيفة «لوموند». وخلال 5 أيام، استدعت وزارة الخارجية الفرنسية سفراء دول للاحتجاج على انتقادات موجهة لمبادرات ماكرون، مما يبرز التحديات التي تواجهها باريس في الحفاظ على التوازن بين طموحاتها الدبلوماسية وعلاقاتها مع الحلفاء.
دولة فلسطين.. التوتر الأبرز
وتتمحور إحدى القضايا الرئيسة حول سعي فرنسا لدعم الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، وهي خطوة تتعارض مع مواقف إسرائيل وواشنطن.
وجاء استدعاء السفير الأمريكي، تشارلز كوشنر، بعد رسالة منه وصف فيها هذه المبادرة بأنها تؤجج معاداة السامية، فيما وصفت السلطات الفرنسية الرسالة بأنها «غير مقبولة شكلاً ومضموناً»، معتبرة إياها تدخلاً في الشؤون الداخلية.
وأكد مسؤولون فرنسيون التزامهم بمكافحة معاداة السامية، مع التشديد على ضرورة إجراء المناقشات في جو من الثقة، لكن هذا الخلاف يكشف عن حساسية الموقف الفرنسي، خاصة مع وجود أكبر جالية يهودية في أوروبا، كما يعكس قلق باريس من محاولات التدخل الأمريكي، لا سيما مع سفير مثل كوشنر، المقرب من دونالد ترامب، والذي تولّى منصبه حديثاً.
مواجهة أخرى مع إيطاليا
القضية الثانية تتعلق بمقترح نشر قوات أوروبية في أوكرانيا لردع روسيا، وهو اقتراح أثار جدلاً مع إيطاليا، إذ سخر نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، من حزب الرابطة اليميني المتطرف، من الفكرة، واصفاً ماكرون بـ»المجنون» سابقاً، وداعيًا إياه لـ»ارتداء الخوذة» والذهاب بنفسه إلى كييف.
لكن استدعاء باريس للسفيرة الإيطالية إيمانويلا داليساندرو، لم يمنع سالفيني من تكرار تصريحاته، مما يعكس توترات أعمق داخل المعسكر الغربي، بحسب «لوموند».
وجاءت هذه الانتقادات في سياق معقد، حيث تحاول رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، الحفاظ على علاقاتها مع واشنطن، بينما تتجنب مواجهة سالفيني، الحليف السابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبحسب توماس غومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن هذه الخلافات تكشف عن هشاشة الوحدة الغربية، فبينما تختلف طبيعة الخلافين، فإنهما يمسّان أكثر جوانب السياسة الخارجية الفرنسية حساسية. كما يرى غومارت أن رد فعل فرنسا السريع على تصريحات سالفيني يعكس رغبتها في مواجهة الخطابات الشعبوية، بينما استدعاء كوشنر يهدف إلى وضع حدود للتدخلات الأمريكية. من جهته، ينتقد السفير الفرنسي السابق ميشيل دوكلو سلوك كوشنر، معتبراً أنه يتعارض مع مبادئ الدبلوماسية التي تتطلب السرية والوساطة.
داخلياً، أثارت هذه الأزمات جدلاً في فرنسا، حيث أيد نائب من التجمع الوطني، جوليان أودول، انتقادات كوشنر، متهماً ماكرون بالتقصير في مكافحة معاداة السامية. في المقابل، دافعت الوزيرة أورور بيرجي عن سجل الحكومة، مؤكدة التزامها الواضح بهذه القضية.
أما دولياً، فيتوقع الدبلوماسيون الفرنسيون «معركة إعلامية» مع الولايات المتحدة وإسرائيل حول قضية فلسطين، مع إمكانية استمالة دول مثل المملكة المتحدة وكندا.