رئيس الدولة: خلاصة تجربة حياة شخصية وعملية ثرية لقائد ملهم لم يعرف المستحيل
ثورة «الجيل Z».. هل تحولت نيبال إلى ساحة صراع بالوكالة بين واشنطن وبكين؟
شهدت نيبال تحولات جذرية بعد احتجاجات واسعة النطاق بدأت ضد حظر وسائل التواصل الاجتماعي، لتتحول سريعًا إلى احتجاجات على الفساد، مما أجبر رئيس الوزراء كيه بي شارما أولي على الاستقالة، في سيناريو مألوف شهدته دول مجاورة مثل بنغلاديش وسريلانكا.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، شهدت منطقة جوار الهند تحولات سياسية حادة؛ من الأزمة الاقتصادية في سريلانكا، إلى إقالة عمران خان في باكستان، ووصولًا إلى تغيير النظام في بنغلاديش، كل تطور تكرر فيه نموذج احتجاجات جماهيرية أدت إلى انهيار الحكومات، بحسب قناة «إنديا توداي». واليوم، تتصدر نيبال القائمة، بعد أن أودت الاحتجاجات الأخيرة بحياة ما يقرب من 22 شخصًا. ما بدأ كتحريض ضد حظر وسائل التواصل الاجتماعي، سرعان ما تحول إلى موجة احتجاجية ضد الفساد أدت إلى استقالة رئيس الوزراء أولي والرئيس، مع تقارير عن فرارهما خارج البلاد.
وهذا التغيير المفاجئ يثير التساؤل: هل مجرد حظر التطبيقات سبب كل هذا العنف، أم أن نيبال أصبحت ساحة لصراع بالوكالة بين الولايات المتحدة والصين؟ اكتسبت نظرية التدخل الخارجي زخماً إضافيًا، فرغم رفع الحكومة حظر وسائل التواصل الاجتماعي، استمرت الاحتجاجات؛ وشهدت العاصمة هتافات مثل: «كي بي تشور، ديش تشود (أولي لص، غادر البلاد)». أقدم المحتجون الثلاثاء، على تخريب وإحراق مساكن الرئيس رامشاندرا بوديل، ورئيس الوزراء أولي، وعدد من الوزراء الآخرين؛ كما أُضرمت النيران في فندق هيلتون في كاتماندو، المملوك لأحد قادة الحزب الحاكم. يتكرر نمط مماثل لما حدث في بنغلاديش عام 2024، وفي سريلانكا عام 2022، حيث تفاقم الغضب الشعبي بسبب قضايا محلية وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف ضد الفساد، مع مشاركة واسعة للحركات الشبابية، ونهب المساكن الرسمية. تكررت المشاهد نفسها في نيبال، حيث ظهر المتظاهرون وهم ينهبون الممتلكات ويكسرون الأثاث ويتسللون إلى حمامات السباحة، ما دفع كبار المسؤولين السياسيين إلى الفرار من البلاد. تصاعدت التوترات في نيبال منذ أشهر؛ ومنذ إعلان الجمهورية عام 2008، شهدت البلاد تناوبًا على السلطة بين أولي الموالي للصين، وبوشبا كمال داهال «براتشاندا» من الحزب الماوي المركزي، وشير بهادور ديوبا الذي شغل منصب رئيس الوزراء خمس مرات؛ حيث واجه جميع هؤلاء القادة اتهامات بالفساد، مما زاد من إحباط الشباب، خاصة مع الركود الاقتصادي والبطالة المتزايدة.
وقبل أسابيع من حظر التطبيقات، غمرت حملة «أطفال النيباليين» وسائل التواصل الاجتماعي، مسلطة الضوء على أسلوب الحياة الباذخ لأبناء السياسيين والفساد المستشري. وشهدت نيبال 14 حكومة، معظمها ائتلافية، خلال السنوات الـ17 الماضية، واندلعت احتجاجات مطالبة بعودة النظام الملكي، حيث اعتبر كثيرون تجربة الجمهورية العلمانية فاشلة.
منذ يوليو 2024، عمل أولي على تعزيز العلاقات مع الصين مع الابتعاد عن الهند «الحليفة التقليدية».
وفي خطوة غير مألوفة، كانت رحلته الخارجية الأولى بعد أدائه اليمين إلى الصين، حيث وقع على إطار عمل مبادرة الحزام والطريق، والتي ضمنت لنيبال المثقلة بالديون مساعدة مالية بقيمة 41 مليون دولار أمريكي.
وهذا جزء من استراتيجية صينية طويلة الأمد لتعزيز هيمنتها في جنوب آسيا، على غرار ما حدث في سريلانكا التي عجزت عن سداد ديونها للمبادرة في مايو 2022. وفي المقابل، أعادت الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام إطلاق مبادرة تحدي الألفية لنيبال، بضخ 500 مليون دولار أمريكي في مشاريع البنية التحتية والطاقة، لتشكل تضادًا مباشرًا مع مبادرة الصين.
كما اعتُبرت مشاركة أولي في استعراض يوم النصر الصيني بمثابة مؤشر على انحياز نيبال إلى المعسكر المناهض للولايات المتحدة، ما دفع بعض المحللين لافتراض تدخل «الدولة العميقة الأمريكية» وراء الاحتجاجات، على غرار بنغلاديش. وصف الخبير الجيوسياسي إس. إل. كانثان الأحداث بأنها ثورة «مهندسة أمريكيًا بنسبة 100%»، مضيفًا: «شباب مُغسولو الأدمغة يحرقون البرلمان ومساكن السياسيين؛ وقادة يفرون من البلاد، وتُنصّب دمية أمريكية زعيمًا جديدًا، تمامًا كما حدث في بنغلاديش وباكستان». بات خطر تأسيس نظام موالٍ للولايات المتحدة في نيبال يلوح في الأفق، لإزاحة الحكومة الموالية للصين، على غرار ما حدث في سريلانكا وبنغلاديش. ففي بنغلاديش، واجهت حكومة الشيخة حسينة تدخلاً أمريكيًا مباشرًا، ما أدى إلى إزاحتها، مع اتهامات لها بالعرقلة بسبب رفض السماح بقاعدة جوية أمريكية في موقع استراتيجي بخليج البنغال. ويأتي توقيت الفوضى في نيبال في سياق احتكاك متزايد بين الهند والولايات المتحدة، مع تقارير عن زيارة محتملة أولى إلى الهند لاحقًا في سبتمبر. ومع هذا السيناريو، تطرح التساؤلات بحدة: هل تحولت نيبال إلى ساحة أخرى للصراع الجيوسياسي بين القوى العظمى؟.