رئيس الدولة ونائباه يهنئون المحتفلين بعيد الميلاد في دولة الإمارات والعالم
الصراع الأكثر إثارةً للاضطرابات في أوروبا منذ عام 1945
جوزيف ناي يرصد أسباب اندلاع الحرب في أوكرانيا
الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا هي الصراع الأكثر إثارةً للاضطرابات في أوروبا منذ عام 1945، ورغم أن كثيرين في الغرب يرون أن هذه حرباً اختارها فلاديمير بوتين، فهو يزعم أن قرار حلف شمال الأطلسي الصادر عام 2008 لصالح العضوية الأوكرانية في الحلف شكِّل تهديداً وجودياً للحدود الروسية، وما زال البعض يعزون الصراع إلى نهاية الحرب الباردة وإخفاق أوروبا في دعم روسيا بما يكفي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
فكيف لنا أن نضع أصابعنا على جذور حرب ربما امتدت لسنوات مقبلة؟ يتساءل أستاذ العلوم السياسية جوزف ناي في مقال له نشره موقع “ذي استراتيجيست” المعني بالتعليقات والتحليلات الخاصة بمعهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي.
اندلعت الحرب العالمية الأولى منذ أكثر من قرن، ورغم ذلك، ما زال المؤرخون يضعون كتباً يناقشون فيها أسبابها. هل اندلعت لأن إرهابياً صربياً اغتال دوقاً نمساوياً عام 1914، أم كانت شرارتها تتعلق بالقوة الألمانية الصاعدة التي تحدّت بريطانيا، أم كانت تُعزى إلى صعود نجم النزعة القومية في شتى أرجاء أوروبا؟ والإجابة هي “كل ما سبق وأكثر”. غير أن الحرب لم تكن حتمية حتى اندلعت حقاً في أغسطس (آب) 1914. وحتى حينئذ، لم يكن من الحتمي أن تتبعها مذبحة تمتد لأربع سنوات.
لنستوعب الموقف، من المُجدي أن نميز بين الأسباب العميقة والوسيطة والفورية للحرب. لنتخيل إشعال معسكر: فسنجد أن تكديس الخشب هو السبب العميق، وإضافة مواد لتأجيج النار هو السبب الوسيط، وإشعال عود الثقاب هو السبب المؤدي إلى النتيجة الحتمية. والريح القوية قد تُطفئ عود الثقاب، أو ربما أغرقت عاصفة مطيرة مفاجِئَة الخشب المُشتعل. وكما قال المؤرخ كريستوفر كلارك في كتابه الذي تناول الحرب العالمية الأولى “السائرون نياماً» (The sleepwalkers) في عام 1914: “كانت هناك بارقة أمل في المستقبل – بالكاد”. لقد كانت الخيارات السياسية العقيمة سبباً رئيساً في الكارثة.
بوتين أشعل عود الثقاب
يقول جوزف ناي: “في أوكرانيا، لا شك أن بوتين أشعل عود الثقاب عندما أمر قواته بغزو الدولة المجاورة في 24 فبراير (شباط) الماضي. وشأنه شأن قادة الدول العظمى عام 1914، ربما اعتقد أن الحرب ستكون قصيرة وسريعة وأن النصر سيكون حليفه، بالضبط كما استحوذ الاتحاد السوفيتي على بوداست عام 1956 أو براغ عام 1968. سيستحوذ الجنودعلى المطار، وستحتل الدبابات المُتقدمة كييف، فيطيح بوتين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ويُعيِّن حكومة صوريّة.
وأضاف الكاتب: أخبر بوتين شعبه أنه يشن “عملية عسكرية خاصة” للقضاء على “النازيين” في أوكرانيا ومنع الناتو من التوسع وصولاً إلى حدود روسيا. ولكن، نظراً لسوء تقديره للأمور، علينا أن نتساءل بما كان يفكر حقاً. إننا نعلم من واقع كتابات بوتين نفسه ومن العديد من كُتّاب السير الذاتية أمثال فيليب شورت أن السبب الوسيط للحرب كان رفضه لفكرة أن تصبح أوكرانيا دولة شرعية.
وتابع ناي: كان بوتين مستاء من انهيار الاتحاد السوفيتي الذي خدمه ضابطاً في جهاز الاستخبارات السوفيتي، ونظراً للعلاقات الثقافية الوثيقة بين أوكرانيا وروسيا، فقد عدَّ أوكرانيا دولة زائفة. وحسب أيضاً أن أوكرانيا ناكرة للجميل، إذ أساءت لروسيا في ثورة الميدان الأوروبي عام 2014 التي أطاحت الحكومة الموالية لها، وعمَّقَت أوكرانيا علاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
العالم الروسي
يريد بوتين أن يستعيد ما يُطلق عليه اسم “العالم الروسي”، وإذ بلغ السبعين عاماً، كان يُفكر في إرثه. لقد وسَّعَ القادة السابقون، أمثال بطرس الأكبر، نطاق الهيمنة الروسية إبان فترات حكمهم. ونظراً لضعف العقوبات الغربية التي تبعت غزو روسيا لأوكرانيا وضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014، يبدو أن بوتين يسأل نفسه: لماذا لا أتوسّع أكثر؟
وبحسب الكاتب، كان السبب الوسيط بقدر أقل توسُّع حلف شمال الأطلسي. فرغم أن الناتو أنشأ بالفعل مجلس حلف شمال الأطلسي وروسيا استطاع عسكريون روس من خلاله حضور بعض اجتماعات الناتو، فقد توقعت موسكو ما هو أكثر من هذه العلاقة. وفي حين أخبر وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر نظيره الروسي بأن الناتو لن يتوسَّع، أثبت مؤرخون أمثال ماري ساروت أن بيكر سرعان ما تراجَعَ عن كلامه هذا الذي لم يدعمه أي اتفاق مكتوب.
وعندما ناقش الرئيس الأمريكي بيل كلينتون هذه المسألة مع نظيره الروسي بوريس يلتسن في التسعينات، كان هناك قبول على مضض لتوسُّع طفيف للناتو، غير أن توقعات الطرفين تباينت. فقد أكَّدَ قرار الناتو في قمته عام 2008 في بودابست بضم أوكرانيا بوصفها عضواً محتملاً أسوأ توقعات بوتين عن الغرب.
الأسباب العميقة
ووراء كل هذه الأحداث كمنت الأسباب العميقة التي تبعت نهاية الحرب الباردة. في البداية، كان هناك قدر كبير من التفاؤل في روسيا والغرب بأن انهيار الاتحاد السوفيتي سيسمح بصعود نجم الديموقراطية واقتصاد السوق في روسيا. وفي السنوات الأولى، بذل كلينتون ويلتسن جهوداً حثيثة لبناء علاقات مثمرة. ولكن، رغم أن الولايات المتحدة قدَّمت قروضاً ومساعدات اقتصادية لحكومة رئيس الوزراء الروسي بالإنابة ييغور غيدار، توقعت روسيا المزيد.
بعد سبعة عقود من التخطيط المركزيّ، كان التحوُّل المفاجئ إلى اقتصاد السوق المزدهرة مستحيلاً لروسيا. والجهود الرامية إلى إدخال هذه التغييرات السريعة عنوةً تسببت في اضطرابات وفساد وانعدام مساواة على نطاق واسع. وفي حين أن بعض حكام الأقلية والسياسيين حققوا ثراءً فاحشاً بسبب الخصخصة السريعة للأصول الحكومية، تراجع مستوى معيشة غالبية الروس.
في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 1997، قال بوريس نيمتسوف حاكم نيغني نوفغورود (الذي اُغتيل لاحقاً) إنه ما من أحد في روسيا يدفع الضرائب، والحكومة مُتخلفة عن سداد الأجور. وبعد ذلك، في سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، صرَّحَ البرلماني الليبرالي غريغوري يافلينسكي في كلية كينيدي بجامعة هارفارد بأن “الفساد مُتفشٍ في روسيا، ويلتسن ليست لديه أي رؤية».
واختتم جوزيف ناي مقالته بالقول: “ولا يعني أي من ذلك أنّ الحرب في أوكرانيا كانت حتمية. لكنها أمست محتملة على نحوٍ متُزايد بمرور الوقت. ففي 24 فبراير(شباط) 2022، أساء بوتين تقدير الأمور وأشعل عود الثقاب الذي بسببه اندلعت نيران الحرب. ومن الصعب أن نراه يُطفئها».