جيش الروبوتات الصيني.. واقع يفرض نفسه على العالم

جيش الروبوتات الصيني.. واقع يفرض نفسه على العالم


منذ سنوات، كان يُنظر إلى الروبوتات بوصفها جزءاً من الخيال العلمي، لكن التطورات الأخيرة في الصين أثبتت أن هذا المستقبل قد أصبح حاضراً بالفعل. تمكنت بكين من قيادة سباق عالمي في مجال الروبوتات، ليس فقط في التصنيع والاستخدام المدني، بل أيضاً في توظيفها ضمن حسابات الاقتصاد والأمن القومي. ويطرح الكاتب الأميركي رايان فيداسيك في مقاله المنشور بموقع مجلة «ناشونال إنترست» تساؤلاً محورياً مفاده: هل تتحرك الولايات المتحدة بالسرعة الكافية لتجنب فقدان زمام المبادرة أمام الصين؟.
وأوضح فيداسيك، زميل في «معهد أمريكان إنتربرايز»، وأستاذ مساعد بجامعة جورجتاون، عمل سابقاً مستشاراً للشؤون الثنائية الأمريكية – الصينية في وزارة الخارجية الأمريكية، أن الصين تستحوذ على ثلثي براءات الاختراع الخاصة بالروبوتات على مستوى العالم. كما أن شركاتها، وفي مقدمتها شركة Unitree، باتت تنتج روبوتات بشرية بعُشر تكلفة نظيراتها الأميركية، و10 أضعاف حجمها الإنتاجي. 
وأضاف الكاتب أن هذه المؤشرات ليست مجرد تنبؤات حول احتمال تفوق الصين مستقبلاً، بل شواهد قائمة تؤكد أن بكين تحقق بالفعل تقدماً ملموساً في السيطرة على البنية التحتية للاقتصاد المؤتمت.
لماذا الروبوتات قضية أمن قومي؟
وتابع الكاتب أن قضية الروبوتات لا تقتصر على تحسين كفاءة المصانع أو تطوير أدوات استهلاكية، بل إنها ترتبط بإعادة تشكيل موازين القوة الاقتصادية والعسكرية. وتشير التقديرات إلى أن سوق الروبوتات وخدماتها قد يبلغ حجمه 7 تريليونات دولار بحلول عام 2050، في وقت يتوقع فيه انتشار مئات الملايين من الروبوتات الشبيهة بالبشر حول العالم. وأوضح الكاتب أن الصين أدركت مبكراً هذه الحقيقة، حيث جعل الرئيس شي جين بينغ الروبوتات محوراً أساسياً في خطط التنمية. فقد نصّت الخطة الخمسية الرابعة عشرة على أن «الروبوتات والتصنيع الذكي» يمثلان ركيزة للابتكار الصناعي، مع هدف أن تصبح الصين مركزاً عالمياً للابتكار بحلول 2025، وزعيمة عالمية بحلول 2035.

التفوق الأكاديمي والتقني
وأشار الكاتب إلى أن الجامعات الصينية أضافت أكثر من 7,500  تخصص هندسي خلال الفترة ما بين 2013 و2022، بينها نحو 100 تخصص في مجال الروبوتات تحديداً. كما تجاوز الإنتاج البحثي الصيني نظيره الأميركي في أهم مؤتمرات الروبوتات ورؤية الكمبيوتر. وإلى جانب ذلك، تمتلك المؤسسات الصينية أكثر من 190 ألف براءة اختراع في مجال الروبوتات، أي ثلثي الإجمالي العالمي.
وأضاف أن المنافسة الاقتصادية في هذا المجال أكثر وضوحاً. فشركة Unitree مثلاً تبيع روبوتها البشري G1 بسعر 16 ألف دولار فقط، بينما تكلف النماذج الغربية ما يقارب عشرة أضعاف. وأوضح أن هذه الروبوتات ليست نسخاً رخيصة، بل منتجات عالية الكفاءة قادرة على المنافسة.
وتابع أن خطورة التفوق الصيني تكمن في أن الروبوتات التجارية يمكن أن تتحول بسهولة إلى أدوات عسكرية. فقد شوهدت بالفعل عشرات الروبوتات الصينية رباعية الأرجل في ساحة المعارك في أوكرانيا. ويشير محللون في الجيش الصيني إلى أن الروبوتات البشرية قد تصبح «حلقة أساسية في استبدال الآلات بالبشر في الحروب الذكية».

التحدي أمام الولايات المتحدة
وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة ما زالت تمتلك أوراق قوة مهمة: جامعات عالمية، وأسواق مالية عميقة، وثقافة ريادة أعمال رائدة. غير أن هذه المزايا تتآكل تدريجياً مع تسارع الصين في تعبئة قواها الصناعية بسرعة أشبه بظروف الحرب.
وأضاف الكاتب أن أمام الإدارة الأميركية خيارات عاجلة، من بينها: تقييد أنشطة الشركات الصينية مثل Unitree داخل الأراضي الأميركية. وتسهيل بناء مصانع الروبوتات محلياً عبر استيراد مكونات أساسية من اليابان وكوريا الجنوبية. وتسريع الاستثمارات الخاصة في القطاع عبر برامج التمويل والدعم الحكومي. واستقطاب المواهب العالمية وتوفير مسارات ميسّرة للابتكار داخل الولايات المتحدة، وإنشاء مناطق تصنيع متقدمة تمنح حوافز ضريبية وتشريعية لتطوير الصناعة.
وخلص إلى أن سباق التفوق في مجال الروبوتات ليس قضية مستقبلية بعيدة، بل هو سباق قائم الآن، وستمتد نتائجه لأجيال مقبلة. وقال إن إغفال هذه الحقيقة قد يترك للصين فرصة صياغة قواعد الاقتصاد المؤتمت، ويعرّض القوة الأمريكية للتراجع.