رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لتسوية النزاعات والتحديات في العالم عبر الحوار والحلول الدبلوماسية
حرب أوكرانيا أصبحت كارثةً تاريخية.. وحلف الناتو يعود
قال د. روبرت كيلي، أستاذ العلاقات الدولية في قسم العلوم السياسية التابع لجامعة بوسان الوطنية الأمريكية، إن قوة روسيا تضعضعت وفقد الدب الروسي شيئاً من نفوذه بغض النظر عن النتيجة التي تؤول إليها الحرب هذا العام أو العامين المقبلين. فقد خطَّط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحرب قصيرة يستعرض فيها قوته العسكرية ويُعزّز زعم بلده بأنه يحق له أن يتصدر المشهد السياسي العالمي رغم فساد اقتصاده وصِغر حجمه. ورغم ذلك سقط بوتين في مستنقع أشبه بذاك الذي سقط فيه الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين أو ذاك الذي وقعت فيه أمريكا في فيتنام.
وأشار الكاتب في مقال بموقع “1945” إلى أن المستنقعات التي سقطت فيها أمريكا، كمكافحة التمرد في العراق، كانت مُكلفة ومُزعزعة للأوضاع محليّاً، غير أنّ الحجم المهول للاقتصاد الأمريكي والشرعية الشعبية لنظامها الديموقراطي ضمنا أن يتحمل الأمريكيون أعباء خسارة الحروب دون أن تتكبد دولتهم أضراراً جسيمة. واقتصاد روسيا يبلغ 7% من اقتصاد أمريكا، وإذا تورطت في حربٍ مديدة، فستتأثر اقتصاديّاً بشكلٍ جسيم.
وأضاف الكاتب أن بوتين مُهدَّد بوقوع انقلاب داخلي إذا لم يَفُز بحربه التي قرر أن يخوضها بنفسه في أوكرانيا. وعلى نطاق أوسع، فإن أداء روسيا الواهن في الحرب يُبطل أسطورة التحديث العسكري الروسي التي مفادها أن روسيا، رغم اقتصادها المُتزعزع، ما زالت قوةً عظمى بسبب عنفوانها العسكري. وخلاصة القول إنه لا قوة روسيا الاقتصادية ولا قدراتها العسكرية تبرر تسميتها بالقوة العظمى بعد.
صعود نجم أوكرانيا
وتابع كيلي: لقد ظنَّ الجميع أنّ الروس سيسحقون أوكرانيا بسهولة. وركّزت النقاشات الغربية المبدئية على ما إذا كان ينبغي لنا أن ندعم التمرد هناك ضد الروس المنتصرين. ومع ذلك، بحلول نهاية ربيع العام الجاري، اتضح أن انتصار الروس لم يكن خاطفاً سريعاً. ستصمد أوكرانيا بوصفها دولةً ذات سيادة حتى لو احتلّت روسيا بعضاً من أراضيها. وبحلول الخريف، بدأت الآراء تميل إلى أنّ أوكرانيا تنتصر حقاً، وأن بوتين ربما يستخدم سلاحاً نوويّاً بعد أن يتمكن منه اليأس.
وحريّ بنا أن نتذكر مدى روعة هذه التطورات. فقد توقّع بوتين أن يفوز بحربه في أسبوع. ووافقه الغرب هذا الرأي. وقليل من المراقبين هم الذين كانوا يحيطون عِلماً بمعلومات عن أوكرانيا، ناهيكَ عن الجيش الأوكراني.
ورغم ذلك، فأوكرانيا الآن تشق طريقها إلى النصر في الحرب بقوةٍ، حتى أنّ استعادة شبه جزيرة القرم باتت احتمالية حقيقية قائمة. ورغم أن اقتصاد أوكرانيا دُمِّرَ بسبب هذا الصراع، ستخرج أوكرانيا من هذه الأزمة وقد امتلكت أفضل قوات برية في أوروبا قاطبةً، وهو الإنجاز الذي لم يتنبأ به أحد قط في يناير (كانون الثاني) الماضي. وإذا كانت روسيا على وشك أن تتحول إلى قوة عالمية متوسطة، فإن أوكرانيا على أعتاب الصعود إلى القمة.
عودة حلف شمال الأطلسي
وهناك نتيجة جيوسياسية بارزة أخرى، برأي الكاتب، تتمثل في تجدُّد دماء حلف شمال الأطلسي. فبعد سنوات من انتهاء الحرب الباردة، توارى حلف شمال الأطلسي عن الأنظار. لم يتفكك الحلف ولو أنّ السبب وراء ذلك أن الدول الأوروبية الأعضاء فيه راقت لها المظلة الأمنية الأمريكية. لكنه كان يفتقر إلى غاية إستراتيجية واضحة، وحاول أن يجد تلك الغاية في نشر قواته خلال فترة الحرب على الإرهاب خارج نطاقه.
واستدرك الكاتب بقوله: غير أن عدداً قليلاً من أعضاء الحلف راقت لهم عمليات الانتشار تلك. ولم تحقق أي من تلك العمليات الغرض منها، إذ لم يعرف أحد حقاً معنى “الفوز” بالحرب على الإرهاب التي انتهت بشكل غير مرض في أفغانستان عام 2021.
وأضاف كيلي: أنهى غزو روسيا لأوكرانيا هذا الوضع المضطرب للحلف. فقد تحولت سنوات من تهديدات بوتين الغامضة فجأةً إلى واقع ملموس. ولم يستطع أعضاء الناتو أمثال ألمانيا وإيطاليا ممن حاولوا من قبل استمالة بوتين، أن يتجنبوا المخاوف الإمبريالية الروسية الجديدة من الدول الشرقية الأعضاء في الحلف. وانخرطت الولايات المتحدة أيضاً مجدداً في الحلف بعد فترة الاضطراب تجاهه خلال رئاسة دونالد ترامب. وضمَّ الحلف عضوين جديدين، وسعى إلى بناء جسور مع الدول الديمقراطية الآسيوية التي تساورها مخاوف من الصين.
لا وجود لـ “نموذج أوكرانيّ»
وتابع كيل: أثار إعلان بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ التوافق بينهما في فبراير (شباط) الماضي مخاوف الدول الصغيرة في بقاع أخرى من العالم. فقد بدا أن الصين تدعم غزو بوتين لأوكرانيا. ووقفت الصين حقاً وراء روسيا طيلة فترة الحرب، وخشيت تايوان تحديداً من أن يشكل اعتداء بوتين “نموذجاً” تتعلل به دولة مُستبدة كبرى مجاورة لدولة ديموقراطية صغيرة لتبرير غزوها لها.
ولعل هذا الوضع هو ما كانت الصين تعقد الآمال عليه حقاً. فخطاب شي بشأن تايوان جاءَ أعنف من خطاب أسلافه. لكن “النموذج” المزعوم باءَ بالفشل، وفق الكاتب، فقد اكتشف بوتين أنّ خصومه رجال وطنيون عازمون على الدفاع عن سيادة وطنهم أكثر مما تخيل. ولم تتزعزع أيضاً وحدة الغرب التي دعّمت أوكرانيا تحت ضغوط التهديدات النووية وأسعار النفط المرتفعة. كما كانت العقوبات الغربية التي فَرضت على روسيا أقسى مما توقّع بوتين.
لكنّ هذا لا يعني أن الصين سترتدع عن مهاجمة تايوان، يقول الكاتب، لكنه يُفترض على الأقل أن يجعلها تتمهل وتفكر في أن الأمر لن يكون يسيراً أو سريعاً.