حفيد حكمتيار يضع الماضي المرير لعائلته خلفه
عندما كان عبيد الله بهير طفلا، شاهد والده يُقتاد من منزل العائلة خلال مداهمة ليلية، فيما اتهم جده قلب الدين حكمتيار أمير الحرب الذي كان يخشى جانبه، بقتل الآلاف خلال الحرب الأهلية في أفغانستان في التسعينات الماضية.
لكن بهير الذي يبلغ الآن 31 عاما، جعل ماضي عائلته المرير وراءه، ووضع نصب عينيه مستقبلا من السلام والمصالحة.
والرجل الذي يدرّس الآن مادة حول القضاء الانتقالي في الجامعة الأميركية بأفغانستان قال في مقابلة مع وكالة فرانس برس “علينا أن نتخلى عن ذلك، وأن نختار نقطة لبداية”جديدة.
وبهير الذي ولد عقب الحرب الأهلية الوحشية التي اقتتلت خلالها فصائل معادية للسوفيات فيما بينها بعد دحر الجيش الأحمر، نشأ في باكستان. وجده وهو رئيس وزراء أسبق ومؤسس الحزب الإسلامي، لقب ب”جزار كابول” بعد حصاره للعاصمة عندما كانت قوى عديدة تتنافس للسيطرة على أفغانستان. وسعيا للاستيلاء على العاصمة من القوات بقيادة وزير الدفاع آنذاك أحمد شاه مسعود الذي اعتبر بطلا بعد اغتياله في 2001، قامت قوات حكمتيار بدك العاصمة بالصواريخ مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا بين قتلى وجرحى. بعد عقود لا يزال ضحايا ذلك الهجوم يتعرضون لبهير. خلال كلمة في مؤتمر عقد مؤخرا في كابول تحدث فيه عن طفولته في المنفى، حمّلت امرأة حكمتيار مسؤولية مقتل والدها. وقال “ليس لدي ما أقوله أو أفعله عدا القول “آسف لست أنا الفاعل».
كما واجه حكمتيار ووالد بهير غيرت بهير، غضب واشنطن لمعارضتهما الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001.
آنذاك اعتُبر حكمتيار إرهابيا، لكنه دُعي للمشاركة في محادثات السلام الأفغانية الأخيرة. الأسبوع الماضي سلم الجيش الأميركي القوات الأفغانية قاعدته الرئيسية باغرام القريبة من كابول، مستكملا فعليا سحب قواته بعد عقدين من التدخل العسكري الذي بدأ في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.
ووالده الذي كان رئيس المكتب السياسي للحزب الإسلامي، اعٌتقل في سجن باغرام بعد اقتياده من منزل العائلة في إسلام أباد على أيدي أشخاص قال بهير إنهم عناصر من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه). وغيرت المتزوج من ابنة حكمتيار، سُجن في العديد من المواقع في أفغانستان وعُذّب ومنها حبسه في سجن انفرادي لأشهر، وفق بهير.
يقر بهير بأنه كان يكره الأميركيين لكن ذلك تغير مع الوقت. وقال “في مرحلة ما من حياتي، أدركت أن من فعل ذلك ليس الأميركيين العاديين». وأضاف “أشخاص لا يعرفونني هم الذين يكرهونني (...) لذلك يكره مقاتلونا الغرب لأنهم لا يعرفون الغرب». وبالنسبة لبهير فإن الطريق أمام أفغانستان واضح، طريق السلام والمصالحة، رغم أن الجهود السابقة منيت بالفشل إلى حد كبير. والمحادثات الأخيرة بين طالبان والحكومة الأفغانية متعثرة منذ أشهر، والمعارك تستفحل في أنحاء المناطق الريفية. والمستقبل بالنسبة لبهير يعني إقامة علاقة جديدة مع الولايات المتحدة عن طريق الالتحاق بالجامعة الأميركية، والتخلي عن ذكريات طفولته المريرة.
وفي الوقت نفسه، يرفض الرجل الطويل الذي يضع نظارتين، إخفاء عاطفته تجاه جده ويقول “كيف يمكن التوقف عن حب عائلتك».
والدراسة العليا في استراليا ساعدته في سلوك طريق المصالحة، رغم أنه حتى هناك كان عليه الاستماع لراويات صادمة عن جده في نقاشات في الصف. وأبلغ أحد استاذته خدم في الجيش الاسترالي وأرسل إلى أفغانستان “قبل أن نتابع، أريد أن أقول لك بأنني حفيد حكمتيار”. ويوضح “أصيب بصدمة لكن قلقه الوحيد كان ألا أكون منحازا».
عاد بهير إلى كابول في 2018 بعد انتهاء عزلة حكمتيار في أعقاب اتفاق سلام مع الرئيس أشرف غني.
وقالت رئيسة الجامعة الأميركية في أفغانستان فكتوريا فونتان التي لعبت دورا أساسيا في التحاق بهير بالمؤسسة التعليمية، إن “حكمتيار فخور جدا بحفيده”. ويتفق معها بهير “نعم هو فخور” مضيفا أن حكمتيار كثيرا ما يمازح بالقول إنه لا ينبغي على بهير أن يقول أشياء سيئة عن العائلة في الجامعة.