رئيس الدولة ورئيس وزراء العراق يؤكدان أهمية تحقيق تطلعات شعوب المنطقة إلى الأمن والاستقرار والتنمية
خبز البتاو.. سر المائدة الصعيدية وخزين الشتاء الدافئ
وسط الطين والأفران البلدية، وبين رائحة الحلبة ورماد المواقد، تتجدد في كل عام طقوس ريفية ضاربة في جذور المجتمع الصعيدي، عادات موسمية تنبع من عمق الهوية المحلية، حيث يبدأ أهالي الريف في صعيد مصر استعداداتهم الشتوية قبل حلول البرد بأسابيع، على رأسها صناعة خبز البتاو، أحد أبرز رموز المائدة الريفية وخزين الشتاء الأساسي في تلك المناطق. يعد خبز البتاو بالنسبة لأهالي الصعيد، لا سيما محافظات الشمال، أكثر من مجرد خبز يُستهلك على مدار العام، بل هو مشروع منزلي متكامل يتم التحضير له على مراحل، تبدأ بطحن الذرة البيضاء بعد تحميصها، وخلطها بكميات محسوبة من الحلبة المحمصة والمطحونة، وأحيانًا يُضاف القليل من دقيق القمح، ثم يُعجن الخليط بالماء والخمير، ويُترك في مواجير فخارية ليتخمر قبل الخَبز. في هذا الصدد، تتحول البيوت الريفية في الصعيد المصري إلى ورش عمل تشاركية، حيث تتوزع المهام بدقة بين أفراد الأسرة من النساء، وكذلك الجيران، في مشهد يومي مألوف ومتجذر منذ عقود، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء. تتم عملية خبز البتاو في أفران تقليدية تُبنى من الطين الخالص، وتُدار بوقود حيوي يُستخلص من روث الأبقار والجاموس، يعرف محليًا بـ"الجِلّة"، وبرغم بساطة مكونات الوقود والمنشأ، إلا أن تكاليفها باتت عبئًا على غير الفلاحين في المدن الصعيدية، في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية وتراجع الزراعة المنزلية. داخل الفرن، تسكن رقعة دائرية مصنوعة من الطين الزبدي، تُرصّ عليها الأرغفة وتُدار بخبرة تُورّث ولا تُكتسب بسهولة، في مراحل خبز تشمل ما يُسمى بـ "التنطيط" و"التوسيع"، قبل أن تُرمى الأرغفة في جوف النار باستخدام "المطرحة"، وهي أداة خشبية تقليدية.