دراسة جديدة لـ(تريندز) تستشرف مستقبل العالم وتحولاته العميقة

دراسة جديدة لـ(تريندز) تستشرف مستقبل العالم وتحولاته العميقة

أصدر مركز تريندز للبحوث والاستشارات دراسة جديدة تحت عنوان "2013 وما بعدها: من “العولمة” إلى “الحوجزة" في عالم شبكي"، وذلك ضمن دراساته البحثية الاستشرافية.
وأشار المركز في دراسته إلى أن عالم اليوم يشهد تحوّلات عميقة في بنية العلاقات الدولية، وأن تلك التحوّلات ناتجة أساساً من تحولات أخرى سلبية، على رأسها التحولات الديموغرافية والبيئية والاقتصادية، خصوصاً بعد مرور العالم بثلاث تجارب يمكن وصفها بأنها من الأحداث التي لها ما قبلها وما بعدها في تاريخ البشرية، وهي بترتيب وقوعها، الربيع العربي (2011)، وجائحة كورونا (2019)، والحرب الروسية الأوكرانية (2022). 
 
وتستهدف الدراسة التي أعدها د. وائل صالح الخبير بمركز تريندز، والباحثة، نورة الحبسي مدير إدارة النشر العلمي، تشخيص وتحليل تأثير ذلك السياق على “العالم المعولم" Globalized World، الذي كانت تسود قيَمُه وقوانينُه ومقارباتُه قبل تلك الأحداث؛ أي حتى العشرية الأولى من هذا القرن، وكيف يتحوّل هذا العالم رُوَيْداً رُوَيْداً من حالة العولمة إلى حالة يمكن تسميتها “بالعالم المحوجز أو المعوزل" Buffered World، وذلك من خلال أنواع متعددة من “العوزلة”، منها الجغرافية والاقتصادية والرقمية والحضارية والذهنية.
 
وأوضح الكاتبان أنه لتحقيق هذا الهدف تنقسم تلك الدراسة إلى ثلاثة أقسام، حيث يشرح القسم الأول سياق هذا التحول من “العولمة" Globalization إلى "الحوجزة" أو "العوزلة" Buffering ، فيما يبين الثاني أشكال “الحوجزة” في عالم 2023 وما بعدها، وهي الحوجزة الجغرافية والجيوسياسية والاقتصادية والمجتمعية والحضارية والرقمية والحوجزة فيما بعد البعديات والحوجزة الذهنية. 
 
وبينت الدراسة أن معظم التقارير الدولية المرموقة تستشرف أنه من غير المرجح ألا يكون العالم أفضل ممّا هو عليه الآن، فالعالم سيتجه من سيئ إلى أسوأ، لافتة الى أن تقريراً لمجلس المخابرات الوطني الأمريكي (NIC) عن حالة العالم عام 2040، يرى أنّ النظام والمقاربات والمؤسسات والأنظمة التي هيمنت على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ستُستنزف وستلاقي صعوبات جمّة في الاستجابة “للتحديات العالمية المتتالية القادمة”، بما في ذلك تغيّر المناخ والجوائح والأزمات الاقتصادية والمالية وآثار التكنولوجيا المتطوّرة، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن تتفاقم الصراعات داخل الدول وفيما بينها، ليشكّل ذلك تحدياً كؤوداً يعيد رسم خريطة العلاقات والتفاعلات الدولية وبالتالي شَكْلَ العالم في 2023 وما بعدها.
 
كما شددت الدراسة على أن استجابات الدول لسياق التحوّل من “العالم المعولم” Globalized World إلى “العالم المحوجز” Buffered World وقواه الهيكلية الدافعة لبيئة جيوسياسية حُبلى بالصراعات والتقلبات، ومن أبرز تلك التقلبات، تداعي النموذج الغربي في الحَوكمة، وارتحال القوة لآسيا في عالم متعدد الأقطاب، كما تمثّل هذه الاستجابات كيفية تطوّر العالم خلال العقد القادم على الأقل. 
 
ويبدو أن السيناريوهات الأقرب للحدوث، بناءً على هذه الدراسة، هو المزيد من مظاهر التحوّل من "العولمة" Globalization إلى “الحوجزة أو العوزلة” Buffering (المزيد من العزل الجغرافي والاقتصادي والرقمي والذهني والحضاري) وهو ما توقعته دراسات رصينة بأن العالم عام 2040 سيصبح “على غير هدى” وأن النظام الدولي “سيكون بلا اتجاه، وفوضويّاً، ومتقلباً، حيث يتم تجاهل القواعد والمؤسسات الدولية إلى حد كبير من قبل القوى الكبرى وبعض اللاعبين الإقليميين والجهات الفاعلة غير الحكومية، وستعاني دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) تباطؤ النمو الاقتصادي، وستتسع الانقسامات المجتمعية، ويعم الشلل السياسي، وستُترك جانباً العديد من التحديات العالمية، مثل تغيُّر المناخ وعدم الاستقرار في البلدان النامية. وأشار الباحثان إلى أنه نتيجة لذلك؛ ربما “ينقسم العالم إلى تكتلات عدة اقتصادية وأمنية متفاوتة الحجم والقوة، تتمحور حول الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وقوى إقليمية، ما يؤدي إلى تركز هذه التكتلات على الاكتفاء الذاتي والمرونة والدفاع عن مصالحها. وتتدفق المعلومات داخل جيوب سيبرانية منفصلة، وتتم إعادة توجيه سلاسل التوريد، وتتعطل التجارة الدولية.
 
 أما البلدان النامية الضعيفة فستكون عالقة في منتصف الطريق، وبعضها سيوشك على أن يصبح دولاً فاشلة. وفيما يخص المشكلات العالمية، لا سيما تغير المناخ، فلن يتم تناولها بشكل جادٍّ ودوري، هذا إذا تم تناولها أصلاً.
 
وذكرت الدارسة أنه قد يُستثنَى من حالة الحوجزة، وربما للمرة الأولى منذ قرون، العالم العربي الذي يشهد – رغم الحالة السودانية – سياسة تصفير لمشاكله المزمنة، وزيادة فرص تسوية النزاعات المشتعلة به، والتي كانت سمة مركزية في المشهد السياسي والأمني فيه منذ عام 1979.  وخلصت الدراسة إلى أنه قد يتزامن ذلك مع فرضية تقول إنه لكي تلعب الصين دورها الكامل كقوة عظمى في مشهد العلاقات الدولية في السنوات القادمة، يجب عليها أن تعبر من خلال العالم العربي، كما عبرت الولايات المتحدة من خلال أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن بينما انصب مشروع مارشال الأمريكي على إعادة التعمير الاقتصادي في أوروبا، ينصب – في المقابل – مشروع الصين في العالم العربي على المساهمة في إقامة “ويستفاليا عربية” قائمة بدورها على اعتقاد الصين الراسخ بأنه لا يمكن الوصول إلى الأمن العالمي من دون تحقيق الأمن في الشرق الأوسط، وبأنها تلتزم بتطوير علاقاتها مع الدول العربية، بناءً على عدة مبادئ، وهي الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، واحترام خيار شعوب الدول العربية، ودعم جهود الدول العربية في استكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع خصوصياتها الوطنية بإرادتها المستقلة.
 
واختتم الباحثان الدراسة بالتأكيد أن المرحلة الحالية التي يعيشها العالم تَكْمُنُ الأزمةُ فيها تحديداً في أنَّ القديمَ يَحْتَضِرُ وَالجديدَ لم يُولدْ بعد.. وَفي ظلِّ هذا الفراغِ يظْهَرُ قَدرٌ هائلٌ من الأعْراضِ المَرَضِيَّة، ونرى أيضاً أن من أهم تلك الأعراض المَرضية التحول من “العولمة” Globalization إلى “الحوجزة” Buffering التي تحدث في “العصر الشبكي، الذي كان متوقعاً له أن يضع حدّاً للحواجز والحدود، ولكن يبدو أنه من الممكن أيضاً أن يكرسها ويرسخها في بعض الأحيان.