العمليات العسكرية من أجل أهداف بعيدة المدى أيضاً

ذا هيل: على أوكرانيا ألا تحاول استعادة القرم

ذا هيل: على أوكرانيا ألا تحاول استعادة القرم

من المتوقع على نطاق واسع أن تشن أوكرانيا هجومها المضاد الذي طال الحديث عنه، في الأسابيع المقبلة، ولكن أمن المعمليات يمنع معرفة أين ستحاول القوات الأوكرانية بالضبط الإندفاع عبر الخطوط الروسية، أو ما هي الأماكن التي سيستهدفها الهجوم وعما إذا كانت ستحاول استعادة المناطق الشرقية وربما ساحل بحر آزوف، أو أنها ستتوغل عميقاً لتبسط سيادتها على القرم، التي فقدتها عام 2014.
وكتب الأستاذ في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية جاكوب غريجيل في مجلة “ذا هيل” الأمريكية أن هناك بالتأكيد مبررات قانونية وأخلاقية كي تقدم أوكرانيا على الخيار الثاني. فقد تم ضم القرم إلى روسيا بصورة غير شرعية، ومن حق أوكرانيا المطالبة بها مجدداً.
 
لكن من الناحية السياسية والاستراتيجية، يرى الكاتب أن هذه ليست فكرة جيدة. ذلك أنها مخاطرة بالنسبة لأوكرانيا، البلد المرهق والمعتمد على الدعم الدولي الضعيف، أن يدفع بقوات محدودة نحو شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا منذ عقد، وعلى الأرجح تملك تحصينات دفاعية قوية. 
ولذلك، فإن هجوماً أوكرانياً مضاداً على القرم، قد يكون صعباً جداً ومكلفاً، بالنسبة لقوات قليلة العدد ومتعبة أصلاً، ومن الأفضل استخدامها في أماكن أخرى.
وفضلاً عن ذلك، فإن العديد من الدول في أوروبا، تقدم دعماً ضئيلاً لأوكرانيا وهي تقدم أسلحة بالقطارة لكييف، أملة في انتهاء مرحلة الحرب قريباً، واستئناف علاقاتها مع روسيا كالمعتاد. في الهجوم المضاد المقبل، يتعين على كييف أن لا تقصر هدفها على دفع القوات الروسية إلى الخلف، وإنما أن تفعل ذلك بطريقة تضمن حداً أقصى من الدعم الغربي لاستعادة قوتها الاقتصادية والعسكرية. ولكن لذهاب نحو القرم، قد يقوّض المساعدة الهشة.
 
ويخشى بعض الزعماء الغربيين تصعيداً روسياً، بما في ذلك احتمال استخدام السلاح النووي. وحتى لو كانوا يدعمون استقلال أوكرانيا ولو نظرياً، فإن هدفهم الشامل عدم دفع موسكو لشن حربٍ أوسع وأكثر تدميراً. ومثل هذه الآراء ربما تبالغ في قراءة تهويل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإستخدام السلاح النووي. وسواء أكانت على صواب أو على خطأ، فإن هذه هي الطريقة التي يجري فيها تقويم الأمور في الغرب. وفي إمكان كييف تغيير هذه التقويمات، لكنها لا تستطيع تجاهلها. وحتى لو حققت أوكرانيا نصراً تكتيكياً في القرم، في حال كان ذلك ممكناً، فإنه قد يشكل عقبة ديبلوماسية على المدى البعيد لأوكرانيا، من خلال تعزيز هذه المخاوف الغربية.
 
ومن شأن ترك القرم تحت السيطرة الروسية، في الوقت الحاضر، أن يحقق فائدة إضافية، بجعلها هدفاً لأغراض ردعية مستقبلية. واستهدفت أوكرانيا في الأشهار الأخيرة أسطول البحر الأسود الروسي المتمركز في ميناء سيفاستبول، والمطارات العسكرية والجسر فوق مضيق كيرش، في هجمات رمزية. لكن هذه الهجمات أظهرت هشاشة المواقع الروسية في القرم وكانت لها تأثيرات صادمة على الروس (بحيث أنه بعد شهرين من تفجير جسر كيرش، كان بوتين مجبراً على تفقده وهو يقود سيارة مرسيدس، في محاولة لطمأنة الرأي العام الروسي بأن شبه الجزيرة لا تزال متصلة بالبر الروسي).
 
أهداف بعيدة المدى
ويلفت الكاتب إلى أن الدول تنفذ عمليات عسكرية ليس فقط من أجل أهداف في الميدان، وإنما من أجل أهداف بعيدة المدى. وهذا ما يخلق مفارقات. ذلك أن خوض حربٍ دفاعية مع فرص محدودة بالنجاح، في بعض الحالات، يعتبر مقامرة من أجل الفوز بمقعد أفضل على طاولة الحوار بعد الحرب. 
إن الخسارة العسكرية الفورية والمأسوية لأمة شجاعة يتيح غرس بذور التمرد السياسي والاستقلال في المستقبل. وفي بعض الحالات، قد يكون تجنب هدفٍ ما، متضمناً بعد نظر، حتى ولو كان أمراً يلقى قبولاً عسكرياً وسياسياً، وذلك من أجل إرساء وضع أكثر استقراراً في المستقبل. 
ولذلك، فإن أوكرانيا قد تفعل الصواب بتجنب هدف عملاني مثل القرم، لأنه حتى ولو كان من الممكن إنجازه من الناحية العسكرية، فإنه من الممكن أن يقوض أمن هذا البلد على المدى البعيد.