في تقرير للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية

روسيا: فاعلية العقوبات الاقتصادية موضع سؤال...!

روسيا: فاعلية العقوبات الاقتصادية موضع سؤال...!

- قاوم الاتحاد السوفياتي الحرب الباردة، لكنه انهار خلال فترة الانفراج
- يشكك الاقتصادي الروسي إينوزيمتسيف في أهمية العقوبات على روسيا وتأثيرها
- نادرًا ما تؤدي العوامل الاقتصادية إلى حدوث أزمات سياسية
- لا تستطيع أوروبا حاليًا الاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين


  لا جدوى من استخدام السلاح الاقتصادي ضد روسيا. هذه هي الأطروحة التي دافع عنها الاقتصادي الروسي فلاديسلاف إينوزيمتسيف في تقرير للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بعنوان “هل يمكن للصعوبات الاقتصادية أن تضعف النظام السياسي؟».
  أستاذ سابق في الكلية العليا للاقتصاد في موسكو، ثم باحثًا على التوالي في فيينا وواشنطن ووارسو، يتوصل المؤلف إلى استنتاج: لا العقوبات الغربية، ولا الانهيار المنتظم لأسعار النفط، ولا سقوط الروبل، ولا هروب الاستثمارات، ولا حتى المظاهرات، نجحت في زعزعة نظام فلاديمير بوتين. ان “أمل المعارضة في الحصول على دعم شعبي واسع لم يتحقق”، يقول الخبير الاقتصادي.

الروس يعتمدون فقط على أنفسهم
   يتعلق أحد الأسباب أولاً بخصوصية فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي. في هذا الجزء من العالم، نادرًا ما تؤدي العوامل الاقتصادية إلى حدوث أزمات سياسية. والشاهد، الثورتان الجورجية والأوكرانية اللاتان غذّتهما أساسًا التطلعات الأوروبية وكره الطبقات الحاكمة.    اما في روسيا، فالمظاهرات الكبرى شتاء 2011-2012 لم تكن مرتبطة بالوضع الاقتصادي، الذي كان في ذلك الوقت مرضيّا، إنها حدثت في أعقاب تزوير الانتخابات البرلمانية وقرار بوتين الاستيلاء على كرسي الرئاسة من ديمتري ميدفيديف، الذي كان يُنظر إليه خطأ على أنه أمل الليبراليين.
   ويستند تفسير آخر إلى المزاج الروسي. السكان ككل، يتوقعون القليل جدا أو لا يتوقعون شيئا من السلطات. ومن هنا جاء الاضطراب الضعيف الناجم عن تجميد مدخرات التقاعد أو زيادة سن التقاعد الذي تقرر عام 2018. “معظم الروس لديهم تخطيط اقتصادي قصير الأجل، وسرعان ما يعتادون على تغيّرات الظروف ويعتمدون بشكل أساسي على أنفسهم”، يؤكد الخبير الاقتصادي. والفساد، الذي كثيرا ما يندد به أليكسي نافالني، المسجون حاليا، بالكاد يثير السخط. ولئن حطّم فيديو خصم قصر بوتين الأرقام القياسية في نسبة المشاهدة، “يبدو أن الروس اعتادوا على حقيقة أن الدولة مملوكة للبيروقراطية الحاكمة».

صندوق احتياطي قوي
   أما بالنسبة لانخفاض مستوى معيشتهم المقدر بـ 2 بالمائة إلى 5 بالمائة سنويًا منذ 2014، تاريخ ضم القرم والعقوبات الغربية الأولى، فإن الدعاية التلفزيونية تتكفل بإلقاء المسؤولية على العدو الخارجي. مع التذكير بأن القوة الشرائية لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه في التسعينات، ويمكن تلخيص قدريّة الرأي العام، وهي مفيدة جدًا للسلطة، في صيغة: “المهم ألا تزداد سوءً. «
   سبب آخر يطرحه إينوزيمتسيف: القوة النسبية للاقتصاد الروسي، الذي يسمح له صندوق احتياطي ضخم (185 مليار دولار) من عائدات النفط بتمويل إجراءات التحفيز. في 2008 و2009، تم ضخ ما يعادل 13 فاصل 9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي من أجل الحفاظ على الأجور. وتمثل حصة المعاشات والمخصصات الآن 21 بالمائة من الدخل. نسبة لم تكن بهذا الارتفاع منذ نهاية الاتحاد السوفياتي.
  في مثل هذا السياق، يكون للعقوبات الغربية وزن ضئيل، صحيح أنها كلفت الاقتصاد 100 مليار دولار، ويدعي مروجوها أنهم يقوضون جهود التحديث في البلاد، هذا ممكن، لكن في الوقت الحالي لا يضر الجهاز الصناعي، والبطالة لم تنفجر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدين العام المنخفض للغاية يسمح للبنوك بإعادة التمويل بسهولة.
   أما بالنسبة للإجراءات الأكثر قسوة التي يُشار إليها أحيانًا، والتي تتمثل في فصل روسيا عن أنظمة الدفع الدولية، أو فرض حظر على صادراتها من النفط، فقد يتبيّن أنها غير واقعية، ولسبب بسيط: لا تستطيع أوروبا حاليًا الاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين.
    يبقى السؤال عن العقوبات المفروضة على الأوليغارشية وأصدقاء بوتين. سلاح يلوّح به الخصم أليكسي نافالني بانتظام. يعتقد إينوزيمتسيف، أنه يمكن أن يكون لها آثار عكسية حيث يحاول الكثير منهم إعادة رأس مالهم إلى الوطن. “يتم الآن استثمار حصة متزايدة من الدخل من الفساد في البلاد، ولم يعد المسؤولون السابقون يشترون القصور في فرنسا واليخوت، بل يشترون سلاسل المتاجر ومجمّعات المكاتب والمصانع والمطاعم في روسيا”. ان استهدافهم سيكون بمثابة ضرب للشركات الخاصة التي “ستستولي عليها الدولة أو المسؤولين الفاسدين بسرعة”. ففي حالة أركادي روتنبرغ وجينادي تيمشينكو، رجلي الأعمال الأقرب إلى بوتين، هناك قانون ينص على أن ميزانية الدولة تعوّض خسائرهما بالكامل.

التهديد بتقليل الهيدروكربونات
   ومع ذلك، فإن تكتيكات الضغط موجودة. يرى الخبير الاقتصادي تهديدًا معلقًا على روسيا: رغبة الغرب في الحد بشكل كبير من استخدام الهيدروكربونات. وإذا تأكد ذلك، فإنه يعرّض النظام الروسي للخطر، لأنه غير قادر على تحرير نفسه من اعتماده الحصري على النفط والغاز. “إن الجمع بين العلاقات السياسية الدافئة، والتنمية الاقتصادية الخضراء في الغرب، هو أخطر بكثير بالنسبة لموسكو من المواجهة المتصاعدة”. ومرورا، يحرص المؤلف على تذكيرنا بأنّ الاتحاد السوفياتي قاوم الحرب الباردة، لكنه انهار خلال فترة الانفراج ...
x