رئيس الدولة ونائباه يهنئون المحتفلين بعيد الميلاد في دولة الإمارات والعالم
يدعون إلى التعبئة الشاملة:
روسيا: هل طغى اليمين المتطرف على فلاديمير بوتين؟
-- يؤكد الإمبراطوريون على قوة الدولة الروسية وتوسعها الإقليمي، بينما يركز القوميون الإثنيون على الدفاع عن الروس
-- بالنسبة للقوميين، حان الوقت، لوضع حد لـ «العملية الخاصة» والانتقال إلى ««الحرب الشاملة»
-- الدعوة إلى «حرب شاملة» في أوكرانيا مشتركة بين الفرعين الأيديولوجيين الرئيسيين للقومية الروسية
-- منذ بدء غزو أوكرانيا، رحبوا باستعادة عظمة روسيا وتحرّرها تجاه الغرب
-- يطالب القوميون المتطرفون الروس بشكل متزايد بالتعبئة الشاملة
منذ بدء غزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022، أشار القادة الروس دائمًا إلى الحرب على أنها “عملية عسكرية خاصة”. لم تتم مراجعة هذا المبدأ بعد الخطاب الذي ألقاه فلاديمير بوتين في 21 سبتمبر، والذي أعلن فيه عن “تعبئة جزئية” وعبّر ضمنيّا لخصومه الغربيين عن استخدام الأسلحة النووية. تهدف صيغة “العملية الخاصة” هذه إلى التأكيد على الطبيعة المفترض أنها مؤقتة ومحدودة ومحددة للنزاع المسلح. على المستوى التصنيفي، ينبع الموقف من ضبابية -مقصودة-للحدود بين الحرب والسلام: إن وجود العقلانية الحربية لا يؤدي، في روسيا، إلى تفكيك نظام اجتماعي سلمي بشكل عام. ومع ذلك، فإن هذا الـ “ما بين بين” هو موضع تشكيك وتساؤل على نحو متزايد في روسيا.
بينما عارض بعض الروس الهجوم الذي تم شنه على أوكرانيا منذ البداية، واحتجوا علنًا على التعبئة التي تم فرضها مؤخرا، يعتقد آخرون، الواقعون جدًا على يمين الطيف السياسي، أن روسيا تكبح ضرباتها كثيرًا، ويدافعون عن المرور الى سرعة اعلى.
وفي مواجهة مقاومة شرسة من أوكرانيا، يطالب القوميون المتطرفون الروس بشكل متزايد بالتعبئة الشاملة، ودفن المدن الأوكرانية بالقنابل، وحتى باستخدام الأسلحة النووية. وبالتالي وضع الكرملين تحت ضغط متزايد باستمرار.
من يشكل أقصى اليمين
في روسيا اليوم؟
إذا لم يدعي أحد تقريبًا في روسيا أنه “يميني متطرف” بشكل علني، فهناك مع ذلك، على يمين نظام فلاديمير بوتين، “تحالف غير متجانس” حيث نجد خليطا من الأصوليين الأرثوذكس، وقوميين راديكاليين بنسب متفاوتة (من “الديموقراطيين الوطنيين” إلى النازيين الجدد)، وميليشيات تقول انها “وطنية”، ومدونون عسكريون ومحاربون قدامى من دونباس الذين يرأسهم إيغور جيركين، يدعى ستريلكوف، لفترة وجيزة “وزير دفاع” شعب دونيتسك التي اعلنت نفسها جمهورية عام 2014.
هذه الشريحة السياسية ليس لها تمثيل برلماني. لا شك أن الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة فلاديمير جيرينوفسكي (1946-2022) كان له موقف قومي متطرف في التسعينات، ولكن تم دمجه لاحقًا، إلى جانب الحزب الشيوعي، في نظام سلطوي بقيادة فلاديمير بوتين تحت عنوان “المعارضة النظامية”. ولكونه في خدمة الكرملين بالكامل، فقد الحزب الليبرالي الديمقراطي ثقة فاعلين(أكثر) راديكالية.
في نفس الوقت، تم حظر العديد من الحركات اليمينية المتطرفة التي اعتُبرت خطيرة أو شديدة العنف لسنوات بسبب “التطرف”، ولم يُسمح لأي حزب معارض قومي بالتسجيل رسميًا.
ومع ذلك، فإن وجود الناطقين باسم هذه الحركة في الفضاء الإعلامي الروسي، هو أمر يسمح به النظام، بل إنه يشجعه، عندما يتعلق الأمر بفاعلين موالين له.
باستثناء عدد قليل من الشخصيات المعارضة للحرب، مثل دميتري ديموشكين الزعيم السابق لحركة مناهضة الهجرة غير الشرعية، والمنظمة العرقية القومية روسكي (الروس)، تم حظرهم على التوالي 2011 و2015، هنّأ اليمين المتطرف الروسي، بالتناوب، منذ بدء غزو أوكرانيا، نفسه، هنّأ على استعادة عظمة روسيا وتحرّرها تجاه الغرب (وقيمه المعتبرة منحطة) وخصوصا الدفاع عن “العالم الروسي” بالسلاح في اليد.
ولئن رحب البعض منهم بالتعبئة الجزئية التي أصدرها فلاديمير بوتين لتوه، حتى أنهم رأوها “علامة على العناية الإلهية”، فإن العديد من هؤلاء المتطرفين أكدوا مع ذلك أن التعبئة جاءت متأخرة للغاية وغير كافية. كما أعربوا عن استيائهم الشديد من علمهم بالتبادل الأخير لأكثر من 200 سجين أوكراني من فوج آزوف مقابل حوالي 50 سجينًا محتجزًا من قبل كييف، من بينهم السياسي الأوكراني فيكتور ميدفيدشوك، المقرب جدًا من بوتين.
هذا التجمع المناصر للحرب، الذي يعتقد أن الكرملين متسامح مع الحكومة الأوكرانية، أصبح مسموعًا بشكل متزايد في روسيا اليوم. ومع ذلك، فقد قوبل إطلاق غزو أوكرانيا في فبراير 2022 بحماس كبير داخل دوائر اليمين المتطرف في روسيا ...
دعوات للحرب الشاملة
في الأسابيع الأولى من “العملية الخاصة”، اكتسب قادة الرأي الراديكالي حضورا وجمهورًا كبيرًا. لكن الحماس أفسح المجال تدريجياً لنفاد الصبر، وبصورة متزايدة إلى الغضب.
بعد انسحاب القوات المسلحة الروسية من محيط كييف نهاية مارس 2022، وتلته سلسلة من الإخفاقات العسكرية في مختلف مناطق الصراع، كانت القيادة العسكرية، بما في ذلك وزير الدفاع سيرغي شويغو، والقيادة السياسية الروسية، عرضة لانتقادات شديدة -انتقادات عززها انسحاب الجيوش الروسية في أوائل سبتمبر امام الهجوم المضاد الأوكراني. الآن، يحث الفاعلون القوميون الدولة الروسية على الذهاب أبعد وأقوى في أوكرانيا لتغيير نوع الحرب. لقد حان الوقت، حسب رأيهم، لوضع حد لـ “العملية الخاصة” والانتقال إلى “الحرب الشاملة».
إنه مفهوم لاستراتيجية عسكرية يعود أصله إلى كارل فون كلاوزفيتز “1780-1831”، الذي سبق ان تحدث عن “الحرب المطلقة”. ومع ذلك، فإن المصطلح تم التوصل إليه من قبل إريك لودندورف “1865-1937”، الجنرال الألماني، والرجل السياسي القومي، ومؤلف كتاب الحرب الشاملة (1935) ، قبل أن يتم استعادته من قبل الفقيه القانوني والدستوري والفيلسوف كارل شميت “1888-1985” ، القريب من الرايخ الثالث”1933-1945».
يفترض هذا المفهوم للحرب مشاركة المجتمع ككل، وليس الجيش فقط، لأن الحرب تعتبر أزمة وجودية جماعية. يجب أن تخدم جميع الوسائل المتاحة القضية الحربية من أجل تحقيق النصر النهائي... “كل شيء للجبهة! كل شيء من أجل الفوز! “، كما لخصه الشعار السوفياتي الذي رُفع للتعبئة في يونيو 1941 واستعادته اليوم وسائل الإعلام الروسية ذات النزوع القومي.
في الممارسة العملية، يعني هذا إقامة الأحكام العرفية، والتعبئة العامة، وإعادة توجيه الإنتاج مما يؤدي إلى اقتصاد الحرب، ولكن أيضًا “إضفاء طابع العنف” على المجتمع من خلال عدم احترام قانون الحرب وتجريد العدو من إنسانيته.
نظريتان قوميتان روسيتان لهما تطلعات متقاربة
إن الدعوة إلى “حرب شاملة” في أوكرانيا مشتركة بين فرعين أيديولوجيين رئيسيين للقومية الروسية. الفرع الأول نزوعه إمبراطوري. إنه يسلط الضوء على عظمة الدولة الروسية في مواجهة العالم الخارجي (اقرأ: الغربي) ويريد أن تمارس هذه الدولة هيمنتها على الفضاءات والشعوب المتنوعة، السلاف أم لا. ويتم تعريف روسيا بعد ذلك على أنها كيان إمبراطوري مكرس لتوسيع حدودها في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق.
الفرع الثاني، يتمحور حول العرق، يهتم قبل كل شيء بمصالح الشعب الروسي، التي تُفهم بالمعنى الإثني للمصطلح، سواء في روسيا أو في الخارج. ويطمح هذا الفرع إلى تحويل الاتحاد الروسي، الذي يُعتبر “متعدد الجنسيات للغاية”، إلى دولة وطنية روسية. وسيكون أحد المفاتيح هو النزعة الوحدوية، ويفضل أن تكون سلمية ولكن أيضًا عدوانية إذا لزم الأمر.
يميل هذان المنطقان القوميان إلى التقارب في سياق الحرب في أوكرانيا. يحتوي الموقف الحالي لروسيا تجاه الدولة المجاورة على عنصر إمبراطوري وعرقي، اعتمادًا على المعنى الذي تعطيه الجهات القومية المختلفة لغزو أوكرانيا: يؤكد الإمبراطوريون على قوة الدولة الروسية وتوسعها الإقليمي، بينما يركز القوميون الإثنيون بشأن الدفاع عن الروس (أو الأوكرانيين الناطقين بالروسية) كجماعة عرقية أو ثقافية.
وهكذا، فإن ألكسندر بروخانوف، المنظر الإمبراطوري منذ فترة طويلة ورئيس مركز الفكر المحافظ جدا و”الوطني” نادي إيزبورسك، الذي تم تأسيسه عام 2012 وتمويله بعد ذلك من قبل إدارة الرئيس بوتين ، يدعو إلى “تحويل الحرب العادية إلى حرب شعبية ، حرب مقدسة للدفاع عن وجود الشعب الروسي والأراضي الروسية”. وهو بذلك يستدعي تعبئة شعبية مماثلة لتلك التي حدثت خلال حملة نابليون على روسيا (التي سميت بالروسية “الحرب الوطنية لعام 1812”) وفي زمن “الحرب الوطنية العظمى” “1941-1945”، وفقًا للمصطلحات الرسمية السوفياتية ثم الروسية.
هو أيضا عضو في نادي إيزبورسك، ألكسندر دوجين، داعية “الإمبراطورية الأوراسية” التي يعتبرها “قطب مقاومة” للهيمنة الأطلسية للولايات المتحدة، والذي وجد نفسه في قلب الأخبار الشهر الماضي بعد الانفجار الذي أودى بحياة ابنته داريا، يرى في 19 سبتمبر “نهاية العملية الخاصة” وبداية حرب “حقيقية”. ويختم نصه بدعوة: “كل شيء يجب أن يخضع للحرب مع الغرب” -هذا الغرب الذي، حسب رأيه، سيستخدم أوكرانيا كأداة لتدمير روسيا.
يتفق اندريه تكاتشيف، كاهن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ومقدم برامج على قناة تسارجراد، القناة التليفزيونية للقومي-الملكي كونستانتين مالوفيف، يضيف في اتجاه منطق دوجين. ففي خطاب ألقاه باللغة الأوكرانية، ذهب إلى حد دعوة الشعبين الروسي والأوكراني لتوحيد قواهما لمحاربة نفس العدو المشترك: الولايات المتحدة.
في المقابل، بالنسبة للقوميين العرقيين الذين ينتقدون نظام بوتين، فإن العدو قبل كل شيء قومي: إنهم الأوكرانيون وهويتهم، التي تُفهم على أنها “إنكار للروسية”. ولهذا السبب يصر ألكسندر سيفاستيانوف، أحد المخضرمين في المعارضة القومية، على أن الحرب في أوكرانيا هي “معارضة مباشرة للمشروع الأوكراني لكل شيء روسي”، وتمثل بالنسبة لروسيا “تحدي القرن”. ويخلص إلى أنه بما أن الشعب الأوكراني وسلطته “تحركهما كراهية عميقة” تجاه الروس، فإن “نزع النازية عن أوكرانيا وإعادة روسيتها يشكلان المهمة الأكثر إلحاحًا».
وعلى الرغم من هذه الاختلافات في التفسير، تتلاقى أهداف المعسكرين: يجب أن تتحد الجبهة الامامية والخلفية من أجل الفوز بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني القضاء على أوكرانيا، إذا لزم الأمر باستخدام الترسانة النووية. “إذا كان علينا الاختيار بين انتصار أوكراني وحرب نووية عالمية، فالحرب النووية هي الأفضل”، يلخص إيغور خولموغوروف، الصحفي القومي الإمبراطوريي في تسارجراد وروسيا اليوم، الذي عمل فترة طويلة كوسيط بين القوميين الموالين للكرملين والقوميين المعارضين. لأنه، على حد تعبير الناشط العرقي ألكسندر خراموف، إذا فازت أوكرانيا المدعومة من الغرب بهذه الحرب، فإن روسيا ستتمزق الى “عدد كبير من الدول الصغيرة”، وسيباد الشعب الروسي.
وتدعو هذه الجهات، التي انعشتها الحرب وأثارت حماسها، إلى “تطهير” فعال، وليس مجرد إعلان للمجتمع الروسي. أهدافهم: أعضاء النخب الاقتصادية أو الفكرية أو السياسية التي تعتبر “كومبرادور” و “انهزامية” بسبب ارتباطهم بالغرب والأصول التي يمتلكونها هناك. ويذهب البعض، مثل ألكسندر جوشكوفسكي، الناشط القومي والفاعل الانفصالي في شرق أوكرانيا منذ عام 2014، إلى حد المطالبة بإنشاء أوبريتشنينا جديدة، وهو مصطلح روسي يشير إلى نظام الإرهاب الذي أدخله إيفان الرهيب في القرن السادس عشر.
الكرملين تحت الضغط
إدراكًا منهم للتكلفة الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة للحرب، سعى القادة الروس إلى تقليلها قدر الإمكان. ولتجنب إعلان التعبئة العامة، اعتمدوا حتى وقت قريب على القوات المسلحة النظامية، بدعم من مقاتلين متطوعين ومرتزقة من مجموعة فاغنر، المجندين بشكل خاص من السجون. لذلك لطالما كان الكرملين مترددًا في تبني البرنامج المتطرف لمؤيدي حرب “الشعب” أو “الوطنية” أو “المقدسة”، خوفًا من أن تهدد التعبئة القومية سلطة السلطة.
ومع ذلك، فقد تغيّر السياق بشكل كبير منذ عام 2014، عندما تجاهل النظام الروسي دعوات القوميين المتطرفين لضم شرق أوكرانيا، ولكن أيضًا إلى حد كبير بقمع النشطاء القوميين الصاخبين داخل البلاد. اليوم، تعمل روسيا بشكل علني كدولة معتدية، ويسهم إشاعتها للحرب في إعادة تشكيل النظام العالمي. ان حجم غزو أوكرانيا ودوامة العنف التي ولّدها يجبران نظام بوتين على الاستسلام لأكثر الأصوات راديكالية، وبالتالي الشروع في “قومية” الحرب.
إن إجراء استفتاءات حول الضم إلى روسيا في نهاية سبتمبر 2022، والتعبئة “الجزئية” لـ 300 ألف جندي احتياطي في سن القتال، والخطاب الذي استخدمه فلاديمير بوتين في كلمة 21 سبتمبر، القريب جدًا من خطاب القوميين، يمكن النظر إليها في ضوء هذا.
من هنا، السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان كل هذا سيسمح للكرملين بتوجيه الحماسة المتزايدة للحرب وتأطيرها. بالنظر الى شدة وتطرف تصريحات العديد من الكنائس التابعة لليمين الروسي المتطرف، يجوز التشكيك في ذلك: مهما كانت نتيجة الحرب في أوكرانيا، فإن الضغط القومي يخاطر بأن يصبح تهديدًا خطيرًا ودائمًا للاستقرار الداخلي لروسيا.
* باحث في مركز ريموند آرون للدراسات الاجتماعية والسياسية “مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية”، ودكتور في العلوم السياسية مشارك بمركز أبحاث أوروبا -أوراسيا التابع للمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية.
-- بالنسبة للقوميين، حان الوقت، لوضع حد لـ «العملية الخاصة» والانتقال إلى ««الحرب الشاملة»
-- الدعوة إلى «حرب شاملة» في أوكرانيا مشتركة بين الفرعين الأيديولوجيين الرئيسيين للقومية الروسية
-- منذ بدء غزو أوكرانيا، رحبوا باستعادة عظمة روسيا وتحرّرها تجاه الغرب
-- يطالب القوميون المتطرفون الروس بشكل متزايد بالتعبئة الشاملة
منذ بدء غزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022، أشار القادة الروس دائمًا إلى الحرب على أنها “عملية عسكرية خاصة”. لم تتم مراجعة هذا المبدأ بعد الخطاب الذي ألقاه فلاديمير بوتين في 21 سبتمبر، والذي أعلن فيه عن “تعبئة جزئية” وعبّر ضمنيّا لخصومه الغربيين عن استخدام الأسلحة النووية. تهدف صيغة “العملية الخاصة” هذه إلى التأكيد على الطبيعة المفترض أنها مؤقتة ومحدودة ومحددة للنزاع المسلح. على المستوى التصنيفي، ينبع الموقف من ضبابية -مقصودة-للحدود بين الحرب والسلام: إن وجود العقلانية الحربية لا يؤدي، في روسيا، إلى تفكيك نظام اجتماعي سلمي بشكل عام. ومع ذلك، فإن هذا الـ “ما بين بين” هو موضع تشكيك وتساؤل على نحو متزايد في روسيا.
بينما عارض بعض الروس الهجوم الذي تم شنه على أوكرانيا منذ البداية، واحتجوا علنًا على التعبئة التي تم فرضها مؤخرا، يعتقد آخرون، الواقعون جدًا على يمين الطيف السياسي، أن روسيا تكبح ضرباتها كثيرًا، ويدافعون عن المرور الى سرعة اعلى.
وفي مواجهة مقاومة شرسة من أوكرانيا، يطالب القوميون المتطرفون الروس بشكل متزايد بالتعبئة الشاملة، ودفن المدن الأوكرانية بالقنابل، وحتى باستخدام الأسلحة النووية. وبالتالي وضع الكرملين تحت ضغط متزايد باستمرار.
من يشكل أقصى اليمين
في روسيا اليوم؟
إذا لم يدعي أحد تقريبًا في روسيا أنه “يميني متطرف” بشكل علني، فهناك مع ذلك، على يمين نظام فلاديمير بوتين، “تحالف غير متجانس” حيث نجد خليطا من الأصوليين الأرثوذكس، وقوميين راديكاليين بنسب متفاوتة (من “الديموقراطيين الوطنيين” إلى النازيين الجدد)، وميليشيات تقول انها “وطنية”، ومدونون عسكريون ومحاربون قدامى من دونباس الذين يرأسهم إيغور جيركين، يدعى ستريلكوف، لفترة وجيزة “وزير دفاع” شعب دونيتسك التي اعلنت نفسها جمهورية عام 2014.
هذه الشريحة السياسية ليس لها تمثيل برلماني. لا شك أن الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة فلاديمير جيرينوفسكي (1946-2022) كان له موقف قومي متطرف في التسعينات، ولكن تم دمجه لاحقًا، إلى جانب الحزب الشيوعي، في نظام سلطوي بقيادة فلاديمير بوتين تحت عنوان “المعارضة النظامية”. ولكونه في خدمة الكرملين بالكامل، فقد الحزب الليبرالي الديمقراطي ثقة فاعلين(أكثر) راديكالية.
في نفس الوقت، تم حظر العديد من الحركات اليمينية المتطرفة التي اعتُبرت خطيرة أو شديدة العنف لسنوات بسبب “التطرف”، ولم يُسمح لأي حزب معارض قومي بالتسجيل رسميًا.
ومع ذلك، فإن وجود الناطقين باسم هذه الحركة في الفضاء الإعلامي الروسي، هو أمر يسمح به النظام، بل إنه يشجعه، عندما يتعلق الأمر بفاعلين موالين له.
باستثناء عدد قليل من الشخصيات المعارضة للحرب، مثل دميتري ديموشكين الزعيم السابق لحركة مناهضة الهجرة غير الشرعية، والمنظمة العرقية القومية روسكي (الروس)، تم حظرهم على التوالي 2011 و2015، هنّأ اليمين المتطرف الروسي، بالتناوب، منذ بدء غزو أوكرانيا، نفسه، هنّأ على استعادة عظمة روسيا وتحرّرها تجاه الغرب (وقيمه المعتبرة منحطة) وخصوصا الدفاع عن “العالم الروسي” بالسلاح في اليد.
ولئن رحب البعض منهم بالتعبئة الجزئية التي أصدرها فلاديمير بوتين لتوه، حتى أنهم رأوها “علامة على العناية الإلهية”، فإن العديد من هؤلاء المتطرفين أكدوا مع ذلك أن التعبئة جاءت متأخرة للغاية وغير كافية. كما أعربوا عن استيائهم الشديد من علمهم بالتبادل الأخير لأكثر من 200 سجين أوكراني من فوج آزوف مقابل حوالي 50 سجينًا محتجزًا من قبل كييف، من بينهم السياسي الأوكراني فيكتور ميدفيدشوك، المقرب جدًا من بوتين.
هذا التجمع المناصر للحرب، الذي يعتقد أن الكرملين متسامح مع الحكومة الأوكرانية، أصبح مسموعًا بشكل متزايد في روسيا اليوم. ومع ذلك، فقد قوبل إطلاق غزو أوكرانيا في فبراير 2022 بحماس كبير داخل دوائر اليمين المتطرف في روسيا ...
دعوات للحرب الشاملة
في الأسابيع الأولى من “العملية الخاصة”، اكتسب قادة الرأي الراديكالي حضورا وجمهورًا كبيرًا. لكن الحماس أفسح المجال تدريجياً لنفاد الصبر، وبصورة متزايدة إلى الغضب.
بعد انسحاب القوات المسلحة الروسية من محيط كييف نهاية مارس 2022، وتلته سلسلة من الإخفاقات العسكرية في مختلف مناطق الصراع، كانت القيادة العسكرية، بما في ذلك وزير الدفاع سيرغي شويغو، والقيادة السياسية الروسية، عرضة لانتقادات شديدة -انتقادات عززها انسحاب الجيوش الروسية في أوائل سبتمبر امام الهجوم المضاد الأوكراني. الآن، يحث الفاعلون القوميون الدولة الروسية على الذهاب أبعد وأقوى في أوكرانيا لتغيير نوع الحرب. لقد حان الوقت، حسب رأيهم، لوضع حد لـ “العملية الخاصة” والانتقال إلى “الحرب الشاملة».
إنه مفهوم لاستراتيجية عسكرية يعود أصله إلى كارل فون كلاوزفيتز “1780-1831”، الذي سبق ان تحدث عن “الحرب المطلقة”. ومع ذلك، فإن المصطلح تم التوصل إليه من قبل إريك لودندورف “1865-1937”، الجنرال الألماني، والرجل السياسي القومي، ومؤلف كتاب الحرب الشاملة (1935) ، قبل أن يتم استعادته من قبل الفقيه القانوني والدستوري والفيلسوف كارل شميت “1888-1985” ، القريب من الرايخ الثالث”1933-1945».
يفترض هذا المفهوم للحرب مشاركة المجتمع ككل، وليس الجيش فقط، لأن الحرب تعتبر أزمة وجودية جماعية. يجب أن تخدم جميع الوسائل المتاحة القضية الحربية من أجل تحقيق النصر النهائي... “كل شيء للجبهة! كل شيء من أجل الفوز! “، كما لخصه الشعار السوفياتي الذي رُفع للتعبئة في يونيو 1941 واستعادته اليوم وسائل الإعلام الروسية ذات النزوع القومي.
في الممارسة العملية، يعني هذا إقامة الأحكام العرفية، والتعبئة العامة، وإعادة توجيه الإنتاج مما يؤدي إلى اقتصاد الحرب، ولكن أيضًا “إضفاء طابع العنف” على المجتمع من خلال عدم احترام قانون الحرب وتجريد العدو من إنسانيته.
نظريتان قوميتان روسيتان لهما تطلعات متقاربة
إن الدعوة إلى “حرب شاملة” في أوكرانيا مشتركة بين فرعين أيديولوجيين رئيسيين للقومية الروسية. الفرع الأول نزوعه إمبراطوري. إنه يسلط الضوء على عظمة الدولة الروسية في مواجهة العالم الخارجي (اقرأ: الغربي) ويريد أن تمارس هذه الدولة هيمنتها على الفضاءات والشعوب المتنوعة، السلاف أم لا. ويتم تعريف روسيا بعد ذلك على أنها كيان إمبراطوري مكرس لتوسيع حدودها في فضاء الاتحاد السوفياتي السابق.
الفرع الثاني، يتمحور حول العرق، يهتم قبل كل شيء بمصالح الشعب الروسي، التي تُفهم بالمعنى الإثني للمصطلح، سواء في روسيا أو في الخارج. ويطمح هذا الفرع إلى تحويل الاتحاد الروسي، الذي يُعتبر “متعدد الجنسيات للغاية”، إلى دولة وطنية روسية. وسيكون أحد المفاتيح هو النزعة الوحدوية، ويفضل أن تكون سلمية ولكن أيضًا عدوانية إذا لزم الأمر.
يميل هذان المنطقان القوميان إلى التقارب في سياق الحرب في أوكرانيا. يحتوي الموقف الحالي لروسيا تجاه الدولة المجاورة على عنصر إمبراطوري وعرقي، اعتمادًا على المعنى الذي تعطيه الجهات القومية المختلفة لغزو أوكرانيا: يؤكد الإمبراطوريون على قوة الدولة الروسية وتوسعها الإقليمي، بينما يركز القوميون الإثنيون بشأن الدفاع عن الروس (أو الأوكرانيين الناطقين بالروسية) كجماعة عرقية أو ثقافية.
وهكذا، فإن ألكسندر بروخانوف، المنظر الإمبراطوري منذ فترة طويلة ورئيس مركز الفكر المحافظ جدا و”الوطني” نادي إيزبورسك، الذي تم تأسيسه عام 2012 وتمويله بعد ذلك من قبل إدارة الرئيس بوتين ، يدعو إلى “تحويل الحرب العادية إلى حرب شعبية ، حرب مقدسة للدفاع عن وجود الشعب الروسي والأراضي الروسية”. وهو بذلك يستدعي تعبئة شعبية مماثلة لتلك التي حدثت خلال حملة نابليون على روسيا (التي سميت بالروسية “الحرب الوطنية لعام 1812”) وفي زمن “الحرب الوطنية العظمى” “1941-1945”، وفقًا للمصطلحات الرسمية السوفياتية ثم الروسية.
هو أيضا عضو في نادي إيزبورسك، ألكسندر دوجين، داعية “الإمبراطورية الأوراسية” التي يعتبرها “قطب مقاومة” للهيمنة الأطلسية للولايات المتحدة، والذي وجد نفسه في قلب الأخبار الشهر الماضي بعد الانفجار الذي أودى بحياة ابنته داريا، يرى في 19 سبتمبر “نهاية العملية الخاصة” وبداية حرب “حقيقية”. ويختم نصه بدعوة: “كل شيء يجب أن يخضع للحرب مع الغرب” -هذا الغرب الذي، حسب رأيه، سيستخدم أوكرانيا كأداة لتدمير روسيا.
يتفق اندريه تكاتشيف، كاهن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ومقدم برامج على قناة تسارجراد، القناة التليفزيونية للقومي-الملكي كونستانتين مالوفيف، يضيف في اتجاه منطق دوجين. ففي خطاب ألقاه باللغة الأوكرانية، ذهب إلى حد دعوة الشعبين الروسي والأوكراني لتوحيد قواهما لمحاربة نفس العدو المشترك: الولايات المتحدة.
في المقابل، بالنسبة للقوميين العرقيين الذين ينتقدون نظام بوتين، فإن العدو قبل كل شيء قومي: إنهم الأوكرانيون وهويتهم، التي تُفهم على أنها “إنكار للروسية”. ولهذا السبب يصر ألكسندر سيفاستيانوف، أحد المخضرمين في المعارضة القومية، على أن الحرب في أوكرانيا هي “معارضة مباشرة للمشروع الأوكراني لكل شيء روسي”، وتمثل بالنسبة لروسيا “تحدي القرن”. ويخلص إلى أنه بما أن الشعب الأوكراني وسلطته “تحركهما كراهية عميقة” تجاه الروس، فإن “نزع النازية عن أوكرانيا وإعادة روسيتها يشكلان المهمة الأكثر إلحاحًا».
وعلى الرغم من هذه الاختلافات في التفسير، تتلاقى أهداف المعسكرين: يجب أن تتحد الجبهة الامامية والخلفية من أجل الفوز بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني القضاء على أوكرانيا، إذا لزم الأمر باستخدام الترسانة النووية. “إذا كان علينا الاختيار بين انتصار أوكراني وحرب نووية عالمية، فالحرب النووية هي الأفضل”، يلخص إيغور خولموغوروف، الصحفي القومي الإمبراطوريي في تسارجراد وروسيا اليوم، الذي عمل فترة طويلة كوسيط بين القوميين الموالين للكرملين والقوميين المعارضين. لأنه، على حد تعبير الناشط العرقي ألكسندر خراموف، إذا فازت أوكرانيا المدعومة من الغرب بهذه الحرب، فإن روسيا ستتمزق الى “عدد كبير من الدول الصغيرة”، وسيباد الشعب الروسي.
وتدعو هذه الجهات، التي انعشتها الحرب وأثارت حماسها، إلى “تطهير” فعال، وليس مجرد إعلان للمجتمع الروسي. أهدافهم: أعضاء النخب الاقتصادية أو الفكرية أو السياسية التي تعتبر “كومبرادور” و “انهزامية” بسبب ارتباطهم بالغرب والأصول التي يمتلكونها هناك. ويذهب البعض، مثل ألكسندر جوشكوفسكي، الناشط القومي والفاعل الانفصالي في شرق أوكرانيا منذ عام 2014، إلى حد المطالبة بإنشاء أوبريتشنينا جديدة، وهو مصطلح روسي يشير إلى نظام الإرهاب الذي أدخله إيفان الرهيب في القرن السادس عشر.
الكرملين تحت الضغط
إدراكًا منهم للتكلفة الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة للحرب، سعى القادة الروس إلى تقليلها قدر الإمكان. ولتجنب إعلان التعبئة العامة، اعتمدوا حتى وقت قريب على القوات المسلحة النظامية، بدعم من مقاتلين متطوعين ومرتزقة من مجموعة فاغنر، المجندين بشكل خاص من السجون. لذلك لطالما كان الكرملين مترددًا في تبني البرنامج المتطرف لمؤيدي حرب “الشعب” أو “الوطنية” أو “المقدسة”، خوفًا من أن تهدد التعبئة القومية سلطة السلطة.
ومع ذلك، فقد تغيّر السياق بشكل كبير منذ عام 2014، عندما تجاهل النظام الروسي دعوات القوميين المتطرفين لضم شرق أوكرانيا، ولكن أيضًا إلى حد كبير بقمع النشطاء القوميين الصاخبين داخل البلاد. اليوم، تعمل روسيا بشكل علني كدولة معتدية، ويسهم إشاعتها للحرب في إعادة تشكيل النظام العالمي. ان حجم غزو أوكرانيا ودوامة العنف التي ولّدها يجبران نظام بوتين على الاستسلام لأكثر الأصوات راديكالية، وبالتالي الشروع في “قومية” الحرب.
إن إجراء استفتاءات حول الضم إلى روسيا في نهاية سبتمبر 2022، والتعبئة “الجزئية” لـ 300 ألف جندي احتياطي في سن القتال، والخطاب الذي استخدمه فلاديمير بوتين في كلمة 21 سبتمبر، القريب جدًا من خطاب القوميين، يمكن النظر إليها في ضوء هذا.
من هنا، السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان كل هذا سيسمح للكرملين بتوجيه الحماسة المتزايدة للحرب وتأطيرها. بالنظر الى شدة وتطرف تصريحات العديد من الكنائس التابعة لليمين الروسي المتطرف، يجوز التشكيك في ذلك: مهما كانت نتيجة الحرب في أوكرانيا، فإن الضغط القومي يخاطر بأن يصبح تهديدًا خطيرًا ودائمًا للاستقرار الداخلي لروسيا.
* باحث في مركز ريموند آرون للدراسات الاجتماعية والسياسية “مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية”، ودكتور في العلوم السياسية مشارك بمركز أبحاث أوروبا -أوراسيا التابع للمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية.